شكلت الظروف التي أحاطت بتحطم المروحية الرئاسية الأوغندية ، والتي توفي على إثرها الدكتور جون قرنق ، عشية السبت 30/7/2005 أول اختبار جدي لمدى تماسك طرفي الشراكة السياسية ( المؤتمر الوطني – الحركة الشعبية ) ومقدرتهما على دفع وقف الاقتتال في جنوب البلاد ، باعتباره المنجز الجوهري في الاتفاق بينهما ، باتجاه كل ما يعزز الثقة ويحفز التفاعل الإيجابي والاندماج الوطني بين شمال البلاد وجنوبها بعد ما يقارب نصف قرن من القتال وعدم الاستقرار .

فقد أودى الفراغ الأمني الذي عاشته العاصمة الخرطوم والعديد من المدن ، على خلاف عادة النظام ، والناجم عن عدم الوضوح والتلكؤ منقطع النظير الذي أبداه طرفي الشراكة في التعامل مع تطور الأحداث وضبابية الحديث عن أسباب وزمان ومكان الوفاة .. أدى كل ذلك إلى تحول صدمة الحزن التي خيمت أجوائها وسط المواطنين إلى مناخ مواتٍ لنشر الشائعات والتكهنات والتقديرات الخاصة ومع غياب كامل لدولة الشراكة ، في شكل خطة واضحة وإجراءات عملية لامتصاص أي ردود فعل سالبة تخرج الإحساس بالفقد أو الحزن عن مداه الطبيعي ، انفتح الباب على مصراعيه لموجات من العنف وحملات للنهب التي طالت الأبرياء ، أرواحاً وممتلكات ، ومع الفعل ورد الفعل تعرض التعايش السلمي والنسيج الاجتماعي إلى هزة عنيفة وشرخ يكاد يفوق ما خلفته سنوات المواجهة وعدم الاستقرار .

وإن تخلت ، على ضوء صيغة الشراكة ، قوى التصعيد والتصعيد المضاد عن خيار الحرب والحل العسكري ، فإن المكسب من ذلك هو انتصار خيار الحل السلمي والسلام الشامل العادل في مقابل انهزام قوى وخيار الحرب ، ونحن إذ ننقل مواساتنا لأسر الشهداء ولكل المتضررين الأبرياء من تلك الأحداث المأساوية ، وإذ نؤكد مسئولية حكومة الشراكة الثنائية ومن تناغم معهما عن الأرواح التي أزهقت والدماء الغزيرة التي أريقت وممتلكات المواطنين التي دمرت ، فإننا في نفس الوقت نؤكد إدانتنا لكل أعمال وجرائم العنف التي ارتكبت بحق الأبرياء ونؤكد مشروعية الدفاع عن النفس لا سيما في غياب أو هروب وتخلي أجهزة الدولة النظامية عن القيام بواجبها في حماية أرواح وممتلكات المواطنين .

وإذ نحذر من نذر الفتنة التي تكاد تطيح بوحدة شعبنا سواء بسبب غياب الدولة المشار إليه أو بخطابات التعبئة في هذا الاتجاه الظاهر منها أو المستتر من هذا الطرف أو ذاك من أطراف نظام الشراكة الحاكم وغيرهم ، فإننا نؤكد أن إيماننا بوحدة القطر يدعونا لأن نطرح المهام التالية على قوى السلام والديمقراطية على امتداد بلادنا :-

استعادة قوى السلام والديمقراطية ، المستقلة وطنياً ، زمام المبادرة لتحويل وقف إطلاق النار لسلام شامل وعادل .

جعل الإرادة الوطنية سيدة اتخاذ القرار الوطني الذي يؤمن السلام ويصون الوحدة ويدافع عن المصالح والقيم العليا لشعبنا .

أن تنتزع حقها في العمل السياسي بدون وصاية أو انتقاص .

أن تسد الطريق أمام محاولات الفتنة الساعية لحرف مجرى الصراع السياسي والاجتماعي في بلادنا إلى صراع جهوي / عنصري ، شمالي / جنوبي ، جنوبي / جنوبي وامتصاص الاحتقان المتولد من الفعل ورد الفعل الذي رافق الأحداث الأخيرة .