تحليلات اخبارية من السودان
أراء و مقالات
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

صوت الذات السردي يقتله جهر الكلمات بقلم: أ . احمد يوسف حمد النيل - الرياض

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
14/12/2005 9:08 م

رحلة السرد و الحكاية في السودان تحاك ضدها المؤامرة ورغم تاريخها الطويل
جنبا الى جنب مع اجناس الادب الاخرى ولكن السرد ينال الجزء الاوفر من الرقابة
المجتمعية و المؤسسية و من جهة اخرى الرقابة الذاتية التي صدقت الفروض الوهمية
و اصبحت ذات طابع جلالي مهيب مما ادى الى تفعيل الرقابة المؤسسية و ايجاد
مبررات و مسوقات متفق عليها رغم همس و جهر الاصوات المتناثرة هنا و هناك فخرجت
الى المجتمع حركة متمردة و هي في الحقيقة هي الاصل. ورغم ان التواصل في هذا
البلد العريض قد تم و تسلسل من الاسلاف الى الجيل الحاضر عبر وسائل انسانية
كونية مجردة تحمل في طياتها مغتنيات و تراثيات عرفية و اخرى دينية و لا دينية
و ثقافات و اجناس . و من هنا يصبح حري بالمثقف المتلقي الذي عاش في بقعة
بالضرورة لا تغيب عنها احدى المكونات السابقة مما يصدر عنها اصواتا متعددة
مبدعة لا تنقصها الفطنة و لها القدرة على الدهش. و من هنا تاتي فكرة التنوع
التي يحكي حالها عن عدم تبني المطلق في الحكم على الانتاج الادبي الذي ينتجه
الآخر و الحكم عليه بالموت القسري و الحرب الدنيئة من وجهة نظر بعيدة يسوقها
ادب الانتماء الى المؤسسات الاجتماعية او المؤسسات المنظمة . مما ادى هذا الى
الفتك باصوات لها الحق ان تبدو جهورة فاندحر الجهر بالكلمات في وسط المجتمع
حتى اصبح تاريخ معاصر لا يشتهى ان يؤرخ او يدرس حتى اصبح النظر الى المحكي و
المجهور بمنظارين , ذات تدهش له و تستمتع به مما يذكرنا بالاصل و ذات تنفره من
جراء التكالب الطويل على المجهور حتى اصبحت سمتها السطحية و العامية.

ربما هناك تجربة صغيرة تعكس هذا الواقع و الاحباط الطويل الذي لازم مراقد
الافكار و خيم بيئسه على الاقلام و دحر الذوات الى ان هاجرت عن بلد تحبه و
يحبها و رغم الهجرة لم تكتب هذه الذوات الا عن البلد لأنه هو الذاكرة و هو
المكون فقط تبحث الذوات عن الحرية و الانفكاك عن شبح الرقيب ان كان مجتمعي او
نفسي يزول يزوال المؤثر الثقافي. هذه التجربة هي عبارة عن قصة قصيرة كتبتها في
سنوات الجامعة و لكن قصتها تعلق بذاكرتي منذ ايام المدرسة المتوسطة حيث كانت
حقيقة تألم لها كل اهل الوطن و هي المجاعة التي نزح من جرائها الكثير الى حيث
مراتع البهائم و الى حيث سبل العيش السهلة في الوسط حيث المشاريع المروية . و
كانت هذه القصة تحكي عن امرأة جاءت من غرب السودان تفقد زوجها و تعيل ثلاثة
اطفال و شيخ كبير رمت بها الاقدار الى حضن قريتي فانعدل حالها وبدت اثار
النعمة عليها و لكنها قبل ذلك قد اقحمت في ثقافة بذيئة مفادها بيع الجسد من اجل
لقمة العيش و اخذ المسؤؤلون في القرية في طردها بعد ما ان ساءت سمعتها و رغم
انهم هم من اندرج في حياتها تلك اولا و هم من علمها ذلك . هذه القصة الواقعية
التي اعجبت عددا من من استشرت في بنايتها و رغم انه هنالك فتاة مثقفة اتهمتني
بانني اثقل على المرأة و لكن في النهاية عندما نظرت اليها بعين اخرى مجردة
تلهفت في ان اشارك بها في مسابقة ما كانت معدة في احدى الصحف الاجتماعية و التي
كانت و ما زالت تنشر اخبار المجتمع و الجرائم و لا تخشى . قرأها المسؤول
الثقافي و قال انها جميلة و رشحها بالفوز و كل من قرأها قال ذلك لكن في نهاية
المطاف لم تفز و لا حتى تظهر في مرتبة اخرى وكانت هذه اول محاولة لي و في
الحقيقة قد عرفت مؤخرا انها رفضت ليست لأنها ضعيفة و لكن لأسباب سياسية و فكرية
و لأن لجنة الفرز لم تكن هي المنسقية الثقافية في الصحيفة فعرفت حينها ان
الثقافة كائن متخلف في بلادي يعيش تحت خط الحرية فرضت عليها عنصرية الكلمات و
الافكار و ادرجت في سلة للمهملات اتفه ما يكون فغابت عن اعين الناس ولم يعودا
ليسألوا عنها . في بلادي تصاد العصافير لانها تزعج الكبار و تصاد تارة ليتغذى
المترفين
حينما يغرد طائر حر بانغام و الحان عذبة تكسر اجنحته لأن نفسا ما يكتنفها
الحزن و الخوف و لأن العصافير فيها اصوات الملائكة و يحبها الصغار و يجثم على
ذوات تلك النفوس التكدر و الحزن المريع لأن حياتهم كلها همس و العصافير تكسر
الخلوة و تجعلها مفضوحة لذلك يقتلنونها.
و جراء كل هذه الصور المظلمة انبعثت ثقافة الضجر و التوتر و انقباض الحواس و
احادية المدرك الحسي . و ان ترعرع النظر المنبعث من العمق الى ما وراء
المفردات في طريقه الى الكينونة وتلمس الابعاد و الحقائق الماورائية , هنا
فقط يصاب بزعزعة احساسه تجاه الجماليات و تكسر انفة النفس و رقة الحس المعتدل
و جرأة الكلمات و يحال الاعتدال التربوي الى صمت و مجاهل مكبوته تحت وطأة
الحدة الزائدة و اختبائها وراء زئير يدفع دفعا بابواغ شابة تريد ان تتلمس
صواها فتخيب في التعرف على الهدف ثم تسكن الثقافة الموروثة انحاء النفس و
يجهر الصوت الكاذب بالثقافة البديلة حتى ينشأ في وسط الاجيال اهتزاز الثقافة
الاصلية و احتقار الثقافة الزائفة فيكون الاهمال بل الاحباط و عدم الثقة في
حوار النفس بشدة في سبيل الجهر بالذات او اختبارها في مخبر الصوت الجهوري
المحكي و المكتوب حيث ان هنالك صوت محكي فقط ادى الى تقطيع اوصال الثقافة مما
فية من سوء تواتر و ابداله بمحكي آخر حتى اصبحت الثقافة المتوفرة و الموروثة
عامة بمعنى انها تفتقد الى العمق و الوعي و القدرة على التحليل و ابراز الشخصية
و الانتاج الموثق الموثوق و الخيال الحر الذي يعن في الخاطر.

و لهذه الاسباب البيئية و النفسية اصبح السرد همسا و ان جهر به تتساقط من
جنباته الحقائق فيعتنقه الشباب المبتديء فيخرج بلا رصيد و يكون استنساخا
لأفكار قديمة تحمل في طياتها اسباب هزيمتها مبكرا و تعشق الحنين الذي يكسر
درجات البحث و المغامرة . ربما البعض يرمي بثقل هزيمته و خيبته على الانظمة او
السلطة و لكن هذا لا يمنع من المثابرة و الاجتهاد
و ان الانظمة مهما افقرت الشعوب الا ان جزوة النار لا تهمد . الكلمة هي اشرف ما
في الكون واجمل ما ينتجه البشر لانها عبرها عبر الرسل و الرسالات وهي ما
دافع بها الفلاسفة و العلماء عن الانسان ضد عصور الظلام و التخلف و ان جمال
الكلمات ارقى ما في الكون و اجدر ما ينتج الثقافة فالهمس بالكلمات في هذا
الزمان جبن و الجهر بها قيمة عظيمة ترفع من شأن الفرد و تنقله من الفردانية الى
المجتمعية و توصله بالعالمية من المحلية ثم تصلة بقيمة اعظم و هي الانسانية
اي شيء اشرف من ان تحكي بضمير الانسان الفنان المرهف الشفاف اي طفل يشبه هذه
الصفات التي ينضح بها الانسان. فالانسان انبت في هذه الارض الكوكب المتفرد و
هو مثل النبات و الحيوان لا ينمو في تربة غير صالحة فان ترك فيها بحرية كان
النتاج اجمل و اكثر ابداعا , و ان ترك في ارض متعفنة لم يحصد الا انسان مسكون
بنزق الانسان و نزعة الشر .

اي عنصر غير الانسان في هذا الكون يقدر على السرد هو الذي يملكه و يتفرد به ؟
اي طفل اُخرس في لحظة ميلاده لأنه يريد ان يتنفس؟ و اي شاة تيعر في هذا الكون
قد صم فمها كي تكف عن التصويت ان لم يكن لديها احساس بفقد؟ و أي بشر قد ازهقت
روحه او صم فمه و لم يكن مظلوما؟ ربما هنالك فوج من الاسئلة و الدهشة لا
تحتملها السطور فلنكتفي بالجهر بالقليل فهو دلالة و رسالة قوية للذين يقبعون
خلف جدران التردد و عبث الاستسلام و الرغبة في الاهمال و الذين تساورهم
خيالات عدم الثقة و عدم الاكتشاف الحقيقي للعالم و الذات الانسانية و الشخصية.
ان الجهر بالكلمات في حضور ذات لها وجود ينتقل بها من طور الخيال و الاختبار
الى طور الواقع و المواجهة . و العالم الآن اصبح يجهر باعظم من الكلمات فقط في
حدودها الافقية او الظاهرية بل اصبح يجهر باصوات الذوات و الخيال و ما ورائهما
من فلسفة متعالية و ادراجها في حيز الانتاج الابداعي . فلننظر الى العالم مع
صراعاته الطويلة كيف استطاع ان يبدع و يهتدي الى اصناف من التجليات و الغوص في
هذا الجسد الانساني الغريب حتي وصل الى ذوات متعددة تحل في افراد مختلفين
يكونون المجتمع و الثقافة ثم يحفلون بها و يفرحون بممارستها الحضارية .

بقلم: أ . احمد يوسف حمد النيل - الرياض

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2006
Sudan IT Inc All rights reserved