الجنجويد: حقيقة خفية أم أسطورة فبركها الإعلام الغربي

سودانيز اون لاين
9/15 11:59pm

ميليشيات «الجنجويد» حاضرة أبدا لدى الحديث عن الازمة التي اندلعت في اقليم دارفور بغرب السودان اوائل العام الماضي، يردد اسمهم سياسيون كبار وتلوم الأمم المتحدة حكومة الخرطوم لعدم كبحهم، فمن هم؟ سؤال تتعدد اجاباته بقدر تعدد الوان الطيف السياسي للمعنيين بالازمة، الامر الذي يجعل صورة هؤلاء الرجال الملثمين المدججين بالسلاح على صهوات الجياد او ظهور الجمال مشوشة يصعب تبين ملامحها الحقيقية. فهم حينا مجرمون خارجون عن القانون، وفي حين آخر قوات عربية واجنبية أفريقية تتقاضى رواتب من الحكومة التي وضعت السلاح في يدها لقمع تمرد تعذر تكليف الجيش باخماده. غير ان سياسيين ومحليين، اغلبهم غربي، باتوا يستعملون الكلمة اسما لجميع منفذي اعمال العنف والحرق والاغتصاب في حرب المسلم السوداني مع مواطنه المسلم، من مجرمين وغيرهم. وقد أشار وزير الخارجية البريطاني جاك سترو في مقابلة مع «الشرق الأوسط» (25 أغسطس) الى ان الجنجويد في رأيه ثلاث فئات: قطاع الطرق والميليشيات القبلية وقوات الدفاع الشعبي.
وما تقع عليه في الاعلام السوداني عن الجنجويد حافل بالتناقضات يساهم معظمه في طمس صفاتهم الحقيقية. مثلا صحيفة «أخبار اليوم» الصادرة في الخرطوم ردت اصل الاسم الى زعيم عصابة في دارفور يدعى أحمد جنجويد، مشيرة الى انه امتهن مع رجاله اعمال السلب والنهب خصوصا في منطقة زالينجي. وذكرت ان المجرم الذي كان وأفراد عصابته يمتطون الخيول ويرتدون ثيابا للشرطة غنموها في غاراتهم على مراكز الشرطة بالمنطقة، قتل عام 1998 في سياق معركة خاضها ضد بعض خصومه. اما موقع «سودانيز أون لاين» الانترنتي، فأعاد الكلمة الى واحد آخر من عتاة مجرمي دارفور هو حامد جنجويت. وهذا من أفراد قبيلة الشطية تمرد على الحكومة ومضى ينهب ويقتل أبناء المنطقة خصوصا أفراد قبيلة الزرقة.
غير ان شروحا اخرى للاسم تراه مرادفا للعنف من ان تلصق به صفة الاجرام. وقد نقلت مجلة «الخرطوم الجديدة» عن ضابط لم تذكر اسمه قوله ان الجنجويد «فرسان يتمتعون بمهارات عالية في التصويب». وتناقلت صحف عدة بشيء من السخرية تفسيرا للاسم، لعله الاكثر رواجا، جاء فيه ان جنجويد تعني «جنا مسلحا ببندقية جيم 3 على ظهر جواد». وفي روايات سودانية اخرى تعني المفردة «القوات الراكبة» وأحدهم هو «راكب الخيل او الجمال». وبعيدا عن الصحف، تتسع دوامة الفوضى لتضيع معها سمات هؤلاء المقاتلين المتهمين بأبشع الانتهاكات والتطهير العرقي.
في الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أطل الجنجويد بوجوههم الغامضة في جلسات ضمت اعلاميين سودانيين وزملاء أجانب أتوا من اطراف الدنيا ليغطوا أنباء الازمة. وقبل ان تستوضحهم أمر هؤلاء «الاشباح» كان الصحافيون السودانيون يسارعون الى التندر بما اعتبروه «اسطورة» فبركها الاعلام الغربي. وغالبا ما كان الزملاء السودانيون والعاملون في بيت الوالي يفاتحوننا بسؤالهم الساخر: هل أنت ذاهب غدا للقاء الجنجويد؟ أحد مراسلي تلفزيون أم درمان الرسمي أثار الضحك ذات ليلة حين قال انه يفكر باستبدال بنطاله وقميصه بالزي السوداني التقليدي واخفاء وجهه وراء لثام أبيض في حيلة لاقناع صحافيين بريطانيين بأنه من الجنجويد. وكان مسك الختام في جلسات كهذه دائما واحد: الجنجويد مجرمون لا يمكن الوصول اليهم، ولو تيسر ذلك لزج بهم في السجن وقدموا للعدالة التي فروا من وجهها.
لكن كان للرجل المتوسط السن الذي التقيته في سوق الفاشر، رأي آخر. فالرجل الذي تدخل عندما سمع صاحب حانوت يحدثني عن الحريات المتوفرة في البلاد قال بضع كلمات وقعت وقع الصاعقة على البقال ومضى دون ان يترك لي متسعا لسؤاله عن اسمه واشياء اخرى. فقد اتهم بقوة الحكومة بتسليح الجنجويد لطرد السودانيين الأفارقة. وقال ان هجمات هؤلاء الملثمين مهد لها قبل ايام قصف جوي شارك فيه شخصيا اللواء عبد الله صافي النور، وهو مسؤول أمني كبير ورد اسمه في وثائق أميركية كأحد مؤسسي ميليشيات الجنجويد.
أما الاقتصادي الذي التقيته صدفة في شارع الجمهورية الشهير بالخرطوم عندما كان يشتري الشقيقة «آرب نيوز»، فكان أقل حدة واكثر اتزانا في اتهاماته. وقال الرجل الذي اعطاني بطاقته على سبيل التعارف محذرا من «العواقب الوخيمة» التي قد يواجهها اذا ذكر اسمه، ان «من الممكن للحكومة ان تغش الخواجات (الاجانب) لكنها لا تستطيع ان تغشني بنفيها التام لأي علاقة بالجنجويد». ورأى ان «هؤلاء أفراد قبائل عربية رعوية اعطاهم النظام السلاح ليقضوا على التمرد وليس ليمارسوا التطهير العرقي ضد الأفارقة». والآن لم تعد السلطة قادرة على ضبطهم». ولم يفته ان يذكر انه «شمالي من قبيلة الجعيلات واصولي أفريقية ـ عربية».
وأفادني جون شان كول، وهو موظف حكومي سابق جنوبي من قبائل الدينكا التي ينتمي اليها جون قرنق زعيم «الحركة الشعبية لتحرير السودان»، بأن «الجنجويد عاوزين يخرجوا الناس (السودانيين الأفارقة) ويقعدوا فوق ارضهم». وأضاف ابن الخامسة والأربعين الذي كان يحمل انجيلا صغيرا اخضر اللون بعربية تكاد لكنته الأفريقية القوية تجعلهما عصية على الفهم لمشرقي مثلي، «لقد فعلوا (منفذو العنف من العرب) الشيء نفسه في الجنوب لكن هناك كان اسمهم الجوالين وليس الجنجويد».
أحد قادة «حركة تحرير السودان» الذي يعيش في الخرطوم الامر الذي يستدعي اغفال اسمه، أوضح بدوره ان «الجنجويد هم أعضاء بعض القبائل العربية التي استعانت بها الحكومة للقضاء على السودانيين الأفارقة». وأضاف ان الخرطوم «طلبت المساعدة بادئ الأمر من قبيلة المحاميد (في شمال دارفور) التي استعان زعيمها موسى هلال فيما بعد بقطاع طرق مشهورين في المنطقة، وقاموا بتجنيد قبيلة اخرى في غرب دارفور اسمها علم». ولم يقتصر الامر برأيه على هؤلاء العرب، بل «حاولوا تجنيد آخرين من الخارج فاستقدموا اشخاصا من تشاد والنيجر ومالي وأفريقيا الوسطى». ووصف القيادي المتمرد المقاتلين الاجانب في صفوف ميليشيات الجنجويد بأنهم «من ذوي الشعور الطويلة والبشرة الاقل سوادا ممن يتحدثون العربية بلكنة قوية وبشكل غير جيد، وهم اكثر تخلفا من الجنجويد المحليين».
أما هلال زعيم قبيلة المحاميد الذي يعتبر المتهم الأول بالاشراف مباشرة على انشاء ميليشيات الجنجويد، وهي تهمة ينفيها بشدة، فقد تعذر لقاؤه. وكان قد وعد في 30 أغسطس (آب) الماضي باعطائي بعد يومين مقابلة خاصة، ومع ان هاتفي لم يهدأ خلال الايام الخمسة التالية في دوامة البحث عن الرجل الخفي، فهو ظل بعيدا لا يمكن الوصول اليه. ورد ذلك بعض الزملاء السودانيين الى احتمال «تقييد حركته» من قبل السلطات بعد صدور تقرير الأمم المتحدة الاخير عن الازمة، الذي ألقى باللوم على الحكومة السودانية لعدم محاسبة قادة الجنجويد. لا بل قال البعض انه ربما وضع تحت الاقامة الجبرية او اعيد الى السجن الذي اطلق منه قبل سنوات لقيادة حملة التصدي للمتمردين، كما يزعم آخرون.
وكان هلال قال في مقابلة مع مجلة «الخرطوم الجديدة» ان الجنجويد «لا يرتبطون بقبيلة معينة ولا مكان محددا لهم، انهم مجرد لصوص متشردون في كل دارفور وأؤكد بأني نفسي ضدهم». وأضاف في المقابلة التي نشرتها المجلة الشهرية في يوليو (تموز) الماضي «لا اعرف لهم قيادة موحدة فهم عبارة عن جماعات من اللصوص تسير في الخلاء وتجدهم من مختلف القبائل في مجموعة واحدة وليس لهم زعيم واحد». وأشار الى ان هذه الميليشيات لا تهاجم السودانيين الأفارقة وحدهم، بل «اعرف أننا (العرب) ايضا مستهدفون من الجنجويد». ومن ناحيته، قال عبد الرحمن ابراهيم كنين، 29 عاما، الطالب في كلية التربية بجامعة الفاشر انه كان من «اوائل الذاهبين الى القيادة العامة للجيش (في الفاشر) لطلب السلاح كي نحمي المدينة في اعقاب الهجوم الذي شنه المتمردون في 25 أبريل (نيسان) العام الماضي، وأوقعوا عددا من الجرحى ساهم باسعافهم». وأضاف في معرض الاجابة عن سؤال «الشرق الأوسط» كان «معي صيدلي من الفاشر اسمه محمد صالح وبعض أبناء القبائل المختلفة الذين يقال حاليا انهم من الجنجويد». وزاد «اكثر القادمين لطلب السلاح كانوا من العرب، وليس من سبب معين لذلك فنحن في الفاشر لا نعرف أحدا يميز بين قبيلة واخرى من حيث الانتماء الاثني». وتابع «لكن القضية استغلت، وقيل ان العرب حملوا السلاح». واعتبر ان «الاختراقات الأمنية التي حصلت بعد ذلك (من قبل بعض الذين سلحتهم الحكومة) لم تتم بأمر من القوات المسلحة التي أشهد انها حرصت دائما على حماية المواطنين». وأفاد بأن جنود وضباط الجيش وقفوا اخيرا بين المتظاهرين ورجال الشرطة في الفاشر محذرين الاخيرين بعدم ضرب المواطنين»، الامر الذي يدل برأيه على حرص أفراد القوات المسلحة على بسط الأمن والهدوء بين أبناء دارفور بدلا من تأجيج الصراع مثلما يزعم البعض. وأشار الى ان «الجنجويد أصلا قطاع طرق، وهم ليسوا جميعا من العرب بل بينهم أفراد قبائل اخرى (أفريقية) وهم دائما منفلتون من القانون».
أما الاعلامي الفاشري عثمان محمد خامس فقال ان «الجنجويد عبارة عن مجموعة من عصابات النهب الخارجة عن القانون». وأضاف «بينهم عرب، لا بل معظمهم من أبناء القبائل العربية، وعندما يقومون بأعمالهم الاجرامية يهاجمون أيا كان وينهبون ويسلبون السودانيين من ذوي الاصول العربية والأفريقية».
واذا كانت هذه نماذج من آراء السودانيين المختلفة بالجنجويد، فماذا تقول الحكومة؟ لقد أكدت الخرطوم على لسان بعض ابرز اركانها، كوزير الخارجية الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل ان من الصعب السيطرة على هذه المجموعات لأنها عصابات قطاع طرق خارجة عن القانون. وترد الأمم المتحدة ودوائر سياسية غربية بأن السلطات السودانية التزمت بموجب البند الثاني من اتفاقية أبشي التي ابرمتها الخرطوم مع الفصائل المسلحة في دارفور، بالسيطرة على الجنجويد. وتشير ايضا الى ان الرئيس عمر البشير أكد في «البيان السياسي» الذي بثته اذاعة أم درمان اواخر يونيو (حزيران) الماضي عزم الحكومة على تجريد المجموعات الخارجة عن القانون، بما فيها الجنجويد الذين ذكرهم بالاسم، من السلاح.

اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


اخبار السودان بالانجليزى | اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | نادى القلم السودانى | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد

contact Bakri Abubakr
Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved