في حشد جماهيري نادر اكتظت به «الساحة الخضراء» في الخرطوم واتسم بمشاركة ضعيفة من قبل السودانيين الشماليين رحب آلاف المواطنين من جنوب السودان بقادة الحركة الشعبية لتحرير السودان في أول تجمع سياسي ينظمونه في العاصمة الوطنية بعد غياب استمر أكثر من 20 عاما..

وخاطب اللقاء عدد من وفد الحركة المكون من مئة شخص لكنهم تجنبوا الخوض في المواضيع السياسية الأكثر أهمية في محاولة لتحاشي إغضاب الحكومة. وكان بعض الجنوبيين يرتدون الملابس التقليدية وريش النعام ويحملون الدروع ولكن أغلبهم كانوا يرتدون الملابس الحضرية مثل سراويل الجينز والقمصان بعد سنوات من العيش في العاصمة هربا من المعارك الشرسة في الجنوب.

وفيما كان قادة الحركة الشعبية يلقون كلماتهم ردد الحشد الذي ضم نحو عشرة الاف شخص هتافات تحيي السلام والسودان الجديد. وتحدث جيمس واني الأمين العام للحركة الشعبية ورئيس الوفد باللهجة العربية المحلية التي يتحدث بها أهل جوبا في الجنوب. وقال واني «لقد بزغ فجر السلام أخيرا في بلدنا الذي عصفت به الحرب». وأضاف «جئنا لنبقى ولا عودة للوراء».

وقال المسؤول الكبير في الحركة الشعبية لتحرير السودان وهو شمالي ياسر عرمان أنهم جاءوا لتوحيد السودان.وتابع ان الحركة الشعبية لم تأت إلى الخرطوم من أجل الحصول على عشرة او عشرين منصبا وزاريا بل جاءت كحركة للتغيير مضيفا «هذا هو السودان الجديد».

وقال منشور مالوال كوت الذي ينتمي الى ابيي الغنية بالنفط «التقينا بهم مرة أخرى بعد 21 عاما من الغياب ... هذه الحكومة الجديدة ستكون حكومة مشاركة تضم كل الجماعات.. وليس كما هو الحال الآن».

وشن عضو الوفد وقيادي الحركة عبد العزيز ادم الحلو شن هجوماً كاسحاً على (الصفوة السياسية) واتهمها بالعجز عن إيجاد حلول لازمة السودان طيلة السنوات الماضية (الصفوة كانت عاطلة فكرياً ولن تحاول إجهاد نفسها لتقديم حل للمعضلة، الأمر الذي حتم نشوء الحركة الشعبية قبل منتصف الثمانينات (برؤية واضحة ومشروع وطني يقدم الوصفة والمعالجات لكل مشاكل السودان في السنوات الخمسين الماضية).

وقال ان الحركة الشعبية تنادي بسودان(علماني ديمقراطي موحد) مؤكداً انها تدعو لوحدة على أسس جديدة بخلاف القديمة (المفروضة التي لم يشارك فيها أحد عندما صنعت تلك الزريبة) داعياً لوحدة طوعية اختيارية تقوم على تخطي المسلمات وأعمال الفكر .

غير ان القيادي مالك عقار أبدى حدة ملحوظة بتأكيده على ان الحركة اختارت تجميد السلاح وليس التخلي عنه وأنها (تضع عصاها قريباً منها) وسط صيحات التأييد من الجماهير التي كان يعلو صياحها كلما ذكر متحدث حق تقرير المصير والانفصال الأمر الذي فسره مراقبون بتغليب خيار الانفصال لدى القواعد التي شهدت اللقاء.

وأشار عقار إلى ان الحركة الشعبية حاربت لأجل الحرية والديمقراطية والتنمية. وبدا لافتاً حضور السفيرة الفرنسية لدى الخرطوم احتفال الحركة الشعبية الجماهيري فيما غابت غالبية القوى السياسية عدا الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي مثله حسن هلال.

ويقول مراقبون ان شكوك أحزاب المعارضة في جدية الحركة الشعبية في تحقيق التحول الديمقراطي هو السبب الأقوى في غيابها عن مسرح زيارة الحركة حتى أمس خصوصاً في ظل استمرار تباطؤ تشكيل لجنة الدستور الانتقالي. ورغم حديث قيادات الحركة عن الحريات والتحول الديمقراطي يلاحظ المراقبون منذ وطئت اقدام قادتها الخرطوم هذا الأسبوع تجنبهم الخوض في قضايا مطروحة على الساحة بقوة منها قرار مجلس الأمن حول دارفور، إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وفي مقدمتهم الدكتور حسن الترابي.