تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الاغتراب في الزمن المحتسب بدل الضائع بقلم سيف الاسلام أبوبكر- السعودية

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
9/28/2005 3:19 م

الاغتراب في الزمن المحتسب بدل الضائع

--------------------------------------------------------------------------------

بسم الله الرحمن الرحيم

والدنا العارف بالله الشيخ / عبد الرحيم البرعي, أنزل الله عليه شابيب رحمته , و من خلال كلماته الرصينة وشعره الأخاذ الذي توشحه الأساليب البلاغية من كل الجوانب منها علي سبيل المثال لا الحصر (لزوم ما لا يلزم) في انتقاء القوافي حيث يلتزم الشاعر حرفين أو أكثر بدلا عن الحرف الواحد المطلوب لقافية القصيدة , منها كلماته في قصيدة (ساكن المدينة الخير):

يا من سميع وبصير سامحنا في التقصير

أصبح زمنا قصير وبقت شمسنا عصير

وشعر شيخنا ووالدنا مليء بموضوعات البحوث والدراسات.فقبل سنوات خلت أطلق والدنا صافرة الأنذار للمغتربين في احدي روائعه التي مطلعها (العودة يا ناسي قبال يجي القاسي) و هذه القصيدة خير واعظ للمغتربين.

الاغتراب والهجرة من الأوطان أمر معلوم لا يحتاج الي شرح ولاتوضيح,ولكننا نعتقد أن أهم نقطة جوهرية في الاغتراب والتي لا يدركها الا المغتربون أنفسهم وهي حقيقة الاغتراب الذي ظاهره الراحة والسعادة وباطنه التعب والشقاء , وذلك لما يعانيه المغتربون في بلاد المهجر, وقديما قالت العرب في الاغتراب:

ومن يغترب يحسب عدوا صديقه ومن لا يكرم نفسه لا يكرم

وكلمة مغترب كان لها في الماضي وزن ومعني أما الآن فقد أصبحت مجرد( حبر علي ورق) , والاغتراب فيه نيران لا حصر لها , منها ما يشدو به المطرب / حمد الريح (نار البعد والغربة , الشوق لأهلي والصحبة ) فكل هذه النيران تفوق طاقة المغترب مهما كانت استعداداته من معدات الدفاع المدني (المطافئ). وللاغتراب بريق ولمعان وأغلبه مثل( البرق الخلب ) فتلاحظ المغتربين بالساعة والنظارة المذهبتين وهنا يجب ألا يفوتنا تذكر المثل المشهور ( ليس كل ما يلمع ذهبا ).

ويمكننا تقسيم الاغتراب الي ثلاثة أنواع , وذلك لأننا نعتقد أن عمر المغترب يتحدد من زاويتين , عمره الحقيقي من حيث السن والعمر الثاني ان جاز التعبير (العمر الاغترابي ) , وكاتب المقال مغترب (رضيع) لم يبلغ سن الفطام المعروفة .

فالنوع الأول من الاغتراب هو (الاغتراب الطبيعي) الذي لا يتجاوز العشر سنوات , والنوع الثاني (الاغتراب المزمن )(Chronic) الذي ربما يصل الي أكثر من ثلاثين سنة والنوع الأخير (الاغتراب الاضطراري) وهو نفس الأمر الذي يحدث للطائرات أثناء رحلاتها,وتسميته (اضطراري)لأن المغترب من هذا النوع قد كانت له تجربة سابقة في الاغتراب وعلم كل خباياه لذلك تجده مضطرا للجوء للاغتراب مرة أخري متمثلا القول المشهور (مكره أخاك لا بطل ) , ويكون الهدف من هذا النوع هو تكملة بعض المشاريع والأهداف والعودة في أسرع وقت , وكما لكل قاعدة استثناءات,فاننا نستثني من نوع (الاغتراب المزمن) المغتربين في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة علي ساكنها أفضل الصلاة والتسليم , وذلك لأنهم قد عرضت عليهم (الصافنات الجياد) من الوظائف والمناصب العليا في مناطق أخري داخل وخارج المملكة العربية السعودية وفي بلادهم فآثروا مجاورة الحرمين الشريفين ,نسأل الله عز وجل أن يجعل جوارهم في ميزان حسناتهم.

فعلي الرغم من حداثة (العمر الاغترابي) لكاتب المقال الا أنه يعتقد أن الاغتراب في الآونة الأخيرة أصبح مثل قطرة العسل في الماء المالح ,وقبلها بذلوا له النصح عند (منعرج اللوي) فلم يستبين النصح الا ضحي الغد , والمغتربون أصبحوا مثل الصناعات الحديثة من حيث التصنيف فمنهم القدامي من الصنف (الأصلي)ومنهم (التقليد) و(التجاري). ومن معضلات الاغتراب أن المغترب اذا ترك أولاده في السودان أو جاء بهم الي بلاد المهجر فهو في (الحالتين ضائع) وذلك بسبب الافرازات السالبة للغربة في غيابه أو وجود أبنائه في مجتمع لا يشبه البيئة السودانية الأصيلة. وهكذا أصبح الاغتراب لا طعم له ولا لون ولا رائحة وسمعت شقيقي الأكبر المغترب يقول انهم لا يذوقون طعم النوم الحقيقي الا في السودان.

و من عجائب الاغتراب اخواتنا العزيزات اللاتي ترعرعن في بلاد المهجر فأحيانا بعد أن تتزوج البنت ربما تتصل من هاتفها السيار وهي داخل المطبخ في أبوظبي أو الرياض أو الظهران أو حتي لندن لتسأل عن طريقة معينة أو مقادير نسيتها في اعداد( حلة الملاح) البسيطة الصنع , وهكذا يصبح الأمر أكثر تعقيدا من المعادلات الرياضية اذ أن قيمة الاتصال تكون أضعاف ثمن (حلة الملاح), واخواتي العزيزات قد يتهمنني بعدم المواكبة والتحضر وذلك للتمسك بزمن( الكسرة والملاح) الذي ربما يعتقدن أن الزمن قد تجاوزه, اذ نحن في عصر (البروستد) و(المشويات).

أما العلاقات الاجتماعية بين المغتربين تدهورت فاكتفوا بالسلام و(السلام) وعلي صعيد العلاقات المالية (حدث ولا حرج) , وقديما كانت الغربة (سترة حال) ولكن يبدوا أنها في زماننا هذا أصبحت (كشف حال ) . ولا ننسي الدور الكبير الذي تبذله الفرق الدرامية في معالجة القضايا الاجتماعية , وهنا يحضرني اسهام أحد أبرز أعضاء( هيئة حلمنتيش العليا) الشاعر الفذ/ محمد الجاك الصراف فقد كتب قصيدة حلمنتيشية عصماء في الغربة نذكر منها بعض المقاطع حيث يقول :

وصاني كتر للوصايا الغربة قال بتفتح الناس العمايا

صدقنا نحن وقمنا ندهبش حفايا

وسافرت آمالي أبعد من مدايا ولما تهت رجعت للناس الورايا

ناس اسووا الحيلة بس جواب سلام وآخر الكلام يصبح وصايا

ناس فلتكان دايرين يطقوا من الزعل قالوا أب سويقات رقاق ما جاب هدايا

وقبل الختام نطرق باب الذكري لرئاسة الجمهورية وجهاز شئون العاملين بالخارج , وذلك لما وصلت اليه حالة الكثير من المغتربين التي تغني عن سؤالهم وخاصة حديثي العهد بالاغتراب,ونؤكد الآن أن الآلاف من المغتربين متاهبين للعودة الي أرض الوطن نهائيا فقط كأنهم في انتظار الضوء الأخضر بالعفو العام والشامل عن كل المتأخرات والرسوم والضرائب للعائدين نهائيا من الاغتراب دون أي شرط أو قيد ,ونحن نعلم أن ظاهر الأمر فيه خسارة الآلاف من الدولارات , ولكننا نؤكد أن الوطن رابح بعودة أبنائه الي أرضه الطيبة , ورابح مرة ثانية بالمحافظة علي (السمعة الذهبية المختومة) للسودانيين العاملين بالخارج الذين أصبح بينهم من تدهورت أوضاعه المالية فصاحبها افرازات سالبة بدأت تظهر علي السطح , والتي يجب أن تكون معلومة بالضرورة من قبل رئاسة الجمهورية ورئاسة الجهاز , ونستسمح رئاسة الجمهورية العذر لربطها بالأمر ,وذلك لأن (السيل قد بلغ الزبا) ووصل لدرجة المساس بسمعة الوطن ,والأمر يتطلب( المعالجة الرئاسية) لينعم الأهل في السودان بالسرور لعودة أبنائهم الذين هم الآن علي أحر من الجمر شوقا لرؤيتهم فقط دون أن يعيروا أي اهتمام لأية عملات ولا مغانم يجلبونها اليهم مهما كانت قيمتها المادية .
و علي الرغم من أن عنوان المقال يشير الي أننا في الزمن المحتسب بدل الضائع , فقد ذكر لي أحد المغتربين القدامي أن حكم مباراة المغتربين أطلق صافرة النهاية منذ زمن طويل , وأخذ الكرة معه وانصرف تاركا وراءه اللاعبين والمشجعين وبينهم كاتب المقال (يلوصون) في (ميدان الاغتراب).

و رسالتنا الأخيرة لكل أولئك الذين يحزمون حقائبهم متأهبين للاغتراب , وحتي الذين يقرأون هذا المقال و هم في صالة المغادرة , أو علي متن الطائرة أو الباخرة ,أو في أول يوم لهم في بلاد المهجر لا نقول لهم ارجعوا , و ذلك لأن الاغتراب أصبح مثل نظام العمل بالمناوبة (النبطشية) , العائدون لأرض الوطن يسلمون المهمة للمغادرين الي بلاد المهجر , فقط وصيتنا لهم أن يسألوا الله سبحانه وتعالي الصبر الجميل , والاكثار من الدعاء والصلوات , وأن ينتهجوا منهج الآيتين الكريمتين بالاستعانة بالصبر والصلاة و تقوي الله سبحانه وتعالي ليرزقهم من حيث لا يحتسبوا , و أنه لا مفر لهم من الاغتراب وليس لهم من سبيل لأن الأمر مقدر ومكتوب كما قال الشاعر:

مشيناها خطي كتبت علينا ومن كتبت عليه خطي مشاها

ودعواتنا لهم متواصلة بالتوفيق من الله العلي القدير .

أخوكم / سيف الاسلام أبوبكر- السعودية


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved