الخرطوم ، عماد حسن - ووكالات:
عادت بعد ظهر أمس أعمال الشغب بشدة في كل مناطق الخرطوم، بعد ليلة من الهدوء الحذر أعقبت نهار أول أمس الذي شهد أعمال تخريب ونهب وقتل، قالت مصادر طبية إن نحو ستة وأربعين سقطوا فيها قتلى، عدا عن نحو ثلاثمائة سقطوا جرحى، فيما قال شهود إن القتلى يزيدون على المائة. وقد استخدمت أجهزة الأمن والقوات المسلحة مروحيات في محاولة السيطرة على الأوضاع أمس، فيما أفيد أن أعمال الكر والفر بين جنوبيين وشماليين في العاصمة انعكست أمس، حيث إن شماليين قاموا بمهاجمة الجنوبيين، وقد اضطر الجيش السوداني أمس إلى خوض اشتباكات عنيفة، فيما رصدت “الخليج” حكايات وقصصا مرعبة رواها أقارب ضحايا، ودلت على تأزم حاد في المشهد، ويبعث على تجدد مخاوف واسعة من نشوب حالة من القتال الأهلي، بعد رحيل الزعيم الجنوبي الأبرز جون قرنق.
وأفيد أمس أن أعمال الشغب عادت شديدة بعد ظهر أمس في كل مناطق الخرطوم، ودفع الجيش بقوات إضافية إلى الشوارع، وخصوصا في منطقة الحاج يوسف وجبرة والكلاكلة وامبدة وود البشير وفي السوق الشعبي في أم درمان، حيث اضطر الجيش إلى إحضار دبابة لتفريق الناس. وشهدت منطقة قريبة من معسكري ود البشير والمويلح اشتباكات عنيفة، وكان لافتا أن الهجوم تقوده هذه المرة مجموعات من الشماليين.
وقامت الشرطة المسلحة والمروحيات العسكرية بدوريات في الخرطوم أمس، حيث استمرت أعمال الشغب التي اندلعت بعد مصرع جون قرنق، والتي أفادت مصادر متضاربة أنها أسفرت عن مقتل 46 أو 63 شخصا على الأقل، وإصابة مئات آخرين.
وبدا أن هجمات أمس كانت انتقاما من شبان عرب من العنف الذي اندلع الاثنين، والذي قام فيه آلاف من الشباب، ومعظمهم من السودانيين الجنوبيين الأفارقة، بحرق سيارات وتحطيم نوافذ المحال وإلقاء الحجارة على المارة من السودانيين العرب.
وقال شهود إن الشرطة دخلت المنطقة، وأمكن رؤية طائرات هليكوبتر تحلق فوق المنطقة، وقد نشرت السلطات السودانية عربات مدرعة عند النقاط الاستراتيجية في العاصمة.
وكان آلاف الجنوبيين قد انتشروا في شوارع الخرطوم، ملوحين بالسكاكين والقضبان ونهبوا بعض المتاجر وأشعلوا حرائق واشتبكوا مع الشرطة، وقد أفيد أن بعض الجنوبيين الذين شكوا طويلا من أن حكومة الخرطوم تنتهج سياسة تمييز ضدهم يخشون أن يضعف موقفهم مجددا بعد غياب قرنق.
وقد بدت الخرطوم أمس شبه مهجورة، وخيم هدوء حذر سوى من أصوات سيارات الإسعاف، وفيما انتشرت القوات النظامية في كل مكان، عاد الشغب بشكل محدود في منطقتي الكلاكلة جنوبي الخرطوم والفتيجاب جنوبي أم درمان، والحاج يوسف شرقي الخرطوم بحري، وعلى الرغم من عدم إعلان الحكومة لأية عطلة رسمية، إلا أن المؤسسات والهيئات والأسواق بدت خالية سوى من رجال الشرطة والجيش.
وقال جهاز الأمن الوطني إنه تمكن من استرداد عربات وأجهزة وكميات كبيرة من مبالغ تم نهبها خلال أعمال الشغب، ونقل عن مصدر مطلع أن قوة أمنية تمكنت من استرداد عربات تخص شركة للسيارات وأجهزة كهربائية عديدة تم نهبها من المحلات التجارية والشركات في أثناء عمليات الشغب التي شهدتها الولاية. وأفاد أن السلطات المختصة اتخذت إجراءات عديدة تجاه متهمين ضبطت في حوزتهم المعروضات، وقال إن إجراءات التحري مازالت مستمرة لاسترداد بقية المسروقات.
وفي الكلاكلة التي تعد من أكثر الأحياء الشعبية كثافة، وتتمركز فيها قوات دفاع السودان بزعامة القائد فاولينو ماتيب، قال شاهد ل”الخليج” إن حالة توتر وهيجان أصابت الجميع، والكل يحمل سلاحاً أبيض أو ناريا ويقف أمام منزله. وأضاف إنهم قضوا الليلة قبل الماضية ساهرين يجوبون في الشوارع التي تطل عليها منازلهم، وأن قوات فاولينو ساهمت في الدفاع عن الشماليين في تلك المنطقة، واستخدمت سياراتها في نقل الطلاب والنساء إلى منازلهم في منطقة الإسكان التي تعتبر قاعدة لتلك القوات.
وفي الحاج يوسف، قال شهود عيان إن الأمر أصبح “كرا وفرا” حسب تعبير صاحب بقالة تحدث ل”الخليج”، وقال أحمد الريح إن الجميع يتسلحون وما إن يطاردوا المعتدين حتى يبلغوا منطقة الشقلة تقف القوات النظامية مانعا، وبعد مدة يعودون مرة أخرى.
وفي أم درمان، لجأت القوات النظامية إلى تفريق وسطها من الناس، وظلوا يطلبون منهم مغادرة المواقع، والذهاب إلى منازلهم، بينما تردد أن منطقة الفتيحات شهدت أعمال شغب، لكن القوات فرقتهم. وما إن تهاتف أحدهم إلا ويحكي قصة مروعة وقعت في منطقته، تتلخص جميعها في الهجوم على المنازل وسلبها وضرب ساكنيها.
وحتى نهار أمس، توقعت الإحصاءات الرسمية عدد القتلى والجرحى 336 شخصا، بينهم 46 قتيلا. لكن شهود عيان كثيرين قالوا إن أعداد القتلى تجاوزت المائة على أقل تقدير، وقال مراسل لصحيفة عربية راح شقيقه ضحية ل”الخليج” إن أسرته تعرفت الى فقيدها الذي لقي مصرعه نتيجة الضرب الشديد، وهو أستاذ في جامعة أم درمان الإسلامية في المشرحة من بين عشرات الجثث، كما لقي صيدلي حتفه وهو يهم بعبور الشارع.
وخارج الخرطوم، شهدت مدينة ود مدني حوادث متفرقة بين أفراد من قوات الشرطة ومواطنين جنوبيين.