تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

شيئ من انتماء السلام للفلسفة.الرغبة في السلطة(9) بقلم عصام الدين محمود حسن

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
9/12/2005 5:21 م

شيئ من انتماء السلام للفلسفة.الرغبة في السلطة(9)
عصام الدين محمود حسن
[email protected]
_________________________________________
بعنوان
"الرغبة" عن جيل دولوز
هو موضوع يتطرق للرغبة في السلطة كأخلاقية مؤسسة . و تنظيم الرغبة و الزات كفلسفات في مجتمع معين تحت ظروف معينه .
الموضوع من عرض كتاب بواسطة:
محمد أبكير- المغرب


يبدأ عرض الكاتب للكتاب من هنا

(((
ينبغي التنبيه منذ البدء إلى أن فكر جيل دولوز Gilles Deleuze قد تدرج صوب تأسيس "أخلاقية للرغبة"، تختلف تماماً عن الأطاريح التي صيغت حولها، وعلى وجه المنصوص لدى جاك لا كان J. Lacan ، زعيم مدرسة التحليل النفس الفرنسية، وميشال فوكو M . Foucault ، في تحليلاته لتجليات السلطة وآليات اشتغالها في علاقة مع الذات.

• نظام الرغبة والسلطة:
إن ما يتم التفكير فيه، فعلاً، على خلفية الثيمات التي اشتغل عليها ج. دولوز، - الخارج، خط الهروب، التعدديات، التنظيمات.. - ، ليس شيئاً آخر غير "الرغبة".
وإذا كانت القرابة بين دولوز وفوكو كبيرة، حيث إن "الجهاز" يقابل "التنظيم"، و"المِبيان" مفهوم مشترك بينهما، هذا عدا عن كونهما يشتغلان على موضوع أساس هو: "التعدديات"، فإنه ينبغي مع ذلك أن لا نسقط فلسفة الرغبة الدولوزية على الفلسفة الفوكوية في السلطة والذات. فالاختلاف بينهما بهذا الصدد كبير جداً. ويكشف مفهوم "تنظيم الرغبة"(1) باعتباره أداة مركزية لتنظيم التعدديات عن أصالة فكر دولوز. وبرغم جدته فإن هذا لا يعني بتاتا أنه أعاد النظر في إشكالية الرغبة التي افتتحها منذ أعماله الأولى بنظريته في الاستيهام (Fantaswe) والسيمولاكر (Simulacre = النسخة)، في كتابيه "الاختلاف والتكرار"(2) و"منطق المعنى"(3)؛ وبنقده للقمع وللنزعة العائلية للتحليل النفسي في مؤلفه "ضد أوديب"(4) في كتابه حول فوكو(5) ينبه دولوز إلى أن هذا الأخير وجد نفسه أمام مأزق يتعلق بوضع، ومصدر وتكوين نقاط مقاومة السلطة. كيف يمكن الخروج من الطريق المسدود الذي تضعنا فيه السلطة؟ كيف الوصول إلى الحياة باعتبارها قوة الخارج؟ كيف نعبر الخط؟. لقد كان جواب فوكو هو وجوب ثني هذا الخط لتكوين منطقة بالإمكان العيش فيها – ثنية التذييت (6)- . سيدفع دولوز السؤال والجواب معاً، واعتبرهما غير كافيين. فعلاوة على أن نظرية أنماط التذييت تحتم الرجوع على إشكالية الذات المكوِّنة، فإن السؤال نفسه لا معنى له، ولا ينبغي أن يطرح أصلاً، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الوجود الاجتماعي كما يتصوره دولوز.
يسجل دولوز أن الأطروحة الأساس في كتاب "المراقبة والعقاب"(7) تتعلق بإجراءات وتدابير السلطة. والتصور الذي تقدمه في هذا الباب يعتبر، من جهة، تجديداً سياسياً عميقاً لمفهوم السلطة، في مواجهة كل نظرية في الدولة، وهذا ضد النزعة اليسارية المهيمنة، ومن جهة أخرى، فهي تسمح بتجاوز ثنائية التشكيلات الخطابية والتشكيلات غير الخطابية، التي توجه تحليلاته في كتاب "أركيولوجيا المعرفة"(8)، وبتفسير الكيفية التي تتوزع بها كلتا التشكيلتين. ولقد كانت المحصلة أن تدابير السلطة لا تعمل بواسطة القمع والإيديولوجيا، بل من خلال التطبيع والضبط.
يحقق كتاب "إرادة المعرفة"،(9) حسب دولوز تقدما بالمقارنة مع "المراقبة والعقاب". سيتم إقصاء مفهومي القمع والإيديولوجيا، لكن إجراءات السلطة وتدابيرها لا تكتفي بأن تكون تطبيعية، بل إنها تميل لكي تصير مكونة (للحتمية). إنها لا تقتصر على تكوين معارف، إنها مؤسسة للحقيقة (حقيقة السلطة). لم تعد تحيل إلى مقولات سلبية – الحمق، الانحراف كموضوع للحجز -، بل إلى مقولة إيجابية – الجنسية - . وجه الخطورة هنا هو، كما سبق الذكر، احتمال الرجوع إلى ما يشبه الذات المكونة! وكذلك إحياء مفهوم "الحقيقة"، حتى ولو أعطاه م. فوكو مدلولا آخر.
مسألة أخرى من الأهمية بمكان، وتتعلق بطبيعة التحليل الدقيق Micro-analyse الذي طوره فوكو في "المراقبة والعقاب". فعلى ما يبدو لم يكن الاختلاف بين الظواهر الدقيقة والظواهر الأعظم اختلافا في الحجم، بحيث تتعلق التدابير الجزئية للسلطة بمجموعات صغرى، كما لا يتعلق الأمر بثنائية متخارجة، باعتبار وجود تدابير جزئية محايثة لجهاز الدولة، من جهة، واكتساح بعض التدابير وجود تدابير الجزئية لبعض مكونات جهاز الدولة، من جهة أخرى.
إن التباين بين الظواهر الدقيقة والظواهر الأعظم لا يستبعد محايثة الاثنين. لكن هل يسمح الاختلاف في الطبيعة بينهما بالحديث عن تدابير السلطة؟. إن مفهوم الدولة غير صالح للتطبيق في مستوى التحليل الدقيق لأنه لا يتعلق بصورة مصغرة عن الدولة. لكن، هل مازال بالإمكان تطبيق موضوعة السلطة ذاتها، أليست هذه الموضوعة نموذجاً مصغراً لموضوعة أعم منها؟
في هذا المستوى يبرز الاختلاف بين دولوز وفوكو(10). فإذا كان يتحدث عن نظام أو تنظيم السلطة – مع فيليكس غاطارى - ، فذلك لأنه يعتبر أن إجراءات وتدابير السلطة لا يمكن أن توصف بحدود ترجع إلى الحقل الدلالي لمفهوم السلطة. إن استعمال مفهوم "تنظيم الرغبة"، يعني أن الرغبة ليست قط تعييناً أو تحديداً "طبيعياً"، "تلقائيا". في كل تنظيم هناك وجهان ولا تشكل علاقات السلطة سوى أحد الوجهين، وبالتحديد البعد الذي تشغله صيرورات إعادة التوطين، أما البعد الآخر فتشكله خطوط الانفلات، الانتزاع من المكان، اللا توطين والخلق التي تتوافق مع الرغبة ذاتها، باعتبارها توليفاً وفصلاً للانسيابات، وللمتنافرات. وعليه، وبالنظر لأولوية نقاط الانفلات داخل التنظيم، يدخل مصطلح "تنظيم الرغبة"، أو كما أسماه سابقاً، "الآلة الراغبة"، لتمييز هذا النمط من التعدديات.
مفهوم "التنظيم" مفهوم مركزي في فكر دولوز، سيسمح له بأن يقطع نهائياً وبشكل إيجابي مع نظرية التمثل. لقد تبلور المفهوم بالتدريج. ففي "ضد أوديب" الذي يعطي أهمية كبيرة لمفهوم القمع، نصل إلى طريق مسدود. إن فكرة القمع، هي بالفعل، إحدى المقولات الجوهرية للفكر التمثلي. فهي تجر معها شيئان ضرورة: الثنائية السببية، لحصول القمع يجب توفر علة قامعة تتوجه صوب رغبة (مقموعة)، حيث يتحقق مفعولها ، أي القمع، علاقة ممثِّل /ممثَّل، فلغرض حصول القمع يجب حصول القدرة على التأثير والتشويه، علاقة مواجهة رأسية تستلزم تخارجهما المتبادل، باختصار العلاقة الثنائية و"الخارجية" المكونة للتمثل. أمام هذه الصعوبات كان لابد من إعادة تنظيم مفاهيمية. كانت البداية مع اللسانيات، حيث يعيد دولوز بناء نظرية التعبير باستخدام مفهوم "التنظيم"، باستبعاد كل أثر للتمثل في وظيفة التعبير، وبالالتفاف على نظرية اللغة والدلائل – نظرية الدال – الآتية من ف. دى. سوسير، وبناء نظرية في التعبير تستغني عن مفهوم "العلامة" – كعلاقة بين دال ومدلول -. إن النقطة المحورية هي العلاقة

جيل ديلوز
بين العلامات والعناصر الأخرى المافوق – لسانية داخل مجموع يسمى "تنظيما" أو "نظام علامات".
الفكرة الهامة هي أن الانسيابات السيميائية يتم الإمساك بها في إطار علاقة ترابط مع الانسيابات المافوق – سيميائية والممارسات المافوق – خطابية، بدون أولوية ولا دونية. ما يهم هو فكرة "التوليف" أو التنظيم"، حيث إن ما بجري في المقام الأول هو علاقات اشتغال مشترك، وليس علاقات دال بمدلول، ممثل بممثل. تبرز على هذا النحو فكرة "لسانيات للانسيابات" تعارض لسانيات الدال (11).
بنفس المنظور تتم مقاربة "الرغبة". ولعل الفكرة الحاسمة هنا هي ما أشير إليه في السابق بخصوص كون "الرغبة" ليست تحديداً طبيعياً الإقطاع، على سبيل المثال، تنظيم يدشن لعلاقات جديدة مع الحيوان – الحصان، مع الأرض، مع حركة اللاتوطين – ترحال الفارس، الحروب الصليبية، الحرب الدينية، مع النساء – غراميات الفرسان – إلخ.. إنها تنظيمات خرقاء تماماً، ولكنها ممكنة التعيين تاريخيا – تنتقل الرغبة داخل هذا التنظيم اللامتجانس، داخل هذا التشكيل الموحد لمكونات متعارضة.
تشكل الرغبة والتنظيم المحدد شيئاً واحداً. إنها تشتغل جميعا بصورة مشتركة. ويتضمن تنظيم الرغبة تدابير سلطوية – السلط الفيودالية -، لكن يجب أن تموضع ضمن مختلف مكونات التنظيم. ليست تدابير السلطة هي المنظمة، ولا هي المكونة، بل تنظيمات الرغبة هي التي تنشر وتوزع تشكيلات سلطوية بحسب أحد أبعادها المتعددة.
يتعدد "الاجتماعي"، بالأساس، من خلال "خطوط الانفلات التي تخترقه"، "شيء ما على الدوام ينساب ويهرب، وينفلت من التنظيمات. يترتب على هذا التصور للوجود الاجتماعي ولتنظيم الرغبة أمران، أولهما، أن دولوز لا يعير اهتماما للقوي المقاومة للسلطة، كما أنه لا ينشغل بالبحث عن الوضع الخاص بها – هامشية -، مادامت محايثة للاجتماعي ذاته، وثاني الأمرين يتعلق بحل المشكل الجوهري في الفلسفة السياسية: كيف تصبح السلطة شيئاً مرغوباً فيه؟ إن السلطة تعديل يجري داخل تنظيم الرغبة. إنها انعقاد خيوط الرغبة أو الخلق داخل النسيج الدقيق لتنظيم ما.

• ضد التحليل النفسي أو المنظور الإيجابي للرغبة:
علاقة دولوز بالتحليل النفسي قوية إلى الحد الذي يتم فيه أحياناً تقديمه كأحد الذين حاولوا تركيب الماركسية والتحليل النفسي في نسق فكري واحد. في منطق المعنى، بعلن انتماءه للنظرية اللاكانية، بل نجد الأمر نفسه فيما بخص الفرويدية. تأتي مرحلة التعاون مع فيلبكس غاطاري ليتبرأ من التحليل النفسي في صورتية الفرويدية واللاكاتية.
إن رهان الاختلاف بين دولوز والتحليل النفسي هو تصور الرغبة. سيستخرج دولوز في "ضد أوديب"، التحديدات الخاصة بخطوط الانفلات والتي تحضر فيها الرغبة، كما ارتسمت ونقشت على مفهوم "الآلات الراغبة". وبما هو مجرد، مفتوح، عديم الشكل وغير محدد ولا محدود، فإن الخط الحيوي المجرد هو رسم وصورة الرغبة ذاتها. مثلها مثل خطوط الهرب فإن الرغبة مشبعة بإيجابية غير محدودة من الطاقة والقدرة على التنظيم، إنها امتلاء لدينامية خلق وتوليف. إنها مثلها كذلك محايثة لذاتها، بدون غاية ولا حد آخر لها غير امتدادها الخاص. وأخيراً، إنها كذلك انفتاح دائم الانفتاح، إنها لا تفتقر مع ذلك إلى أي شيء. إن الرغبة لا يمكن أن تفتقد أي موضوع لكونها موضوع ذاتها، كما أنها لا حدّ لها، لكونها غاية ذاتها. محايثة تامة وجذرية للرغبة والتي لا تستلزم إذن أي غياب للموضوع. إن تجريدية الخط المجرد هي بالأساس استبعاد لكل موضوع محدد، لكل حد، لكل غاية للرغبة.
يفتح مفهوم اللا محدد أو "المتناهي – اللا محدد"(12) بعدا يقع خارج التعارض بين السلب والإيجاب. إن ما يرتسم من خلال هذا التصور هو أن الرغبة تشكل شيئاً واحداً مع فراغ اللا محدود، رغبة يشكل الفراغ مكوناً داخلياً لها. لكن يجب عدم الأخذ بالاعتبار هذا الفراغ الذي يمتد على مدى البصر، لكن ربطه بما يولد، إيجابياً.
واضح أن التصور السالف يؤسس لنظرة في الرغبة تحاول تجاوز التحديد السلبي للرغبة كما صيغ داخل النظرية التحليلنفسية. تكشف النظرية اللاكانية في الرغبة عن التباس عميق، تذبذب لم يتم الحسم فيه بين تصورين لا يمكن التقريب بينهما، وسيكون لما أضافه دولوز في هذا الصدد أثر حاسم وإيجابي. لقد كان رهان الجدل يتعلق بالمكانة التي يجب أن تخول لموضوعتي: أوديب والإخصاء، في إطار نظرية الرغبة. يمكن التعبير عن المشكل على النحو التالي: إما التمسك بالتصور الأوديبي للقانون، وبهذا يحافظ تصور الإخصاء بما هو حقيقة الرغبة والقانون على معناه، وإما التخلص من كل تصور أوديبي للرغبة وللقانون، وبالتالي ينبغي التخلي عن إعطاء أهمية لتصور معين للإخصاء.
للتمثيل، ليكن مفهوم "الشيء" – La Chose(13) -، باعتباره ممثلاً للخير الأسمى، يعلن لا كان من جهة أنه لا يوجد، ومن جهة أخرى، يستطرد بمجموعة ملاحظات توجهها موضوعة المنع. "الشيء" – Das ding -، هو الخير الأسمى، إنها الأم باعتبارها موضوع التحريم، إنه خير أسمى ممنوع، وهذا الخير الممنوع هو الخير الوحيد. لكن إذا كان الخير الأسمى لا وجود له، إذا كانت الأم – ليس باعتبارها زوجة الأب، بل باعتبارها الموضوع المطلق للرغبة - لا وجود لها، فلماذا حَضْرُها؟ ليس ذلك غير ضروري فقط، بل أكثر من هذا، سيكون الأمر متناقضاً. الجمع بين انعدام الوجود والمنع لن يتم بدون خطورة. ومن المسلم به في قواعد المنع أن الممنوع، سواء كان فعلاً من الأفعال أو موضوعاً من الموضوعات، قابل للتحقق، بالإمكان أن يوجد، يوجد في مكان ما، بالنسبة لآخر، أو في مكان آخر، زمان آخر..

ميشيل فوكو
وكما أنه ليس بالإمكان التحكم في المستحيل، فإنه ليس بالمقدور منع ما لا يوجد، أو ما هو في حكم المستحيل. إن مسألة منع المتعة هي بالضرورة الدفع إلى الاعتقاد في وجودها. منع المتعة يستلزم أنها موجودة.
هل المتعة موجودة برغم منعها أم أنها منعدمة الوجود؟. هل هي ممكنة أم مستحيلة؟ يحاول لاكان أن يتبرأ من هذا التناقض بإرجاعه إلى فرويد. ومع ذلك فالتناقض قائم، حيث توضع المتعة، متعة سفاح المحارم، صراحة كمتعة ممنوعة، هذا المنع هو الأساس ذاته الذي يقوم عليه القانون. يقول "ما يكشف عنه التحليل هو أنه، في العمق، يكون من الملائم تحمل المنع بدل التعرض للإخصاء".
إن الحقد على الأب يجنب ضرورة مواجهة بشاعة "الشيء"، أي الغياب الجذري لموضوع الرغبة، الأم، باعتبارها مستحيلة – أي ما يشكل الإخصاء الحقيقي.
إن الحقد على الأب يخفي الموت والإخصاء. في هذا المعنى يأتي أوديب لكي يحجب الإخصاء الحقيقي. المبدأ هو: كل شي، حتى ولو تعلق الأمر بصراع مع "أب مانع" – أو أي عامل "قمع" آخر-، بدل أن يوجد المرء في مواجهة حقيقة رغبته. ولأن المنع أو القمع يضمن وجود المتعة، يكفي رفع الممنوعات والحواجز التي يواجه بها "القمع" الرغبة لكي تتحقق.
إن الإخصاء ليس شيئاً آخر غير المتعة، باعتبار أنه ما يعادل ويناظر الأب الميت، "الأب الميت هو حارس المتعة"، يؤكد لاكان.. أي استحالة المتعة. يترتب على ما تقدم أن مواجهة الإخصاء تستلزم الالتقاء مع غياب موضوع الرغبة الجذري وليس مع الانفصال عنه – الانفصال عن موضوع الرغبة هو ما يمثل بنية الاستيهام ذاتها، حيث يظهر الموضوع "أ" تحت تهديد الواقع باعتباره الموضوع، سبب الرغبة-، وإذا أخذ بالاعتبار الاستيهام فإن موضوع الرغبة هو بالفعل غائب بما هو منفصل عن الذات، لكنه لا يضيع بشكل تام. ومن خلال هذه المسافة أو الانفصال ذاته يتم تجنب الإخصاء بما أن موضوع الرغبة يُتصوَّر حاضراً، لكن في مكان آخر. إن "القصيب" ليس منفصلاً عن الذات إلا باعتباره الموضوع الخيالي للرغبة. إن الغياب يتصور تارة كانفصال أو مسافة مع موضوع الرغبة، وإذن كهذا الذي يمنع إمكانية وضرورة الخطر والمنع، وتارة أخرى يؤخذ في المعنى الجذري لغياب الموضوع، للمستحيل ذاته، بحيث لن يكون للقانون معنى المنع.
يلتقي لاكان مع دولوز في مسألة الطابع غير المانع للقانون، أي غير العصابي، بحيث ينبغي التخلي عن فكرة الرغبة ككناية على غياب وجود، لكي تصبح إيجابية وتأكيدية حقيقية: القانون، لا باعتباره مانعاً أو مخصيا، بل باعتبار حياة، و"خطاً حيوياً مجرداً". تلك هي إضافة دولوز، وما يشكل في الوقت ذاته نقطة ابتعاده عن التحليل النفسي.

• الفصام: قوة محررة:
يقدم التحليل – الفصامي نفسه كنظرية في الرغبة، في آلية اشتغال الرغبة، وفي الوقت نفسه كنظرية في المجتمع والدولة – بالتحديد، الانفلات الإيجابي من كل حياة قطيعية، والصراع ضد كل نسق، كل تنظيم حيث تعمل الآلة الاجتماعية على تعطيل حركية "الآلات الليبيدية" بدل أن تخدمها – إن ما يرتسم في الأفق هو نظرية ترفض كل عملية إعادة تسنين لهذا الذي ما يفتأ ينحل ويتفكك.
إن الهدف من التحليل – الفصامي هو بيان عدم وجوب اعتبار الفصام أمراً سلبياً، حالة مرضية فقط، أو مجرد موضوع عيادي، بل ينبغي اعتباره في المقام الأول على نحو إيجابي، صحي ومُشفٍ، كصيرورة، كإجراء وتحقيق للرغبة. ويعتبر التحليل – الفصامي أن إرجاع الرغبة إلى ذاتها، ووضعها هناك حيث تعمل، داخل اللاشعور، طاقة حرة، غير مقننة، وغير قابلة للتقنين، قادرة على تحطيم القوالب التي تفرض عليها، وتقويض كل نظام قائم. هذه الطاقة هي في ذاتها قوية، عظيمة، لا

جيل ديلوز وغاتار
يمكن توقع تحولاتها، وعلى العموم إنها ثورية، بحيث ليس بمقدور أي كان امتلاكها أو أن يطلبها كما هي.
وسواء تعلق الأمر بالأفراد أو بالمجموعات فالكل يتراجع مفزوعاً أمام عنف ونزوة هذه القوة العارية المتقلبة – "الانسيابات اللامقننة للرغبة". إنهم يلجمونها، ويتنكرون لها، ولا يحتفظون إلا بما يمكن أن يمر عبر سياق التيار الاجتماعي بدون اصطدامات كبيرة – وهذا ما يشكل عملية الكبت الأولى، المتعلقة بإنتاج الرغبة، في انتظار أن يقوم المجتمع بتأطيرها داخل التمثلات، وإحاطتها بالممنوعات، وتشويهما والحط منها بالمسبقات التي تصير أحكاما متلقاة، مقبولة في وسط ما، في حقبة ما – هذا هو الكبت الحقيقي، القمع الاجتماعي المستدخل.
من بين العبيد الذي يحبون قيودهم، والذين يتكفلون هم أنفسهم بخدمتها، يشكل الفصامي استثناء، أو على الأقل ذاك الذي أفلح في انفلاته، الذي خرج من الدائرة بدون أن يفقد توازنه، وليس فصامي المعزل أو المستشفي، الذي عملت فيه صيرورة التحول عملها، لكن تم تحريفها عن مسارها فجأة، عورضت، توقفت، وحدث فيها انقطاع.
يدرس التحليل – الفصامي معيَّاً، وشموليا، الطريقة التي تتصرف الآلة الاجتماعية طبقا لها، خلال التاريخ، اتجاه آلات الرغبة، كيف ساعدت أو أعاقت، سمحت أو راقبت اشتغالها – تقنيات المجتمعات المتوحشة، التقنين المضاعف للمجتمعات البربرية، للإمبريالية الاستبدادية، تفكيك السنن داخل المجتمع الرأسمالي.
لعل المفارقة الكبرى هي أن الرأسمالية – حضارة المال، الصناعة، العلم، والتنظيم البيروقراطي، النمو الاقتصادي والتكنولوجي، هي نمط التنظيم المجتمعي الذي يمفصم" (من الفصام) أكثر ويحرر أقل – لأنه فريسة لاتجاهات متناقضة، إنه يولد الفصام باعتباره فائض إنتاجه الخاص وباعتباره حد قطيعته الأقصى. لكنه إذا ما حرر الرغبة بتحطيم المحرمات، التقاليد، الاعتقادات، فإنه حرفها وشوهها، كذلك، لم ينتزعها من براثين الإكراهات القديمة إلا ليعطيها صورة وهم استقلالية خاصة – فردية، عائلية -، والتي هي، في واقع الأمر، مشروطة، وهمية، جشعة وفضلاً عن ذلك مشعرة بالذنب. إنه لا يفكك انسيابات الرغبة إلا ليعيد تقنينها بطريقته الخاصة، مخولاً للدولة سيادة هي من القوة بحيث تحدث "تشكيلات كولونيالية (استعمارية) داخلية، صميمية". انحباسات يبدو للحريات أنما ستنمو في إطارها بالخضوع لعمليات التوجيه التي تمارسها عوامل جماعية غريبة. لقد كانت الرأسمالية فرصة للانفتاح لكنها صارت أكثر أشكال الاستلاب حذقاً وبراعة، وأكثرها ضرراً وأذى. واللازم التمسك بالفرصة التي تحولها والتخلص من الفخ الذي تنصبه. ينبغي الاحتفاظ بالجهاز التقني واستبعاد الجهاز الإيديولوجي، الدولاتي (من الدولة) والبوليسي. ينبغي إضافة الفعالية المادية، التحكم في الوسائل إلى إثبات الذات على نحو يسمح لكل واحد بأن يكشف أصالته واختلافه.

الهوامش:
1 – "تنظيم الرغبة" مفهوم دولوزي يعارض به الفهم الشائع لمفهوم الرغبة والذي بمقتضاه تكون هذه الأخيرة معطى طبيعياٍ لذات راغبة، مع ما يرتبط بهذا المعنى من دلالات السلب والنقص، (ولقد سبق لأفلاطون أن حدد الرغبة بأنها نقص أو افتقاد، فنحن لا نرغب إلا فيما نفتقده – الصحة في حال المرض مثلاً).
يقول دولوز في "حوارات" "Claire Parnet. Dialogues, Flammarion, Paris, 1977" [ترجمة عربية لأزرقان والعلمي، أفريقيا الشرق، 1999، ص 114 وما بعدها]: "كلما فكرنا في الرغبة كصلة وصل بين ذات وموضوع، لا يمكن لذات الرغبة إلا أن تنقسم على شقين ويكون الموضوع ضائعاً مسبقا. إن ما حاولنا توضيحه، على العكس من ذلك، هو كيف تكون الرغبة خارجة عن تلك الإحداثيات المتعلقة بعلم الشخصية والموضوعات الخارجية. كان يبدو لنا أن الرغبة عبارة عن مسار وأنها تقوم بنشر حقل محايثة، أو "جسما بدون أعضاء" حسب تعبير آرطو، تخترقه جزيئات وسيولات تنفلت من المواضيع والذوات على حد سواء.. ليست الرغبة إذن داخل الذات كما أنها ليست

ميالة نحو الموضوع: إنها محايثة بشكل دقيق لمستوى ليست سابقة عليه، مستوى ينبغي بناؤه، هناك حيث تترامى الجزيئات وتقترن السيولات.. وبما أن الرغبة بعيدة عن أن تفترض ذاتا فإنها لا تتحقق إلا عند توصل المرء إلى درجة يكون محروما من القدرة على القول: أنا"
2- Gilles Deleuze, Difference et repetition, 1968 3
- Gilles Deleuze, logique du sens, Minuit, 1969
4- Gilles Deleuze, Anti-Oedipe, Minuit, 1972
5- Gilles Deleuze, Foucault, Minuit,1986 6
- يرتبط هذا المفهوم بطبيعة المجتمع الانضباطي وضرورة مقاومته. فإذا كانت السلطة في إطار هذا المجتمع تخترق الأجساد من أجل ضبطها وإخضاعها، بحيث يظهر الجسم الاجتماعي مخترقاً باستراتيجيات للمراقبة وللعقبات، فإن كل فترة تبدع أشكالاً للمقاومة، وتطور من ثم مسلسلاً خاصا بها للتمحور حول الذات (أبدع اليونان، مثلاً، طريقة وجود تخضع فيها القوة نفسها لنفسها، أي أنها تحكم نفسها بنفسها من أجل أن تحكم الآخرين. ينبغي أن تحلل القوة نفسها بنفسها بدل أن تحلل قوى أخرى: استعمال الحياة أو الموت ضد السلطة). بين الأشكال المحددة في المعرفة والقواعد الإكراهية في السلطة، يتعلق الأمر بوضع قواعد اختيارية تنتج الوجود كعمل فني وقواعد أخلاقية وجمالية تؤسس أشكالاً للوجود أو أنماطاً للعيش.
7- Michel Foucault, Surveiller et punir,Gallimard, 1975
8-1969 Archeologie Du Savoir, Gallimard, Michel Foucault,
9-1976 Michel Foucault, La Volonte de savoir,Gallimard,
10 – يقدم دولوز شبه برنامج عمل لبيان الاختلافات بينه وبين فوكو بهذا الخصوص في مقالة بعنوان (Desir et Plaisir)، منشورة بالمجلة الأدبية الفرنسية. العدد: 325، أكتوبر 1994.
11 – "التنظيم" ليس من مجال ما هو لساني، فهو يحيل على الآلة المجردة. وعليه فالتعبير (expression) يعمل في مستويات متعددة. لم يعد حكراً على مجال العلامات اللسانية لوحدها بل سيدمج داخل الواقع في مجموعة كوظيفة كلية. وعندما تصل إلى مستوى معين من التحرر وتصبح لسانية، فإن استقلاليتها تظل محلية تماماً ونسبية بما أنها مدمجة داخل مجموع آلياتي (= التنظيم) أكثر اتساعا والذي تتعلق به وحيث تترتب، وتوضع في توافق مع عناصر أو تنضيدات غير لسانية (مضمون). داخل التنضيد اللغوي – ثالث التنضيدات المشكلة للكون – لن يعود التعبير خاضعاً قط لنظام خطي ثابت، بل يصير "متعدد الخطوط". وإذن، إن سلطة مضاعفة التسنين هي التي تطبع التعبير اللغوي. إن حلقة سيميائية هي مثل العصية تقرب بين أفعال شديدة التباين، لسانية، إدراكيه، محاكاتيه، حركية، فكرانية. لا تحيل كل سمة ضرورة إلى سمة لغوية أخرى: السلاسل اللغوية / السيمياية متباينة الطبيعة توصل بأنواع من الترميزات المتباينة جداً، سلاسل بيولوجية، سياسية، اقتصادية، الخ – واضحة ليس فقط أنظمة علامات مختلفة، بل كذلك أنظمة حالات أشياء.
12 – تتحدد الحياة لدى دولوز بكيفيات تحيل جميعها على قوة انفتاح على اللا محدود كقوة تتجاوز كل نظام، وكل "عالم"، غير عضوي، وغير – منظم واقعياً. ولعل في الأمر مفارقة، فكيف يمكن الجمع داخل فكر يمجد قوة الإيجاب بين هذا المعطى وتحديد حيوية الحياة بمصطلحات سلبية – (المنعدم الشكل، الغير الدال، اللا عضوي، الغير المنظم، إلخ..).
13 – حول هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى الكتاب السابع من الندوات حول التحليل النفسي لجاك لا كان والمعنون: Ethique du désir: Une lecture du Séminaire de Lacan L'éthique de la psychanalyse. Essai collectif(((((*


link*


*
http://www.awan.uob.bh/showin.asp?mo=316

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved