تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

السلاح في الخرطوم ومستقبل الحرب الاهلية القادمة بقلم سارة عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
9/10/2005 10:08 ص


في مقال سابق كتبت عن ازدياد ظاهرة التسلح في مدينة الخرطوم ، وأن هناك أطرافا في الدولة تنظر بعين الرضا لهذه المسألة وتعتقد أنها أوكلت مسألة حفظ الامن للمواطنين ، والسلاح الذي يتداول الان في مدن الخرطوم لا يمكن وصفه بالسلاح التقليدي لأنه متنوع يتفاوت في حجمه بين بنادق AK47 الي رشاشات G3 الروسية الصنع ، ومن خلال بحث مضن وتحري عميق يمكننا حصر مصادر هذا السلاح المنهمر من ثلاثة روافد :
يأتي أولا من اقليم دارفور حيث قامت الحكومة هناك بتوزيع قطع السلاح بين الاهالي ورجال المليشيات وذلك بغرض محاربة المجموعات المتمردة في هذا الاقليم ، ويصل تعداد القطع الموزعة هناك بأقل التقديرات الي أكثر من مليون قطعة سلاح كلها صالحة للاستعمال وذلك غير كميات السلاح الواردة من كل تشاد وليبيا، ووفرة السلاح بين ايدي رجال المليشيات زاد من شيوعه وجعلها تمتهن تجارة بيعه بغرض الربح ولذلك عمدت الي تصديره للمرة الثانية الي مدينة الخرطوم مستغلة ظاهرة الطلب عليه في الاسواق والتي أدت الي ارتفاع أسعاره .
المصدر الثاني هو مستودعات الجيش السوداني حيث يقوم بعض أمناء المستودعات ببيع علب الذخيرة الي المواطنين عن طريق ما يعرف بسياسة ( التلجين ) حيث تعطي الاوامر باتلاف نوع محدد من الذخيرة وذلك لعدم صلاحيتها وتشكيلها خطرا مباشرا علي حياة المستخدم ولكن صغار الجنود قبل البدء في عملية طمر هذه الذخيرة يقومون بالاحتفاظ بها وبيعها للمواطنين الذين يملكون قطع سلاح تناسب هذا النوع من الذخيرة ، فهي مصدر رزق للجنود ولا تلوح في هذا العمل أي دوافع سياسية وعلي ما يبدو أنه تجاوز من أجل كسب الرزق وتحسين الدخل .
والمصدر الثالث للسلاح هو مستودعات السلاح السرية لحزب المؤتمر الوطني وقد خرج هذا السلاح الي العلن لأول مرة بعد أحداث يوم الاثنين المؤسفة حيث أستطاع بعض المحسوبين علي النظام في بعض الاحياء من اخراج هذا السلاح من غمده وبدأوا في اطلاق العيارات النارية في الهواء بغض التجريب والاعداد ، والسلطات السودانية في حملتها الامنية علي الذين تسببوا في شغب يوم الاثنين لم تهتم لمصادرة هذه الاسلحة وأبقتها أيضا في عهدة كوادرها تحسبا لأي ظرف طارئ .وكلنا سمعنا عن قصة انهيار سقف مخزن في احدي مدارس البنات في مدينة الثورة بأمدرمان وكانت المفاجأة أن هذا المخزن كان ممتلئا الي آخره بقطع السلاح الحديثة الصنع وعندما تم استدعاء الشرطة أستغرب مسؤوليها وأندهشوا لذلك ونفوا علمهم بطبيعة هذا السلاح أو الشخص الذي كان في عهدته ، وجاء مدير المدرسة و أتضح أنه يحمل رتبة عسكرية في جهاز الامن وقد أعطي التعليمات بتخزين هذا السلاح في هذه المدرسة بغرض التمويه من غير أن يهتم بسلامة الطالبات اللائي كن يجاورن منطقة الخطر ، وتمت معالجة الامر بسرية تامة ونقل السلاح في عربات لا تحمل لوحات مرور الي جهة غير معلومة .
والمصدر الرابع للسلاح الذي يغذي مدينة الخرطوم هو المليشيات الجنوبية التي دخلت مدينة الخرطوم تحت مسمي ( سلام الداخل ) ، وهذه المليشيات سلحها الجيش السوداني بكامل العتاد من أجل استخدامها ضد الحركة الشعبية مستقبلا ، ولكن هذه المليشيات منفلتة ولا تملك عقيدة سياسية تجنبها مخاطر الانزلاق في أحداث العنف لأن ولائها للزعيم والقبيلة وليس للعقيدة الوطنية ، وفي حالة حدوث انفلات – لا قدر الله – للمرة الثانية فلن يستطيع سكان الخرطوم التمييز بين من وقعوا سلام الداخل أو الذين وقعوا سلام الخارج ، وفي يوم الاثنين شهدنا حرب ( البوهيات ) اذا صح التعبير لأنها حرب أختارت هدفها عن طريق اللون العرقي فقط من غير الالتفات الي ضلوع المجموعات المستهدفة في أعمال السرقة والنهب أم لا .
والسودان كان من الدول التي تفرض قيودا مشددة علي حيازة السلاح الناري ويعتبر من يملك سلاحا من غير ترخيص كمرتكب الجريمة ويصادر منه السلاح ويخضع لتحقيق صارم لمعرفة من أين أتي به؟ وعند طلب رخصة السلاح يطلب من المتقدم ايداع مبلغ مالي يساوي دية النفس في حساب الهيئة القضائية كنوع من التأمين ، ويتم أخذ نمرة السلاح وفحصه لدواعي السلامة الشخصية للمستخدم ، ولا يجوز امتلاك السلاح لغير البالغين او للذين لهم ملف جنح في مكاتب الشرطة بممارسة العنف والتعدي علي الاخرين ، ويحظر ترخيص السلاح في المناطق التي يكون فيها نوع من التوتر العرقي والطائفي ، وترخص السلطات لأصحاب المواشي وملاك عربات النقل الكبيرة بامتلاك قطعة نوع واحد من السلاح والتي غالبا ما تكون في شكل مسدسات وأن لا يزيد عدد الطلقات في ( Cylinder) عن ستة طلقات كما يجب ابلاغ الشرطة عند كل حالة اطلاق نار مع ذكر السبب والدواعي و الاحتفاظ بكبسولة الرصاصة الفارغة اذا أمكن ذلك ، هذه هي القوانين التي كانت سائدة في البلاد قبل يونيو 1989 ويحسب في ميزان حسنات الرئيس السابق جعفر نميري أن سمح للهيئة القضائية بتشريع قوانين حيازة السلاح ، وقد أنعكست هذه القوانين بالخير والاستقرار علي أهل السودان ولم تسجل في تاريخ السودان أي حالة انفلات أمني استخدم فيها السلاح الناري .
وبعد مجئ الانقاذ الي السلطة عن طريق انقلاب عسكري في عام 89 تغيرت هذه السياسة كلية ، وفي سياسة تجييش المجتمع من أجل المنازلة الكبري قامت الانقاذ بتدريب العديد من الناس علي استخدام السلاح تحت دعاوي حراسة البوابة الجنوبية للعالم العربي في افريقيا من خطر التغلغل الصهيوني ، وقد سمحت الانقاذ لرجالها بالاحتفاظ بالسلاح في مقرات سرية ومستودعات في الغالب هي أبنية تستخدم في الاغراض المدنية مثل المدارس والمساجد ومراكز الشباب، وزاد من هذه الفوضي تكوين الاجهزة الامنية الموازية للجيش والشرطة مثل الدفاع الشعبي والشرطة الشعبية ، وراج توزيع السلاح بصورة واضحة ، وقد شاهدت في جامعة الخرطوم في عام 92 البروفيسور مامون حميدة مدير الجامعة أنذاك يتبختر في عرض عسكري أقيم في الميدان الشرقي وهو يشد وسطه بحزام عريض يتدلي منه مسدس ضخم أشبه بالذي كان يستخدمه الرئيس الراحل ياسر عرفات ، وفي جامعة الخرطوم والتي تعتبر واجهة للحياة المدنية أصبحت رؤية الطلاب الملتحين وهم يتأبطون الاسلحة الرشاشة منظرا عاديا ولا غرابة فيه وكأنهم في مهمة حراسة في ( منروفيا ) أيام شارلز تيلور في ليبريا ، وبعد تكوين كيان المؤتمر الشعبي العربي والاسلامي بقيادة الدكتور حسن الترابي في الفترة التي أعقبت حرب الخليج الثانية زاد نشاط التسلح المرتبط بالمجموعات الجهادية ، ودخلت الي السودان مجموعات أصولية جديدة كانت تحمل في جعبتها خبرة كبيرة في عمل المتفجرات ،وصرنا لاول مرة نسمع عن مادة ( TNT) أو ( C4) الشديدتي الانفجار، وفي احدي زياراتي لأحد معارض الدفاع الشعبي في ولاية الخرطوم شرحت لي مجندة عسكرية من أخوات نسيبة الخطوات التي يجب اتباعها من أجل زرع لغم أرضي في أرض رطبة وجعله قادرا علي حصد أكبر عدد من القتلي ، وعندها شعرت أن بلدنا السودان صار يمشي مسرعا نحو بوابة الحرب الاهلية وان الخيارات المطروحة أمامه هي النموذج اللبناني أو الصومالي ولم تكن حرب رواندا قد بدأت أنذاك وان كانت الاخيرة تحمل نفس ملامح المولود الجديد للحرب الاهلية القادمة الي السودان ، هذا الحلم أصبح غير بعيد المنال بالنسبة لسلطة الانقاذ والمستقبل الذي ينتظر مدينة الخرطوم لا زال مظلما ومن المتوقع حدوث مذابح بشعة في حالة وقوع أي حادث عرضي مماثل للذي حدث في يوم الاثنين الذي اعقب رحيل قرنق ، ومن المؤسف أن هذه الحوادث سوف تنال من المواطنين الابرياء ولا تمس الدولة ورموزها وكلنا نعرف كيف أن السلطة أيام الاحداث زادت الحراسات حول مقراتها في وسط الخرطوم وتركت أطراف العاصمة نهبا للاقتتال الداخلي والتخريب.
وفي حملة الاعتقالات الاخيرة والتي اعقبت حادثة يوم الاثنين سارعت السلطة الي اعتقال 1500 شخص من مواطني الاقليم الجنوبي وأحتجزتهم في سجون سرية ولم تحيلهم علي المحاكم ، وقد اشارت الي هذا الرقم منظمة هيومن رايتس وتش في تقريرها الاخير وليس الحركة الشعبية والتي وصفت نفسها بالمدافع عن حقوق أبناء الجنوب وتطلعاتهم وقد أتضح الان عجزها حتي عن المطالبة بوزارة النفط والذي يأتي 90 % منه من أرض الجنوب ، وهناك شائعة عن الصفقة الجديدة تقول بأن حزب المؤتمر الوطني عرض علي الحركة الشعبية مبلغ بليون دولار أمريكي تدفع مقدمة للحركة الشعبية عند بداية كل سنة مقابل أن تخليهاعن المطالبة بوزارة النفط ، وتشير كل الدلائل الي قبول الحركة الشعبية بهذه الصفقة وسوف اشير الي تلك المسألة في مقالي القادم وأنا الان في مرحلة دراسة هذه المعلومة علي ضوء المعطيات المتاحة حيث ساد التعتيم الشديد والسرية علي سير المفاوضات بين الطرفين .
ونعود الي موضوع التسلح والسلاح بمدينة الخرطوم وأعتذر عن الخروج من النص ولكن تمليك المعلومة الجديدة من غير خدش الطرح العام لن يضر بسياق حديثنا المتصل ، وفي حملة مولانا أحمد هارون علي مخيمات النازحين بعد هذه الاحداث كان معظم المعتقلين من أبناء الاقليم الاجنوبي وتم اهمال المجموعات المسلحة التي هاجمت هذه المعسكرات في يوم الثلاثاء بما عرف وقتها ( بحملات الدفتردار الانتقامية ) اسوة بما فعله هذا القائد التركي من مذابح وقتل لقبائل وسط السودان انتقاما لمقتل اسماعيل باشا في عشرينيات القرن التاسع عشر ، ومن الملاحظ أن معسكرات النازحين اصبحت هي المكان المحبب لخوض الحروب الجديدة بعد توقيع عقد السلام مع الحركة الشعبية وكأن هناك من يقول أن الحرب قد أنتهت في الجنوب ولم تتبقي لنا الا بعض الجيوب الصغيرة في الخرطوم ، والان علينا أن نحبس أنفاسنا لنعرف ما هو لون المولود القادم من الحرب العرقية .. هل هو مثل لون رواندا أم مثل لون ليبريا ؟؟ أم مثل المولود الصومالي ؟؟ وبالتأكيد أنه سوف يحمل كل أوصاف المآسي الدموية في افريقية .
والمذابح العرقية عندما تقد لا تضع حسابا للاحصائيات أو الارقام والتي نتمسك بها عند حالة اعلان الحرب ، فعرفت الحرب بأنها خيار الاغلبية ولكن في حالة الحروب العرقية تتضعضع هذه الاحصائيات ولن تمثل فارقا كبيرا علي حلبة الصراع ، التوتسي كانوا يمثلون 15% من سكان رواندا ولكنهم استغلوا الخطأ الذي وقع فيه غرمائهم من الهوتو والذين يشكلون اغلبية سكان البلاد ونجحوا في الاستيلاء علي السلطة بعد أن هزموا الجيش الرواندي والمكون من اثنية الهوتو والذي خرج من العاصمة كيجالي وهو يجر أذيال الهزيمة ، ونزح اثنين مليون مواطن من فصيلة الهوتو الي دول الجوار ، اندحرت نظرية الاغلبية التي جعلت الهوتو يرثون الحكم عن البلجيك لمدة تزيد عن ربع قرن من الزمان بسبب قتلهم لثمانمائة ألف انسان في ظرف شهرين وقد أدي هذا العمل البشع الي تاليب المجتمع الدولي عليهم ووصفهم بمجرمي الحرب ، وفي الحروب كالعادة يسهل اطلاق الرصاصة الاولي ولكننا نحتاج الي مليون جثة بشرية من أجل وقف الرصاصة الثانية ، ولنا في دارفور والجنوب عبرة ودروس فمتي يا تري يوف تنام العاطفة في السودان ويستيقظ الضمير لنعرف أن أي عمل أهوج لن يضر بشخص واحد بل سوف تمتد ألسنة اللهب الي كل مكان آمن وقصي وتحيله الي رماد خامد .
سارة عيسي
[email protected]

للمزيد من االمقالات
للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved