تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الحزب الشيوعي السوداني .. هل يفقد بوصلته السياسية؟ بقلم الوليد مبارك إبراهيم-نيويورك - بروكلين

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
9/30/2005 7:34 م

يبدو أن عماشة الرؤى السياسية التي طالت الكثيرين هذه الأيام قد سرت عدواها لتصيب القيادات في الحزب الشيوعي .. فالحزب يعيش هذه الأيام حالة من الترنح السياسي أدت إلى حالة من الغباشة في مواقفه السياسية التي كانت دوماً بنقائها و شفافيتها مصدر فخر للشرفاء الكادحين الذين يروا فيها تعبيراً صادقاً عن أمانيهم و أحلامهم .. و تاريخياً كنا نقول أن الحزب الشيوعي ظل منذ فجر ميلاده منحازاً لقضايا الجماهير حيث أنها كانت على الدوام نقطة إنطلاق نضاله السياسي و حادي دربه و نبع إلهامه .. و حتى عندما تنكّب الحزب الطريق في بعض من مسيرته و تعثرت الخطى لم ينل ذلك من نصاعة المواقف و لا إشراق التاريخ الذي لم تدنسه لطخات العبث بمقدرات الشعب و لا وصمات التآمر عليه .. و قد استطاع الحزب دوماً أن ينهض من كبواته و يستلهم العظة و الدروس من أخطائه و يمارس النقد الذاتي و يصحح المسار بما يتماهى و تطلعات الجماهير .. و هذا الإنحياز التاريخي لقضايا الجماهير كان بمثابة صمام الأمان للحزب من الولوغ في الفساد السياسي و مستنقعات الرؤى الضبابية التي غالباً ما تدق إسفين التغريب بين الأحزاب و جماهيرها فيفقد الحزب على الأثر بوصلة الإتجاه تجاه قضايا الجماهير ..

إلا أن المتابع لأحوال الحزب في الآونة الأخيرة لا بد أن يلاحظ هلامية بعض المواقف و التصريحات لبعض قيادات الحزب .. فما كدنا نفيق من صدمة زيارة وفد من الحزب للترابي في منزله و مصافحته مهنئين له بخروجه من حبسه المنزلي حتى نتلقى لطمة التصريح الذي جاء على لسان الأستاذ سليمان حامد من أن الحزب سيدخل المجلس الوطني و مجالس الولايات لنظام الإنقاذ بتبرير هو في حد ذاته لطمة موجعة و هو إسماع صوت الجماهير للنظام ..

في وثيقة الأستاذ التيجاني الطيب التي قدم فيها جرداً لحساب الحزب عبر السنين و بشجاعة القادة مارس نقداً ذاتياً شفيفاً لكل أخطاء الحزب في مسيرته وردت فقرة عن دخول الحزب إنتخابات المجلس المركزي في عهد عبود كأحد أبرز أخطاء الحزب و كان المبرر هو العمل من الداخل لإسماع صوت المعارضة للسلطة و لكن الأستاذ التيجاني يقول إن الحزب إكتشف لاحقاً خطل ذلك المبرر حيث أن الديكتاتوريات لا تسمع سوى صدى صوتها .. و لكن الأستاذ سليمان حامد يسوق اليوم نفس المبررات التي انتقدها و أقر بخطئها الأستاذ التيجاني .. مما يدعو للتساؤل عما إذا كان الحزب قد بدأ يفقد حاسة البصر السياسي و بدأ يبتعد عن بوصلته السياسية التي طالما أعانت الحزب على تلمس طريقه كلما اشتد ضباب الرؤية السياسية ..

لا ندري كيف يمكن إسماع صوت الجماهير لسلطة أقامت جداراً عازلاً للصوت و الصورة بينها و بين الجماهير .. و لا ما هو الفرق بين دخول المجلس الوطني و دخول الحكومة .. و لا ما هو الفرق بين مبررات سليمان حامد لدخول مجلس الإنقاذ و بين مبررات الشريف الهندي لدخول حكومة الإنقاذ حيث ذكر أنه دخل الحكومة لأن حفنة من الإتحاديين قد استنجدوا به بعد أن فاض بهم الكيل من ضيق ذات اليد و جفاف الزرع و الضرع .. فوجد أن أنجع السبل للخف لنجدتهم هو دخول حكومة الإنقاذ ..

إننا نعتقد أن الحزب الشيوعي يجب أن ينأى بنفسه عن أي شبهة تعامل مع نظام الإنقاذ ذي السجل الأسود و نعتقد أن الحزب ليس بحاجة إلى دخول مجالس النظام لإسماع صوت الجماهير و لكن بإمكانه إستغلال الواقع الجديد الذي فرضته إتفاقية السلام و الإستفادة من الدستور الجديد و الإنفراجة السياسية المفروضة على النظام لجعل صوت الجماهير مسموعاً .. و نعتقد أن الحزب الشيوعي يمكن أن يصعد من درجات النضال السياسي و الإجتماعي عبر منابره و منابر الجماهير و عبر استغلال نفوذه التاريخي داخل أدوات النضال الجماهيرية كالنقابات العمالية و المهنية و المنظمات الشبابية و الفئوية من واقع إلتحامه اليومي بجموع الكادحين .. فلكم وقفت تلك المنظمات غضّة في حلوق الأنظمة القمعية و لكم فجرت من الإنتفاضات و الثورات و لكم قدمت من الشهداء في ملاحم الكرامة .. هكذا تنتزع الجماهير حقوقها و قد كان الحزب الشيوعي حاضراً في قلب كل تلك المعارك .. حزب بقامة الوطن و كبرياء الشرفاء ..

إن انخراط الحزب في مؤسسات النظام الإنقاذي هو بمثابة الإعتراف بشرعيتها في الحكم و التشريع أما المبررات فإنها العجب العجاب .. و أن يقول سليمان حامد أنهم سيدخلون حاملين كلام و منطق و برامج و ليس سلاح فإن هذا هو خوار العزيمة بعينه و هي المهادنة بذاتها .. فلا الكلام يفيد مع من صم أذنيه و لا المنطق يقنع من لا يؤمن به و لا البرامج يمكن ترجمتها إلى واقع من خلال مؤسسات فاقدة لأبسط مقومات المؤسسية كالشفافية و الديموقراطية .. و بالتالي يصبح من قبيل الهرطقة السياسية القول بدخول هذه المؤسسات بأمل الإصلاح من الداخل .. هذه المقولة التي صارت ممجوجة من كثرة ما اتخذتها أحزاب المصالحات مطية لإقتسام كعكة السلطة مع الأنظمة الديكتاتورية في السودان ..

نتمنى أن يجد الحزب الشيوعي لحظة للوقوف مع النفس و إعادة قراءة الواقع الحالي في السودان .. فهاهي إنقاذ ما بعد السلام تسفر عن وجهها الكالح الحقيقي مرة أخرى بعد أن أزالت عنه قناع الإعتدال الزائف الذي حاولت به خداع الجماهير في الآونة الأخيرة .. و كما عودتنا فإنها لا يؤمن لها جانب و أنها سريعة النهمة تريد الإستحواذ على كل شئ .. و هاهي تستغل الرحيل المفاجئ لدكتور قرنق القائد المحنك و ما أحدثه ذلك من ربكة داخل الحركة الشعبية أضعفت قدرتها على المساومة لتستحوذ على نصف مقاعد الوزارة الجديدة بما فيها وزارتي الطاقة و المالية تاركة الفتات للحركة الشعبية التي أقعدتها الأحزان .. ناهيك عن تهميش القوى السياسية الأخري مما خلق حالة من عدم التوازن السياسي ستلقي حتماً بظلالها على الفترة الإنتقالية و التي انتعشت آمال الجماهير بمقدمها باعتبارها بوادر عهد جديد و مدخل للخروج من الأزمة السياسية المزمنة و إيذاناً بتفكيك دولة الحزب الشمولي و مؤسساتها و الإنطلاق نحو بناء السودان الجديد ..

إن مهام الفترة الإنتقالية لهي أكبر كثيراً من مجرد إسماع صوت الجماهير لسلطة الإنقاذ .. فالتحدى هنا هو كيف نستطيع أن نستغل هذه السنوات لترسيخ واقع سياسي و اجتماعي يدعم مشروع الوحدة .. و يلبي حاجات عموم أهل السودان بجنوبه و شماله .. و كيف نستثمر الظروف الجديدة لإعادة بناء جسور الثقة المهدومة و رتق النسيج الإجتماعي بين الجنوب و الشمال و إرساء قيم ثقافية و إجتماعية جديدة تشجع الجنوبيين على الوقوف مع خيار الوحدة ضد الإنفصال .. هذا هو التحدي الماثل أمامنا .. و هو تحدي يستدعي أن نشحذ كل أدوات النضال الجماهيري من أجل مجابهته .. و تلك أدوات طالما أجاد الحزب الشيوعي إستخدامها .. و معارك طالما بزّ في ساحاتها طلائعاً و قيادات .. فالأدوات هي منظمات الجماهير عمالاً و مزارعين و طلاباً و مهنيين و مثقفين و شباباً و نساء .. و الساحات هي مواقع هذه الجماهير أينما كانت داخل نقاباتها و إتحاداتها العمالية و المهنية و أحزابها السياسية و مدارسها و جامعاتها و منابرها الإعلامية و السياسية .. فهل يرتفع الحزب الشيوعي إلى مستوى هذا الظرف التاريخي الدقيق في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ شعبنا .. نتمنى ذلك من الأعماق لأن التاريخ سوف لن يرحم ..

الوليد مبارك إبراهيم

نيويورك - بروكلين

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved