المستشار السابق للرئيس السوداني لشؤون السلام: كان من الممكن الوصول إلى اتفاق أفضل من هذا مع الحركة الشعبية حول الترتيبات الأمنية

سودانيز اون لاين
9/22 2:23am
حسن ساتي
يبدو الدكتور غازي صلاح الدين العتباني، 52 عاما، عضو البرلمان السوداني والمكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني، والمستشار السابق للرئيس عمر البشير لشؤون السلام، وقائد وفد التفاوض الحكومي الذي وقع على بروتوكول ماشاكوس، والذي قاد شوطا من مفاوضات نيفاشا اللاحقة الى أن تم إعفاؤه منها ليحل محله نائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه مثلما كان يوما أمينا عاما لحزب المؤتمر الوطني الى أن أبعدته الصراعات أيضا، يبدو لدى كثيرين في عداد الحمائم بحسابات التصنيفات التي تلازم أنظمة الحكم ديمقراطية كانت أو شمولية، مثلما يبدو الآن بعطاءات الحاضر، وليس لدى كثيرين بالضرورة، كمن يغرد خارج السرب، باعتبار أنه لا يبدو لك راغبا في مواقع سلطة أو مستعدا لتقديم تنازلات في مواقف يؤمن بها، والى ذلك أسس مؤخرا مؤسسة يرؤسها تحمل اسم ( اتجاهات المستقبل) وتضم في عضويتها يساريين وحزبيين وناشطين في الجنوب والشمال. والطريف أن غازي جاء الى لندن ومن قبلها باريس ضمن وفد برلماني يحاول تنوير الرصفاء في الاجهزة التشريعية ودوائر الدولة في العاصمتين بتداعيات أزمة دارفور ومخاطر التصعيد الدولي على مسارها، ومصدر الطرافة هنا قبوله لمثل هذا التكليف في وقت يقدر فيه كثيرون، وفق سياقات فهم العقل السوداني للاختلاف السياسي، أنه يمكن أن ينأى بنفسه بعد إزاحته من رئاسة مفاوضات السلام، ومن بعدها من موقع المستشار للرئيس البشير. «الشرق الأوسط» التقت غازي في لندن وحاورته على مدار ساعتين.
* تاريخ ماشاكوس .. البداية والنهاية:
يعتبر كثيرون أن الأرض قد انشقت عن بروتوكول ماشاكوس الذي وقعت عليه .. حدثنا عن تاريخه وكواليسه للتاريخ من البداية الى النهاية.
من الثابت أن ماشاكوس لم تبدأ بجولة مفاوضاتها التي انتهت بالتوقيع على بروتوكولها في 20 يوليو (تموز) 2002 ، لأننا إذا تحدثنا على مستوى الفكر السياسي يمكن أن نقول إن إرادة سياسية قد توافرت لدى طرفي التفاوض من واقع تجربتهما مع الحرب، وإنهما قد تيقنا من أن وتيرتها وتراتبها لن يقودا الى شيء ، بمعنى أن يستولي طرف على مدينة ويستردها الآخر أو أن يسترد مدينة أو منطقة غيرها، ومن هنا تشكلت القناعات بأن استخدام القوة بالأساليب القديمة لن يفضي الىشيء. ولكن وفي المقابل علينا أن نعترف بأن المجتمع الأميركي مثلا ولا أقول الحكومة الأميركية بقدر ما أعني فعالياته من أحزاب وكنائس ومجموعات ضغط ، والاشارة هنا الى العامل الخارجي، قد أسهم فعلا في دفع تلك الإرادة السياسية لدى الطرفين لاحقا مثلما كان قد أبلغ اشاراته الى الحركة الشعبية كداعم لها برفضه لخيار الحرب كأسلوب لحل القضية، أضف الى ذلك البعد الأقليمي أيضا. ومن هنا استحال على الطرفين أن يسبحا عكس التيار أو قل ضد قانون الجاذبية، وأضف الى كل ذلك أيضا أن قانون الطبيعة والميراث الانساني مع أية مشكلة يقول إن أي مشكلة لا بد أن تصل الى مرحلة نضج يستدير معه عدها التنازلي نحو أفق الحل، فحرب البسوس وداحس والغبراء استمرت أربعين عاما، ولكنها حلت في النهاية، مع الاختلاف في بنية القضيتين. وخلاصة القول هنا إن الظرف قد نضج، وإن التاريخ يحدثنا بأن المبادرات وقتها تكون لأناس لا فضل لهم في ما قاموا به غير كونهم كانوا شهودا أو وجودا في ذلك الظرف. أما عن شقها التاريخي، فتكفي الاشارة الى أن الإقرار بضرورة السلام عبر تسوية سياسية استغرق ما يزيد على العامين داخل أروقة حزب المؤتمر وقد كنت من المشاركين في ذلك لجهة إحداث نوع من التحول الوجداني المنافح لخطاب السلام، وليست تلك بالمهمة السهلة كما تعلم.
* ولكن لماذا التعثر الآن .. مع كل ذلك الحديث عن الإرادة السياسية.. ولماذا تتعثر المفاوضات بين الحكومة والحركة الشعبية الى هذه اللحظات؟
ـ أولا دعني أسجل بداية أنني أتحدث هنا كمراقب، وليس كحزبي، ولا أتبنى رأيا، فأقول إن المباحثات تتعطل الآن لسببين:
الأول داخلي ويتعلق بالاتفاق ومضمونه، ولا أخفي هنا أنني قد قلت رأيي، وما أزال أقول إن السلام الذي أؤيده ويتحتم على كل سوداني أن يؤيده هو السلام العادل والمستدام، ومن هنا كان رأيي أن الترتيبات الأمنية مثلا وبالشكل الذي خرجت به محفوفة بكثير من عوامل الإخفاق، وتقديري أن من مصلحة الأخوة في الجنوب أن تكون الاتفاقات مقبولة لكل السودانيين لأن في مثل هذا القبول دعما للحقوق ذاتها. وباختصار فالترتيب العملي لوضع الترتيبات الأمنية يصطدم بصعوبات حقيقية، وهذا من بين عوامل التعثر.
السبب الثاني ليس في مضمون الاتفاق ولكنه خارجي، ومرة أخرى أنا أتحدث هنا كمراقب وأشير الى عامل دارفور وأقول إنه قد فرض على المشهد السياسي سؤالا صعبا، وهو لمن تكون الأولوية، هل لدارفور بكل سيولتها السياسية الساخنة هذه والمعروفة أم لقضية الجنوب. وتقديري والى أن توجد إجابة لمثل هذا التساؤل فستظل قضية دارفور تلقي بظلالها على مسيرة السلام.
* توشك أن تبدي تحفظا على الترتيبات الأمنية بشكلها الحالي، وقد تم التوقيع عليها، ما هي تحفظاتك؟
ـ من غير الدخول في تفاصيل بوسعي أن أقول إنني وعلى المستوى الشخصي كنت أتصور اتفاقا أفضل من هذا، أقول بذلك لأن منهجية اتفاق ماشاكوس كانت قد انطلقت من فرضية الوحدة وإن وفرت حق تقرير المصير في ما أرى أن أي اتفاق يريد الوحدة لا يمكن أن يستبقها بما يعكر مسارها أو ينتقص من فرصها، وانه كان بالإمكان أن نتوصل الى اتفاق يرضي كل الأطراف ينطلق من فرضية الوحدة ويعززها. وفي نهاية المطاف أقول دائما القول المعروف إن رأيي صواب يحتمل الخطأ.
* تداعت ولا تزال أزمة دارفورعلى نحو مثير وأصبحت تهدد وحدة السودان .. أين كمن الخطأ كما يقول الغربيون، وما هو الحل؟
ـ أتفق معك وأضيف أني قد ساهمت برغم مشغولياتي بالكتابة الصحافية في هذه الأزمة، وأعترف بأنه وعلى صعيد هموم العمل العام السودانية، لم تقلقني قضية كما فعلت بي دارفور، والأسباب هنا كثيرة، أولها أنها تفاقمت وتداعت بصورة غير مسبوقة فيما أبرزت هشاشة الحالة التي يعيشها السودان بصورة عامة سواء بسبب عوامل داخلية أو خارجية بصورة توشك معها أن تحدد أصل وجود السودان.
السبب الثاني يعود الى أن النزاع القائم يعد بتقديري أكبر شرخ يحدث في صورة المجتمع السوداني منذ الاستقلال.
أما السبب الثالث وهو الأكثر إزعاجا فيعود الى أن نسيج هذه الأزمة يتلبس صراعا داخليا، أفقيا ورأسيا، في داخل المجتمع هناك، وأسجل هنا أن الانقسامات الداخلية في المجتمعات يصعب علاجها خلافا للصراعات أو المنازعات مع السلطة، والتاريخ يقول لنا هنا إن الانقسامات الداخلية تتطور لتؤدي الى حروب وربما مجازر وإبادات، وهذا هو ما يزعجني، ومن هنا لا يمكن التوسل لقضية من هذه الشاكلة بالقوة المحضة إذ لا بد للحل أن يكون سياسيا يقنع بنظرة جديدة لأنظمة الحكم وبالتفويض الممنوح للولايات ويشبع المعادلات الحقيقية للثروة ويستدعي برامج تنمية خاصة.
أما على صعيد الأخطاء فالحزب الحاكم ومعه الحركة السياسية السودانية بل وقطاعات المجتمع التقليدي والحديث، بمجملها في ماضيها وحاضرها، تتحمل مسؤولية في ما حدث، فحين تغيب مصداقية الدولة وجديتها وشمول رؤيتها للمشاكل، أية دولة، فالتذمر يكون ناتجا طبيعيا.
* دخل مصطلح الجنجويد الآن الى كل لغات العالم ،مثلما أصبح مدخلا للمقاربات بين ما يحدث في دارفور وما حدث في بورندي ورواندا وكوسوفو بملحقات التطهير العرقي والابادة ومطالبة الحكومة بالقرارات الدولية بتعقبهم وتقديمهم للمحاكمة .. هل تستطيع الحكومة بالفعل نزع سلاحهم ، وهل هناك تعريف دقيق لهذه الجماعة يحدد هويتها وأصولها؟
ـ تلك مشكلة .. فالحكومة نفسها وقعت على اتفاقات بنزع سلاح الجنجويد وهناك إجماع محلي ودولي على أن الذين يرتكبون تلك الانتهاكات جديرون بالإدانة، ولكن المشكلة كما أشار سؤالك في التعريف نفسه، فمصطلح الجنجويد لدى الحكومة والاتحاد الأفريقي يعني الجماعات المسلحة التي تستخدم السلاح للنهب والقتل بصرف النظر عن انتماءاتهم القبلية فيما يعني نفس المصطلح لجهات كثيرة في الغرب، وبنبرة أكثر اتهاما، الجماعات العربية المسلحة، ومن هنا فمن شأن التعاطي مع القضية بالتعريف الغربي فقط أن يحدث خللا في التوازن العسكري وبالتالي الأمني بين قبائل وقوى اجتماعية تملك ميراثا تاريخيا طويلا من الاحتراب على الموارد، وأشير الى أنه وإذا ما كان لمثل ذلك الخلل الأمني أن يحدث، مقروءا مع مخاطر الانقسامات الاجتماعية والتشرذم القبلي، فالنتائج ستكون كارثية. ولا يعني ذلك بالطبع رفض مبدأ نزع السلاح من المواطنين بصرف النظر عمن هم ، ذلك مطلب ولكن تنفيذه أمر شاق، وللأمم المتحدة هنا تجاربها المريرة في سيراليون والصومال وغيرهما. ومن هنا أرى أن الأفضل أن يتبنى الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة عملا مشتركا لايجاد صيغة سودانية لنزع سلاح الميليشيات، فنزع السلاح ليس شعارا سياسيا فقط، وأي عملية تجاهه لا تصطحب التوازن يمكن أن تؤدي هي الأخرى الى كارثة، ومن هنا أرى أن تتوافر لعمليات نزع السلاح الخبرات المطلوبة بدءا مما هو أمني وفني ولوجستي، وانتهاء بايجاد النموذج المتوافق عليه والمدعوم دوليا.


اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com

الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


اخبار السودان بالانجليزى | اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | نادى القلم السودانى | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد

contact Bakri Abubakr
Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved