لن نتاجر بقضية بلدنا
حوار : أحمد يونس
بجوار منزل الخليفة محمد النقيب بقرية «الغريبة» بالولاية الشمالية ، توجد أقدم «خلوة» لتحفيظ القرآن ، أنشئت في العام 1880م ، ومنذ أكثر من مائتي عام مازالت نار القرآن مسرجة فيها. ينساب من المكان صوت التلاوة والأوراد هونا من حناجر الحفظة الصغار . أشجار النخيل المحيطة بالمكان تعطيه سحرا ، النيل على مبعدة خطوات كأن عناية إلهية جعلته حارسا لهذه النار المقدسة .
في هذا المكان شديد الشفافية والروحانية أجرت الـ «الرأي العام» هذا الحوار مع رئيس مجلس رأس الدولة السابق ونائب رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي ، نائب مرشد الطريقة الختمية السيد أحمد الميرغني ، كان الحوارأثناء زيارة دعوية وحزبية للمنطقة رافقته فيها قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي وبعض قيادات الطريقة الختمية.
وكان السيد الميرغني محاطا بمريديه وحوارييه وأنصار حزبه ، كان الحوار ينقطع بين الفينة والأخرى ، لأن هنالك أتباعا يهتفون لسيدهم ، أو أن بعضهم كان يبحث عن «البركة»، فـ «الميرغنية» كما تقول سيرة الطريقة الصوفية الختمية من آل بيت المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ، وكل يسعى للتوسل بهم :
* هنالك تقاطعات في المواقف والرؤى لدى القيادات الاتحادية تبرز في شكل خلافات بين هذه القيادات ، وتتشكل بناء عليها مواقف تنظيمية وسياسية ، ماذا يحدث في الحزب الاتحادي الديمقراطي؟
ـ لا توجد خلافات مبدئية بين الاتحاديين على الإطلاق ، فالاتحاديون تربطهم قيم الأخوة والتسامح ، وقد يختلفون في الرؤى السياسية ، وقد يكون لكل منهم رؤيته الخاصة في مواجهة إشكالات البلاد ومعالجاتها ، وقد ينظر كل صاحب رؤية إلى رؤيته باعتبارها الأصوب لمعالجة مشاكل الوطن ، لكن مؤسسة الحزب تستطيع معالجة وإدارة هذه الرؤى وتوظيفها بما يخدم المصلحة الوطنية والحزبية .
* لكن هنالك أصواتاً عالية تخرج من مستويات حزبية متعددة تنادي بمعالجة ما تسميه بالاختناق التنظيمي الذي ترتب على عدم قيام المؤتمرات لفترة طويلة ؟
ـ لقد عقد مؤتمر المرجعيات في القاهرة العام الماضي لمعالجة بعض المشكلات التي ترتبت بفعل الأوضاع السياسية ، ونجح في ذلك لأقصى الحدود ، لكن لأن الحزب تأثر بالغياب الطويل الذي رتبته هذه الأوضاع السياسية ، فهو يعيش الآن ما يشبه مرحلة إعادة التكوين ، وإعادة بناء تنظيمه في الأحياء ، والمربعات ، والقرى ، و«فرقان» العرب الرحل ، وجولتنا الحالية الغرض منها إعادة تنظيم وبناء الحزب ، وحين ينعقد اكتمال البناء التحتي والقاعدي سنشرع فورا في عقد المؤتمر العام للحزب ، وسوف نحرص على ألا نستثني منه أو نعزل أحدا .
* لكن هنالك مجموعات حزبية أو أفراداً وصلت بهم الحال لدرجة الخروج على الحزب وتكوين أجسام خارج جسم الحزب ، أعني مجموعة الشريف الهندي ، ومجموعة الأستاذ علي محمود حسنين ، ومجموعة محمد الأزهري أخيرا ، ماذا ستفعلون معهم من أجل توحيد الحزب ؟
ـ لم أتوقف لحظة عن العمل لتوحيد الصف الاتحادي ، واستمرت جهود التوحيد التي أقوم بها طوال الأعوام الخمسة عشر الماضية ، وستمتد حتى تكتمل وحدة الحزب ، توحيد الصف الاتحادي أحد همومي اليومية ، ولن أتوقف عن هذا الهدف حتى أبلغه ، وفي هذا لن أسمي أفراداً أو جهات حزبية معينة .
* يرأس السيد محمد عثمان رئيس حزبكم التجمع الوطني الديمقراطي ، والتجمع كما هو معروف تحالف مرحلي فرضته ضرورة المواجهة مع الإنقاذ ، بعد توقيع اتفاقيات «نيفاشا» ، واكتمال مفاوضات القاهرة ، ماذا سيكون مصيره هل سيحل أم أنه سيتحول لتحالف من نوع آخر حسب المستجدات ؟
ـ صحيح أن الحزب مشارك في التجمع ، وأن رئيسه هو رئيس التجمع ، لكني شخصيا لست عضوا في التجمع ، وأرى أن يتم توجيه السؤال لأعضاء التجمع من الحزبيين ، نحن كحزب نؤيد اتفاق السلام بكل ما نملك من قوة ، ونباركه لأنه الخيار الوحيد المتاح لبلادنا ومستقبلها ، ولأن السلام أحد أهداف حزبنا وهو هدف إنساني وديني نبيل .
* بعض التحليلات السياسية تذهب الى القول أن هنالك تقسيما للأدوار بينكم ورئيس الحزب ، أن تتبنى أنت بحسب وجودك داخل البلاد موقفا حزبيا مرنا ، بينما تأتي من رئيس الحزب المواقف الأكثر تشددا ، ماذا تقول؟
ـ لا يوجد تقسيم أدوار على مستوى قيادة الحزب ، فأنا أعيش داخل بلدي ووسط أهلي وناسي ، أعيش أفراحهم وأحزانهم وآلامهم ، وأتعامل على ضوء هذا ، والسيد محمد عثمان لا يعارضني في موقفي هذا ، بل يؤيده كل التأييد ، أما القول بوجود تقسيم أدوار إنما هو مجرد تخرصات وأوهام لدى بعض الناس ، وهي منبتة وبلا جذور ، أما إذا كنت تقصد دعوتنا إلى الوفاق والسلام فالحزب بمختلف مستوياته لن يتراجع عنها لأنها الخيار الوحيد المتاح.
*بعد توقيع اتفاقية نيفاشا ارتفعت بعض الأصوات الشمالية وبدأت تدعو لفصل الشمال عن الجنوب ـ منبر السلام العادل كمثال ـ وهي مجموعات تنتمي جغرافيا لمنطقة تعد من مناطق نفوذ حزبكم ، ما هو رأي الحزب ؟
ـ للحزب أجهزته التي تملك الإجابة على هذا السؤال ، ولا أستطيع أن أقول رأي الحزب في مثل هذه الطروحات ، لكنك إذا طلبت رأي الشخصي فانا أقول: «نعم لوحدة السودان ، لا لتقطيعه»
* تقودون حوارا باسم التجمع مع الحكومة في القاهرة ، في حال تعثر هذا الحوار ، أو عدم الوصول إلى اتفاق مع الحكومة ، هل سيقبل الحزب بالمشاركة في الحكومة الانتقالية وفق النسب التي وضعتها اتفاقية نيفاشا ؟
ـ سأجاوب عليك بنفس الرد السابق ، للحزب أجهزته التي تفتي في أمر مشاركته أو عدمها ، ولا أستطيع الآن الحديث نيابة عن الحزب ، إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة سيعرض الأمر حينها على أجهزة الحزب للبت فيه .
* تثير عودة رئيس الحزب السيد محمد عثمان إلى البلاد جدلا كبيرا ، وتتباين حولها الآراء ، هل تحسم الجدل وتقول متى يعود رئيس الحزب إلى السودان ؟
ـ سيعود السيد محمد عثمان بإذن الله ، أما متى فتحددها الظروف المحيطة به ، المفاوضات مستمرة في القاهرة وعلى ضوء نتائجها ستتضح الرؤية ..
* إذا سألكم رئيس الحزب وفق المستجدات واتساع مساحة الحريات التي تتجلى بشكل واضح في زيارتكم الحالية للولاية الشمالية ، هل تنصحونه بالعودة ؟
ـ ظللت أوصي السيد محمد عثمان بالعودة منذ الوهلة الأولى ، لكني أضيف أن عودته ليست رهينة بسير مفاوضات القاهرة فقط ، بل ترتبط بشكل رئيس بأجهزة الحزب ، وهي التي تقرر زمان عودته ، لو أن هذه الأجهزة رأت عودته الباكرة فسيعود ، لكن العمل الحزبي مستمر بغض النظر عن مكان تواجد الرئيس ، وقيادة الحزب إذا كانت ترى ضرورة عودته فيمكنه العودة والتفاكر معها ، ومن ثم يمكن أن يغادر مرة أخرى .
* موقف الحزب من قضية دار فور يراه البعض أقل مما هو مطلوب منه ، بينما يراه آخرون متوازنا ، أما كان بمقدور الحزب أن يلعب دورا أكثر فعالية في معالجة المشكلة ؟
ـ لا أدري كيف توصلت إلى أننا لا نهتم بمشكلة دار فور ؟
* قصدت القول إنكم تملكون ثقلا سياسيا ودينيا يجعلكم مقبولين لدى الأطراف كافة ، لماذا لا تتبنون مبادرة لإخراج البلاد من عنق الزجاجة التي هي فيه الآن ؟
ـ يمكنني تبني مبادرة ، وكحزب نحن نتدارس سير الأحداث ومآلاتها ، حين تكتمل المدارسة سنعمل فكرنا وآراءنا وإرادتنا لحل المشكلة ، وفي ذات الوقت نعمل على إطفاء نار الفتنة وندعو للتعامل الموضوعي معها .
* في ظرف أسبوع واحد صدر أكثر من قرار من مجلس الأمن بخصوص دار فور ، هل تؤيدون هذه القرارات ؟ ـ أجرى هذا الحوار قبيل صدور القرار (1593) .
ـ لا أوافق مطلقا على محاكمة أي سوداني خارج بلاده ، ومع احترامي للمجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن ، وأرى إرسال مراقبين دوليين لمراقبة المحاكم التي يجب عقدها في السودان .
وللوصول لمحكمة سودانية فأنا اقترح إنشاء محكمة قومية من القانونيين في كل الأحزاب السودانية ، محكمة ترضى عنها كل الأطراف ، لمعالجة هذا الوضع المعقد ، لكنني أكرر رفضي المطلق لمحاكمة أي سوداني خارج بلاده .
* لكن موقفكم هذا يخالف مواقف حزبكم القديمة داخل التجمع ، إذ ظللتم مع التجمع تستصرخون المجتمع الدولي لمحاصرة نظام الإنقاذ والإسهام في إسقاطه ، وحين فعلها فها أنتم ترفضون خياراته ، كيف تقنعون حلفاءكم في التجمع بهذا الموقف الجديد ؟
ـ نحن لن نتاجر بقضية بلدنا ، فالمستجدات وضعتنا أمام خياري المحافظة على استقلال بلدنا وسيادتها ، وفي ذات الوقت تحقيق العدالة فيها ، نحن مع أن ينال أي مجرم عقابه ، لكننا في ذات الوقت حريصون على سيادة بلدنا .
* بعد خروج حزب الأمة بزعامة السيد الصادق المهدي من التجمع وعودته إلى البلاد ، يرى المراقب كأن جفوة قد حدثت بينكم وبينه ، ما الأمر ؟
ـ حزب الأمة حليف استراتيجي قديم لحزبنا ، شاركناه حكم البلاد عدة مرات ، ونحن على علاقة طيبة معه ..
* هل تنسقون معه في المواقف والقضايا الوطنية ؟
ـ تجرى المشاورات بيننا باستمرار ، لكننا نملك منبرنا الخاص ، وإذا اقتضى الحال فنحن على استعداد للتفاهم مع حليفنا القديم ، ومع بقية الأحزاب .
* بعد القمة العربية التي انعقدت في الجزائر أخيراً أخذ الصراع العربي مع دولة إسرائيل شكلا جديدا ، ولم يعد صراع وجود كما كان ، فقط تنتظر الدول العربية تنازلات تقدمها إسرائيل لتتم المصالحة والتطبيع ، ما موقف حزبكم كأحد القوى الشعبية العربية ؟
ـ لحزبنا موقفه المبدئي في العلاقة مع إسرائيل ، وهو نفس الموقف الذي تبلور في مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في الخرطوم العام 1967م ، والمعروف بمؤتمر اللاءات الثلاثة ، لم يحدث تغيير في هذا الموقف .
* لكن متغيرات كثيرة حدثت منذ ذلك التاريخ ، إقليمية ودولية ..
ـ لا اعتقد أن المتغيرات ستؤثر على موقف الحزب الاتحادي الديمقراطي التاريخية ، ومبادئه الوطنية والقومية .
* تقود الولايات المتحدة حربها على الإرهاب ، البعض يؤيدها ، والبعض يرى أن حرب الإرهاب ما هي إلا كلمة حق أريد بها باطل ، أين تصطفون من هذه الحرب ؟
ـ نحن بطبعنا ضد الإرهاب بمختلف أشكاله ، لذا نؤيد حرب أمريكا على الإرهاب ، ونعتبرها ضرورية ومطلوبة ، وحرب الإرهاب عمل لا نستطيع إلا تأييده ، وحين تقوم بها القوة العظمى الأوحد في العالم فان هذا يكسبها مصداقية وجدية كبيرتين .
أكرر القول نحن مع الحرب ضد الإرهاب بلا تردد ، وقيام أمريكا بقيادة هذه الحرب نرى فيه أن «ربنا قيض» لنا من يحسم أمر الإرهاب . لكننا نأمل ألا تكون الحرب على الإرهاب كلمة حق أريد بها باطل .