تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

بيت الخياطة بقلم هلال زاهر الساداتي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
9/30/2005 7:46 م

أمدرمانيات
بيت الخياطة

أتحدث عن أمدرمان أو بالأحرى عن بعض ما كان يأتي أهلها فيها من ممارسات وعادات عفي عليها الزمن الآن وأن كان بعضها مازال يقاوم , وأن كان مصيره إلى زوال لا محالة بحكم التنوير والتطور , وهي أمور قد عايشتها في طفولتي وصباي , فأمدرمان حبيبة إلى القلب وهي كالمغنطيس إلى الحديد يجذبك حبك إليها ويحزنك بعدك عنها وكل من عرفها يأرز ( يرجع ) إليها كما يأرز الإيمان إلى مدينة الرسول المنورة وما هي بالحسناء الصغيرة ولا هي بالفاتنة الخلابة ولكنها أخذت بطرف من كل حسن وبلورته صفاء وبهاء في كرم مترف !
وفي الأربعينيات وجزء من الخمسينيات في القرن الماضي لم يكن تعليم البنات منتشراً سوى في مدارس الجاليات الأجنبية أو البعثات التبشيرية المسيحية فقد كانت هناك مدرستان أو ثلاث مدارس أولية في أمدرمان وهي تابعة للإرسالية الإنجليزية , إحداها مازالت في مكانها في موقعها في شارع المهاتما غاندي غرب مدرسة أمدرمان الأميرية المتوسطة ووادي سيدنا الثانوية والثانية هي مدرسة الموردة الأولية للبنات والتي صارت مدرسة الصحابية أم جابر الأنصارية للأساس قبالة دار الرياضة بأمدرمان .. وكان القلة هم الذين يبعثون بناتهم ليلتحقن بتلك المدارس وكان الآباء يحجمون عن إدخال بناتهم في هذه المدارس , كما أن الناس لم يكونوا يحبذون تعليم البنات وكن يقرن في البيوت حتى يتزوجن .. وما دمنا في دنيا النساء فقد عانت المرأة السودانية ما عانت من غَشْم التقاليد والعادات ومن أسف أنه كان هناك ( تابو ) أو خط أحمر محرم على الرجال أن يتخطونه فهو خاص بالنساء وفيه يتحكمن وحسب – يعني خصخصة – نسائية بتعبير اليوم ! مثل الشلوخ ودق الشلوفة والختان الفرعوني .. وكانت النساء يرون أ، كمال المرأة لا يتم إلا بها , تماماً مثل ما يرى بعض النساء اليوم أن كمال الدين في لبس النقاب وارتداء القفازات والجوارب السوداء في اليدين و القدمين , ومثل الرجال الذين يرون تمام الدين في تقصير الجلباب وإطلاق اللحية .. و تخلصت النساء من الشلوخ ودق الشلوفة وبقيت آفة الختان الفرعوني وإن تقلصت قليلاً ولكن بعض النساء والجاهلات والمتعلمات يصررن عليها وصارت تمارس سراً مثل دق الظار ( الزار ) والذهاب ( للفقرا ) , مع أن الاتحاد النسائي حارب هذه العادة الضارة منذ الخمسينات من القرن الماضي وحديثاً قرأت كتاباً للدكتورة بلقيس بدري صدر عن جامعة الأحفاد أوردت فيه مقالات المختصين من أطباء وعلماء عن الختان الفرعوني وكتبت فيه الدكتورة بلقيس بحثاً جريئاً رائعاً ولا عجب فهي حفيدة الشيخ الجليل بابكر بدري والذي كان يقول لنا ونحن طلبة في ثانوي الأحفاد : (( يا أبنائي لا حياء في الدين ولا حياء في العلم )) .
ويجدر أن أذكر أنه يوجد قانون جنائي منذ أيام الإنجليز يجرم هذه العملية ويعاقب القابلة ( الداية ) وأم الطفلة المختونة فرعونياً بالسجن , كما أن مصلحة الصحة في ذلك الوقت أصدرت كتيباً لتبيان مضار هذا الختان وصدرت الكتيب بكلمتين للسيدين على الميرغني وعبد الرحمن المهدي عن أن الختان الفرعوني ليس من الدين في شيء . وأما حديث النبي للخاتنة في معناه ( اخفضي ولا تنهكي ) هو حديث ضعيف لا يعتد به , وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختن بناته , وأن كان ما يسمى ختان السنة حقيقة لعمله النبي لبناته .. لقد أخذنا الحديث عن عاداتنا المرذولة ولنعد من الجيد منها فقد كانت الفتيات يذهبن إلى ما يسمى بيت الخياتة ( الخياطة ) وهو في الحلة ليتعلمن فنون التطريز والخياطة وكان لدي كل فتاة منسج من الخشب , تحمله معها إلى بيت الخياتة ومعه بكرات الحرير والخيوط الملونة وقطع قماش مثل شنطة الكتب اليوم , وتنشر الفتاة قطعة القماش وتثبتها على المنسج ثم تطرز عليها بالإبرة أشكالاً فنية من الورود أو الزخارف , والفتاة تعمل ملاءات ومفارش وأكياس للمخدات ومناديل وطواقي , وما كان يخلو بيت من هذه المطرزات الجميلة , وقد تهدي الفتاة منديلاً أو طاقية مطرزاً لخطيبها أو لعريس من أهلها وقد أهدتني بنت خالي عدة مناديل من هذا النوع عند زواجي وكن الفتيات لا يخرجن بالنهار أبداً إلا لبيت الخياطة وهن ( مبلمات ) يعني ( محجبات ) يغطى الثوب أجسادهن ووجوههن ولا يظهر منهن إلا العيون. وكان بيت الخياطة منتدى لبنات الحلة يجتمعن فيه لتبادل الأحاديث و (القطيعة ) أو ( الشمار ) بلغة بنات اليوم , كان بيت الخياطة بمثابة مدرسة للفتيات وأما المعلمة فإنها امرأة حاذقة فنانة ولم تكن تتقاضى الكثير من الأجر نظير تعليمها البنات فنون الخياطة والتطريز .. كم من بناتنا اليوم يحسن هذا النوع من الفن ؟!
وقد خلد الفنان أحمد المصطفى بيت الخياطة في أغنيته الخفيفة ( سميري المرسوم في ضميري ) والتي يقول فيها :
بهاجر ليها حافي وأزور بيت الخياطة
وقد كذب الشاعر في هذه لأنه كان محظوراً على الرجال دخول بيت الخياطة , ولعله كان يحوم حوله
( مجرد حوامة ) .

هلال زاهر الساداتي

[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved