تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

بين إسلام أمريكا و إسلام الطالبان…!أي إسلام نريد ؟!!- بقلم محمد الحنفي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/27/2005 7:23 م

بين إسلام أمريكا و إسلام الطالبان…
أي إسلام نريد ؟!!
محمد الحنفي

" إن الدين عند الله الإسلام "
قرءان كريم
" و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا "
قرءان كريم
" و أمرهم شورى بينهم "
قرءان كريم


للإشارة فقط، و من أجل التوضيح :
إن جسد الإسلام أصبح مستباحا، و كل من أراد الوصول إلى امتصاص دماء المسلمين بغير حق يوظف هذا الدين الذي جاء ليطهر النفوس من الخبائث، و ليصوغ إنسانا بأخلاق رفيعة، يحب الإنسانية و يسعى إلى خيرها مهما كانت عقيدتها، أو لا عقيدة لها.
و هذه المعالجة التي نضعها بين يدي القارئ الكريم تتناول بالمناقشة و التحليل نوعين من " الإسلام" : " إسلام " أمريكا و "إسلام" الطالبان.
وحتى لا نتيه منذ البداية في التفكير السوفسطائي، فإننا نعتقد أن كلا " الإسلامين" إساءة إلى الإسلام، لأن كلا منها هو مجرد توظيف أيديولوجي للدين الإسلامي الحنيف، حتى يبقى وسيلة للتقويم الإيجابي لسلوك الناس بما فيه مصلحة الإنسانية جمعاء، و يتحول إلى أداة لتكوين نوعين من البشر :
1) النوع الأول يصلي بكل وجدانه الفكري و الجسدي في اتجاه أمريكا عدوة الشعوب التي اصبح قادتها يصدرون الفتاوى " الإسلامية " و هذا النوع هو الذي أطلقنا عليه " إسلام " أمريكا، لأنه يبايعها و ينقاد لها، و يتوجه إلى قبلتها، و يوافق مباركا كل ما تقوم به في هذا العالم في الوقت الذي تمارس فيه قمة الإرهاب المادي و المعنوي على جميع الناس.
2) و النوع الثاني هو الذي وقفت أمريكا بحزم وراء وجوده من اجل محاربة التوجهات الاشتراكية، و دعما لأمريكا، و للأنظمة الرجعية. ليتحول بعد ذلك إلى أداة للسيطرة على البشر لصالح الأمراء الذين لا يومنون إلا بالتصفية الجسدية لمن خالفهم الرأي بمن فيهم الأمريكيون في كل أنحاء العالم. و هذا النوع الذي كانت قبلته أمريكا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون قبلته الكعبة المشرفة. فبعد أمريكا تصبح القبلة "المقدسة" هي مواقع مراكز التوجيه و التخطيط، و التنفيذ التي قد لا تكون معروفة من عامة الناس، و التي قد تتواجد في الشرق أو في الغرب، في الشمال أو في الجنوب من الكرة الأرضية. و تتفرع عنها مواقع قطرية قد لا تكون معروفة أيضا. و هو ما سميناه في هذه المعالجة ب "إسلام" الطالبان لتطرفه و لايمانه بالتصفية الجسدية لكل من يخالفه الرأي، و لا يهمنا إن كانت حركة الطالبان قائمة في الواقع أو تم القضاء عليها على يد أمريكا.
و لأننا نطرح هذين النوعين من " الإسلام " للمناقشة، فلأننا نربأ بالإسلام أن يتحول إلى أداة للسيطرة على يد عملاء أمريكا في كل أرجاء الأرض، سواء كان أولئك العملاء مخلصين لأمريكا أو خرجوا عن طاعتها و عصوا أوامرها، و لم يعودوا يخدمون مصالحها فكلاهما لا يرى في الإسلام إلا وسيلة للسيطرة على المسلمين، و إخضاعهم لإرادة الحكام.
و نحن عندما نفعل ذلك نعتز بالإسلام الذي نعتبره وسيلة للتربية و التقويم، و تهذيب النفس، و حفظ كرامة الإنسان كما يتجلى ذلك في الغاية من العبادات، و من القيم التي دعا إليها من أجل أن يكون الدين لله، لا وسيلة للسيطرة، و لا أداة لعبادة غير الله، و لا مطية لتقديس البشر الذي هو مجرد مخلوق لا تتحقق قيمته إلا بإنسانيته. و اعتزازنا بديننا الحنيف هو الذي يدفعنا إلى مناهضة كل ما تناقض مع حقيقة الإسلام التي تستوجب الأخذ بها لتجنب مهالك الأدلجة و الأدلجة المضادة اللتين تساهم كل منهما في تضليل المسلمين الذين يتحولون إلى مجرد مرددين للتأويلات المؤدلجة للدين الإسلامي لصالح هذه الجهة أو تلك… لأن تجنب الادلجة للدين الإسلامي، و مناهضة المؤدلجين أنى كانوا و في أي مكان تواجدوا هو مهمة المثقفين المخلصين لشعوب المسلمين حتى يتم تمهيد الطريق أمام قيام ديمقراطية حقيقية من شعوب المسلمين و إلى شعوب المسلمين من الأمراض التي تنخر كيان المجتمع، و تتناقض مع القيم النبيلة التي دعا إليها الإسلام.

مقدمة :
و يعتبر الإسلام من المفاهيم التي تطالها التأويلات المختلفة و المتناقضة في الكثير من الأحيان. فكل نظام من الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين له " إسلامه " و يعتبر نفسه متكلما باسم الإسلام و كل شعب من شعوب المسلمين له عاداته و تقاليده و أعرافه المحددة لمفهومه للإسلام، و كل تيار يمارس أد لجة الدين الإسلامي يعتبر نفسه ممثلا ل " الإسلام " و " متكلما " باسمه، و كل كاتب " إسلامي " يعتبر ما يكتبه هو عين " الإسلام "، إلا أن ما يحز في النفس، و يغري بالتقزز أن تتصدر أمريكا زعيمة الإرهاب، الدفاع عن الإسلام، و أن يتزعم جورج بوش و وزيره رامسفيلد إصدار الفتاوى " الإسلامية " في مقابل ما يقوم به أمراء الطالبان من تزعمهم ل " للإسلام " في إطار ما يسمونه ب "الجهاد" ضد أمريكا كما "جاهدوا" من قبل ضد الشيوعية مدعومين من طرف الأنظمة التابعة و الأنظمة الرأسمالية و زعيمتها أمريكا.
فقيام أباطرة الشر و زعماء الإرهاب في العالم بإصدار " الفتاوى " الإسلامية يعتبر إهانة للإسلام و للمسلمين، و يستوجب استنهاض المسلمين لاستنكار ما يمارس في حق الإسلام من قبل جهات لا علاقة لها بالإسلام ما دامت لم تعلن اعتناقها له، و ذلك حقها.
و قيام الطالبان بإصدار " الفتاوى " إلى المسلمين في جميع بلدان المسلمين في العالم بدعوى أنها هي الممثلة للإسلام من منطلق أدلجة الطالبان للدين الإسلامي خاصة و أن الطالبان من التنظيمات المستفيدة من الدعم الأمريكي في مراحل معينة، و احتضانها لتنظيم القاعدة كان بإرادة الولايات المتحدة الأمريكية، و حسب ما يجري في الساحة الدولية، فإن ما تبلور هو أنه يوجد هناك إسلامان لا ثالث لهما إسلام أمريكا الذي تقف من وراءه وتجسده الأنظمة العربية وأنظمة باقي بلدان المسلمين باستثناء العراق ونسبيا إيران، و تلك الأنظمة التي تلهث وراء أمريكا و تبارك كل خطواتها، و تعتبر تأويل أمريكا "للإسلام" هو الصحيح أما "الإسلام" الآخر فهو "إسلام" الطالبان الذي تحول في ظرف وجيز إلى إسلام يكاد يكون شعبيا خاصة في المناطق الإسلامية التي تعاني من التخلف و القهر و الظلم و الاستعباد و الأمية و انتشار الأمراض مما يجعل سكان تلك المناطق يقبلون الخطاب الطالباني، و يستعدون ل " الجهاد " ضد أمريكا. و " إسلاميي" أمريكا.
و أمام هذا الإرهاب والإرهاب المضاد المبرر بالإسلام والإسلام المضاد نجد أنفسنا أمام إشكالية الفهم الصحيح للدين الإسلامي. هل هو إسلام أمريكا ومن وراءها ؟ هل هو إسلام الطالبان ومن ينساق وراءهم ؟ أم هو فهم آخر يجب أن يتميز عن إسلام أمريكا وا سلام الطالبان ؟
والذي نتأكد منه ونحن ملزمون بذلك هو إن النظام الأمريكي الإرهابي والداعم للإرهاب لا يمكن أن يتحول هكذا بين عشية وضحاها إلى نظام إسلامي ومدافع عن الإسلام 0 وما يدعيه أقطاب هذا النظام ما هو إلا استجداء للأنظمة التابعة في بلاد المسلمين من اجل تليين العلاقة بينها وبين شعوبها المسلمة 0 وهذا الادعاء في حد ذاته يعتبر إيجابيا لانه يقر ببراءة الإسلام من الارهاب0 لكن هل يمكن اعتبار ما يمارسه الطالبانيون إسلاما ؟ إننا بهذا الخصوص أمام عملية أدلجة للدين الإسلامي تستهدف نمذجة الدين الإسلامي في تأويل محدد ينتج نمذجة الإنسان المسلم في سلوك محدد يلتزم بنظام من المحللات والمحرمات انطلاقا من فتاوى محددة يصدرها أمراء النظام بهدف تجييش المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها لدعم إسلام الطالبان الذي أريد له أن يسمى "جهاديا" . وهو ما يمكن القول بأنه يختلف عن جوهر الإسلام لاعتبارات نذكر منها :
1) إن الإسلام جاء ليحرر الإنسان لا لاستعباده.
2) انه دين الرحمة لا دين مصادرة الحق في الحياة.
3) انه لا يستهدف البشر إلا في إطار الدفاع عن النفس.
4) انه يعد المدافعين عن الإسلام في ديار الإسلام لا المهاجمين المنتحرين الذين يتسببون في قتل النفوس البريئة التي حرم الله إلا بالحق.
5) انه يسعى إلى إجراء حوار بالتي هي احسن " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" سواء فيما بين المسلمين أو بينهم و بين أهل الكتاب.
ولذلك يمكن الجزم بان إسلام الطالبان كالإسلام الأمريكي لا علاقة له بجوهر الإسلام إلا في كونه يدعي الانتماء إلى الإسلام الأول الذي ظهر في شروط كانت تسود فيها عبادة الأوثان في عصر لم تعد فيه تلك العبادة واردة.
فما هي أنواع إسلام أمريكا ؟ وهل تتوقف عند حدود القول بأنه ليس دين الإرهاب أم تتجاوزه إلى القول بأشكال أخرى من الإسلام ؟

"إسلام" أمريكا "إسلام" البترو دولار :
و"الإسلام" المسيطر في البلاد العربية وباقي بلاد المسلمين وحسب المعطيات البارزة في الساحة وانطلاقا من الإيمان الأمريكي ب"الإسلام" هو "إسلام" أمريكا الذي تتزعمه مجموعة من الدول النفطية ذات الولاء لأمريكا . ذلك الولاء الذي يكيف "إسلام" البترو دولار لجعل المسلمين يحولون قبلتهم إلى البيت الأبيض بدل الكعبة المشرفة ملتمسين رضا أمريكا التي تمد الأنظمة البترولية بوسائل الحماية وبالدعم اللامحدود مقابل الولاء المطلق لأمريكا و إعطاء الأولوية لشركاتها في استغلال آبار النفط0
إن الدول التي تمتلك آبار النفط الغنية توظف الكثير من الإمكانيات المادية لتسخير الآلاف من مؤدلجي الدين الإسلامي لتضليل المسلمين وجعلهم يعتبرون ما يمارس على أيدي تلك الدول وفي البلاد التي تحكمها . وبذلك تتمكن الطبقات الحاكمة من تعميق استغلالها وتأبيد سيطرتها. ونظرا لحماية الدول النفطية للدول الإمبريالية بزعامة أمريكا فإن هذه الدول الإمبريالية التي تدعي حمايتها للديموقراطية وحقوق الإنسان وتسعى إلى فرض نيابتها عن الشعوب المقهورة وتغض الطرف عما يجري في الدول المنتجة للنفط من خروقات مختلفة لحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، وتكريس الاستبداد السياسي المنتج لكل أشكال القمع المادي والمعنوي لتأبيد الحكم العشائري، و إغراق الناس في متاهات التخلف و القهر و المرض و غير ذلك . وفي مقابل غض الطرف ذاك توضع كل خيرات المنطقة رهن إشارة أمريكا. و يسمح لأساطيلها باحتلال البحار و المحيطات، و بالتمركز بالقرب منها من أجل ضرب الدول التي تشب عن الطوق، و تأبى الإذعان إلى أمريكا و حلفائها.
و إلى جانب خضوع دول البترو دولار إلى الدول الإمبريالية و انسياقها وراءها. نجدها في نفس الوقت تقدم دعما لا محدودا لكل الحركات المناهضة للحرية و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية في البلاد العربية و الإسلامية، تلك الحركات التي كانت و لازالت تتلقى كل أشكال الدعم من حكومات الولايات المتحدة الأمريكية، و من إسرائيل في مرحلة تاريخية معينة لتحقيق نفس الأهداف التي تسعى إليها دول البترودولار، إلى جانب تسخيرها لزرع الشقاق بين العرب و المسلمين لإيجاد مبرر لتدخل أمريكا من اجل فرض سياستها على أرض الواقع لجعل الموالين لها يعتبرون إسرائيل أمرا واقعا لا مفر منه، و التعامل معه، و الاعتراف به على هذا الأساس، و إتاحة الفرصة للامتداد الصهيوني على مدى الوطن العربي، و العالم الإسلامي، و بالتالي تحول الإسلام و المسلمين إلى أداة في يد أمريكا، مما يجعل فقهاء الظلام يعتبرون حماية أمريكا للأنظمة المتخلفة القائمة في البلاد العربية و الإسلامية، حماية للإسلام ليصبح بذلك إسلاما أمريكيا، و قد تجلى ذلك في الدعم الذي تلقاه "المجاهدون" الأفغان، و من بعدهم الطالبان من أجل دحر النظام الاشتراكي من أفغانستان، و المساهمة في انهيار النظام الاشتراكي على المستوى العالمي لنصل إلى أن إسلام الطالبان ليس إلا امتدادا لإسلام أمريكا و متفرعا عنه، و مدعوما منه في كل مراحله إلى أن استأسد ليسعى إلى افتراس العالم تماما كما تفعل أمريكا. و لكن هذه المرة باسم الإسلام وباسم المسلمين مما أحدث قطيعة مع "إسلام" أمريكا، و تأسيس "إسلام" الطالبان الذي ينفي كل أشكال الحداثة التي تفوح منها رائحة "الكفر" و اختفاء " الإيمان". و بالتالي فالطالبان تنصب نفسها ممثلة "الإسلام" الوحيدة، و على جميع "المسلمين" أن ينضووا تحت لوائها و أن "يتحرروا" من الغرب و من مظاهر الحداثة، و إلا فإن "غضب الله" سيحل عليهم.
و كنتيجة للقطيعة مع "إسلام" أمريكا عرفت الطالبان، و لازالت صراعا مع أمريكا تجلى في العديد من العمليات عبر العالم حسب ما تدعيه أمريكا، على يد تنظيم القاعدة بقيادة بن لادن الذي تؤيه الطالبان و توفر له شروط البناء، و الامتداد عبر العالم، كما توفر له إمكانية التغذية من البلاد العربية و من بلاد المسلمين، و انطلاقا من المؤسسات "الدينية" أو شبه "الدينية" التي تشرف عليها التنظيمات المسماة "إسلامية" في البلاد العربية و في بلاد المسلمين.
و قد تطور الصراع بين أمريكا و الطالبان انطلاقا من محاربة مظاهر الحداثة ذات المصدر الغربي، و مرورا بتفجير السفارات، و انتهاء بضرب مركز التجارة العالمي و مقر البانتاغون، و إعلان أمريكا الحرب على الطالبان بعد رفضها تسليم بن لادن، و وضع حد لتنظيم القاعدة في أفغانستان كبداية لشن حروب أخرى على كل من تسميهم أمريكا ب "الإرهابيين" الذين تعتبر أنهم يتواجدون في العديد من الدول بما فيها الدول العربية التي انساق معظمها وراء لجوء أمريكا إلى ضرب أفغانستان باعتبارها مصدر تنظيم الإرهاب في جميع أنحاء العالم ضد أمريكا، و الأمريكيين، في ظل عولمة اقتصاد السوق.
و في خضم هذه الحرب التي تقودها أمريكا ضد الطالبانيين في جميع أنحاء الكرة الارضية، و كذلك ضد تنظيم القاعدة كامتداد لهم و كدرع ضارب في جميع الاتجاهات، و في الأعماق المؤلمة، نجد أن "إسلام" البترودولار الأمريكي ازداد التحاما مع أمريكا و قطع كل صلة مع الطالبانيين على المستوى السياسي. أما على المستوى الأيديولوجي فلازال "إسلام" البترودولار مفرخة لإنتاج التطرف بتوظيفه الأيديولوجي للدين الإسلامي، و إرضاء لأمريكا فقد فوض للمتحدثين باسمها الكلام باسم "الإسلام" و هو ما جعل هؤلاء المتحدثين باسم أمريكا يصدرون "الفتاوى الإسلامية" و هو ما يعتبر – حقا – جرما يرتكب في حق الإسلام و في حق المسلمين، و في حق العلماء المسلمين بالخصوص الذين يملكون وحدهم الحق في إصدار الفتاوى ، و لكن الميزان عندما يختل لصالح الإرهابيين الحقيقيين فإن مخالفة القاعدة تصبح سائدة على المستوى العقائدي. و على أساس هذا الاختلال يصبح جورج بوش، و رامسفيلد، و كولين باول، و كبار القادة العسكريين يصدرون " الفتاوى" بجواز أو عدم جواز "الحرب" في شهر رمضان. و تلك البجاحة لا يمكن أن توصف إلا بأنها عملية سطو على الاسلام، و بمباركة قادة المسلمين في معظم بلدان المسلمين ليصبح الإسلام بذلك أمريكيا بامتياز. في الوقت الذي نعرف أن قادة المسلمين أنفسهم لا يجرؤون على الخوض في أمور العقيدة و الشريعة حتى لا يثيروا غضب المسلمين و تركوا ذلك لأهل العلم الذين يجتهدون في دراسة النصوص الدينية، و في تأويلها الذي لا يعلم حقيقته إلا الله بنص القرءان الكريم : "و ما يعلم تأويله إلا الله" فكيف يعلم ذلك زعماء أمريكا و إنكلترا، و كل الذين يستنزفون خيرات الشعوب و ينظمون عملية الاستنزاف لصالح الشركات العابرة للقارات.
و في عملية إصدار قادة الإرهاب الدولي للفتاوى يلتحم "إسلام" البترودولار، و "إسلام" أمريكا ليشكلا إسلاما أمريكيا بامتياز، يعطي لنفسه الحق في الصراع مع الطالبان على أساس نفس القاعدة ليتحول الصراع بين أمريكا و حلفائها من جهة، و بين الطالبان و حليفها بن لادن و تنظيم القاعدة إلى صراع مذهبي في إطار "الدين" الواحد ، و هو ما يشبه الصراع بين السنة والشيعة في مرحلة تاريخية معينة، و بين المذهب الحنفي، و المذهب المالكي، و المذهب الحنبلي، أو المذهب الشافعي في العديد من المحطات التاريخية.
و الواقع أن الدين الإسلامي، لا هو أمريكي، و لا هو طالباني لأن كلا من أمريكا و معها أنظمتها التابعة لها، و الطالبان و معهم التابعون لهم، تؤد لجان الدين الإسلامي ، و تؤولانه انطلاقا من مصلحة أمريكا في بسط سيطرتها على بلاد المسلمين أو مصلحة الطالبان في جعل بلاد المسلمين قلاعا لهم يجيشون فيها المسلمين و يحولونهم إلى بشر آت من عمق التاريخ البشري. انه دين الحوار، و دين السلام، و دين الوحدة، قال الله تعالى : "و لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" و قال : " يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله".
و حتى نتحرر من أدلجة الدين الإسلامي نعتبر أن الصراع بين أمريكا و الطالبان صراع مصالح، لأن أمريكا تبتز خيرات العالم، و الطالبان تعمل على إضعاف قدرتها على ذلك من أجل السيطرة على المناطق التي تزخر بالخيرات التي لا حدود لها. لأن ضرب أمريكا يعني إضعاف قدرتها على السيطرة على منابع النفط في الخليج، لتضعف بذلك أنظمتها التي تهتز عروشها بتحرك اتباع الطالبان و بن لادن، وصولا إلى السيطرة على الدول. و نفس الشيء تفعله أمريكا مع الطالبان، فهي تحشر قواتها و معها قوات الحلفاء لكسر شوكة الطالبان و القضاء عليها – كما حصل – وصولا إلى تنصيب نظام يحفظ مصالح أمريكا في آسيا الوسطى، وفي بحر قزوين بعد أن تعاونا معا على القضاء على الأنظمة الاشتراكية التي كانت قائمة هناك.
و الصراع بين أمريكا و الطالبان تطور ليصبح وجود أحدهما قائما عل نفي الآخر. و الكفة مرحليا راجحة لصالح دركي العالم : الولايات المتحدة الأمريكية التي تستهين بكل القيم من أجل بسط سيطرتها على جميع أرجاء الأرض، و لا بأس أن تباد الشعوب أو تشرد كما هو الشأن بالنسبة للشعب الأفغاني، و الشعب الفلسطيني.
إن الولايات المتحدة الأمريكية عندما تقرر بسط نفوذها على بلد ما فإنها تستهين بكل شيء من أجل ذلك، و لذلك فإن الكلمة ستكون "لإسلام" أمريكا، و سيتراجع "إسلام" الطالبان و حلفائهم إلى الوراء، و يبقى السؤال :
ماذا يجب عمله لتجنب انفلات الصراع الأمريكي الطالباني و يتحول إلى صراع أمريكي عربي؟ و في حالة التحول تلك ستتحول أمريكا إلى دولة عربية. فيصبح العرب بناء على ذلك عربان : عرب أمريكا و عرب الأمل في تحرير الأرض و الإنسان.
فالتحرشات التي تقوم بها أمريكا ضد بعض الدول العربية، و في مقدمتها العراق، و بعض التنظيمات المصنفة ضمن المنظمات "الإرهابية"، ستقود إلى قيام أمريكا بتحويل التحرشات إلى هجوم كاسح على البلدان العربية المتناقضة مصالح أنظمتها مع مصالح النظام الأمريكي بما يدفع في اتجاه انفراز تحالف جديد يحدد : من مع أمريكا ضد العرب، و من مع العرب ضد أمريكا تماما كما حصل في حرب الخليج التي استهدفت العراق، و ليس النظام العراقي الذي يحصن نفسه ضد أمريكا.
و في إطار هذا الصراع المرتقب ستتحول البلاد العربية هذه المرة إلى مرجل يغلي بالحقد على أمريكا –كما كان في عهد عبد الناصر- و على عرب أمريكا، لأن الشعب الذي عانى من الاحتلال الأجنبي للبلاد العربية، و من وعد بلفور، و انغراس الصهاينة في أرض فلسطين، و إقامة الدولة الصهيونية لا يمكن أن تكون إلا ضد أمريكا التي لا يمكن أن تكون إلا عدوة الشعوب التي ترشيها بفتات دقيقها و زيتها وأرزها لاجتذاب ولائها لها.
إننا أمام ظاهرة جديدة لعلها من مستلزمات العولمة، تقتضي أن يستبدل المتجبر المستبد الطاغي لباسه بحسب لباس الشعوب و الأقوام، كما يقتضي ادعاء اعتناق دين معين، أو استبدال قومية معينة من اجل إكساب الشرعية لممارسة معينة. و أمريكا و معها حلفاؤها خير من يجسد ذلك، فهم في صراعهم ضد المسلمين مسلمون، و في صراعهم ضد العرب عرب، و هم إلى جانب إسرائيل صهاينة… و هكذا.
و أمام هذا التعامل الحربائي مع العقائد، و الأديان، و القوميات. هل يبقى للحركات المؤدلجة للدين الإسلامي نفس دور ما قبل انفلات الطالبان و غيرها من الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي التابعة لها، من التبعية لأمريكا ؟
إن ما يجري الآن على المستوى العالمي يدل دلالة قاطعة على أن الاستنفار القائم في كل أرجاء الأرض من أجل :
1) محاربة التيارات الإسلامية المتبنية لعداوة الغرب بصفة عامة، و أمريكا بصفة خاصة.
2) فرض الحصار المادي و الإعلامي على تلك التيارات.
3) ترسيم إسلام أمريكا عبر الأنظمة الموالية لها، لتتحول بذلك تلك الأنظمة إلى أدوات مخابراتية تقدم تقاريرءانية و دورية إلى المخابرات الأمريكية عن التيارات المتواجدة في تراب تلك الأنظمة.
و بذلك يمكن القول : إن أفول الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي اخذ في الظهور لاعتبارات نذكر منها :
1) أن وجود هذه الحركات قائم في الأصل على دعم أمريكا و الأنظمة الرجعية التابعة لها.
2) أن دورها في الأصل هو محاربة المد الاشتراكي الذي يسمونه المد الشيوعي من اجل محاصرته والقضاء عليه في معاقله خدمة للنظام الرأسمالي وبقايا الإقطاع المتخلف
3) أن عملها على القضاء على النظام الرأسمالي العالمي يعتبر من باب المستحيلات نظرا لتخلف ورجعية ما تدعو إليه تلك الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي بالنسبة لما يدعو إليه النظام الرأسمالي.
فادلجة الدين الإسلامي أصبحت عاهة أصابت مجتمعات المسلمين في بلادهم وفي غيرها من المجتمعات التي يعتنق بعض أو جل أفرادها العقيدة الإسلامية سواء تعلق الأمر بالأنظمة القائمة أو بالتيارات المدعوة إسلامية التي تسعى إلى الوصول إلى الحكم اعتمادا على الادلجة الخاصة . وقد آن الأوان لتخليص الإسلام من الادلجة الرسمية و الادلجة المضادة عن طريق طرح التأويلات الأيديولوجية المتداولة والتعامل مع العقيدة على أنها لله ومع الشريعة على أنها ترتبط بالشروط الموضوعية المتغيرة باستمرار مما يقتضي تجاوز ما لم يعد مناسبا لتلك الشروط . وبذلك نتحرر كمسلمين من اسر الأيديولوجية ونحرر عقيدتنا من الاستغلال الأيديولوجي.
فتحرير المسلمين من أسر الأيديولوجية و تحرر الإسلام من الاستغلال الأيديولوجي - إن عمل المسلمون من أجله – سيكون بداية أفول الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، و مدخلا لجعل الأنظمة القائمة تتخلى عن ممارستها للادلجة الرسمية للعقيدة. و للوصول إلى هذه المرحلة يجب تجنيد المختصين و الخبراء في إعادة النظر في البرامج الدراسية حتى لا نقدم للناشئة إلا ماله علاقة بجوهر الشريعة، لإعطاء صورة فضلى عن الإسلام و المسلمين حتى لا تبقى البرامج الدراسية – كما هي الآن في بلاد المسلمين – مفرخة للتيارات المؤدلجة للدين االاسلامي. و هو ما يجب أن يسعى إليه المسلمون لصون دينهم من أسر الأيديولوجية.

إسلام أمريكا في مواجهة المد الاشتراكي :
و الأصل في الإسلام أن يتوجه إلى بناء القيم الإنسانية في الفرد وفي المجتمع سواء تعلق الأمر بالعقيدة أو الشريعة. فجميع العبادات تهدف إلى إشاعة القيم في المجتمع ابتداء بالشهادتين، و أداء الصلاة في وقتها، و مرورا بالزكاة والصيام، و انتهاء بأداء فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلا. فنحن نجد أن كل عبادة تحمل من القيم النبيلة ما يجعل الفرد و المجتمع يعرضان معا عن التماس الأذى للآخر مهما كان جنسه أو لونه، أو دينه، أو لا دين له، و هذا التوجه في بناء القيم النبيلة هو الذي جعل الرسول (ص) يقول الدين "المعاملة" و يقول "الدين النصيحة".
و نفس الشيء بالنسبة للشريعة التي تهدف إلى تكريس نظام من العلاقات الاجتماعية التي تحضر فيها القيم بشكل مكثف من أجل مجتمع خال من العاهات، و الأمراض الاجتماعية، و ينحو في اتجاه نفض كل أشكال الظلم و القهر و الاستبداد، و إتاحة الفرصة للجميع لبذل التضحية من أجل ذلك.
و على هذا الأساس كانت شحنة القيم التي تشبع بها المسلمون خير مساعد على التوحد في مواجهة الاستعمار الغربي سواء كانت البلاد المستعمرة عربية أو غير عربية. و قد وظف قادة حركة التحرر الوطني الدين الإسلامي توظيفا إيجابيا في هذا الاتجاه من اجل :
1) توحيد صفوف المسلمين، و شحنهم بالقيم الموحدة ضد المستعمر، و توضيح بشاعة القيم الوافدة مع المستعمرين.
2) شحن المسلمين بالقيم الوطنية المستمدة من الارتباط بالأرض و التي لا تتناقض مع القيم الإنسانية في الإسلام.
3) استغلال تلك الوحدة على كل أشكال المواجهة للاحتلال الأجنبي.
4) الدخول في عملية المواجهة، و تقديم كل أشكال التضحيات المادية و المعنوية إلى أن يتحقق دحر الاستعمار.
5) توظيف شحنة النصر على المعتدي باعتبارها قيمة إنسانية في بناء الدول المتحررة من الاستعمار.
إن التحول الذي عرفته التشكيلة الاقتصادية/الاجتماعية بفعل التحديث الذي أحدثه الاستعمار أدى إلى انفراز طبقة تمكنت من السيطرة على أجهزة الدولة، و تكمن مصلحتها في الارتباط بالدول المستعمرة، و بمؤسسات الاستعمار الاقتصادي، فتشرع مباشرة في أدلجة الدين الإسلامي، و احتكار تأويله عبر جيش من المتنبئين الجدد الذين يتلقون أتاوات لا حدود لها بفعل ما تؤدي إليه تأويلاتهم لجعل الدين الإسلامي يؤدي دورا آخر غير الدور الذي قام به في مواجهة الاستعمار. ولذلك نجد أن توظيف الإسلام بقيم غير قيمه ولغاية غير الغايات الدينية الصرفة اصبح يطفو على السطح بمجرد تمكن الطبقات التي ترتبط مصلحتها بالاستعمار في شكليه القديم والجديد من السيطرة على أجهزة الدولة لتسخيرها لتنفيذ مخططات الاستعمار في كل بلد من بلدان المسلمين وهو ما أوجد مبرر استمرار حركة التحرر الوطني التي استمر خطابها مهيمنا في مجموع البلاد العربية والإسلامية عقودا بأكملها خاصة وان تلك الحركة ترتبط بالدول الاشتراكية بزعامة الاتحاد السوفياتي سابقا والذي كان يمدها بالإمكانيات الفكرية والأيديولوجية، ويدفع بها في اتجاه تغيير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية. ونظرا لأن الصراع الأيديولوجي كان قائما على الصعيد العالمي في ظل الحرب الباردة فقد استطاعت الأنظمة القائمة في مجموعة من البلاد الإسلامية وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين وربيبتها الصهيونية، استنبات مجموعة من التنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي وخلقت لها امتدادات على مدى الوطن العربي الإسلامي في إطار ما اصبح يعرف بالقومية الإسلامية كشعار تلتف حوله التنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي لإيهام المسلمين بإمكانية الجهاد من اجل دولة المسلمين من حدود الصين إلى المحيط الأطلسي. وقد لفتت هذه التنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي نظر جميع المسلمين الذين انساقوا وراء وهم قيام الدولة الإسلامية الموحدة للمسلمين. وهذا الانسياق وراء هذه الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي لا يعني الانفلات من خطاب حركات التحرر الوطني، نظرا لانغراس الخطاب المؤدلج للدين الإسلامي في نفوسهم ليكون ذلك بداية تعميم الثورة المضادة التي ستلعب دورا أساسيا لصالح الأنظمة الرجعية التي شرعت تمد الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي بدون جدوى، مما سهل أمامها العمل على جميع المستويات وفي جميع الأماكن بالإضافة إلى إتاحة الفرصة أمامها لاستغلال المؤسسات الدينية للغرض نفسه وهو ما جعل خطاب تلك الحركات يتغلغل في صفوف المسلمين ويفرض حصارا غير مباشر على الحركات ذات الارتباط بحركات التحرر الوطني بمضامينه الاشتراكية والقومية والوطنية، ليتحول إلى حصار مباشر في الجامعات والمؤسسات الرسمية بالإضافة إلى الحصار الإعلامي الذي يحرم الإعلام الرسمي على مكونات حركة التحرر الوطني ويضعه رهن إشارة الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي حتى تلعب دورها في تضليل المسلمين في أفق التجييش الذي تعكسه المظاهر التي تميز هؤلاء على سائر المسلمين، ثم الانتقال إلى الهجوم على حركة التحرر الوطني باستهداف الحركات التي لها علاقة بها، وتصفية قادتها ثم المتنورين من الأدباء والمفكرين والفنانين، ثم استهداف عامة الناس الذين لا ينساقون معهم والانتقال إلى استهداف الدول الاشتراكية كما حصل في العديد من بلدان المسلمين في مصر وفي أفغانستان وفي يوغوسلافيا سابقا. كل ذلك بدعم الغرب وأمريكا.
وفي هذا السياق تقدم الأنظمة الرجعية، ومن ورائها الإمبريالية دعما لا محدود للمؤدلجين للدين الإسلامي لصالح الأنظمة القائمة أو لصالح التنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي، ونعت ما يكتبونه عبر الكتب والمجلات والصحف التي تدعي الدعاية لنشر الإسلام بالفكر الاسلامي.
وهؤلاء الكتاب المؤدلجون للدين الإسلامي و المدعومون من قبل الأنظمة الرجعية أو من قبل الإمبريالية مباشرة لا يتحرجون من كتابة و نشر ما يتنافى مع حقيقة الإسلام خدمة للأنظمة التي تعمي أبصارهم بالعطاء، و أكثر من هذا فإن هؤلاء الكتاب يستعدون قراءهم على المتنورين من المسلمين، و على التنظيمات الرافضة لأدلجة الدين الإسلامي، و هذا الاستعداء يجدون له مبررا، أو يختلقونه من الكتاب و السنة حتى ينساق القراء وراء ما يدعون إليه، و ما يدعونه و هم بذلك يشملهم قوله تعالى– بوعي أو بدون وعي - : " يحرفون الكلم عن مواضعه "
و تعمل وسائل الإعلام الرجعية : السمعية/البصرية التي تتحكم فيها الأنظمة الرجعية المتخلفة على الترويج لأفكار و كتابات هؤلاء الكتاب الذين يطلق عليهم –ظلما – كتاب إسلاميون، و هم في الواقع ليسوا إلا مؤدلجي الدين الإسلامي مقابل عطاءات لا حدود لها.
و إلى جانب الكتاب المؤدلجين للدين الإسلامي تقدم الأنظمة الرجعية، و معها الإمبريالية : الدعم اللامحدود للمنابر الإعلامية " المستقلة " التي تروج لأدلجة الدين الإسلامي حتى تقوم بدورها كاملا في تضليل المسلمين، و جعلهم يعتقدون أن الدين الإسلامي المؤدلج هو الإسلام الحقيقي.
و هذا الدعم المقدم إلى الحركات و الأفراد و وسائل الإعلام يدخل في إطار الإعداد ، و الاستعداد لتنظيم حرب متعددة الأوجه ضد التفكير المتنور، و ضد الإعلام المتحرر، و ضد حركات التحرر الوطني و العالمي الساعية إلى تحرير الأرض و الإنسان، و تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، و قد تمظهرت هذه الحرب في عدة مستويات :
1) مستوى الحرب الفكرية حيث يلجأ منظرو الإسلام الأيديولوجي إلى تشويه قوانين الفكر الاشتراكي العلمي، و تهجين، و تنفير القراء منه عن طريق قذف حامليه، و وصفهم بأبشع الأوصاف و اعتبارهم أعداء للدين الإسلامي، و للمسلمين، و تحريض المسلمين ضدهم من أجل إزاحتهم حتى يبقى فكر المؤدلجين هو السائد، و في خدمة الأنظمة القائمة التي تتبع النظام الأمريكي الهمجي.
2) مستوى الحرب الأيديولوجية الموظفة لأدلجة الدين الإسلامي المقارعة لباقي الأيديولوجيات، و خاصة الأيديولوجية الاشتراكية العلمية التي تحول المقتنعين بها إلى "كفار" و توظف الجهات المعنية مختلف الوسائل، لتشويه الأيديولوجيات المتناقضة مع الأيديولوجية الموظفة لأدلجة الدين الإسلامي، و التي تقدم نفسها كحل نهائي للمشاكل القائمة في الكون بما في ذلك مشاكل الغيب الذي لا يعلم كنهه إلا الله.
3) مستوى الحرب السياسية التي يلجأ فيها مؤدلجو الدين الإسلامي الذين أطلقنا عليهم "المتنبئون الجدد " إلى تبني مواقف سياسية تهدف إلى مصادرة مواقف للتنظيمات الاشتراكية، و إعلان "الجهاد" ضد الاشتراكيين، و تنظيم عملية التحريض المكثف حتى لا ينساق الناس وراء الشعارات السياسية التي يرفعها الاشتراكيون. و الانتقال إلى عملية إقناع السلطات القائمة لممارسة عملية القمع الممنهج على الاشتراكية الذي يعتبر تتويجا لرغبة مؤدلجي الدين الإسلامي.
4) مستوى حرب الثورة المضادة التي يلجأ فيها المؤدلجون للدين الإسلامي إلي الدخول في عملية منظمة تصيب الاشتراكيين و مؤيديهم و القضاء على التواجد التنظيمي لهم، و مصادرة الكتب و الصحف و المجلات و المنابر الإعلامية التي تروج للفكر الاشتراكي العلمي حتى لا يبقى من يعارض المستفيدين من أدلجة الدين الاسلامي، سواء تعلق الأمر بالدول أو بالتنظيمات.
5) و بعد ذلك يتم الانتقال إلى خارج البلاد الإسلامية بدعوى الجهاد في الكفار و المارقين، من أجل إنهاك الدول الاشتراكية العظمى التي تنبعث من داخلها مشاكل تشغلها عن الأهداف الكبرى على يد مدعي "الجهاد" و نشر "الإسلام" و تشجيع المحرفين، و دعم الساعين إلى الإطاحة بالنظام الاشتراكي لصالح الدولة الرأسمالية العظمى و تمكينها من السيطرة على العالم.
6) و إلى جانب ذلك، و نظرا للإمكانيات الكبرى التي يتمتع بها مؤدلجوا الدين الإسلامي على المستوى الدولي، فإن أياديهم تمتد إلى كل البلدان التي يتواجد فيها المسلمون الذين يوظفون لتحقيق الأهداف المحددة في ضرب جميع الحركات التي تسعى إلى تحقيق الاشتراكية باستعمال جميع الوسائل بما فيها التصفية الجسدية.
و بذلك يؤدي مؤدلجو الدين الإسلامي خدمة عظيمة للأنظمة الاستبدادية القائمة، و سيدتها أمريكا التي أصبحت متربعة على عرش العالم لا ينازعها أحد في زعامتها، و كل شيء في خدمتها، و رهن إشارتها. موظفة في سبيل ذلك كل الإمكانيات بما فيها الدين الإسلامي المؤدلج، الذي أغدقت على مؤدلجيه عطاءات لا حدود لها، و تركتهم يفعلون ما يشاءون في هذا العالم ما داموا مخلصين لأمريكا ، و للأنظمة التابعة لها.

إسلام أمريكا ضد إسلام أمريكا :
و نظرا لإغراق مؤدلجي الدين الإسلامي في تأويل النص الديني، فإن هؤلاء توهموا أن الله اختارهم ليعيدوا للدين الإسلامي مجده، و لكن أي مجد، و بأية طريقة، فالمجد الذي يبحث عنه هؤلاء ليس تطويرا للفهم و ليس انفتاحا على العصر، و ليس استفادة مما توصل إليه الإنسان من تطور في جميع المجالات ، إنه الرجوع إلى الوراء، إلى مرحلة بعينها، مرحلة الخلفاء الراشدين التي أريد لها أن تكون مثالا للدولة الإسلامية، و هي في الواقع ليست كذلك، إنها دولة المسلمين في ذلك العهد، كان يقودها أشخاص عرفوا باتحادهم في صحبة الرسول (ص) ، و اختلافهم في فهم النص الديني، و في اجتهادهم، و في انحيازهم إلى هذه الطبقة أو تلك، انطلاقا من اختلاف الفهم الذي يختص به كل خليفة، و لذلك سمي أول خليفة بخليفة رسول الله، و بعد ذلك أصبحوا يسمون بأمير المومنين حتى يصبح اللقب دنيويا، ولا علاقة له بما هو ديني، حتى لا تخلع القداسة على أي ممن يحكم لكون الإسلام جاء في الأصل ليضع حدا لتقديس غير الله. و هو ما جاء في القرآن الكريم عندما قال الله تعالى : " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي "
فاعتماد نموذج الخلفاء الراشدين نموذجا للدولة الإسلامية الموعودة في خطاب مؤدلجي الدين الإسلامي الذين شبوا عن طوق أمريكا، ما هو إلا ممارسة أيديولوجية تهدف إلى استقطاب بسطاء المسلمين الذين يعانون الأمرين، من الفقر و الجوع و المرض من اجل أن يكونوا سندا و عونا لمؤدلجي الدين الإسلامي على الوصول الى السلطة السياسية التي تعتبر منطلقا للوصول الى فرض الاستبداد على المسلمين ثم على البشرية جميعا، و هو ما أدركته أمريكا منذ أن شرع مؤدلجو الدين الإسلامي المخالفين لأدلجة الأنظمة التابعة لأمريكا في ضرب مصالح الأنظمة التابعة لأمريكا، و مصالح أمريكا.
و بناء على ذلك الإغراق في التأويل تفتعل التنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي صراعات أيديولوجية تتطور إلى صراعات سياسية قد تنتقل إلى صراعات دامية ضد الأنظمة التابعة حتى تقود الجماهير العريضة بوهم "الإسلام هو الحل" و شعار "الإسلام دين و دولة" و شعار "الدولة الإسلامية" و السعي إلى تحقيق شعار "تطبيق الشريعة الإسلامية". و هي كلها شعارات أيديولوجية صرفة تقف من ورائها أمريكا نفسها من أجل محاصرة المعسكر الاشتراكي خلال مرحلة الحرب الباردة.
و الهدف من هذا الصراع هو إثبات أن تلك التنظيمات أكثر حرصا على الإسلام و المسلمين من الأنظمة القائمة. لعل أمريكا تدعمها، و تقف من ورائها حتى تتسلم السلطة. إلا أن أمريكا نفسها تعرف مسبقا أن تلك التنظيمات لا تتجاوز مجرد أدوات وجدت لتؤدي أدوارا معينة، و عليها أن تزول بعد ذلك. و إلا فإن أمريكا التي تدعي أنها هي "الدولة ديمقراطية" الأولى في العالم و العاملة على فرض احترام "حقوق الإنسان" كما تراها هي. سوف تتناقض مع نفسها عندما تشجع على :
1) قيام دول على أساس ديني.
2) إنشاء أحزاب سياسية على نفس الأساس، خاصة و أن ذلك يتناقض مع المواثيق الدولية من جهة، و يؤدي إلى قيام دول و أحزاب تكرس الاستبداد أو تسعى إلى تكريسه، و هو ما يتناقض مع "ديموقراطية"أمريكا نفسها التي تبث في نسيج المجتمعات البشرية همجية الاستغلال بجميع أنماطه، و بمختلف مستوياته. من أجل نهب خيرات الشعوب لصالح الشركات العابرة للقارات.
و نزولا عند رغبة أمريكا، فإن الأنظمة التابعة لها تدخل في عملية تنظيم أشكال من القمع الممنهج ضد الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي فيتوهم المسلمون أن تلك التنظيمات تناضل أو "تهاجم" فعلا ضد الأنظمة التابعة، أو ضد أمريكا من أجل توفير حياة أفضل للشعوب المقهورة، بينما نجد أن تلك التنظيمات إنما تستغل الإسلام لحاجة في نفس يعقوب، و بعد ذلك يتم التمكن من رقاب المسلمين لفرض قوالب من الفكر مستوحاة من تاريخ ظلام المسلمين من أجل إدخال البشرية في كهوف من الظلام تتناسب مع تلك المغارات التي تقصفها أمريكا في أفغانستان، و في أي نقطة من العالم عندما تريد أمريكا فرض هيمنتها "ديمقراطيتها" على الإنسان من أجل تركيعه بعدما نصبت المؤدلجين للنيابة عن الله في الارض، و قهر من يخالف أدلجتهم فاشتد عودهم، و خرجوا عن طوق أمريكا.
و نظرا لأن مصلحة أمريكا مع الأنظمة القائمة، فإن مناهضة الأنظمة القائمة تبدوا و كأنها مناهضة لأمريكا، و تهديد أو ضرب لمصالحها. و لذلك فهذه التنظيمات تجد نفسها مضطرة لمواجهة أمريكا لا باعتبارها عدوة الشعوب كما قد يتوهم المتتبع انطلاقا مما يجري على المستوى العالمي، بل لأنها :
أ – ترفض دعم مؤدلجي الدين الإسلامي في صراعهم ضد الأنظمة التابعة التي لها أدلجتها الخاصة للدين الإسلامي، لأن ذلك الدعم إن حصل ستتضرر أمريكا منه، و سيوضع حد لكل أشكال الحداثة التي يعتمد عليها الغرب بزعامة أمريكا، لأن إقبار الحداثة سيؤدي إلى إلحاق الأضرار الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و هو ما يضاعف حقد أمريكا على الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي.
ب- تعتبر أن تلك التيارات المؤدلجة للدين الإسلامي قد استنفذت مهمتها التاريخية المتجسدة في تشويه الاشتراكية و الاشتراكيين، و تخريب الأنظمة الاشتراكية، و القضاء عليها خدمة لأمريكا، و لباقي الأنظمة بما فيها تلك التابعة.
ج- تعتقد أنها وحدها التي يجب أن تستفيد من انهيار النظام الاشتراكي العالمي وان أي ميل لتلك التيارات يجب أن يبقى في خدمتها حتى يستمر وإلا فان القضاء عليه وتفكيكه بضرب عناصره وقياداته بمختلف الوسائل يعتبر مسالة أساسية وهو ما حصل مع حركة الطالبان في أفغانستان وسيحصل مع العديد من الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي في جميع الأقطار حتى لا يبقى من يرفع الرأس ضد أمريكا.
د - ترى أن قيام دولة ما على أساس عقائدي قد يقود إلى انهيار النظام الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لصالح بقايا الإقطاع الذي قام النظام الرأسمالي على أنقاضه لذلك فأمريكا تحجم عن دعم ومساندة الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي وتشجع الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين على محاربتها بل وتعلن عليها الحرب. وتضرب الأنظمة المؤدلجة للدين الاسلامي، و المتناقضة في خطابها، و ممارستها مع أمريكا كما حصل في السودان، و في ايران، و في أفغانستان في عهد الطالبان.
ه – تحرص على زعامة النظام الرأسمالي للعالم، و الحيلولة دون قيام نظام عالمي على أساس عقائدي، لأن ذلك يتناقض مع التوجه الرأسمالي نفسه الذي يدعي الحرص على تمتع الناس بجميع حقوقهم كما هي متضمنة في المواثيق الدولية التي صادقت عليها بعض الدول، و لم تصادق أمريكا على البنود التي تتناقض مع مصالحها.
فأمريكا هي القطب المتحكم في العالم الذي يصوغه وفق ما تقتضيه مصالحه المختلفة، و يعيد صياغته، و بالقوة عندما تدعو الضرورة إلى ذلك كما حصل انطلاقا من أفغانستان، بدعوى محاربة الإرهاب. و الواقع أنها تحارب العفريت الذي خرج من بعبعها، و دون إرادتها لأنها ربته على أن يكون لها، فخرج عن طوعها، و لذلك فهي تؤدبه ليصبح خانعا قانعا بالوجود، و لا بأس أن يدعي أنه يكره أمريكا حتى لا تقضي عليه أمريكا في مظان الوجود من غير أفغانستان.

مأزق إسلام أمريكا :
و إن ما قاد إليه الإغراق في التوظيف الأيديولوجي للدين الإسلامي بدعم من أمريكا، و ربيبتها إسرائيل تحت ذريعة محاربة المد الشيوعي، أو محاربة الشيوعية، و بدعم من الأنظمة التابعة التي لا تتورع عن التوظيف الإيديولوجي للدين الإسلامي، لابد أن يوقع أمريكا، و الأنظمة التابعة لها، و معها التنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي في مأزق الدخول في الإبادة الجماعية المتبادلة بين أمريكا من جهة، و تلك التنظيمات ، و بعض الأنظمة المؤدلجة للدين الإسلامي من جهة أخرى، و هو ما يمكن وصفه بالانفلات من الرقابة الذاتية، و الانخراط في الممارسة الهمجية التي لا حدود لها، و لا يعرف مداها، و يمكن تصنيف مأزق أمريكا في :
1) مأزق الأنظمة التابعة المؤدلجة للدين الإسلامي التي وجدت نفسها مضطرة للانسياق وراء أمريكا في حربها ضد ما تسميه ب " الإرهاب " و تتنكر في نفس الوقت لأولئك الذين ربتهم و شبوا عن طوقها، و انفلتوا مستقلين عنها، بعد أن قدموا خدمات جلى للنظام الأمريكي لا حدود لها.
فالأنظمة التابعة المؤدلجة للدين الإسلامي وقعت فيما يسميه العرب القدامى ب " حيص بيص " فهي لا تدري ماذا تفعل ؟
أ – هل تتبنى أطروحة أمريكا حول " الإرهاب" ؟ هل تتخلى عن أد لجتها للدين الإسلامي ؟ هل تتخلى عن دعم التنظيمات التي شبت و ترعرعت تحت رعايتها ؟ إن ما يمارس في هذا الإطار هو أن الدول التابعة المؤدلجة للدين الإسلامي أصبحت مقرة بأطروحة أمريكا حول الإرهاب ولكنها في نفس الوقت تستمر في أد لجتها للدين الإسلامي ولكن هذه المرة لا بد أن نأخذ بعين الاعتبار ما تريده أمريكا من تلك الادلجة حتى لا يتحول الإسلام مستقبلا إلى وسيلة لإزعاج استقرار النظام العالمي الأمريكي أو النظام الرأسمالي العالمي ولذلك فهي تتحول إلى متكلم باسم أمريكا وتصبح مختبرة لها فيما يخص تتبع ورصد الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي حتى لا تتعرض إلى عقاب أمريكا عن طريق الاستهداف بصواريخ كروز و توماهوك وما تلقيه الطائرات من أطنان المتفجرات في حالة الاستهداف كما حصل في أفغانستان
ب - هل ترفض تلك الأطروحة حول الإرهاب إنها ولا شك لن تجرؤ على ذلك بحكم تبعيتها وارتباط مصلحتها بالنظام الرأسمالي العالمي ولأنها إن فعلت ستصبح مهددة كما هو الشان بالنسبة للعراق بالضربة الأمريكية باعتبارها ضربة قد تؤدي إلى القضاء على النظام أو إغراقه في الكثير من المشاكل التي لا حلول لها بسبب الحصار الذي قد يستمر لعدة عقود بهدف القضاء على النظام أو إخضاعه لمشيئة النظام الرأسمالي العالمي وفي احسن الأحوال فإنها تلجا إلى المطالبة بالتمييز بين الإرهاب وبين مقاومة الاحتلال حتى لا تتحول تلك المقاومة إلى إرهاب وهو المطلب الذي لجأت إلى طرحه مجموعة من الدول العربية وفي مقدمتها دولة لبنان.
وفي جميع الحالات فالموقف ينبني على أساس التبعية أو التحرر منها . وهو ما يمكن أن يحدد لنا : هل النظام القائم في بلد ما مع أمريكا أو ضدها . فإذا كان مع أمريكا فهو ضد الإرهاب وإذا كان ضدها فهو مع الإرهاب وهو ما تعتمده أمريكا لإرغام جميع الدول على تبني موقفها من الإرهاب ، وانتزاع شرعية إبادة المخالفين .
ح- هل تستمر في دعم الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي ؟إن هذا الاستمرار إن حصل وبعد 11 شتنبر 2001 يجب أن يكون بموافقة أمريكا من جهة ومشروطا بعدم ضرب المصالح الأمريكية من جهة أخرى ، وشرط من هذا النوع ليس مضمونا على المدى المتوسط والبعيد ، فقبوله يعتبر مجازفة بالنسبة للأنظمة التابعة ،خاصة وأن الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي تركب قاعدة "الغاية تبرر الوسيلة " فتظهر بسبب ذلك ، خلاف ما تخفي ، و هو ما يرجع غالبا امتناع الأنظمة التابعة عن دعم تلك الحركات .
د- ولذلك فامتناعها الوارد سيؤدي إلى نتيجتين أساسيتين :
النتيجة الأولى : تعميق التبعية لأمريكا ، ومن خلالها للنظام الرأسمالي العالمي ، وهو تعميق سيمس السيادة نفسها التي تتمتع بها تلك الدول على بلدانها ، وشعوبها ، وهو ما يبيح لأمريكا ولغيرها التدخل في الشؤون الداخلية بدعوى محاربة " الإرهاب " .
النتيجة الثانية : دخولها في صراعات مريرة مع التنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي عبر تنازع الادلجة والوصاية على الإسلام والمسلمين وتوظيف المؤسسات الدينية وصولا إلى مصادرة الحريات والحق في الحياة .
وهذه النتيجة الثانية هي التي ترشح بلاد المسلمين إلى المرور بتحول عميق يقضي بإعادة النظر في أساليب الأنظمة التابعة و إعداد الأجيال الصاعدة من خلال مضاعفة الهاجس الأمني الذي يحكم ممارستها في جميع المجالات :
ه – و إذا كانت أدلجة الدول التابعة للدين الإسلامي قد فسحت المجال أمام إرهاب الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، فإن ما يطرح الآن هو : هل تتخلى هذه الدول عن أدلجة الدين الإسلامي ؟ و إذا حصل تخليها، فإنها ستحرص على فرض حيادية الدين الاسلامي، و ستتحول إلى دول علمانية بالضرورة، و ستحرم في دساتيرها و قوانينها استغلال الدين الإسلامي في الممارسة السياسية، و ستحرم ممارسة الادلجة، لأنها ستحول إلى ما يشبه جريمة " الإخلال بالأمن العام ". و كونها تتحول إلى أنظمة علمانية يمكن اعتباره أمرا مستبعدا، لأنها حينها ستوصف بالأنظمة الملحدة، و الكافرة، و هو ما يعطي الشرعية للحركات المؤدلجة للدين الإسلامي التي ستعمل على تحريك المسلمين ضد تلك الأنظمة كما حصل سابقا في العديد من بلدان المسلمين.
و لذلك فأدلجتها للدين الإسلامي ستعتبر واردة و لكن بالشكل الذي يكرس إسلام أمريكا التي تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى تعاطف المسلمين معها ضد مسلمي الحركات المعادية لها، و المتعاطفة مع الطالبان.
و- و بناء على ذلك، هل تتوقف عند تقديم العطاء السخي للمتنبئين الجدد الذين تسميهم ب " العلماء" في الوقت الذي لا يجمع بينهم و بين العلم إلا الوهم ؟ هل تدخر تلك العطاءات اللامحدودة من أجل التخطيط لصرفها فيما يعود على الشعوب المسلمة بما فيه فائدة لها، بدل شراء ذمم المتنبئين الجدد ؟ إننا أمام إشكالية كبيرة و عميقة في نفس الوقت، لأن ما يقوم به المتنبئون الجدد المبثوثون في نسيج مجتمعات المسلمين يخدم بطريقة مباشرة مصالح الأنظمة التابعة المؤدلجة للدين الإسلامي، و بطريقة غير مباشرة مصالح الحركات التي لها تأويلها المخالف في عملية الادلجة، و لذلك فالمهمة المطروحة اليوم، و بعد شيوع الاعتقاد بإسلام الطالبان، هي كيف يفرق المتنبئون الجدد بين الإسلاميين/ الادلجتين ؟ أو كيف يعملون على نقض الادلجة التي تدخل في تناقض مع أد لجة الأنظمة التابعة ؟ و هم بذلك سيقضون عقودا من البحث، مصحوبة بعقود من القمع/الرقابة على إنتاجاهم حتى لا تخدم المعتنقين لإسلام الطالبان، و سيلجأون إلى قائمة من التبريرات/الاجتهادات التي تستدر المزيد من العطاءات، سواء تعلق الأمر بأمريكا، ليكون الإسلام خالصا سائغا لإسلام أمريكا .فدور المتنبئين الجدد المخلصين للأنظمة التابعة هو الاستماتة في خدمة تلك الأنظمة، و الإخلاص في خدمة أمريكا. و هو ما يفرض على المسلمين الانتباه إلى تراكم تحريف النص الديني خدمة للأنظمة التابعة و لأمريكا.
ز- و بذلك نخلص إلى طرح السؤال : هل تعيد الأنظمة التابعة النظر في المراجع الدراسية من أجل حذف ما له علاقة بأدلجة الدين الإسلامي ؟ إن الإقدام على هذا النوع من العمل يقتضي :
أولا : الإقرار بأن البرامج الدراسية صيغت لخدمة مصالح الطبقات الحاكمة التي من جملتها أد لجة الدين الإسلامي لمصلحة تلك الطبقات.
ثانيا : ضرورة علمنة مؤسسة الدولة التابعة أسوة بدول المركز.
و لذلك نجد أن الإقرار بالعلمنة المشار إليها غير وارد في عرف دول المسلمين التابعة، و ما يمكن أن يحصل هو مضاعفة الرقابة و بالقدر الذي يمنع من أد لجة الدين الإسلامي لغير صالح الدول التابعة في بلاد المسلمين.
ح) وهل تقوم بفصل الدين عن الدولة إرضاء لأمريكا ودول المركز الأخرى إن عملية الفصل معناها أن نحدد ما لله وما للبشر " وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " " و أمرهم شورى بينهم".
و عملية الفصل هي ممارسة علمانية، و علمانيتها ستكون غير واردة، لأن عدم تبنيها لا يعني إلا إعطاء الشرعية للحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، و لكن بالقدر الذي يجعل الدين الإسلامي منفتحا على ممارسة أمريكا، و في نفس الوقت، موهما المسلمين بأن تلك الادلجة الرسمية للدين الإسلامي هي الإسلام الحقيقي، ودور كهذا لا يمكن أن يقوم به إلا جيل جديد من المتنبئين الجدد الذين يمزجون في خطابهم الأيديولوجية بين تمجيد أمريكا، و تمجيد الأنظمة التابعة لها انطلاقا من تأويل معين للنص الديني لأداء الوظيفتين معا.
ي- و يبقى أن نتساءل : هل تدفع الدول التابعة في اتجاه تأسيس هيئات مستقلة للإشراف على المؤسسات الدينية من الدول التابعة، لأن كل ما يؤدي إلى استقلال المؤسسات الدينية من الدول التابعة، يرشحها لاستغلال الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، و ما دام الأمر كذلك، فإن عملية ضمان حياد المؤسسة الدينية يقتضي ترسيخ نوع من الوعي يحفظ كرامة الانسان، و يحترم قناعته، و يرسخ حرية التدين ، و العبادة و التمذهب بعيدا عن تدخل الدولة، ، و بعيدا عن الادلجة المؤدية إلى توظيف الدين الإسلامي في الأمور السياسية، و في إطار الممارسة الديمقراطية التي تتخلل أنسجة المجتمع كصمام أمان ضد كل أشكال التحريف السياسي و العقائدي الهادف إلى خدمة مصالح الطبقة أو التحالف الطبقي الحاكم.
و بناء على ما ذكر فإن مأزق الأنظمة التابعة المؤدلجة للدين الإسلامي، سيبقى قائما، و بسببه ستزداد استبدادا، و به ستلجأ إلى المزيد من القمع المادي و المعنوي للحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، ما دامت أدلجتها لا تخدم مصالح الطبقات الحاكمة، أو تتعارض معها.
2) مأزق الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي المدعومة من قبل الأنظمة التابعة، و من أمريكا لأن استمرار هذه الحركات في عملية الادلجة سيكشف الخدمات التي تكمن وراءها. و سيعرف المسلمون أن ما تقوم به هو لصالح الأنظمة التابعة، و لصالح أمريكا نظرا لاكتواء جماهير المسلمين بالاختيارات الرأسمالية التبعية، و تكمن مأزقتها في:
أ – إصابة الأنظمة التابعة في دعمها للحركات المؤدلجة للدين الإسلامي بالحرج بسبب كون تلك الحركات مفرخة للأطر التي تقود عملية الادلجة و توظفها ضد الأنظمة التابعة و ضد أمريكا كما حصل في العديد من الدول التي عرفت قمعا شرسا ضد الاشتراكيين، بمساهمة الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي إلى جانب الدول التابعة، و كذلك نجد الأنظمة التابعة تتردد بين الاستمرار في الدعم، و بين الامتناع عنه حتى لا تشملها قائمة الدول الداعمة للارهاب، و التي تلوح بها أمريكا بعد 11 شتنبر 2001.
ب- تحرش الحركات بالأنظمة و بأمريكا بسبب موقفها الجديد ، قد يقودها إلى الوصف بالإرهاب، و اتخاذ قرار ملاحقتها، و محاصرتها، و القضاء عليها، و لتجنب ذلك، ، فتحرش الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي بالأنظمة التابعة،و بأمريكا يجب أن يزول من فكرها و ممارستها، و أن يحل محله ما أصبح يعرف في خطاب أمريكا، و أذنابها ب " الإسلام المعتدل ". هذا الإسلام الذي تم الشروع في التنظير له، فكأن هناك إسلام يساري، و إسلام يميني، و إسلام معتدل، و الواقع غير ذلك. فالذي يكون يساريا أو يمينيا أو معتدلا هو القناعة الأيديولوجية التي يستند إليها البشر لاتخاذ موقف سياسي يساري أو يميني، أو معتدل، و الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي هي التي يمكن أن تكون يمينية أو متطرفة أو معتدلة. و الاعتدال هنا ليس إسلاما، إنه موقف سياسي يستند إلى أيديولوجية الوسط التي لا يمكن أن تكون إلا توفيقية/تلفيقية. و ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى : " لا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك، و لا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محصورا " و قوله : " الله نور السماوات و الأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب ذري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية و لا غربية " مما يمكن أن نستنتج منه أن الإسلام دين الوسط و الاعتدال ما هو إلا شيء يدخل في طبيعة الدين الإسلامي حتى يكون صالحا لكل الطبقات الاجتماعية في كل زمان و مكان. و لا علاقة لذلك بالأيديولوجية التي هي من خاصيات الطبقات الاجتماعية التي تكون يمينية أو يسارية أو وسطية على المستوى الأيديولوجي الذي قد توظف فيه العقيدة السلامية البريئة من الأيديولوجية.
و نظرا لما لأدلجة الدين الإسلامي من دور في تفجير الصراع التناحري مع الأنظمة، و مع أمريكا، فإن الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي تصبح محرجة في الاستمرار في التوظيف الأيديولوجي للدين الإسلامي، فتدخل في ممارسة التبرير الممل، و التضليل، و التمويه حتى تغطي على أدلجتها، أو تعلن عن تقمصها لحزب سياسي معين، تتستر وراءه، و تحول أدلجتها إلى ممارسة سياسية، و تصبح مهاجمة سياسيا، و لكن على الجماهير الشعبية الكادحة ، الساعية إلى الانعتاق و التحرر و الاشتراكية، و على المنظمات السياسية، و الجماهيرية المؤطرة للجماهير الكادحة و تشويه سمعتها لصالح الأنظمة التابعة و سيدتها أمريكا، و هو ما يضمن لها الاستمرار، و يزيل عنها الحرج.
د- و نظرا لأن الأصل في استراتيجيتها، و تاكتيكها، قائم على الهجوم على الأنظمة التابعة ، و على أمريكا، فإن تراجعها عن ذلك الهجوم من أجل المحافظة على استمراريتها سيقود الى انفلات الاتباع الذين سيتوقف إغواؤهم بالذي يأتي و لا يأتي، و تبشيرهم بجنات عدن ينالها " الشهداء " بسبب المصير الذي ينتظرهم في حالة الاستمرار في انسياقهم وراء أدلجة الدين الإسلامي، فعملية الانفلات اللامحدود ستبقى واردة للاعتبارات الآتية :
الاعتبار الأول : أن الأنظمة التابعة و أمريكا ستتوقفان عن دعم الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي.
و الاعتبار الثاني : تخلي هذه الحركات عن ممارسة الصراع ضد الأنظمة التابعة و ضد أمريكا.
و الاعتبار الثالث : انسداد الآفاق أمام هذه الحركات بسبب الحصار الذي سيضرب حولها.
و الاعتبار الرابع : اهتمام المثقفين بإخضاع أدلجة الدين الإسلامي للمناقشة و التشريح عبر وسائل الإعلام المختلفة.
و بناء على عملية الانفلات المحكومة بالاعتبارات المذكورة يتضح بالملموس أن أكبر جريمة ارتكبت و لازالت ترتكب في حق الدين الإسلامي هي أدلجته، و توظيفه لأغراض سياسية دنيئة.
و لذلك فمن واجب المثقفين الحقيقيين العمل على الكشف عن الادلجة التي شوهت العقيدة، و ضللت المسلمين، و قادتهم إلى عبادة زعماء المؤدلجين بدل عبادة الله تعالى.
ه – و بفعل فقدان مصادر التمويل الخارجية نظرا لتشديد الرقابة عليها من قبل الأنظمة التابعة و من قبل أمريكا.فإن الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي ستعرف تراجعا إلى الوراء و سوف تتقلص حركتها وطنيا، و قوميا، و عالميا. و كنتيجة لذلك ستعرف تقوقعا و تقلصا.
و- و سيساهم شيوع انتقاد ممارستها السياسية، و الاجتماعية و الدينية من قبل العامة كامتداد لانتقاد الخاصة في عملية الانحسار و التقوقع، و التراجع إلى الوراء، و تقديم التنازلات، و الذوبان في أيديولوجية الطبقات أو التحالف الطبقي الحاكم، و بذلك تتحول الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي إلى مجرد حركات صورية يشكل تأويلها الأيديولوجي نسخة طبق الأصل للتأويل الأيديولوجي للطبقة أو التحالف الطبقي الحاكم.
و هكذا نجد أن خروج الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي من مأزقها، لا يتم إلا بالوقوع في مأزق آخر، و هو شأن الحركات التي تقف ضد التاريخ، و تحاول إدخال الوجود البشري إلى اللاتاريخ. و هو ما يجعلها تؤول الى مزبلة التاريخ.
3) وتكمن دلالة المأزق المزدوج لإسلام أمريكا في التمظهرات الآتية :
أ)على مستوى إعادة النظر في التعامل مع التوظيف الأيديولوجي للعقيدة، لأن إعادة النظر تلك ستقود إلى :
أولا : إما الى المزيد من التطرف اليميني المغرق في إطلاقيته، كما فعلت حركة الطالبان التي قادتها إطلاقيتها الى الاعتقاد بأنها أعتى دولة في العالم، فإذا بها تتحول أمام الضربات الأمريكية الهمجية الى نمر من ورق.
ثانيا : و إما الى التخلي عن تأويلها الأيديولوجي، و تبني تأويل الأنظمة التابعة حتى تنجو من ضربات أمريكا، و من ضربات الأنظمة التابعة لها.
و في الحالتين ما، فالمأزق يبقى قائما.
ب- ظهور توجه يسعى الى حيادية العقيدة، و إبعادها عن السياسة و هو توجه ليس صادرا عن قناعة راسخة بذلك، بقدر ما أملته شروط الصراع التناحري، القائم بين أمريكا و الطالبان، و تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، و هذا التوجه تقوده أمريكا و الدول الغربية، وبعض دول المسلمين التابعة، و هو صادر عن علمانية الغرب و عن جنوح بعض الدول التابعة الى العلمانية.
و ما يؤخذ على هذا التوجه هو :
أولا : أنه صادر عن دول لا علاقة لها بالإسلام، و كل ما تفعله أنها تستغل المسلمين، و تستذلهم.
ثانيا : أنها اكتفت بمحاربة التنظيمات التي توظف الدين الإسلامي نظرا لدوره في استنهاض الجماهير الكادحة و المحرومة ضد أمريكا، و ضد الصهيونية، و ضد الأنظمة التابعة لهما.
ثالثا : أنها لم تسع أبدا الى اعتبار الدول التابعة المؤدلجة للدين الإسلامي مرتعا لتفريخ التنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي.
و قد كان المفروض أن يصدر هذا التوجه عن المسلمين لا عن غيرهم سعيا الى حفظ العقيدة الإسلامية من التحريف، و اعتبار التنظيمات و الدول المؤدلجة للدين الإسلامي خارجة عن الانتماء الى عقيدة المسلمين. لأن سعيها ليس هو الحفاظ على سلامة عقيدة المسلمين من التحريف، بل تحريفها، و توظيفها من أجل الوصول الى السلطة حتى تتمكن من استغلال المسلمين لصالح الطبقة أو التحالف الطبقي المؤدلج للدين الإسلامي.
و إذا كانت أمريكا، و معها حلفاؤها، غير راضية عن أدلجة الدين الاسلامي، و توظيفه لأغراض سياسية منحطة، فإنها هي التي شجعت في البداية هذه الادلجة، ودفعت في اتجاه إنشاء تنظيمات على هذا الأساس لمحاربة المد الشيوعي في البلاد العربية و غيرها من بلاد المسلمين، و حتى إذا غيرت موقفها، فإن عليها أن تقدم نقدا ذاتيا. و أن تقدم تعويضات مادية الى كل الذي الذين طال أفراد عائلاتهم إرهاب مؤدلجي الدين الإسلامي.
و يبقى السؤال لماذا لا تلجأ أمريكا و حلفاؤها الى تفعيل القانون الدولي المتمثل في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بدل اللجوء الى احتلال العالم، و بقوة أمريكية صرفة ؟
لماذا لا يتم التعامل مع التوظيف الأيديولوجي لليهودية في إطار الصهيونية المتمثلة في دولة إسرائيل ؟ لماذا لا توجه الضربات الى الدولة الصهيونية، و العنصرية بدل حمايتها و دعمها، و الوقوف وراءها ؟
لماذا لا تعمل أمريكا و حلفاؤها على محاصرتها، و تفكيك التنظيمات الداعمة لها في أمريكا و أوربا؟
لماذا تقوم أمريكا بمحاصرة و ضرب الأنظمة التابعة المؤدلجة للدين الإسلامي أسوة بنظام الطالبان؟
إن الغاية من طرح الأسئلة أعلاه هي بيان أن أمريكا و حلفاءها لا يهمها إلا حفظ مصالحها المتمثلة في امتصاص دماء البشرية لصالح الشركات العابرة للقارات، و ما سوى ذلك من إصدار فتاوى باسم الإسلام ما هو إلا تضليل للمسلمين، و شكل من أشكال أدلجة الدين الإسلامي، تملقا للأنظمة المؤدلجة للدين الإسلامي و المسلمين. أما حفظ الإسلام و تطهيره من التحريف الذي لحقه على يد المتنبئين الجدد، فهو مهمة المسلمين، و مهمة الشعوب المومنة بالدين الإسلامي، و ما على أمريكا و حلفائها إلا أن ترفع يدها عن هذه الشعوب حتى تقرر مصيرها طبقا للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وخاصة البنود المتعلقة بحق تقرير المصير وتحت إشراف المنظمات الدولية المعنية
ح) وللوصول الى تطهير الدين الإسلامي من التحريف السياسي لابد من الشروع في إعادة الاعتبار للتنوير الذي يجب أن يقوم على أسس سليمة تتجسد في نشر الوعي الحقيقي.
أولا : بحق الشعوب في تقرير مصيرها السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي. فوضع دستور يراعي التمتع بذلك الحق باعتباره مصدر السيادة.
ثانيا : بحقوق الأفراد والجماعات على المستوى الاقتصادي بضمان دخل مناسب لمستوى متطلبات الحياة . وعلى المستوى الاجتماعي بضمان الحق في التعلم ، والحق في التطبيب، والحق في السكن ، والحق في العمل ، والحق في الحماية الاجتماعية ، لا فرق في ذلك بين الذكور والإناث .وعلى المستوى الثقافي : إتاحة الفرصة للتفاعل بين الثقافات المعبر عنها في المجتمع وبمختلف اللغات واللهجات ، والعمل دعم الأشكال الثقافية المختلفة ، وتجنب ممارسة الميوعة الثقافية ، وعلى المستوى المدني ضمان المساواة بين جميع أفراد المجتمع أمام القانون ، لا فرق في ذلك بين الطبقات ، ولا بين الجنسين. وعلى المستوى السياسي : ضمان التمتع بالحريات العامة والثقافية ، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة .
ثالثا : الحق في إشاعة الممارسة الديموقراطية التي تمكن الأفراد والجماعات من التمتع بالحقوق المختلفة بما فيها حق التعبير وإبداء الرأي وحق الاختيار. ومن المؤكد أن التنوير عندما ينبني على هذه الأسس ، فإن المجتمع يتحول إلى واقع يستحيل فيه استغلال الدين لصالح السياسة ، لأن المجتمع المتنور هو مجتمع متسيس لا تنطلي عليه حيلة استغلال الدين لصالح السياسة .
و- إعادة الاعتبار للعمل الجماهيري الهادف إلى نشر الوعي الحقيقي في صفوف الجماهير الشعبية الكادحة المستهدفة بخطاب أدلجة الدين الإسلامي لأن العمل الجماهيري المستند إلى مبادئ التقدمية و الديمقراطية، و الجماهيرية و الاستقلالية، هو وحده الكفيل بتفجير الطاقات الخلاقة في صفوف الأفراد و الجماعات، و في المجالات النقابية، و الثقافية، و التربوية، و العلمية. و بتلك القدرات الفاعلة يتحول العمل الجماهيري الى عامل لبث الوعي في صفوف الجماهير الكادحة، و الذي يتنوع بتنوع طبيعة المنظمات الجماهيرية العاملة في صفوف الجماهير و الساعية الى جعلها تمتلك وعيها الحقيقي الذي يعتبر حصانة لها ضد الانسياق وراء دعاوى أدلجة الدين الإسلامي الحنيف.
ه – النظر في عملية تطوير حركة التحرر الوطني للاستجابة للصيغة النضالية التي تقتضيها المرحلة التي تتسم بالتحولات العميقة التي تقتضيها عولمة اقتصاد السوق، و هذا النظر لا يتم إلا بتحمل الأحزاب و المنظمات مسؤولية تطوير برامجها المرحلية المبنية على معرفة دقيقة بتحولات الواقع ، حتى تكون أكثر نجاعة في خدمة البرامج الاستراتيجية. و عملية التطوير يجب أن تستهدف الصيغ التنظيمية، و الأيديولوجية و السياسية حتى تصبح أكثر تأثيرا في الوعي الجماهيري الذي يقودها الى الفعل في الساحة بقيادة فصائل حركة التحرير الوطني التي تسترجع بذلك دورها التاريخي، و تقود نضالات الشعوب من أجل الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية.
و- تطوير المنهج الاشتراكي العلمي عن طريق جعله يستفيد مما حصل من تطوير في مختلف المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و في العلوم الحقة. لأن أي تطور يحصل في الواقع يجب أن يكون مصحوبا بتوطير أدوات التعامل التي تساعد على تفكيك الواقع تفكيكا علميا صحيحا، و العمل على إعادة تركيبه بما يتناسب و تطلعات الجماهير الشعبية الكادحة. و كل تقاعس في هذا الإطار، و كل سعي الى غير تطوير أدوات التحليل سيجعل فصائل حركة التحرر الوطني غير قادرة على :
أولا : المعرفة الحقيقية بالواقع. و ما يمكن أن نحصل عليه هو المعرفة الزائفة التي لا تتجاوز مجرد نتيجة لأدوات لم تعد تساير الواقع.
ثانيا : وضع برنامج مؤثر فاعل في الواقع بسبب عدم امتلاك المعرفة الحقيقية به.
ز- إعادة بناء نظرية حول العالم، و الاجتهاد في بناء نظريات محلية تسترشد بها حركات التحرر الوطني، من اجل مناهضة الظواهر المفرزة للحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، بالإضافة الى مناهضة الأنظمة التابعة، لأن امتلاك النظرية في بعديها العام و الخاص يعتبر مسألة أساسية بالنسبة لفصائل حركة التحرر الوطني التي تجد نفسها مدفوعة لممارسة قناعتها الأيديولوجية و السياسية، و تصورها التنظيمي، كما هي مدفوعة لقيادة النضال من أجل تحقيق برامجها المطلبية و المرحلية، و هو ما يساهم في خلخلة الواقع، و العمل على تغيير ميزان القوى لصالح الجماهير الكادحة.
4) و للتخلص من إسلام أمريكا الذي أصبح يهيمن في حياة المسلمين و بالشرط الأمريكي، لابد من اعتماد الخطوات التي نرى ضرورتها و نجاعتها في إعادة التحول الإسلامي في الاتجاه الصحيح حتى يبقى الإسلام طاهرا نظيفا من الادلجة الأمريكية عبر الأنظمة التابعة، و من خلال التيارات المؤدلجة للدين الإسلامي، و هذه الخطوات هي :
أ – النضال من أجل ديمقراطية حقيقية من الشعب و الى الشعب، و إجراء انتخابات حرة و نزيهة، و بإشراف حكومة وطنية بمساهمة جميع الأحزاب و النقابات، و الجمعيات الوطنية، و الشخصيات الفاعلة و المؤثرة في الواقع الوطني، و تكوين حكومة منبثقة عن صناديق الاقتراع عن طريق أغلبية برلمانية منسجمة، تكون مسؤولة أمام البرلمان عن سياستها الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية و السياسية.
ب- النضال من أجل إنسان بكافة الحقوق، سواء كانت تلك الحقوق اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو مدنية أو سياسية، لأن الحرمان منها يجعل المجتمع مشوها، و يجعل الناس قابلين للتخلي عن كرامتهم مقابل الحصول على بعض الحاجيات الضرورية. لذلك فتعبئة المجتمع من اجل انتزاع كافة الحقوق يعتبر ضروريا سواء تعلق الأمر بعمل الأحزاب السياسية، أو المنظمات الجماهيرية التي يجب أن تستحضر النضال الحقوقي بشكل مكثف في برامجها المرحلية.
ج- النضال من أجل أن تبقى العقيدة بعيدة عن السياسة عن طريق أدلجة الدين الإسلامي من قبل المثقفين المتنورين و الثوريين الذين يكون عليهم أن يقدموا صورة حقيقية عن الإسلام سواء عبر الكتابات أو عبر وسائل الإعلام السمعية البصرية، الى المسلمين و الى كل الناس في العالم انطلاقا من تصور سليم، و صحيح عن الإسلام و عن المسلمين، و وفق برنامج محدد يسعى الى تحقيق، و عي حقيقي بالإسلام عند المسلمين، و العمل على الكشف عن أيديولوجية الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، . لكن بالشروط الموضوعية المنتجة للادلجة ، و الأهداف المتوخاة منها، حتى يكون المسلمون على بينة من ذلك كله، لا لتضييق الخناق على الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي. بل لأن الإسلام هو دين الجميع، ولا يجوز أن يركبه أحد لتحقيق أهداف سياسية منحطة لتخليص الإسلام و المسلمين من مرض أدلجة الدين الإسلامي.
د- تجريم استغلال المؤسسة الدينية في الأمور السياسية، حتى و إن كانت هذه المؤسسة في ملك الخواص : لأن المؤسسة الدينية المتمثلة في المساجد و المدارس و المعاهد الدينية العامة و الخاصة بما في ذلك شعب الدراسات الإسلامية في الكليات، و الكليات المختصة في شعب التعليم الأصيل هي أمكنة تتم المحافظة على طهارتها من أجل أداء شعيرة الصلاة، و تذكير الناس بأمور دينهم و دنياهم، و تعليم و تعلم كل ما يتعلق بالعقيدة و الشريعة، و تطوير البحث فيهما انطلاقا من المناهج العلمية المتطورة مهما كانت الجهة التي ساهمت في تطويرها ليس إلا. و هو ما تم التنصيص عليه في القرءان الكريم : " و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا " باعتبار المساجد أماكن للعبادة و التعلم و التداول في أمور الدين و الدنيا ودراسة تلك الأمور و التعمق فيها في ذلك الوقت. و لذلك فلا يجوز أن يسمح لأحد باستغلال المساجد بما في ذلك المؤدلجون للدين الإسلامي لصالح الأنظمة التابعة ما دامت تلك الادلجة تسعى الى تحقيق مقاصد أخرى غير المقاصد التي جاء بها الاسلام، و التي تنصب كلها على تحقيق كرامة الإنسان. و إذا ثبتت ممارسة معينة فيما يخص استغلال المساجد لغير عبادة الله. فإن ذلك يجب أن يعتبر جريمة في حق المسلمين، كل المسلمين كيفما كانت ألسنتهم و ألوانهم الذين كانوا، تاريخيا، يعانون من آفة استغلال المساجد في الأمور السياسية الصرفة على يد المتنبئين الجدد الذين تعاقبوا على المساجد عبر التاريخ الإسلامي. و يجب أن تنص القوانين المعمول بها على أنواع الجرائم المرتكبة أو التي يحتمل أن ترتكب في المساجد بما فيها استغلالها بتكريس أدلجة الدين الإسلامي الذي قال فيه الله تعالى : " يحرفون الكلم عن مواضعه" من أجل ممارسة التضليل على المسلمين، لأن الأيديولوجية تضليل يعمي الأبصار عن حقيقة الإسلام.
ه – محاربة الظواهر المؤدية الى أدلجة الدين الإسلامي و المشجعة على ذلك، كظواهر الفقر، و الجوع، و المرض، و الأمية و هي ظواهر تعتبر تربة خصبة لتصريف الخطاب المؤدلج للدين الإسلامي. فالعمل على توفير مناصب الشغل للعاطلين. و الرفع من الحد الأدنى للاجور، و تشجيع إنشاء المقاولات الصغرى و المتوسطة، و فرض مجانية التعليم و الصحة، و جعلهما في متناول جميع الناس، و الحرص على جودة الخدمات المقدمة الى جميع الناس سواء كانوا فقراء أو أغنياء، حتى يمتلك الناس جميعا الوعي بحفظ الكرامة التي هي الملاذ لكل إنسان مهما كان شأنه، و محاربة مختلف مستويات الأمية باعتبارها آفة تصيب المجتمع الإسلامي فتجعل أشباه المتعلمين، و الذين لم يتعلموا تربة خصبة مستهدفة من قبل مؤدلجي الدين الإسلامي، بل إن الأمر يقتضي اعتبار انتشار مثل هذه الظواهر من الانتهاكات الجسيمة في حق الإنسانية و جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي الدولي.
و- تحديث القرى التي يسكنها المسلمون، و مدها بكافة الوسائل كالماء، و الكهرباء، و الطرق، و المدارس، و المراكز الصحية، و الصيدليات حتى يشعر سكان تلك القرى بإنسانيتهم، و يكون ذلك عونا لهم على الاستفادة من حداثة العصر في الكثير من أوجه الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، حتى لا يبقى سكان القرى المسلمون مفرخة لكل أشكال التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و هو ما يؤهلهم لتقبل الخطاب المؤدلج للدين الإسلامي. فتوفير البنيات التحتية يساهم في رفع الانتاج، و يجعل المسلمين يحملون وعيا متقدما يقود الى الاهتمام بتطوير الحياة و ما يجري فيها بل و المساهمة ، و حسب الإمكان، في ذلك التطور، أي أنها تساعد على الإبداع في المجتمع و الارتباط بالأرض/الوطن.
ز- تجريم ممارسة الشعوذة، و إنشاء شرطة أخلاقية خاصة من المسلمين المخلصين لسلامة دينهم من كل أشكال التحريف، لرصد الجرائم التي ترتكب في هذا المجال، و تفعيل بنود القانون المتعلقة بذلك. فالمشعوذون ينشرون المعتقدات الخاطئة بين المسلمين، و هو ما يساهم في إخصاب التربة القابلة لأدلجة الدين الإسلامي.
ح- ممارسة الرقابة على تنظيمات المجتمع المدني حتى لا تزيغ عن الأهداف المحددة في قوانينها الأساسية.لأنه غالبا ما يتم إنشاء منظمة جماهيرية معينة لتحقيق أهداف معينة. فإذا بها تعمل على تحقيق أهداف أخرى، من جملتها إعداد المسلمين لتقبل أدلجة الدين الإسلامي، و محاربة الفكر العلماني، و التضييق على التنظيمات الجماهيرية الجادة، و النيل من رموز التنوير في المجتمع. و لذلك فوجود تشريع يساعد على ممارسة الرقابة على التنظيمات الجماهيرية في مجتمعات المسلمين يعتبر أساسيا و ضروريا لحماية المسلمين من الاستغلال الأيديولوجي للدين الإسلامي.
و بذلك يمكن أن يكتسب المسلمون مناعة ضد أدلجة العقيدة التي هي حق للجميع، و لا يحق لأي جهة الوصاية عليها، و أن تستغلها في الأمور السياسية لتحقي أهداف رخيصة، و الركوب عليها للوصول الى الحكم لاستعباد المسلمين و الاستبداد بأمورهم، و تدجينهم و دوس كرامتهم، و هو ما يتنافى مع جوهر التقوى كما جاء في قوله تعالى : " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا و نساء و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام.. إن الله كان عليكم رقيبا، و آتوا اليتامى أموالهم، و لا تبدلوا الخبيث من الطيب، و لا تاكلوا أموالهم الى أموالكم، إنه كان حوبا كبيرا "

إسلام الطالبان أو الوجه الآخر للتطرف اليميني :
و ما قلناه عن إسلام أمريكا و أنظمتها التابعة، و حركاتها المدعومة لا يمكن وصفه إلا بالتطرف لقيامه على أساس التأويل الأيديولوجي المغرض للدين الإسلامي، و لتوظيفه لتضليل الشعوب الإسلامية، و هذا التطرف لا يمكن أن يكون إلا يمينيا، و هو بذلك يحشر في نفس خانة إسلام الطالبان كمظهر من مظاهر التطرف اليميني. و قد يقول قائل لماذا قامت هذه الحرب القذرة التي تؤدي ضريبتها شعوب المسلمين. إذا كان كل من الإسلامين متطرفا ؟ و للإجابة على هذا السؤال نورد المثل العربي القائل : " النار تأكل بضعها إن لم تجد ما تاكله " و هو مثل ينطبق على حالة اليمين المتطرف سواء تعلق الأمر بأمريكا و حلفائها، أو بالطالبان و حلفائهم. و هنا يمكن أن نورد سؤالا آخر هو : ما هو التناقض القائم بين التطرفين اليمينيين ؟
إن أمريكا بحكم طبيعتها الهمجية تعتبر قمة التطرف الرأسمالي اليميني على الصعيد العالمي، و هي التي تقف وراء عولمة اقتصاد السوق التي تقودها الشركات العابرة للقارات التي تسعى الى عولمة قيم الاستهلاك عن طريق وسائل الإعلام، و شبكة الانترنيت لتحقيق المزيد من الأرباح، و دفع الدول الى بيع ممتلكات الشعوب الى تلك الشركات. و تحول الدول مباشرة الى مجرد أجهزة أمنية تحافظ على تلك الممتلكات، و تنظيم عملية استغلال الشعوب لصالح تلك الشركات، و هو ما يؤدي الى إنتاج المزيد من الفقر في صفوف شعوب المسلمين التي تعتبر مرتعا لاسلام الطالبان الذي يشكل فيما سبق رأس حربة إسلام أمريكا و بدعم منها. و هذا الفقر الذي ينتشر كالنار في الهشيم في صفوف الناس كنتيجة لعولمة اقتصاد السوق، و بسبب تقليدية مجتمعات المسلمين، و شبه إقطاعية أنظمتها برر اختلاف يمينية التطرف الطالباني عن يمينية التطرف الأمريكي.
فيمينية التطرف الطالباني تعتمد على المرجعية الأيديولوجية التقليدية التي كانت معتمدة لحماية مصالح الحكم المستبد في تاريخ المسلمين الذي كان يشكل طبقة من الإقطاع. و هو ما يعتبر منطقا للصدام الأيديولوجي مع أمريكا، عبر وسائل الإعلام المختلفة. و بما أن أمريكا لا تملك المقومات التاريخية و الأخلاقية للتأثير في نفوس المسلمين، و استقطاب شعوبهم تجاهها فإن التطرف الطالباني سيتغلغل في نفوس المسلمين، و يتحول الى عنصر جاذب ضد أمريكا، بعد أن كان عنصرا جاذبا لصالحها في مواجهة الدول و الحركات الاشتراكية. و قد تطور الصراع الأيديولوجي الى صراع سياسي برز فيه العداء المطلق بين أمريكا و الطالبان، ترتب عنها حدوث عمليات تستهدف المصالح الأمريكية في عدة أماكن من العالم، قامت أمريكا بتحميل مسؤوليتها لتنظيم القاعدة الذي كان يحميه نظام الطالبان، و كان آخرها ما وقع في 11 شتنبر 2001 . مما أدى الى انهيار برجي مركز التجارة العالمي، و مقر البانتاغون، و بذلك يتحول الصراع السياسي الى صراع عسكري، و اقتصادي، و اجتماعي، و ثقافي يتوج بحشد الإمكانيات العسكرية الأمريكية المدعومة من قبل حلفائها لضرب الطالبان و تنظيم القاعدة في كل مظان وجود تنظيمات تشبه في أيديولوجيتها، و في موقفها السياسي تنظيم القاعدة، و الطالبان. و عملية الحروب التي تقوم بها أمريكا قد تدوم سنوات طوال. قبل أن تنهض الشعوب نهضة حقيقية لتمارس الصراع الحقيقي ضد أمريكا بعيدا عن التوظيف الأيديولوجي للدين الإسلامي أو لأي دين آخر.
فإسلام أمريكا و السلام الطالبان وجهان لعملة واحدة، إلا أن تلك العملة تتحول الى نقيضين متضادين يسعى كل منهما الى تقويض الآخر و القضاء عليه، و هو ما قامت به أمريكا التي قوضت أفغانستان و قضت على الطالبان لتقيم لها هناك وجودا تتم بواسطته السيطرة على منطقة القوقاز التي ستعتبر منطلقا للتغلغل في أوربا الشرقية، و في آسيا. و هو ما كانت تحلم به أمريكا منذ زمن، و تعتبره مستحيل التحقق، و يمكن اعتباره أفضل هدية قدمها إسلام الطالبان الأمريكي الأصل الى أمريكا حتى تبقى متربعة على عرش العالم بدون منازع.
2) و يبرز عمق تطرف إسلام الطالبان، كما تشهد بذلك الوقائع، الى المغالاة في مصادرة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و حقوق المرأة و الطفل، باعتبارها ذات مصدر غربي إلحادي تجب مصادرتها، و منع تسربها الى منطقة حكم الطالبان قبل سقوطها، و العمل على مصادرتها و تكريس الحرمان منها في العديد من مناطق تواجد المسلمين في جميع أنحاء العالم :
أ – فإسلام الطالبان يصادر الحقوق الاقتصادية عن طريق حرمان المرأة من ممارسة مختلف الأنشطة المشروعة على المستوى العالمي و التي لا تتناقض مع روح الشريعة الإسلامية . مما يساهم في كرامتها كالاشتغال في التجارة و الصناعة و الزراعة و مختلف المهن الحرة، و هو ما يعتبر أكبر خرق مورس في نهاية القرن العشرين و بداية القرن الواحد و العشرين في حق المرأة الأفغانية ، و في حق الأسرة الأفغانية و الرجل الأفغاني، و الوطن الأفغاني الذي تتمثل في مظاهر سكانه كل أشكال الفقر المادي و المعنوي.
ب- و إسلام الطالبان يصادر الحقوق الاجتماعية عن طريق حرمان المرأة من التعلم و العمل، و حرمان الفتيات من التمدرس. و فرض نوع من اللباس الذي يكرس كون المرأة عورة، و فرض نمط من التعليم على أبناء الشعب الأفغاني، و ربط تعليم الأطفال بالتمرس على استعمال السلاح، و عدم العناية بالخدمات الاجتماعية و تطويرها، و عدم الاهتمام بتعميم بناء المدارس و المستشفيات على جميع المناطق السكنية، و عدم ضمان الشغل للعاطلين، و عدم التعويض عن العطالة، و انعدام الحماية الاجتماعية للسكان، و هو ما يتماشى مع التوجه الأيديولوجي لحركة الطالبان الذي يمكن اختصاره في إعداد الذكور " للجهاد " و الإناث للإنجاب ليس إلا، و ما يحتاج إليه الطالبان هو السلاح الذي يمكن الحصول عليه من الغرب، أما المال فيأتي من الدول الداعمة، و من الجمعيات التي تجمع الأموال و تستثمرها لصالح الطالبان عبر العالم لتبقى الخدمات الاجتماعية الهادفة الى تطوير المجتمع في ذمة العدم.
ج- و إسلام الطالبان لا علاقة له بالحرص على الحقوق الثقافية التي يجب أن يتمتع بها مسلموا الأفغان، و بقية المسلمين في العالم. فالثقافة الوحيدة التي يؤمم بواسطتها المسلمون هي ثقافة أدلجة الدين الاسلامي، و ما سوى تلك الثقافة يخضع للرقابة الصارمة من قبل متنبئي الطالبان، فيجيزونه أو يكرهون الناس على تركه، أو يحرمونه بدعوى أنه غريب أو وثني أو أي شيء من هذا القبيل، مما يجعل ثقافة المسلمين منغلقة، و غير قابلة للتفاعل مع الثقافات الأخرى، و هو ما يكرس تخلفها ورجعيتها، و تناقضها مع متطلبات العصر. و لذلك كان من اللازم مقاومة الانغلاق الثقافي لإعطاء فرصة لاستفادة المسلمين من الثقافات الأخرى من أجل تطوير واقعهم الاجتماعي و الفكري، مما يساعد على تطوير الأوضاع الاقتصادية باعتبارها أساسا لكل تحول تعرفه حياتهم السياسية.
د- و إسلام الطلبان لا علاقة له بالحقوق المدنية، فهو ضد مساواة المرأة بالرجل أمام القانون. و لا يرغب أبدا في أن يكون الناس جميعا سواسية أمام القانون، و ضد ملاءمة الشريعة مع المواثيق الدولية، و ضد كل ما يؤدي الى استفادة الناس جميعا من استقلال القضاء. و لذلك فالحقوق المدنية عندهم بدعة غربية تجب مقاومتها حتى لا تتسرب العلمانية الى صفوف المسلمين، وحتى لا يتخلى المسلمون عن دينهم و يتعلقون بأهذاب الغرب، و يتبعون أفكاره الإلحادية، و كل من سولت له نفسه المطالبة بالتمتع بالحقوق المدنية، فإن مصيره يكون مجهولا والإبقاء على تمتعه بحق الحياة يبقى رهينا بإرادة الطالبان الذين شوهوا مجتمع المسلمين بفرض نمط من اللحى ومن اللباس على المسلمين ومن يرفض التنفيذ على مستوى المظهر فإنه يعذب عذابا شديدا حتى يرضخ لإرادة الطالبان كما صرح غير واحد من الهاربين من جحيم حكم الطالبان عبر وسائل الإعلام .
ه- إسلام الطالبان ومصادرة الحقوق السياسية اعتقادا من الطالبان أنهم ينوبون عن الله في الأرض وأن من حقهم فرض تصور معين للحكم . فيحرمون حق تقرير المصير على الشعوب، وإقامة حكومة وطنية للإشراف على انتخاب مجلس تأسيسي ، لوضع دستور تكون فيه السيادة للشعب المسلم ، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تنبثق عنها مجالس محلية وإقليمية ، و جهوية ووطنية تساهم في إفراز حكومة من الأغلبية تقوم بمراقبتها ومحاسبتها . وإذا اقتضى الأمر إقالتها وإفراز حكومة جديدة لخدمة مصالح المسلمين. وتحريمهم لكل ذلك ناتج عن قناعتهم الأيديولوجية التي يسمونها إسلاما، والتي يرفعون انطلاقا منها شعارهم الأيديولوجي : " الاسلام دين ودولة " الذي يبيح لهم فرض أنفسهم أوصياء على الدين وعلى الدولة معا في نفس الوقت . ولذلك فحق تقرير المصير غير وارد عندهم، ولا يكون نظامهم– ولو استمر – إلا استبدادا .
و- وبناء على ما ذكرنا فإسلام الطالبان أصبح نموذجا يقتدى به من قبل الكثير من الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي والطامحة إلى السيطرة على أجهزة الدولة ، والمبثوثة في العديد من بلدان المسلمين، وحتى تلقى إقبالا كبيرا وقبولا من قبل المسلمين الذين ينطلي عليهم التضليل الأيديولوجي بسبب تفشي الأمية في صفوفهم .
ز- و إسلام الطالبان الذي كان مدعوما من قبل أمريكا ومن قبل الرجعية العربية وكل الأنظمة الأكثر تخلفا في العالم تركز على استغلال الشعوب الإسلامية المغلوبة على أمرها من أجل تجييشها لتحقيق أهداف الطالبان على المستوى العالمي ، والشعوب المسلمة القابلة للاستغلال هي شعوب تعاني :
أولا : من تفشي الأمية في صفوف أفرادها وهو ما يؤهلها لقبول الخطاب المؤدلج للدين الإسلامي باعتباره إسلاما للطالبان .
ثانيا : من انتشار الفقر بين المسلمين مما يجعلهم يعتقدون أن المشاكل القائمة سيتم حلها بمجرد إقامة الدولة الإسلامية التي ليست إلا شعارا أيديولوجيا وهميا .
ثالثا : من انتشار الأمراض الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لها علاقة بالأنظمة الرأسمالية التابعة مما يجعل المسلمين يتوهمون أن وصول الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي إلى السيطرة على أجهزة الدولة سيقود إلى القضاء على تلك الأمراض.
رابعا : استفحال الفساد الإداري الذي ينخر الأجهزة الإدارية في بلاد المسلمين والذي يستغله الطالبانيون لاستقطاب المسلمين حول إسلامهم وجعلهم يتهمون أنهم بتحقيق دولة إسلام الطالبان، كما يبشر بذلك المتنبؤن الجدد، ستتحول بلاد المسلمين إلى بلاد خالية من الفساد الإداري وستصبح الشريعة الإسلامية المطبقة وسيلة ردعية ضد المفسدين. والواقع أن الشروط الموضوعية الممثلة في غياب الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية ستبقى مفرزة لذلك الفساد حتى في عهد الطالبان لكونهم ضد الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية. فالفساد الإداري سيتحول في ظلهم إلى فساد من نوع جديد يتجسد في استغلال النفوذ باسم الاسلام وهو ما يتنافى مع الإسلام نفسه الذي يساوي بين الناس ويمقت الممارسة التي لا علاقة لها بالإسلام كما ظهر .
خامسا : وإلى جانب استغلال إسلام طالبان للفساد الإداري، هناك استغلال الفساد القضائي الذي ينتج عنه قضاء يفتقد الاستقلالية، ويبقى تابعا لتوجيهات الحاكمين الذين يستعلمون القضاء لبسط سيطرتهم على المسلمين. ففساد القضاء في معظم بلاد المسلمين يعتبر امتدادا للفساد الإداري ولذلك فإصلاحه يعتبر من البنود التي يمكن إدراجها في نموذج إسلام الطالبان لإيهام المسلمين بتحقيق قضاء نزيه ومستقل وواقع غير ذلك. فقضاء إسلام الطالبان لا يتجاوز مجرد قضاء تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية باعتبارها تعبيرا أيديولوجيا لإسلام الطالبان.
سادسا : وإلى جانب ذلك فإسلام الطالبان وظف ويوظف الفساد السياسي المستشري في بلاد المسلمين بشكل مكثف من أجل العمل على قيام الدولة الإسلامية من منطلق أن الاسلام هو الحل فالفساد السياسي يتمظهر في استبداد الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين وتبعيتها وإشرافها على تزوير إرادة المسلمين لتشكيل مجالس مزورة لا تعبر لا من قريب ولا من بعيد عن إرادة المسلمين ولذلك فإسلام الطالبان ينفر المسلمين من الأنظمة التابعة انطلاقا من المظاهر المشار إليها وهو ما يلقى إقبالا من المسلمين، ودعما منه لاسلام الطالبان الذي صارت تعتمده الكثير من الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي في بلاد المسلمين .
سابعا : تجييش المسلمين على أساس شعارات أيديولوجية طالبانية نذكر منها :
- شعار " الإسلام هو الحل " الذي يرن في أذان المسلمين لقناعتهم بأن الاسلام يحقق العدالة في مستوياتها المختلفة، إلا أنهم يجهلون خلفيته الأيديولوجية التي تضللهم وتجعلهم منقادين للطالبانيين ينفذون أوامرهم ويستعدون لتقديم تضحيات من أجل تحقيق شعار" الاسلام هو الحل " الذي ليس إلا وصول الإسلام الطالباني الى السلطة.
- و شعار " تطبيق الشريعة الإسلامية " الذي لا يتجاوز مجرد تطبيق الحدود الواردة في القرءان الكريم، و التي لم تعد تتناسب مع هذا العصر نظرا لتغير الشروط الموضوعية ، هذا بالإضافة إلى أن هدف الإسلام الطالباني هو " جعل تطبيق الشريعة الإسلامية " وسيلة للإخضاع، و الانتقام من المعارضين، و قمع شعوب المسلمين.
- و شعار " محاربة الإلحاد " الذي يهدف الى قطع الطريق أمام الفكر العلماني، و الاشتراكي حتى لا يتغلغل في صفوف المسلمين ، الذين يحنون الى الانعتاق من التخلف و القهر مما يسهل تقبلهم الفكر العلماني و لذلك فرفع شعار " محاربة الإلحاد " يقود إلى تحقق هدف الإسلام الطالباني.
- و شعار " محاربة الشيوعية " الذي يعتبر امتدادا لمحاربة شعار الإلحاد نظرا لتطابقهما في فكر و ممارسة الإسلام الطالباني، مع أن الشيوعية ليست إلا شعارا أيديولوجيا يهدف الى جعل الاقتصاد و الحكم مشاعا بين الناس في مرحلة من التطور الاشتراكي يقتضي انتفاء الدولة لانتفاء أسباب وجودها. و لذلك فمبرر رفع شعار محاربة الشيوعية ليس إلا ممارسة أيديولوجية تهدف الى إيجاد مبرر لإبادة الرافضين لإسلام الطالبان بدعوى انتمائهم الى " الشيوعية الملحدة " كما حصل في أفغانستان، و في العديد من مناطق العالم كامتداد للعداء الأمريكي للشيوعية.
- و شعار " محاربة أمريكا الشيطان " من خلال ضرب مصالحها عبر العالم، و في أمريكا نفسها، من أجل إيهام المسلمين بأنهم سوف ينتصرون عليها، و سوف يحققون عدالة الله في الأرض، و ينسون أنهم صنيعو أمريكا، و أن عمالتهم لها و اعتمادهم على إعلاناتها، و إعلامها في محاربة الاشتراكية و الاشتراكيين، باسم الإلحاد و الشيوعية هو الذي وقف وراء شهرتهم، و التفاف المسلمين حولهم، و لذلك فادعائهم محاربة أمريكا، و بواسطة العمليات الانتحارية سيؤدي أولا الى قتل أناس لا علاقة لهم بالنظام الأمريكي، و يمكن أن يكونوا أعداء له حتى من داخل أمريكا نفسها. و ثانيا، فإن تلك العمليات الانتحارية ستكون مبررا لمضاعفة همجية أمريكا، و خاصة في ظل عولمة اقتصاد السوق الذي تراهن عليها أمريكا في امتصاص خيرات العالم، و باسم الشرعية الدولية، و هو ما لم يدركه إسلام الطالبان، أو أنهم يبيحون لأنفسهم أن يجمعوا في سلة واحدة كل من خالفهم الرأي، و لم يسر على مناهجهم حتى و إن كان ضد أمريكا.
ثامنا : توظيف الشعوب التي أفقرها النظام الرأسمالي العالمي من أجل الوصول الى السلطة، و فرض وصايتهم على الإسلام، و باسم الإسلام من أجل تحقيق :
- حفظ العقيدة و الشريعة – كما يرونها- أي من وجهة نظر ايديولوجية الطالبان، لأن خلاف تلك الرؤيا الأيديولوجية لا يخدم مصلحة الإسلام الطالباني، و لا يمكن أن يكون معبرا الى السلطة و لا الى المحافظة على التواجد في السلطة، و نظرا لاعتقاد المنتمين الى الإسلام الطالباني أنهم أوصياء على العقيدة و الشريعة. فإنهم يعطون لأنفسهم الحق في كل من خلفهم الرأي حتى و إن كانت عقيدته صحيحة، و يجتهد في تطبيق الشريعة الإسلامية في تجددها و تطورها، لا في جمودها . إنه الإسلام الطالباني الذي لا يرى غيره يومن بالإسلام، يحتكر الوصاية على الدين من قبل بدعم من أمريكا لمحاربة " المد الشيوعي". و اليوم " بإرادة الله" فكأن الله من قبل كان هو أمريكا و اليوم تحول الى ما يتصوره الإسلام الطالباني الذي يتخلل نسيج مجتمعات المسلمين، لفرض القيم الطالبانية عبر الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، و التي تحرم ما حرمه الطالبان، و تحل ما احله الطالبان.. و ما احله الطالبان بامتياز هو إراقة دماء المسلمين في كل القارات، و حتى في دول لا يسود فيها المسلمون بدعوى حفظ العقيدة و الشريعة.
- تخريب الثراث الإنساني بدعوى إبادة الوثنية اقتداء بما كان يفعله الرسول، فكأن الطالبان يعيشون مرحلة الرسول، و كأن البشرية لم تغادر العصر الجاهلي الذي كان الناس فيه يعبدون الأوثان، و كأن الناس في عصر العولمة لازالوا يعبدون الأوثان. و إذا كانوا كذلك فمن المسؤول ؟ أليس الإسلام الطالباني الذي " يحيي العظام و هي رميم " ؟ من أغلق جميع المنافذ ، و منع عن الناس قراءة الصحف، و مشاهدة التلفزيون، و سماع الاذاعات، و مشاهدة الأشرطة السينمائية، و قراءة الكتب و المجلات، و بجميع اللغات هم من فعل ذلك بدعوى كونه وافدا من الغرب الكافر؟ أليس إسلام الطالبان من يجعل المسلمين يؤلهون الطالبانيين الى درجة العبادة هم أول من يفرض الشرك بالله ؟ و حتى لا يعتقد المسلمون بغير إسلام الطالبان، و عبادة غير الطالبان، و غير التنظيمات الموازية لهم من خلال عبادة الرموز يلجأون الى تحريف التراث الحضاري الانساني، و يرتكبون جريمة عظمى عندما يحرمون الإنسانية من التمتع بذلك التراث الذي يضرب في عمق التاريخ، و يشهد بعظمة ما نعبد.
و إن أهم ما يساعد البشرية، و خاصة المسلمين على طرد الوثنية من الفكر و الممارسة هو الانفتاح على العصر و التفاعل مع مكوناته و إعطاء إمكانية للمسلمين لتطوير قيمهم النبيلة انطلاقا من ذلك التفاعل مع التاريخ، و مع مكونات الحاضر و طموحات المستقبل.
و مما يوهم به الإسلام الطالباني هو إمكانية قطع العلاقة مع الغرب على المستوى الفكري و الأيديولوجي. و هل في الإمكان أن يحصل ذلك ؟ إننا في عصر لا نستطيع أن نتحرر فيه – كمسلمين – و كغير مسلمين – من التعامل مع الغرب، و الشرق، و الشمال، و الجنوب إلا في منظور الإسلام الطالباني، فكيف يمكن التخلص من الفكر الغربي و الأيديولوجيات التي وفدت من الغرب. و الحرص على استيراد الأسلحة الفتاكة و وسائل الاتصال، و النقل و غيرها مما يحتاج إليه الطالبانيون في ممارسة إرهاب شعوب المسلمين، و إخضاعهم بواسطة القوة ؟
إن الفكر و الأيديولوجية القائمين على الإقصاء لا يملكان مقومات البقاء، و الاستمرار، لأنهما لا يقويان على الدخول في الحوار و التفاعل مع فكر و أيديولوجية الآخر فكأنهما يقاومان من اجل البقاء و الاستمرار لأنهما لا يملكان مقومات البقاء و الاستمرار بدون مقاومة.
و لذلك فالعلاقة بين إسلام الطالبان و بين الغرب لا يتجاوز مجرد استيراد الأسلحة الى جانب إمكانية الاستفادة من التكنولوجية الغربية حتى يستطيع مسلمو الطالبان الدخول في صراع مع غير مسلمي الطالبان ، ومع الغرب اعتمادا على الانتحاريين الذين يعدهم مسلمو الطالبان لذلك، مقابل وعد الله لهم " بالجنة ". و لذلك يحرص إسلاميو الطالبان على امتلاك القدرة على صنع المتفجيرات، و إعداد الانتحاريين الى جانب شراء الأسلحة الجاهزة، و تصدير النموذج الطالباني الى جميع أنحاء العالم، من أجل قيام أمسية طالبانية موجهة من الملاوات الذين سيكونون مبثوثين في مراكز التوجيه المحلية و الكونية من أجل السيطرة على الارض، و على البشر الذي يعيش عليها، و إبادة كل ما يتناقض مع الرؤيا الطالبانية للإسلام سواء تعلق الأمر بالفكر أو بالأيديولوجية أو بالفنون و الآداب من أجل امتلاك غد طالباني لا يقوى على امتلاكه إلا مسلمو الطالبان.
د – إسلام الطالبان و الجماعات المؤدلجة للدين الإسلامي : ما هي العلاقة التي تربط بينهما ؟ هل هي علاقة تنافر ؟ هل هي علاقة توافق ؟ لماذا كل هذا الاهتمام في صفوف المنتمين الى الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي بحركة الطالبان و تنظيم القاعدة و الملا عمر " أمير المومنين" و أسامة بن لادن " المجاهد العظيم " كما يقولون ؟ إن إسلام الطالبان قد أثر بشكل كبير في صفوف الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، و غيرها، و في صفوف المسلمين في جميع بلاد المسلمين لدرجة أن الحنين الى إقامة "الدولة الإسلامية " كما يسميها مؤدلجو الدين الاسلامي، أصبح هاجس المنتمين الى تلك الحركات و المتعاطفين معها، و المضللين. و لكن هذا لا يعني أن كل الحركات كذلك. فهناك حركات لازالت مدعومة أمريكيا و لا يمكن أن تكون مع الطالبان، و أخرى تستظل بالأنظمة التابعة، و لذلك فما يجمعها بالطالبان هو أدلجة الدين الإسلامي. أما مصلحتها فمع أمريكا، و مع الأنظمة التابعة، و إذا كان لابد من التعبير عن الموقف من الطالبان، فإن هذا الموقف لم يعبر عنه لجعل المسلمين يتوهمون أن كل الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي مع الطالبان، و لو بالقلب – كما يقول الحديث " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه" و لا حركة تستطيع أن تعلن أنها منهج الطالبان، و ما تقوم به في حق المسلمين، لأن ذلك قد يقود الى أحد أمرين أحلاهما مر بالنسبة للطالبانيين :
الأول : أن أمريكا قد تصنفها في خانة الإرهاب، فتسعى الى العمل على حلها، و القضاء عليها، و تحريض الأنظمة التابعة ضدها.
و الثاني : إن المنتمين إليها و المتعاطفين معها، قد ينفرطون و ينصرفون الى الانزواء، و الانشغال بأمور الدنيا، و هو ما يؤدي الى إضعافها ثم موتها.
إن إسلام الطالبان قبل 11 شتنبر 2001 كان قبلة كل الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي تتغذى منه و تستفيد من تجربته من أجل الوصول الى الحكم. و بعد 11 شتنبر 2001 أصبحت محرجة مع الأنظمة التابعة و مع أمريكا، و هما الجهتان الواقفتان وراء ازدهارها.
فما العمل لتجاوز مرحلة الحرج ؟
إن الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي، كانت تتبع ما تقوم به حركة الطالبان، و تدرسها كظاهرة استطاعت في وقت وجيز الوصول الى السيطرة على أفغانستان. و كانت تسعى الى الاستفادة منها عن طريق تنظيم القاعدة، و بواسطة ما عرف بالأفغان العرب و غير العرب ممن هاجروا الى أفغانستان من جميع بلاد المسلمين، و تحت إشراف الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي للالتحاق بتنظيم القاعدة، و العمل جنبا الى جنب مع الطالبان ثم العودة الى البلدان الأصل، و الاستعداد لتنفيذ التعليمات الآتية من تنظيم القاعدة أو الطالبان و التي تكون ملزمة للتنظيم ككل، و عليه أن ينفذها، و لذلك فالاستفادة من الطالبان تستهدف :
- التدقيق في أدلجة الدين الإسلامي حتى تكون أكثر تأثيرا في نفوس المسلمين و في عقولهم. و يمكن ترجمتها الى ممارسة تقود الى تقويض البنى القائمة ، و إقامة بنى جديدة تتناسب مع البنى الطالبانية.
- الحرص على نمو وتكاثر الموارد البشرية التي تتميز بتمظهرها في اللباس، و في طريقة العيش مما يسمونه بالمظاهر الإسلامية في اللباس، و السكن، و المعاملات… الخ.
- و لضمان الاستمرار و التوسع تصنف علاقتها مع غيرها من التنظيمات الى علاقات تناقض، و علاقات تماثل. فالتنظيمات التي تسعى الى تحقيق نفس أهداف الطالبان تكون مصنفة الى جانبها، و تتآلف معها تنظيميا، و أيديولوجيا و سياسيا. أما التنظيمات الموجهة من قبل الأنظمة التابعة، و من قبل أمريكا، فلها أهداف أخرى. و هي تدخل في تناقض مع الطالبان على مستوى الأهداف، و على المستوى التنظيمي و السياسي و في تآلف على المستوى الأيديولوجي.
- و الاستفادة من مختلف تجارب أدلجة الدين الإسلامي على المستوى العالمي، تدخل التنظيمات ذات التوجه الطالباني في علاقات مع مختلف التنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي في مختلف الدول كانت رأسمالية أو رأسمالية تابعة من أجل توحيد التوجيه المؤدلج للدين الإسلامي. و التنسيق على مستوى العمل الميداني، و "الجهاد" من أجل الوصول الى السلطة، أو على الأقل الى مراكز القرار في إطار السلطة القائمة من أجل التأثير في قراراتها الناتجة عن أدلجة الدين الإسلامي و العلاقة الدولية بين مختلف التنظيمات المؤدلجة للدين الإسلامي ، و تبادل الدعم اللوجيسيكي و تبادل الموارد البشرية، و الاستفادة من مختلف الخيرات حتى يكون "الجهاد " في مستوى ما تسعى إليه الحركات المتفاعلة مع الإيديولوجية الطالبانية.
ه – و يستهدف إسلام الطالبان بالدرجة الأولى وضعية المرأة في مجتمعات المسلمين.
فهي على المستوى الاقتصادي لا يحق لها العمل و التجارة و ممارسة المهن الحرة ما دام كل ذلك يؤدي بها الى الظهور الذي يعتبر مثار فتنة المسلمين في مشارق الأرض و مغاربها، و هي بالتالي ستحول دون قيام الرجل بتلك الأعمال، و ستدفع به الى العطالة التي ستحول دون قيامه بالقوامة على المرأة التي يجب – في نظرهم – أن تتفرغ للإنجاب و تربية الأولاد.
و هي على المستوى الاجتماعي يجب أن تبقى قابعة في البيت لا تتعلم و لا تعمل، و لا تتعامل، لأن كل ذلك سيؤدي بها الى مخالطة الرجال، و ستعتبر مثار فتنة و هي بذلك تخالف " شرع الله " الذي لا يمكن اعتباره إلا شرع طالبان.
و هي على المستوى الثقافي تبقى أسيرة أيديولوجية الطالبان، و الإسلام الطالباني الذي يفرض عليها القبول بتكريس الدونية عليها التي ينتج عنها تبعيتها للرجل الذي هو مصدر المعرفة و الثقافة و الجالب للرزق من مطلق القوامة التي تسند إليه خارج التاريخ و خارج منطق التطور و على خلاف مدلول قوله تعالى : "الرجال قوامون على النساء " الذي يهدف الى استحضار الفروق البيولوجية بين الرجل و المرأة و كونها أما و أختا و زوجة و بنتا … الخ من أجل ايلائها العناية اللازمة حتى تؤدي دورها كاملا. هذا المدلول الذي لا يعتبر في منطق الإسلام الطالباني.
و هي على المستوى المدني دون مستوى الرجل لا تزوج نفسها، و لا تتمتع بحريتها، و لا تتزوج من تشاء، و لا تعمل ما تشاء فهي تابعة للرجل كأب و كزوج و كابن يقرر مصيرها بعيدا عن رغبتها لا تحيى إلا بإرادته. فهو الآمر و الناهي و المانع و المعطي، كل ذلك باسم الدين الإسلامي الذي تحول بهذا المنطق الى أيديولوجية طالبانية.
و على المستوى السياسي، فالمرأة لا يحق لها الانخراط في التنظيمات السياسية، و لا أن تتحمل المسؤوليات السياسية في إطار المجالس المحلية، و الوطنية و في إطار الحكومة بدعوى أن المرأة تكون تابعة للرجل، و لا يحق لها أن تقوده من منطق " لعن الله قوما ولو أمرهم امرأة " فكأن المرأة ليست إنسانا، و ليست أهلا لتحمل المسؤوليات السياسية – إذا توفرت فيها شروط ذلك – مع العلم أن الرسول ص قال في حق عائشة أم المومنين : " اتقوا هذه الحميرى فإنها نصف دينكم "
و هذه المستويات المشار إليها يترجمها الإسلام الطالباني إلى واقع يومي يحول الإسلام إلى سيف على رقبة المرأة، و على رقبة الرجل الذي يخالف الإسلام الطالباني في الرؤيا.
و- و اعتمادا على الرؤيا التي بسطناها في الفقرات السابقة، فإن الإسلام الطالباني يمارس شذوذا أساسيا لا يمكن وصفه إلا بكونه يمارس خارج التاريخ سواء تعلق الأمر بما مورس في أفغانستان، أو بما يمكن أن يمارس في أي نقطة من العالم على يد حاملي الإيديولوجية الطالبانية كما يتمظهر ذلك في مختلف الخطابات المؤدلجة للدين الإسلامي على الطريقة الطالبانية انطلاقا من :
- عالمية النظام الإسلامي التي تعتبر في نظر الطالبانيين قضية شمولية تقتضي " الجهاد " من أجل فرضها على البشر على وجه الكرة الأرضية حتى و إن أدى الأمر الى إبادة البشر جميعا إذا لم يستجيبوا لتلك الشمولية التي تعد الناس جميعا للخضوع المطلق ل " أمير المومنين " الطالباني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، مما يجعله قدوة يتبع من قبل المسلمين على وجه الكرة الأرضية.
- و الاطلاقية و الشمولية في تطور " النظام الإسلامي " هو ما يبيح للطالبانيين تصدير الثورة الإسلامية الى جميع أرجاء الأرض من أجل إيجاد مبرر للسيطرة، و القضاء على المخالفين و التخلص منهم، و لذلك لا نستغرب حصول نفس التحرك من أجل تحقيق نفس الأهداف في جميع بلدان المسلمين، و غير المسلمين، و ترديد نفس الأفكار الأيديولوجية، و تقديس نفس الزعماء، و معاداة نفس التوجهات العلمانية. و ما ذلك إلا للخضوع الى نفس التوجيه الأممي " الإسلامي ".
- و حتى يكتسب هؤلاء إشعاعا كبيرا يلجأون إلى تربية الشباب على الاستعداد للقيام بالعمليات الانتحارية باعتبارها جهادا و أكثر خطورة على الأعداء، و هو ما يؤدي إلى تحقيق إشعاع واسع على المستوى العالمي، و يصبح الجميع يتحدث عن " الإسلام " الطالباني ك " إسلام " موعود يحقق للمسلمين "العدالة " الموعودة المتمثلة بالخصوص في " تطبيق الشريعة الإسلامية " على يد سلطة في إطار " الدولة الإسلامية ". فالانتحاريون إذن يحققون أهدافا سريعة تمهد لتحقيق أهداف متوسطة و بعيدة المدى.
- و تربية الانتحاريين يتم عبر نمذجة المقتنعين بالأيديولوجية الطالبانية على جميع المستويات الفكرية القائمة على عملية شحن الاتباع بأفكار مستمدة من الأيديولوجية الطالبانية القائمة على تأويل معين للدين الإسلامي يقود الى القول بقيام " نظام إسلامي" يسهر على المحافظة على " الإسلام " و يعد المسلمين لتحقيق هذه الغاية عن طريق القيام بالعمليات التي تهيئ الناس للحياة الأخرى، و تطبيق " الشريعة الإسلامية " لردع الناس في الحياة الدنيا، و التي يتميز الطالبانيون عن غيرهم فيها : يرتدون لباسا معينا و يلتحون بشكل معين و يتعممون بما يجعل المسلمين يتخيلون عودة الزمن الماضي الذي يوحي ب " عودة الإسلام " الذي يوهم بتحقيق " العدالة " التي لا ندري مضمونها عندهم إذا استثنينا إقامة الحدود.
- و من مقدمات تحقيق " العدالة الإسلامية " خضوع المسلمين المطلق لقيادة السياسية التي تعتبر في نفس الوقت " قيادة دينية " تنوب عن الله في الأرض، و المزج بين القيادة السياسية، و القيادة الدينية لا يتحقق إلا في إطار نظرية التفويض الالهي المستمد من ممارسة الكنيسة الكاثوليكية في القرون الوسطى، و هو ما يتنافى جملة و تفصيلا مع ما وصل إليه التطور البشري الذي أصبح يدرك جيدا أن ما لله لله، و ما لقيصر لقيصر.
- و من أيديولوجية الطالبانيين اعتبارهم المرأة عورة، و الحكم عليها بالاختفاء عن الواقع بصفة نهائية، أو في الحدود الدنيا،- عليها أن تستر نفسها حتى لا يظهر منها أي شيء في حالة خروجها، و اعتبارهم ذلك هو عين الإسلام. فكأن المرأة لا تكون مسلمة إلا إذا حرمت من كل الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و هو ما يتنافى مع عدالة الإسلام.
فاعتماد عورة المرأة لتحريض الرجال ضد النساء هو ممارسة طالبانية لا يمكن اعتبارها من الإسلام في شيء، لتزمتها، و مخالفتها لما تقتضيه طبيعة الممارسة الإسلامية الحقيقية.

مأزق إسلام الطالبان :
و كما قلنا عن مأزق إسلام أمريكا، فإن مأزق إسلام الطالبان هو نفسه مأزق إسلام أمريكا، إلا أنه يزداد مأزقة بسبب الادلجة المغرقة في التخلف، و المنغلقة على نفسها، و المتطرفة في معالجة مختلف القضايا المطروحة على جميع المستويات :
1) فعلى المستوى السياسي، فإن إسلام الطالبان يلغي التاريخ، و يرى نموذج الحكم في إمارة المومنين التي تجعل السلطة المطلقة في يد الأمير الذي يحرص على تطبيق " الشريعة الإسلامية " في جميع مجالات الحياة، و خاصة تطبيق " الحدود " التي لم تعد تطبق في جميع بلدان المسلمين في ظل الأنظمة التابعة التي تحكمها، و يصادق على الفتاوى التي تصدر عن أهل الحل و العقد، و يحرم عمل المرأة و ظهورها في الحياة العامة إلا إذا كانت هناك ضرورة قصوى، و يكرس القطيعة مع الغرب و يناهض كل واحد له علاقة به، و لا يستورد منه إلا السلاح أو ما له علاقة به، و يعادي الفلسفة و الفلاسفة، و المدارس الفلسفية، و كل ما يؤدي الى إشاعة التنوير في المجتمع، و خاصة إذا كان ينتج عنه الدعوة الى إشاعة الديمقراطية و حقوق الإنسان.
و في هذا الإطار نجد أن الطالبانيين لا يفكرون في إيجاد دستور تكون فيه السيادة للشعب بدعوى أن القرءان الكريم هو دستور المسلمين، كما لا يفكرون في قيام انتخابات حرة و نزيهة معتبرين أنفسهم أصحاب الحل و العقد،و يعتبرون مجالسهم بمثابة برلمان يقيمونه من أجل صياغة الفتاوى في مختلف القضايا التي لا تتجاوز تفصيل حياة المسلمين على مقاس قوالب " الشريعة الإسلامية "، و المجالس المحلية لا يتم التفكير فيها، لأن ذلك في نظرهم يعتبر بدعة ينكرها " الإسلام " و ينبذها " المسلمون ". ولذلك فالتفكير في الدولة الذي يعني التفكير في السياسة غير وارد انطلاقا من قناعتهم القائمة على أدلجة الدين الإسلامي وبالطريقة التي يرونها مما يجعل الدمج حاصلا عندهم بين الدولة وبين الإسلام . وبما انهم ينصبون أنفسهم أوصياء على الدين الإسلامي فإنهم الأحق بإمساك أمور الدولة الإسلامية حتى يقيموا دين الله في الأرض ويطهروا صفوف المسلمين من العلمانيين والملاحدة ويطهروا بلاد المسلمين من الأنظمة الكافرة ويفرضوا الدين الإسلامي في بقية أرجاء الأرض عن طريق الجهاد المقدس ولا عبرة لإرادة المسلمين ولا داعي للحديث عن حق المسلمين في تقرير مصيرهم السياسي لان ذلك يعتبر في نظرهم م بدعة الكفار وهم بكل ذلك يدخلون في مأزق مع العصر نظرا لإنكارهم للتطور الحاصل على المستوى السياسي0
2) المأزق الاقتصادي الذي يدخل الطالبانيين في حرج مع النظم الاقتصادية القائمة التي لا يمكن أن توصف بأنها اسلامية أو مسيحية أو يهودية بمثل ما توصف بأنها إقطاعية أو رأسمالية أو رأسمالية تابعة أو اشتراكية. فهم يحرصون على تسمية ما يمارسونه و يفرضون ممارسته ب " الاقتصاد الإسلامي " الذي ليس إلا تعبيرا عن شكل من الصناعة و الزراعة، و التبادل التجاري مما له علاقة بالنظام الإقطاعي، أو النظام الرأسمالي الهمجي الذي يستهين بكل شيء بما في ذلك الإنسان و القيم الإنسانية و الدين و القيم الدينية في سبيل تحقيق المزيد من الربح، و المزيد من التراكم الرأسمالي الذي هو محط استعباد الإنسان في كل أرجاء الأرض.
فالطالبانيون كأي نظام يوظف الدين – لا يستطيع أن يفصح عن حقيقة ما يريد ، و ما يسعى إليه. و كل ما يفعله أنه يوفق بين ما هو قائم فعلا، و ما هو منصوص عليه من أحكام في " الشريعة الإسلامية " ذات العلاقة بالتجارة و التبادل التجاري. أما جوهر الملكية فلا يتم التعرض له. بل إن الملكية الفردية مسألة مسلم بها - في نظرهم – فهي " إسلامية " و يمكن أن تحول بواسطة البيع و الشراء الى ملكية مسيحية أو يهودية أو بوذية، أو تصبح بدون ملة. و بذلك يكون المأزق الاقتصادي أكثر حضورا في ممارسة الطالبانيين الذين يحولون ممارستهم الاقتصادية الى ممارسة دينية.
3) المأزق الاجتماعي الناتج عن تصور الطالبانيين ل " المجتمع الإسلامي " الذي يخالف في عاداته و تقاليده و أعرافه كل المجتمعات القائمة بسبب انغلاقه، و تطرف سلوك أفراده، و تخلف مظاهرهم و بسبب موقف الطالبانيين من المرأة الذي خالف كل ما هو إنساني، و ما له علاقة بالإنسانية سعيا الى إعداد "المسلمين" للقاء الله، و لا داعي لأن تكون هناك مساواة بين البشر الذكور. فأصحاب الحل و العقد من الأئمة و الأمراء "فضلهم" الله على جميع البشر. و هم المكلفون ب " حفظ الشريعة " شريعة الله على الأرض، ولا رأي للمسلمين في ذلك ما دامت هناك ولاية بإرادة الله 0 أما المرأة فلا داعي للحديث عن مساواتها للرجل لأنها وجدت لتكون دون مستوى الرجل مهما كانت عبقريتها واستماتتها واخلاصها من اجل المسلمين 0 فهي وجدت فقط لتكون زوجة واما ومربية وطائعة للرجل وبأمر من الله. وبنص القرءان الذي ورد فيه "الرجال قوامون على النساء" والذي يؤوله الطالبانيون بما يخدم أيديولوجيتهم وأهدافهم المتمثلة في السيطرة على رقاب المسلمين 0
4) المستوى المدني الذي يكرس دونية غير "أولياء الأمر" الذين تجب طاعتهم كما يكرس دونية المرأة بالنسبة للرجل حيث يتطرق الطالبانيون في التعامل معها ويوظفون لاجل ذلك كل النصوص المتعارضة مع كرامة المرأة بما فيها الحق في العمل والسعي الى الاشتغال بما يحصن المرأة ويكسبها استقلالها المادي عن الرجل 0 ولا يحق لها أن تتصرف في نفسها ولا أن تتمتع بحق من الحقوق المتعارف عليها دوليا وكل من يسعى الى إكساب المرأة حقوقا مدنية معينة يعتبر خارجا عن الإسلام ويجب التعامل معه على هذا الاساس0 والطالبانيون بذلك يقعون في مأزق ارتكاب الجرائم ضد الإنسانية لمخالفتهم لما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي تعتبر من وجهة نظر الطالبانيين بدعة غربية وكل بدعة ضلالة كما يقول الفقهاء0
5) المأزق الثقافي المترتب عن التزمت والانغلاق والتعصب الى القديم ضد ما هو جديد وبسبب الموقف من التراث الإنساني الذي يعتبره الطالبانيون موقفا من الوثنية 0 فالثقافة تقتضي إتاحة الفرصة أمام تفاعل الأفكار بين الأفراد والجماعات وتفاعل الثقافات المختلفة والتي يمكن أن تكون متناقضة 0واستحضار الثقافات القديمة من اجل الاستفادة منها 0 والطالبانيون لا يسعون الى ذلك ويعتبرون أن ما تحقق على أيديهم هو المبدأ والمنتهى على المستوى الثقافي وما هو موروث يجب التصدي له حتى لا يكون سببا في انبعاث الوثنية كما حصل مع تماثيل بوذا في أفغانستان مما أثار حفيظة المثقفين والمنتديات الثقافية عبر العالم 0 فكأن الذي يعيش في هذا العصر لم يتطور ولم يتخلص من الرغبة في عبادة الأوثان التي ليست إلا صناعة بشرية يلجا الناس الى عبادتها 0 أليست الممارسة الطالبانية إهانة للمسلمين ؟ أليست حطا من قيمة إنسانية المسلمين؟ إن الحرج الذي يمكن أن يقع فيه الطالبانيون يأتي من كونهم لا يستطيعون تجاوز :
أ – اعتبار أنفسهم أولياء على البشر و أفضل منهم.
ب- اعتبار أفضلية الرجل على المرأة.
ج- الانطلاق من كون تخلف المسلمين قدرا من عند الله.
د- الانطلاق من أن تفاعل الثقافات يفسد المسلمين.
ه- اعتماد إمكانية عودة المسلمين الى عبادة الأوثان.
و- اعتبار نموذجهم الأيديولوجي هو النموذج الثقافي الأسلم.
وهم بعزمهم على تجاوز هذه الاعتبارات يسجنون أنفسهم في نقطة واحدة لا يتجاوزونها أبدا، و لا يسعون الى تجاوزها. و هي اعتبار أيديولوجيتهم هي " الإسلام الحقيقي "، و ذلك هو مبعث ممارسة الإقصاء الممارس على الثقافات التاريخية الوافدة. و هو مأزق سيبقى قائما بقيام الطالبانيين كممارسة أيديولوجية أساسية في صفوف المسلمين، و لا يمكن تجاوزه إلا بتجاوز هذه الممارسة الأيديولوجية السياسية.
6) مأزق العلاقة مع الأنظمة المؤدلجة للدين الإسلامي بدخولها معها في صراع حول من يمثل الإسلام ؟ فالأنظمة المؤدلجة للدين الإسلامي تجد نفسها مضطرة تحت تأثير تبعيتها للنظام الرأسمالي العالمي للانفتاح بنسبة أو بأخرى على الغرب، و على السياسة الغربية و الاقتصاد الرأسمالي العالمي. أما الطالبانيون، فيسعون الى قيام قطيعة أبدية مع الغرب على مستوى الأفكار و الأيديولوجيات. أما البضائع ففيها نظر. و كذلك الشأن بالنسبة للتيكنولوجية، و لذلك يدخل الطالبانيون في تناقض مع الأنظمة المؤدلجة للدين الإسلامي التي تعتبر أبدية مع الغرب ومحمية من طرفه ، وهو ما يدعو إلى اعتبار تلك الأنظمة خارجة عن ما تقتضيه الشريعة ، وتفرضه العقيدة من وجهة نظر الطالبانيين وهذا الاختلاف في النظرة إلى الغرب لايمكن أن نعتبره إلا مبررا لقيام قطيعة بين الطالبانيين وبين الأنظمة المؤدلجة للدين الإسلامي .
7) مأزق العلاقة مع الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي المدعومة من قبل الأنظمة التابعة ، أو من قبل الحزب بصفة عامة . وأمريكا بصفة خاصة ، والعلاقة المتناقضة مع الأنظمة الداعمة لها ، تكون كما هي نظرا لاختلاف التأويل الأيديولوجي و لاختلاف الأهداف من ذلك التأويل وهو ما يجعل الطالبانيين في مأزق معها .
8) وتناقض الطالبانيين مع مؤدلجي الدين الإسلامي على مستوى الدول وعلى مستوى الحركات سيقودها مباشرة الى الدخول في تناقض مع المجتمع الدولي فلا تجد من يدعمها ولا من يحتاج الى دعمها خاصة وأنها أحرقت كل السفن التي يمكن أن تكون وسيلة الى الرجوع الى نسج العلاقة مع الدول ومع الحركات بسبب عمق تطرفهم في يمينيتهم التي قادتهم الى معاداة كل الأفكار والأيديولوجيات التي تأخذ بها مختلف الدول والحركات مما يجعلهم في موقف حرج مع المحيط الدولي الذي سوف يشدد على الطالبانيين باعتبارهم مصدر الإرهاب الذي يجتاح جميع البلدان تقريبا وتمارسه معظم الدول باسم محاربة الارهاب0
9) ومن خلال التناقض مع المجتمع الدولي يجد الطالبانيون أنفسهم في مواجهة شرسة مع أمريكا زعيمة الإرهاب . والتي كانت وراء قيام تنظيم الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي بما فيها الحركة الطالبانية من أجل مناهضة الحركة الاشتراكية في بلدان المسلمين وفي العالم .
10) وهذه العلاقة المتعددة التناقض تقحمها أيضا في تناقض مع التراث الإنساني الذي يسعى الطالبانيون إلى القضاء على الجوانب المضيئة فيه حتى لا يلعب دوره في بعث نوع من الوعي الحقيقي في صفوف المسلمين. وكنتيجة لذلك فإن الطالبانيين ينشغلون بعملية تطويع الواقع حتى يتناسب مع التأويل الأيديولوجي الطالباني للدين الإسلامي . وهو ما يؤهله لإعادة إنتاج التصور الطالباني في المستقبل اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ومدنيا وسياسيا حتى لا يوجد ما يعرقل حركة الطالبان مستقبلا .
وبذلك يكون مأزق " إسلام " الطالبان متعدد الجوانب ، والتشعبات لدرجة أن قيام " إسلام " الطالبان لا يتم إلا في ظل التناقض مع التاريخ ، والواقع المحيط ، والمستقبل .

الصدام بين " إسلام " الطالبان و"إسلام " أمريكا :
وهذا التناقض الشمولي الذي دخل فيه الطالبانيون لا يمكن أن يجرهم إلا إلى الصراع مع الواقع بكل تجلياته ، و سوف تؤدي الشعوب المقهورة ضريبة هذا الصدام وخاصة عندما يتخذ بعده الدولي، و يدخل الطالبانيون في صراع مكشوف مع أعتى قوة في العالم. و يتخذ صراع الطالبانيين عدة مستويات نذكر منها :
1) المستوى الأيديولوجي الذي تتحول فيه الأيديولوجية الطالبانية الى أيديولوجية منغلقة على نفسها، غير قابلة للتعامل مع الإيجابي في الأيديولوجيات الأخرى. فهي معادية للأيديولوجية الاشتراكية العلمية، و الأيديولوجية الرأسمالية، و تختلف عن الكثير من الإيديولوجيات القائمة على تأويل النص الديني، و كأنها هي المطلق الذي يصيغ العالم على مقاسه، و لا عبرة للتطور الذي يحدث في الصيرورة التاريخية. و صدام الأيديولوجية الطالبانية مع باقي الأيديولوجيات يتخذ طابع الأبدية من منطلق أن حاملي تلك الأيديولوجية أنفسهم ينوبون عن الله في الأرض. و من يعيش فوقها يجب أن ينساق وراء خطابهم بكل تجلياته، حتى ينالوا رضى الطالبانيين التي هي من "رضى الله ".
2) و تبعا للصدام الأيديولوجي نجد أن الطالبانيين يدخلون في صدام مع الدول و الأحزاب، و مع الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي من منطلق أن التصور الطالباني للدولة هو الأصلح و الأسلم و ما سواه لا يمكن أن يرقى الى مستوى " الدولة الإسلامية " المنشودة فكل الدول كافرة أو خارجة عن الدين، أو منحرفة عن الفهم الصحيح مما يجعل منهجها المتبع بعيدا، بل و متناقضا مع " المنهج الإسلامي " الذي هو وحده، و حسب فهم الطالبانيين، الصالح للممارسة " الإسلامية " و القاضية بحكم المسلمين للمسلمين، على أساس " الشريعة الإسلامية " التي " ستطبق" بأمانة سعيا الى " إرضاء الله " و " خدمة للعباد ".
3) و من الطبيعي جدا أن ينتقل الصراع السياسي الى مستوى الصراع العسكري بين الطالبانيين من جهة و بين أمريكا من جهة أخرى، و في هذا المستوى نجد تجند حلفاء أمريكا وراءها بينما يبقى الطالبانيون مدعومين بالموهومين بالخطاب الإيديولوجي الطالباني الذي تراجع بمجرد سقوط النظام الطالباني، و انتقال أمريكا و حلفائها الى تتبع الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي و تصنيفها الى جانب الطالبان أو العكس، من أجل محاصرة الخطاب الطالباني في الأماكن التي تغلغل فيها أو التي يمكن أن يكون فيها كذلك .
فالصدام العسكري إذن هو نتيجة لتراكمات استمرت عقدا بكامله بعد ظهور حركة الطالبان كقوة سياسية، وتنظيمية وعسكرية تهدف إلى السيطرة على البلاد "الإسلامية " مدعومة من قبل أكثر الأنظمة التابعة تخلفا. وبموافقة أمريكا نفسها التي أصبحت مستهدفة من قبل ( الطالبانيين المبثوثين عبر العالم) في إطار ما أصبح يعرف بتنظيم القاعدة .
4 ) والغاية المتوخاة من هذا الصدام تختلف بحسب الجهة الممارسة للصدام . فالطالبانيون يسعون إلى الرفع من وتيرة الصدام، و إلى جعل المسلمين في كل أرجاء الأرض، و إلى ممارسة حركة العصيان ضد الأنظمة التابعة ، والوصول إلى تكوين قوة داعمة وضاربة لأمريكا . وأمريكا تسعى إلى بسط نفوذها على العالم من خلال اجتثاث كل من خالفها الرأي . وسعى إلى مناهضتها في مراكز سيطرتها وفي عقر دارها، وبذلك يكون الهدف متناقضا، يحتم قيام الصراع بين الطالبانيين من جهة، وبين أمريكا والأنظمة التابعة لها من جهة أخرى . وتبقى الحركات المؤدلجة للدين الإسلامي تتأرجح بين التبعية للطالبانيين ، وبين التبعية لأمريكا .
5) وسيجني العالم من هذا الصدام مجموعة من الكوارث الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية على المديين المتوسط والبعيد إلى جانب الكوارث التي تصيب الإنسان والطبيعة بسبب اللجوء إلى استعمال الأسلحة الفتاكة .
6) وسيعاني المسلمون الحقيقيون من تكريس الاستبداد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي ، وسيكون الصدام مناسبة لمحاصرة المسلمين باعتبارهم مرشحين لممارسة "الإرهاب" في كل مكان من العالم ، وسيعانون بسبب ذلك الحصار من الحرمان من الممارسة الديموقراطية بمعناها الاقتصادي والاجتماعي …
وهذه المعاناة الشاملة والعميقة تطرح السؤال : ما ضرورة هذا الصدام ؟ هل هناك مبررات اقتصادية ،أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية ؟ هل هناك مبررات عقائدية ؟ والواقع أن النظام العالمي المعولم يحاول وبالسرعة الفائقة إبادة كل العوالم الأخرى فيه حتى يزيل كل العقبات التي يمكن أن تعترض عولمة اقتصاد السوق . لذلك نجد أنه من الطبيعي جدا الدخول في صدام مع كل الجهات المستعصية على الذوبان كما هو الشأن بالنسبة للطالبانيين . وما سوى ذلك فهو مجرد متاهة أو نفق يوحي بوجود صراع /صدام حقيقي بين المسلمين وغير المسلمين ، وبين المومنين والكافرين . والأمر ليس كذلك فهو مجرد وهم ، لأن الصراع الحقيقي لا يكون إلا طبقيا . فالطبقة المستفيدة من الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي قائمة في نظام الطالبانيين وفي أمريكا . والصراع بين المستغلين في ظل الشروط القائمة ليس إلا مفتعلا ، والهدف منه هو خلق مبررات تكريس الاستبداد سواء تعلق الأمر بإسلام أمريكا أو بإسلام الطالبان حتى لا ينفلت العالم في اتجاه مجتمعات الحرية ، والديموقراطية والعدالة الاجتماعية، كما هو متضمن في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وقد كان المفروض التخلي عن ممارسة النظرة الشمولية إلى الكون سواء من طرف أمريكا أومن طرف الطالبانيين حتى يتجنب العالم كوارث الصدام بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، ليعيش الناس حياتهم الطبيعية، ولتبقى عملية الإنتاج المادي والمعنوي بعيدة عن الانشغال بمآسي الصراع /الصدام الذي لا مخرج منه إلا باستسلام أحد الطرفين وقبولا بالأمر الواقع، وهو ما يعتبر مسألة صعبة على الطالبانيين الذين يفترض فيهم ذلك .
إرهاب أمريكا وإرهاب الطالبان :
وما تمارسه أمريكا وما مارسه الطالبان ويمارسه الطالبانيون لايمكن تصنيفه إلا في خانة الإرهاب المادي والمعنوي . فبالنسبة لأمريكا، فقد مارست ولازالت تمارس مظاهر الإرهاب التي يمكن تصنيفها في :
1) الإرهاب الاقتصادي الذي يعتبر المظهر الأكثر وضوحا في ممارسة أمريكا الاقتصادية.فهي توجه شركاتها العابرة للقارات، ومؤسساتها المالية ذات الطابع الدولي إلى إملاء شروطها الاقتصادية على الدول التابعة، والشعوب المقهورة مما يؤدي إلى استنزاف خيرات الشعوب لصالح تلك الشركات وتلك المؤسسات ، وهو ما يترتب عنه تعميق تخلف الدول التابعة وفقر الشعوب المقهورة .
2) الإرهاب الاجتماعي الناتج عن الخضوع إلى الإملاءات الأمريكية ومؤسساتها وشركاتها وهذا الإرهاب يستهدف تقليص الخدمات الاجتماعية : التعليمية ،والصحية ، وتقليص مناصب الشغل والسكن وكل ما له علاقة بالخدمات الاجتماعية وهو ما يعكس الحرمان من الخدمات التي تخوصص ، وتتحول إلى مناسبة لاستنزاف ما يمكن أن يتبقى من الخيرات لدى الشعوب المقهورة .
3) وحتى تتهيأ الشعوب إلى قبول ما يمارس عليها تلجأ أمريكا إلى تخريب الثقافات المحلية عن طريق تشويه القيم الإيجابية فيها، ودعم تقوية القيم السلبية عن طريق إشاعة الثقافة المائعة، وثقافة الخنوع والإرهاب والاستسلام والخوف والإعجاب بالمخلوق الأمريكي الممتاز، وبالثقافة والتقدم العلمي الأمريكي، موظفة بذلك كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة التي تزداد قوة وتجبرا وهيمنة ومرجعا وموجها للأنظمة التابعة التي تحرص على مناهضة ثقافة التحرر والتقدم وهو ما يمكن تصنيفه في إطار الإرهاب الأمريكي الثقافي .
4) وحتى يتخذ الإرهاب مجراه الصحيح الذي لا يتوقف، تلجأ أمريكا إلى ممارسة الإرهاب السياسي المباشر من خلال التهديد بضرب الدول والجماعات ومحاصرة الشعوب ، وتنفيذ ذلك التهديد على أرض الواقع وتوظيف المؤسسات الدولية لفرض هيمنتها على العالم، وتوجيه سياسات الدول التابعة، وفرض محاصرة الحركات السياسية المعارضة، وهو ما يؤثر على مسار الأمم والشعوب التي تقع تحت طائلة أمريكا عن طريق الأنظمة التابعة في ظل النظام الأمريكي المعولم .
5) وعندما تعجز السياسة عن تحقيق الأهداف الأمريكية ، فإن أمريكا تلجأ إلى الإرهاب العسكري الذي يفتك بالإنسان ، و العمارة ومقومات الشعوب وتحول كل شيء إلى خراب وموت ودمار حتى تفسح المجال لشركاتها العابرة للقارات من أجل السيطرة على الأرض والإنسان، و الشروع في استغلال الخيرات المادية و المعنوية. فالإرهاب العسكري إذن هو الوسيلة المكملة للقرار السياسي، و المنفذة للقرارات المختلفة.
و بذلك يتم تمرير الإرهاب الأمريكي عبر المظاهر الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية و العسكرية مهما كلف ذلك أمريكا، لأن ما ستجنيه شركاتها من وراء ممارسة ذلك الإرهاب المتعدد الأوجه و المظاهر أكثر بكثير مما تتكلفه أمريكا…
و فيما يخص إرهاب الطالبانيين، فإننا نجد أنه لا يختلف عن إرهاب أمريكا إلا على مستوى شكل المظاهر، أما الجوهر فإنه يبقى هو هو سواء تعلق الأمر بالمظهر الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو السياسي أو العسكري :
1) ففيما يخص الإرهاب الاقتصادي، فإننا نجد أن الطالبانيين يسلبون أموال الشعوب، أو يسعون الى ذلك، اعتبارا منهم بأن الأموال التي يتصرفون فيها هي من الله، و ما دام الأمر كذلك، فيجب أن تكون في خدمة و تحت تصرف الطالبانيين باعتبارهم ينوبون عن الله في أمور الدنيا لإعداد الناس ليوم القيامة. و ممارسة كهذه تنكر على المسلمين كونهم منتجين للخيرات، و حقهم في التمتع بها في حياتهم الدنيا، و تعتبرها لله لتلتقي بذلك مع أمريكا في العمل على حرمان المسلمين منها لصالح الشركات العابرة للقارات من السيطرة على ممتلكات الشعوب.. و استنزاف خيراتها، بينما نجد أن الطالبانيين يجعلون ما يبتزونه من شعوب المسلمين رهن إشارة الشركات العابرة للقارات بطريقة غير مباشرة عن طريق ما تنتجه من أسلحة، و بضائع ضرورية للحياة.
2) و حتى تؤدي الطالبان دورها بدون مشاكل فإن وسيلتها الى ذلك هو ما يمكن تسميته بالإرهاب الديني العقائدي الذي لا يتم إلا بأدلجة الدين الإسلامي. تلك الادلجة التي تتحول الى قالب ديني يجب أن يتقولب في إطاره المسلمون، و إلا فإنهم ليسوا مسلمين على جميع المستويات. و يجب " الجهاد " فيهم، و هو ما يمكن اعتباره إرهابا يستهدف المسلمين جماعات و فرادى استهدافا قد يصل الى درجة التضحية الجسدية نظرا للاختلاف الكبير بين تأويل الطالبانيين، و بين حقيقة الدين الإسلامي و باقي التأويلات الرسمية و غير الرسمية للدين الإسلامي الحنيف.
و كامتداد للإرهاب الطالباني نجدهم يؤسلمون كل شيء بما في ذلك الاقتصاد الذي لا ملة له. فيسعون الى محاصرة تحديث الاقتصاد و المحافظة على اقتصاد الريع و الخراج، و اعتبار مال المسلمين مال الله، حتى يتمكن الطالبانيون من مصادرته وقتما شاءوا، و من أي شخص، و اعتبار الفقر قدرا من عند الله يجب القبول به، و المرأة لا تلج عالم الاقتصاد، و لا تساهم في الإنتاج لا من قريب و لا من بعيد، فهي المنجبة و المربية و كفى. فوظيفتها بيولوجية تربوية ليس إلا بإذن الله و إرادته، و انطلاقا من الشريعة التي ليست إلا مجرد تأويل أيديولوجي للطالبانيين، و من مارس غير ذلك التأويل يعتبر ملحدا و كافرا، و زنديقا، و هؤلاء جميعا تجب تصفيتهم، و المرأة التي ترغب في ممارسة نشاط اقتصادي معين لا تجد الى ذلك سبيلا، و قد تتعرض للعقاب المبرح. و قد تعتبر خارجة عن الدين، و قد تصفى جسديا.
و كنتيجة للإرهاب الاقتصادي يحول اقتصاد المسلمين الى اقتصاد الكفاف، و الصدقة، و الإحسان، و تعتبر الخدمات الاجتماعية خدمات لا تلزم المسلمين. فمن تعلم فبإرادة الله، و من صار أميا فبقدره و كذلك الشأن بالنسبة للخدمات الصحية، و السكن، و الشغل، و الطالبانيون إذا وصلوا الى الحكم، لا يلزمهم تقديم الخدمات المختلفة. و حتى إذا أعدوا مدارس تقليدية فلإعداد المقاتلين باسم الدين الإسلامي الذين يسمونهم "المجاهدين"، الذين يشترط في قبولهم في تلك المدارس الولاء المطلق لتعاليم "أمير المومنين" و تطبيق "فتاوى" الفقهاء و المحيطين به التي تعتبر "جوهر الشريعة الإسلامية" والاستعداد لتنفيذ جميع القرارات "الاستشهادية". وبذلك يصير تقديم الخدمات الاجتماعية الى المواطنين غير وارد إلا إذا ارتبطت تلك الخدمات بحاجة الطالبانيين الى "المجاهدين" الذين يتحولون الى أدوات لإرهاب شعوب المسلمين، و إخضاعها بقوة الإرهاب المادي، و المعنوي، و العقائدي، و الاقتصادي، و لإرادة الطالبانيين الذين يستبدون بمصير تلك الشعوب كما يوحي بذلك مشروعهم السلطوي بما في ذلك الاستبداد بالعلاقة مع الله.
و لجعل المسلمين لا يفكرون في غير تأويل الطالبانيين للإسلام يحرم عليهم كل ما له علاقة بثقافة الغربيين الملحدين، و الزنادقة و العلمانيين. و لتحقيق ذلك حرم الاستماع الى الإذاعة، و مشاهدة التليفزيون و قراءة الصحف غير الطالبانية حتى تقوم القطيعة بين الثقافة الطالبانية و الثقافة الغربية العلمانية. و من ضبط متلبسا باستعمال الوسيلة السمعية أو البصرية لالتقاط القنوات الإذاعية و التلفزية، فإنه يعتبر خارجا عن الإسلام، و علمانيا، و ملحدا، و أشياء أخرى تساق لتبرير الإجراءات التي يلجأ إليها الطالبانيون.
و للوصول الى مستوى الإلغاء المطلوب للرأي الآخر، فإن الطالبانيين يحرمون تكوين أحزاب سياسية بدعوى أن الحزب الواحد الذي له الحق في الوجود، هو حزب الله، و ما سواه فهو حزب الشيطان، فكأن المجتمع لا يتوفر إلا على فئة واحدة لا تقتضي السماح بتكوين أحزاب سياسية. و إذا حصل فإن الحزب المكون سيعتبر خارجا عن الدين الإسلامي بما يقتضي اتخاذ إجراءات الزجر التي يتم بموجبها التخلص – و الى الأبد – من العناصر التي تمتلك جرأة تأسيس حزب معين يخالف توجه الطالبانيين.
و هذه الأشكال من الإرهاب مجتمعة تكون مصحوبة بأشكال مختلفة من القمع المادي و المعنوي التي تتم ممارستها على أساس أنها تطبيق " الشريعة الإسلامية ". فكأن الشريعة الإسلامية تختصر في الممارسات القمعية، و يزول منها جانب الرأفة و الرحمة و التسامح، و السلام بهدف جعل المسلمين ينسون حقوقهم التي يضحون بها أمام الطالبانيين. منتظرين إحسانهم و صدقتهم، و وساطتهم عند الله التي تحول الدين الإسلامي الى دين للرهبانية "و رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم".
3) و بذلك يتبين أن أمريكا و الطالبانيين يتفقان في ممارسة القمع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي على الشعوب المختلفة، و أن ذلك القمع قد يصل الى مستوى التصفية الجسدية للأفراد و الجماعات إما مباشرة أو باسم القانون، أو الشريعة، و أن هدفهما من القمع هو تأبيد سيطرتهما الاقتصادية و العسكرية و السياسية و يختلفان في كون :
أ – أن أمريكا تقمع بمرجعية "القانون الدولي" و توظيف المؤسسات الدولية التي تجعل كل الدول -تقريبا- الى جانب أمريكا في عملية قمع الشعوب، و التخلص من المعارضين لها. بينما نجد أن مرجعية الطالبانيين هي التأويل الأيديولوجي للشريعة الاسلامية، الذي يجعلهم منفردين و منفصلين عن المجتمع الدولي، و يجعل قمعهم أكثر همجية و حكمهم أكثر تخلفا.
ب- أن القمع عندهما يتخذ طابعا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ومدنيا وسياسيا ، إلا أن مفهوم الاقتصاد يختلف عند كل منهما . فأمريكا تقمع الاقتصاد الوطني المتحرر في مقابل سيادة اقتصاد السوق الذي يكمن شركاتها العابرة للقارات باكتساح العالم ، واستنزاف خيرات الشعوب بينما نجد أن الطالبانيين يتمسكون بالاقتصاد التقليدي بدعوى محاربة الحداثة التي تشكل خطرا على الإسلام والمسلمين. ومفهوم الاجتماع يعني بالنسبة لأمريكا إعداد المجتمعات بولاء أمريكي حتى تتاح الفرصة للاستغلال المتعدد الأشكال معتمدة في ذلك على المؤسسات الدولية التي توجه السياسة الاجتماعية للأنظمة التابعة .أما الطالبانيون فيسعون إلى تجييش المجتمعات لخدمة التوجهات الطالبانية ، سواء تعلق الأمر بالتعليم أو الثقافة أو الصحة أو السكن أو العمل ، فكل شئ مشروط بخدمة توجهات الطالبانيين ، وباسم " الشريعة الإسلامية " .
ج- أن الهدف من القمع بالنسبة لأمريكا هو السيطرة على العالم وفرض تحكم القطب الواحد في مصير الدول والشعوب في نفس الوقت على جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية، وتحويل الأنظمة القائمة إلى مجرد دركيين مكلفين بأمن ولاياتهم ، مهمتهم توفير المناخ المناسب لتغلغل الشركات العابرة للقارات في أنسجة المجتمع. وحماية اقتصاد السوق : الذي يعتبر إلها جديدا للعالم الذي أصبح معبودا من قبل الجميع ، وقبلته هي البيت الأبيض الذي يتحكم في كل شيء ويعلم السر وأخفى ، وتمكين الشركات العابرة للقارات من التحكم في اقتصاد الدول وفي الاقتصاد العالمي ، ورهن مصير الدول التابعة بما فيها دول بلدان المسلمين بإرادة تلك الشركات ، وبالمؤسسات المالية الدولية ، وبأمريكا والغاية من كل ذلك هي قطع الطريق على الدول حتى لا تمارس حريتها في تقرير مصيرها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي وعلى أي جهة أخرى تسعى إلى التحول إلى قطب مناهض لأمريكا يسعى إلى الهمينة على جزء من العالم .
وفي مقابل ذلك نجد أن الطالبانيين يهدفون إلى فرض ولاية الفقيه الذي يتحول إلى مصدر للتشريع فهو وحده الذي يبدي رأيه الواجب التطبيق في أمور العبادات التي تعد الإنسان للحياة الأخرى وقطع الطريق أمام إمكانية تسرب الحداثة إلى بلاد المسلمين وانتشار العلمانية التي تنتج الملحدين ، فالحداثة غول يهدد مجتمعات المسلمين بالزوال ولذلك فلا مهادنة بين الطالبانيين وبين الحداثة وعلى هذا الأساس يسعى الطالبانييون إلى حماية المسلمين من الفكر العلماني " الملحد " الذي يتسرب إليهم عبر الحداثة الوافدة من الغرب بواسطة القنوات الفضائية ، و الإذاعات والأشرطة المرئية والمسموعة والكتب وسائر المطبوعات التي يجب أن تخضع لرقابة صارمة حتى لا يتسرب بواسطتها ما يخدش " عقيدة المسلمين ، ولا يتناسب مع توجه الطالبانيين " الإسلامي " الذي يجب الإعداد له ، ودعمه لفرض نظام "إسلامي" عالمي ضد " الشيوعية " وضد " أمريكا ولا بأس أن يبقى النظام "الإسلامي" إقطاعيا شكلا رأسماليا واقعا من منطلق حماية " الملكية " الفردية أما الملكية الجماعية فلاوجود لها عندهم ، لأنها من الأفكار الشيوعية التي تجب مواجهتها حتى تتم حماية " الملكية الفردية من التحول إلى ملكية جماعية وحماية المسلمين من التفكير العلمي الذي يسمونه إلحادا وحتى لا يتهم الطالبانيون بالتقليد ، فإن الشركات العابرة يتم تحويلها إلى شركات " "إسلامية " بما في ذلك الأبناك التي يجب أن تدفق في حساباتها الأموال لصالح الطالبانيين .
د- وبذلك نصل إلى طرح السؤال ، هل هناك اختلاف بين إسلام أمريكا و إسلام الطالبان ؟ هل هناك ضرورة لهذا الاختلاف ؟ إن ما تتبعناه بالمقارنة بين أمريكا و إسلامها من جهة ، وبين الطالبانيين و إسلامهم من جهة أخرى يجعلنا نجد أن ضرورة الاختلاف غير واردة وأن هذا الاختلاف مفتعل بين الجانبين معا . وما يستغرب له أن الطالبانيين في مراحل سابقة كانوا يسبحون إلى جانب الرجعيين في بوثقة أمريكا ، وكانوا يتحركون شرقا وغربا وشمالا وجنوبا من أجل حماية مصالحها وضرب مصالح الاشتراكيين . وافتعال هذا الاختلاف من الجانبين معا هو إيجاد مبرر للوصول إلى السيطرة على المسلمين والاستبداد بأمورهم ، وليس من أجل تمكينهم من تقرير مصيرهم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي لأن حق تقرير المصير غير واردة عند الأمريكيين ، ولا عند الطالبانيين لكونهما وجهين لعملة واحدة اسمها الاستغلال الذي يتخذ أوضاعا متعددة ومستويات متنوعة .
فعلى المستوى الاقتصادي نجد أن كليهما يستهدف ممارسة الاستغلال على شعوب المسلمين ، إما بواسطة الشركات العابرة للقارات ، وإما بواسطة الشركات " الإسلامية " وخاصة منها ذات الطابع المالي وعلى المستوى الاجتماعي نجد أن كليهما يسعى إلى التخلص من تقديم الخدمات الاجتماعية إما عن طريق خوصصتها ، وجعلها بيد الشركات العابرة للقارات وإما بحرمان معظم المسلمين منها والاكتفاء بالضرورة فقط كما يفعل الطالبانيون الذين يتركون المسلمين لمصيرهم المظلم الذي يسمونه " قدرا " فكان ما عانى منه المسلمون بسبب سياستهم هو ب" إرادة الله " .
وعلى المستوى الثقافي نجد الفرق بين توجه أمريكا وتوجهات الطالبانيين لا يكاد يذكر فأمريكا تسعى إلى نشر ثقافة الاستلاب بالإعجاب بسياستها، و الانبهار بما هو غربي رأسمالي، و نشر قيم الخلاعة و الانحطاط التي تتناقض مع القيم السائدة في المجتمعات العربية، و مجتمعات بلدان المسلمين من أجل التخلي عن الهوية الوطنية و الدينية التي تعتبر وسيلة الارتباط بالمجتمع و بالوطن و بالعقيدة، و استبدالها بالحلم بامتلاك هوية أخرى تقتضي الالتحاق بالغرب المتقدم، و التملص من الشرق المتخلف. و نفس الشيء نقوله بالنسبة للطالبانيين الذين ينشرون قيما تجعل المسلمين يرون في الماضي المثال الذي يعلمون باستعادته، و التخلص من القيم التي لها علاقة بما هو محلي و وطني و قومي و حداثي انطلاقا من كونها قيم الكفر و انعدام الإيمان مما يجعل "الجهاد" ضد تلك القيم واجبا دينيا، و هو ما يؤدي الى استلاب المسلمين الذين يتخلون عن التفكير في واقعهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، و الانغراس في أوهام الرجوع الى الماضي. و سواء تعلق الأمر بأمريكا أو الطالبانيين ، فإن الأمر واحد ، و يتعلق بنتيجة الاستلاب التي تقود الى الانفصال عن الواقع، و الارتباط بأوهام الالتحاق بتقدم الغرب أو بأوهام "استعادة " الماضي أو " نظافته" و في الحالتين معا يكون المسلمون قد فقدوا هويتهم الحقيقية.
أما على المستوى السياسي فنجد الاتفاق الذي يكاد يتطابق جملة و تفصيلا بين أمريكا و الطالبانيين فيما يخص الموقف من حق شعوب المسلمين في تقرير مصيرها السياسي. فكلاهما مع الاستبداد السياسي كما يتجلى ذلك من خلال دعم أمريكا لكل الأنظمة المستبدة بشعوبها و المتخلفة على مستوى أسلوب الحكم حتى تجد مبرر التغلغل في السياسات المحلية عن طريق الاملاءات السالبة لإرادة الشعوب في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية باعتبارها مجالات تمظهر الاختيارات السياسية المملاة من المؤسسات التي تهيمن عليها أمريكا، و كما يتجلى من خلال سعي الطالبانيين الى فرض استبداد بديل لاستبداد الأنظمة التابعة. فاستعادة مثال الماضي على المستوى السياسي ليس إلا الوجه الآخر للاستبداد الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي. فالطالبانيون يلغون كل إمكانيات التفكير في حق تقرير المصير السياسي باسم الدين الإسلامي. و في الحالتين الأمريكية و الطالبانية يصبح الاستبداد هو القاعدة. و الحديث عن الديمقراطية هو الاستثناء من قبل الأمريكيين، و بدعة و ضلالة في اعتبار الطالبانيين.
و لا يتوقف الأمر عند حدود الإرهاب الاقتصادي ، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي، بل و يتعداه الى الإرهاب العسكري. ذلك أن أمريكا و الطالبانيين معا، يوظفان القوات العمومية لإرهاب الشعوب من أجل فرض خضوعها الى إرادة أمريكا، أو إرادة الطالبانيين في حالة وصولهم الى السلطة. و ما ذلك إلا لفرض الاستبداد بالقوة، و لعدم القدرة على إقناع الشعوب بأيديولوجية أمريكا أو أيديولوجية الطالبان اللذين لا يختلفان إلا في الهدف من فرض الاستبداد بواسطة القوات العمومية.
و لإيجاد مبرر لاستخدام القوات العمومية يدمج الأمريكيون و الطالبانيون معا قوانين يسميها الأمريكيون "قانونا دوليا" و الطالبانيون ب " الشريعة الإسلامية". و سواء تعلق الأمر بأمريكا أو بالطالبانيين فإن القانون الدولي و الشريعة الإسلامية سيصبحان أداتين قمعيتين وإرهابيتين بامتياز.
و لذلك فما جمع بين إرهاب أمريكا و إرهاب الطالبانيين على مستوى طبيعة الإرهاب و أشكاله، و الهدف منه أكثر مما يفرق بينهما، فكلاهما يسعى الى السيطرة على الشعوب من أجل الاستبداد بها، و استغلالها و تصريف مخططات تأبيد السيطرة على الشعوب.

على هامش إرهاب أمريكا و إرهاب الطالبان :
و ما دام الإرهاب هو المنطق الذي يحكم ممارسة أمريكا و ممارسة الطالبانيين، فإننا نجد أن :
1) إسلام أمريكا هو مجرد مظاهرة تهدف الى تجسيد تصور الأنظمة التابعة على مستوى بناء المؤسسات، و إقامة الشعائر، و تدوين الشرائع، و الاحتفاء بالمواسم، و تكريس العادات و التقاليد و الأعراف التي يسمونها "إسلامية" من أجل تحقيق الإنسان الخاضع الخانع، القابل بكل ما يمارس عليه من قبل الأنظمة التابعة، الساعي الى إرضائها، الممتنع عن المطالبة بمختلف الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية حتى يكون "مسلما" و "مواطنا" "صالحا" يقلق راحة الأنظمة التابعة، و لا يسعى الى إقلاق راحة أمريكا، في الوقت الذي تدعي فيه الأنظمة التابعة، و تدعي أمريكا أن الدور المنوط بها هو المحافظة على "إقامة الشعائر"و تطبيق "الشريعة الإسلامية" و هو ادعاء يكذبه الواقع بكل تجلياته، و يبطله ما يعاني منه المسلمون على مستوى انتشار الأمية، و التخلف الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي. فكأن الإسلام هو دين التخلف ليس إلا. و كأن المسلمين آمنوا بهذه العقيدة ليختاروا الأمية و الفقر و الجوع و المرض و كل أشكال القهر إرضاء للأنظمة التابعة، و لأمريكا التي تمتص خيرات شعوب المسلمين، و تستبد بها، و توظفها في تكريس كل أشكال القمع.
2) إسلام الطالبان يختلف عن إسلام أمريكا في كونه محكوما بهاجس أدلجة الدين الإسلامي على مستوى العقيدة و على مستوى الشريعة، فكل شيء في الدين الإسلامي يتعرض للتأويل الأيديولوجي بهدف إيجاد صورة مخالفة لصورة الأنظمة التابعة لأمريكا، و حتى لصورة الإسلام في الكتاب و السنة و في ممارسة المسلمين. و بذلك التأويل الأيديولوجي نجد أنهم يحشرون أنوفهم في كل صغيرة و كبيرة في حياة المسلمين ليحققوا بذلك أكبر عملية استبدادية في التاريخ البشري فهم يتدخلون في كيفية إنجاز العبادات المختلفة، و في العلاقات الاجتماعية و في الثقافة العامة، و في وسائل الاتصال و في الغاية من تطبيق "الشريعة الإسلامية"و في عمل المرأة، و في استهلاك الوسائل السمعية البصرية، و في المهن الحرة و الوظائف، و في التجارة.فكل شيء بالنسبة للطالبانيين يجب أن يكون "إسلاميا" و المسلمون يتقبلون كل ذلك بسبب ما يصيبهم من إرهاب مادي أو معنوي اعتقادا منهم أن الطالبانيين ينوبون عن الله في الأرض. و الواقع، أنهم ليسوا إلا طبقة تستغل الدين الإسلامي و تؤدلجه من أجل التحكم في : رقاب المسلمين الذين يغرقون في بحور الجوع و الفقر و المرض، و بذلك يصير إسلام الطالبانيين مجرد أيديولوجية، و مجرد موقف سياسي، أما المسلمون فيتحينون الفرصة للتخلص من اسر الأيديولوجية الدينية و السياسية الدينية لكون الذين يمارسونها مجرد بشر لهم مصلحة طبقية في توظيف الدين الإسلامي، و ليسوا ملائكة أو رسل يتلقون الوحي.
3) فماذا استفاد المسلمون من إسلام الأنظمة التابعة، و من إسلام أمريكا ؟ إن الواقع الذي يعيشه المسلمون يؤكد الى أي حد خسر المسلمون كل شيء، فقد خسروا حقوقهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و حقهم في تقرير مصيرهم بإقامة مؤسسات منتخبة انتخابا حرا و نزيها. و إقامة دولهم الوطنية باختيارهم، إنهم لم يستفيدوا إلا تفكك المجتمع، و تفسخ بنياته الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، و فسح المجال أمام تسرب قيم الخلاعة، و التخلف الوافدة من عمق تخلف الغرب، و تخلف أمريكا من أجل محاربة القيم النبيلة في مجتمعات المسلمين.
4) ماذا خسروا بتغلغل إسلام الطالبان في صفوفهم ؟ إنهم فقدوا بوصلة التفكير السليم بالغرق في متاهات الماضي، و محاولة استلاب نموذجه الصافي الظاهر، و الذي يصلح "إسلاما" و نظاما يصلح "دولة إسلامية" و في السعي الى ذلك النموذج لابد من دوس القيم التي لها علاقة بالوافد حتى لا يصاب "الإسلام" بالتغريب. فقيم الحداثة يجب أن تزول، و المسلمون جميعا يجب أن يستعدوا للموت من خلال مواجهة الكفار. و وحدهم الطالبانيون ، و بالتحديد قادتهم، يبقون على قيد الحياة للقيام بإعداد الناس للقيام بالعمليات الانتحارية في كل مكان، و وحدهم قادة الطالبانيين يتوسطون بين الإنسان و خالقه.
فإسلام الطالبانيين يقود الى عدم التفكير في الديمقراطية و حقوق الإنسان، لأنها بدعة غربية يقتضي "الإسلام" الطالباني عدم التفكير فيها، بل و عدم مراعاتها و محاربتها حتى لا نكون علمانيين و كافرين، و ملحدين، فالعلمانية "و العياذ بالله" أم الكفر، و أخت الإلحاد ما دامت تدفع الى استخدام العقل، و مادام العقل يستنتج فصل الدين عن الدولة و هو ما لا يريده الطالبانيون، ويعتبرونه كفرا و إلحادا، لا لشيء إلا لكونه يؤدي الى إقرار فكرة تقرير المصير على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية بكامل حريتهم، و كامل إرادتهم، و هو ما يضع الطالبانيين في مهب الريح، لذلك نعتبر أن أكبر خسارة تصيب المسلمين بسبب منهج الطالبانيين هو حرمانهم من الحرية، و الإرادة التي تقود الى الاختيار الحر و النزيه في ظل الممارسة الديمقراطية الحقة، و الممارسة الحقوقية الكاملة.
5) و يبقى السؤال هو : هل يمكن تخليص الإسلام من أسر أمريكا و أدلجة الطالبانيين ؟
إن الإسلام الحقيقي قائم، و سيبقى قائما، شاء من شاء و كره من كره ما دام المسلمون يحرصون على صيانة كرامتهم، لأن الإسلام و كرامة الإنسان متلازمان إلا أن حرص المسلمين على ذلك يقتضي قيام المسلمين المخلصين بامتلاك فهم صحيح للدين الإسلامي و الشريعة الإسلامية، و العمل على تخليصهما من الفهم الموجه للأنظمة التابعة، و الادلجة المغرضة.فقراءة النصوص الدينية قراءة موضوعية انطلاقا من الشروط التي حكمتها، و الشروط التي تحكم عصرنا، دون مراعاة لرغبات الحاكمين و لا لمدعي الوصاية على الدين الإسلامي من المتنبئين الجدد، و لا سعيا الى تحقيق مصلحة معينة من وراء ذلك، سيقود الى تحرير النص أولا، و تحرير المسلمين ثانيا من أسر الادلجة الرسمية من أدلجة أمريكا، و أدلجة الطالبان، و أول الطريق القول بأن الدين لله، و ليس لبشر يدعي الوصاية عليه من منطلق أن لا رهبانية في الإسلام "و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا ".
و عمل مثل هذا يجب أن يتصدى له المثقفون المتنورون المومنون بضرورة تخليص الإسلام من الاسر، و تمكين المسلمين من تقرير مصيرهم الاقتصادي، و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و كل ذلك لا يتم إلا في إطار تقرير مبدأ إسلامي يتمثل في تحرير الإنسان حتى تتحقق كرامته ، لأن المستعبد، و المستبد بمصيره لا كرامة له. و بتحقيق ذلك المبدأ، يكون المسلمون في الجهات الأربع قد تحرروا من أسر أمريكا و أسر الطالبانيين، و بتحررهم ينطلقون في اتجاه تقرير مصير شعوب المسلمين.
و لذلك فلا إسلام أمريكا ينقد المسلمين مما هم فيه، و لا إسلام الطالبان يعيد الماضي "المشرق"ب "إسلام" صاف لا غبار عليه و لا يخالطه ضلال. و ما ينقدهم هو الابتعاد عن الإسلام المؤدلج و تجريم أدلجته، و تحرير المسلمين من كل مظاهر الاستبداد التي يجب أن تعتبر من الانتهاكات الجسيمة ضد الإنسانية، و جرائم ينص القانون الجنائي الدولي على العقاب عليها.

الإسلام الذي نريد :
و بهذه المعالجة يتبين لنا أن الذي يتصارع الآن في بلاد المسلمين هو نوعان من الإسلام : إسلام أمريكا و إسلام الطالبانيين بمختلف توجهاتهم المعلنة و المضمرة، و إننا في تحليلنا لكلا الإسلامين وجدنا أنهما معا يجانبان حقيقة الإسلام و ما يجب أن يكون عليه المسلمون في بلدانهم المختلفة، و هو ما يطرح علينا تساؤلا كبيرا و عريضا هو : أي إسلام نريد ؟ و ما هو التيار الأكثر قربا من حقيقة الإسلام ؟
إننا عندما نختار هذا الإسلام أو ذاك، إنما نختار أدلجة الدين الإسلامي التي تجب محاربتها،بالفكر و بالممارسة ، لأن الادلجة لا تعني إلا إقحام الدين في السياسة، و هو ما يسيء الى الدين الإسلامي و يجعله دين الأحزاب التي تسمي نفسها أحزابا دينية ، فكأن الله يختار مناضلي تلك الأحزاب، و ينظمهم و يربط بهم العلاقة، و يوجه سياستهم، و يختارهم لتحمل مسؤولية " الدولة الإسلامية "، و كأن الرسل لازالوا يبعثون، و كأن جبريل لازال يلعب دوره في تبليغ الوحي، و كأن القرآن لازال ينزل، و كأن زعيم كل حزب رسول من عند الله، يعلم كل شيء عن الدنيا و الآخرة بإرادة الله تعالى، و بأمر منه، و الذي نعرفه أن آخر الأنبياء و الرسل هو محمد بن عبد الله ص، و أن الوحي توقف بنزول قوله تعالى : " اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا". و أن القرءان الكريم هو آخر الرسالات، و لذلك، فالإسلام الذي نريد هو إسلام إخلاص العبادة لله دون سواه، و إسلام حفظ كرامة الإنسان، لأن العلاقة بين إخلاص العبادة لله، و حفظ كرامة الإنسان هي علاقة الوحدة و التطابق، لأن من يخلص العبادة لله، لا يقدس غير الله، و بذلك يكون قد حفظ كرامته من التزلف لغير الله، و من حرص على حفظ كرامته، فإن ذلك الحرص يدفعه الى إخلاص العبادة لله، و هذا هو الإسلام الذي نريد. و للوصول الى تحقيقه لابد من :
1) استحضار أصالة الإسلام من خلال النصوص الأصيلة و الثابتة كالكتاب و السنة، و دراستها في سياقها و تطورها من خلال استحضار الناسخ، والمنسوخ، و الشروط التي أدت الى ذلك، الى أن نصل الى نهاية الرسالة. و التعامل مع المذاهب المختلفة كتأويلات اقتضتها مصلحة طبقية معينة لا علاقة لها بما جاء في الكتاب و السنة إلا باعتبارهما مستهدفين بالتأويل. فالوقوف على أصالة الدين الإسلامي، و من خلال النصوص الثابتة يبعدنا عن السقوط في تبني أدلجة الدين الإسلامي على أنها هي الدين، بينما نجد أن الأمر ليس كذلك، و محاولة بعض الأنظمة التابعة ادعاء أن مذهبا فقهيا معينا هو مذهبها ليس إلا اختيارا أيديولوجيا لأن أي تأويل لا يمكن أن يكون إلا أيديولوجيا لإرضاء الحاكمين، إلا أن التأويلات المختلفة قد يكون بعضها قريبا من الفهم الصحيح للدين الإسلامي ، وقد يكون بعضها الآخر بعيدا عن ذلك الفهم. و حتى نتجنب كل ذلك نسعى الى اعتماد النصوص الأصلية، و الثابتة و الصحيحة، و تجنب إقحام التأويلات المختلفة حتى لا نبعد المسلمين عن الفهم الصحيح، و بعد ذلك فليختر كل مسلم التأويل الذي يراه مناسبا لمصلحته الطبقية على أن يكون ذلك اختيارا إيديولوجيا محضا، و ليس إسلاما كما يدعي ذلك مؤدلجو الدين الإسلامي. و الى جانب استحضار الأصالة الإسلامية نستحضر أصالة الشعوب الساعية الى التمتع بحقوقها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية بواسطة التنظيمات التي تفرزها الشعوب. و يسعى الى مساندتها و الالتحام بها، و دعمها حتى تقوم بدورها كاملا في قيام شعوب المسلمين من أجل تحقيق أهدافها، و تقرير مصيرها.
2) و أهم ما تسعى إليه شعوب المسلمين هو التحرر بمعناه الشمولي: التحرر الاقتصادي عن طريق بناء اقتصاد وطني متحرر من أجل التقدم في جميع المجالات الاجتماعية، لأنه بدون اقتصاد متحرر لا يكون تعميم التعليم و لا خدمات صحية و لا تشغيل، و لا سكن مناسب، و لا أي تطور في أي مجال من المجالات مادام الاقتصاد الوطني في بلاد المسلمين رهينا بخدمة الدين الخارجي و بخدمة المؤسسات المالية الدولية ، و التحرر الاجتماعي عن طريق تمكين المسلمين من جميع الخدمات الاجتماعية التي يجب أن لا تشملها الخوصصة كما يحصل الآن في العديد من الدول التابعة حيث يتم بيع مؤسسات الخدمات الاجتماعية الى الخواص. و التحرر الثقافي عن طريق إعطاء الأهمية للثقافة الوطنية، و دعم الثقافات المختلفة، و إنضاج شروط تفاعلها لتحقيق وحدة الشعب المسلم الواحد من جهة، و مد قنوات التواصل الثقافي بينه و بين شعوب المسلمين من جهة أخرى. و التحرر المدني عن طريق العمل على ملاءمة التشريعات المحلية مع المواثيق الدولية، و التحرر السياسي الذي يمكن شعوب المسلمين من حق تقرير مصيرها عن طريق وضع دساتير تكرس سيادتها على نفسها، و انتخاب مؤسسات تشريعية محلية و جهوية و وطنية في إطار انتخابات حرة و نزيهة، و بإشراف مؤسسات تتمتع بمصداقية حقيقية أمام شعوب المسلمين.
و الى جانب تحرر شعوب المسلمين المتمثل في تحرير الأرض و الإنسان و الاقتصاد و السياسة، نجد أن شعوب المسلمين تسعى الى تحقيق إسلام بلا أيديولوجية، لأن الإسلام نفسه وجد ليكون دينا للمسلمين، لا دينا للسياسة، مقرا للتعدد العقائدي في إطار المجتمع الواحد " يا أهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله، و لا نشرك به شيئا " و داعيا الى تقرير المصير، و بدون وصاية من أية جهة "و أمرهم شورى بينهم".
فالإسلام بدون أيديولوجية هو الإسلام الحقيقي الذي يجب أن تسعى الى تحقيقه و المحافظة عليه، حتى يبقى بعيدا عن الاستغلال لأغراض سياسية صرفة من أجل الوصول الى التمكن من رقاب المسلمين و الاستبداد بهم من قبل طبقة اجتماعية معينة، و كأن الدين الإسلامي جاء ليخدم مصلحة تلك الطبقة، و التعامل مع الدين الإسلامي على أنه دين لتلك الطبقة الإقطاعية ، أو البورجوازية أو البورجوازية الصغرى، و المتوسطة. و هذا التعامل يتناقض مع قوله تعالى : " و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا ". فالإسلام بدون أيديولوجية يبقى أداة تربوية سليمة، و عقيدة صحيحة، و وسيلة لتطهير النفوس من الخبائث، و توجيه سلوك الناس الى القيام بالعمل الصالح. و تجنب ما يضر الناس في حياتهم الخاصة و العامة. أما إقامة الشعائر و الالتزام بها فهي نتيجة للتربية المستمدة من روح النصوص المعتمدة في الدين الإسلامي، و مدى تمكن الإيمان من قلوب المسلمين ذلك الإيمان الذي يميز بين المسلمين الحقيقيين، و بين مؤدلجي الدين الإسلامي كيفما كان لونهم، الذين يصدق عليهم قوله تعالى : " لا تقولوا آمنا، ولكن قولوا أسلمنا، و لما يدخل الإيمان في قلوبكم ".
3) و كامتداد لتحرير شعوب المسلمين من أسر أدلجة الدين الإسلامي، ينعتق الإسلام من عقدة أمريكا من جهة، و من عقدة التطرف من جهة أخرى.
فعقدة أمريكا تتجسد في عدم قدرة تفكير المسلمين على تفكيك هيمنة أمريكا، و فرض تبعية دول المسلمين من خلال آلية ديون المؤسسات المالية الدولية، و الشركات العابرة للقارات و الانخراط في منظمة التجارة العالمية، لتأتي بعد ذلك الاملاءات المفروضة على الدول التابعة التي تكون ضحيتها شعوب المسلمين المقهورة. و لذلك فالتخلص من عقدة إسلام أمريكا، يعني رفض التبعية المتمثلة في القبول بخدمة الدين الخارجي، و فرض الحدود الجمركية، و إنشاء شركات وطنية قادرة على مواجهة التحدي، و إيجاد تعليم وطني، و ديمقراطي، و نهج اختيارات شعبية و ديمقراطية تضع حدا للاملاءات المفروضة من قبل أمريكا في الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة و السياسة حتى يعيش المسلمون حياتهم مرفوعي الرؤوس، لا يخشون في الله لومة لائم. و بذلك تزول من نفوس المسلمين عقدة أمريكا المتمثلة في فرض إعداد شعوب المسلمين للقبول بسياسة أمريكا في بلدان المسلمين و الانفتاح على تقافثها، و تبني رأسماليتها الهمجية.
أما عقدة التطرف الطالباني، و شبه الطالباني فيكمن في الحرج الذي يصاب به المسلمون في ظل سيادة الأنظمة التابعة، أو حتى في ظل سيادة الطالبانيين، و للتخلص من هذه العقدة يكون على المسلمين العمل من أجل تعميم التعليم، و الحماية الصحية، و تشغيل العاطلين عن العمل، و محاربة الأمية في صفوف الكبار، و الحرص على تعميم المؤسسات الترفيهية الخاصة بالكبار، و الخاصة بالصغار كذلك ، و تشجيع منظمات المجتمع المدني و إيجاد ثقافة وطنية متحررة تضرب بجذورها في الثقافات التقليدية، و لكنها تنفتح في نفس الوقت على الثقافات الأخرى، تؤثر فيها و تتأثر بها في إطار العلاقات الجدلية القائمة بين جميع الثقافات. و بذلك نفسح المجال أمام انفتاح الإسلام على الجميع مستوعبا، و متسامحا، و متطورا لأجل أن يتجدد، و بتجدده يكون صالحا لكل زمان و مكان، بالقول و بالعمل. و الوصول الى قطع الطريق أمام كل أشكال التطرف، و على رأسها التطرف الطالباني الذي أريد له أن يتغلغل في صفوف المسلمين.
4) و هذا الانعتاق الذي دعونا الى ضرورة حصوله لا يتم إلا في إطار نهضة شعوب المسلمين نهضة شمولية للتخلص و بصفة نهائية ، من أدلجة الدين الإسلامي. و النهضة الشمولية بالنسبة إلينا تعني إقامة مجتمع الحداثة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
فالحداثة الاقتصادية لا تتم إلا في إطار اقتصاد وطني حر، و متميز بالخصوصية الوطنية، و خصوصية المسلمين على أن تعطى فيه الفرصة للشعوب من أجل اختيار نمط الإنتاج الذي يرونه مفيدا لهم دون إملاء من أي جهة مع مراعاة مسايرة ما وصل إليه العالم على مستوى الحداثة الثقافية و على مستوى التبادل التجاري، و على مستوى تقديم الخدمات… الخ.
و الحداثة الاجتماعية تقتضي تطور التعليم الذي يجب أن يستوعب ما يصل إليه العالم في المجالات العلمية المختلفة، دون إغفال البعد العقائدي، و البعد القومي، و البعد الوطني، و الحرص على حضور البعد الإنساني حتى تستطيع شعوب المسلمين التخلص من ثقل أدلجة الدين الإسلامي التي صارت تهيمن على الحياة العامة، و تكبل قدرات المسلمين، و تحول دون إطلاق الكفاءات، و القدرات المختلفة.
و الحداثة الثقافية تقتضي إتاحة الفرصة أمام مكونات ثقافة المسلمين من أجل إغناء الثقافات الوطنية، و الإنسانية، مع الانفتاح على ثقافات الشعوب الأخرى من الاستفادة مما هو إيجابي فيها حتى لا ينزوي المسلمون على أنفسهم، و نظرا لدور الثقافة في تحقيق وحدة شعوب المسلمين، فإن العمل على تطويرها، و اغنائها سيؤدي الى تعضيد هذه الوحدة.
و الحداثة المدنية بالنسبة إلينا، لا تعني إلا ملاءمة القوانين مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، و التعامل مع المواطنين على أنهم سواسية أمام القانون دون تحقيق المساواة بين الرجال و النساء : "لا فرق بين عربي و عجمي و لا بين أبيض و أسود إلا بالتقوى".
أما الحداثة السياسية فيمكن اختصارها في تمكين شعوب المسلمين من التمتع بحق تقرير المصير المتجسد في اختيار النظام السياسي الذي يريده كل شعب على حدة، و وضع دستور يقر سيادة الشعب، و إجراء انتخابات حرة و نزيهة، و تكوين حكومة مسؤولة أمام المؤسسة التشريعية، و تسهر على تطبيق القوانين المتلائمة مع المواثيق الدولية.
و بذلك تكون نهضة شعوب المسلمين ذات طابع شمولي، و من أجل تجاوز وضعية التخلف التي يعاني منها المسلمون على جميع المستويات. و النهضة في عمقها لا تعني إلا ممارسة الديمقراطية الحقة من الشعب و الى الشعب، و هو ما يرفع مكانة المسلمين بين شعوب العالم.
5) و هذه النهضة لا تتم إلا بامتلاك الوعي بها، هذا الوعي الذي لا يمكن أن يكون إلا تحرريا، كمنطلق لمواجهة أمريكا و مواجهة مؤدلجي الدين الإسلامي. فالوعي بخطورة الهيمنة الأمريكية على مصير شعوب المسلمين على جميع المستويات. و ما يمكن أن تؤدي إليه تلك الهيمنة على المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية على المستويين القريب و المتوسط لأنه بدون ذلك الوعي لا يمكن أن يتم رسم خطة دقيقة، و محكمة لمواجهة هذه الهيمنة بكل الوسائل الممكنة لدى شعوب المسلمين، و فضح ما تمارسه أمريكا و ربيبتها إسرائيل.
و الوعي بخطورة مؤدلجي الدين الإسلامي يقود الى التمييز بين الإسلام الحقيقي من جهة، و الإسلام المؤدلج من جهة أخرى. و هذا التمييز الذي لا يكون إلا معرفيا لا يتم إلا بادراك انعكاس الادلجة على حياة المسلمين الاقتصادية ، و الاجتماعية، و الثقافية، و المدنية، و السياسية، لأنه بسببها تتم عرقلة اعتماد المسلمين على تبني اقتصاد وطني متحرر، ، و بسببها يحرم المسلمون من تعميم التعليم و تأمين الحماية الصحية، و توفير السكن اللائق، و تشغيل العاطلين، و بالتالي فوجود الأمراض الاجتماعية بين المسلمين قدر من عند الله، و من سعي الى القضاء عليها ، هو علماني و كافر و ملحد وشيوعي يجب قتله حسب ما تدعيه أدلجة الدين الإسلامي، و ما يروج له مؤد لجوه المتنبئون الجدد الذين يحشرون المسلمين وراء أوهام تطرف الطالبانيين، و بسببها تتحول الثقافة الى مجرد تلقي الجاهز الذي يصوغه مؤد لجو الدين الإسلامي و نقله الى مستوى الممارسة، و بسببها يحرم المسلمون من ملاءمة القوانين و التشريعات المحلية مع المواثيق الدولية، و يعيشون في ظل استبداد "الدولة الإسلامية" التي يدعو الى إقامتها المتنبئون الجدد على غرار ما فعله الطالبانيون، و ما يسعون إليه مستقبلا.
و لذلك، فالوعي التحرري يبقى ضرورة آنية و مستقبلية لتجنب المزالق التي تقود الى الوقوع في التخلف المتمثل في سيطرة "إسلام أمريكا أو هيمنة سلطة إسلام الطالبانيين العامل على تجييش المسلمين لتحقيق أهداف أمريكا أو أهداف الطالبانيين ليبقى المسلمون متخلفين لا حول لهم ولا قوة 0
6) وكنتيجة لكل ذلك الوصول الى بناء مجتمع للمسلمين يتمتع فيه سائر البشر مسلمين وغير مسلمين بالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية بعد تطهيره من دنس التبعية والأدلجة.
فالحرية ممارسة يومية تكتسبها شعوب المسلمين من خلال النضال اليومي ضد مختلف الخروقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية بواسطة التنظيمات التي تنشا لهذا الغرض والوصول الى تحقيق الاختيارات الديموقراطية المحلية كما أن الممارسة الديموقراطية هي ممارسة يومية تستهدف تمكين المواطنين من التمتع بكل الحقوق ووضع دستور تكون فيه السيادة للشعب وإجراء انتخابات حرة ونزيهة لبناء مؤسسات دستورية تقريرية وتنفيذية والحرص على فصل السلط القضائية والتشريعية والتنفيذية عن بعضها من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية في أسمى تجلياتها المتمثلة في تمتيع الناس بكل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وجعل ملكية وسائل الإنتاج من حق المجتمع وحده ومحاربة تراكم راس المال في أيدي قلة متسلطة على أرزاق المواطنين ليعيش المسلمون في أمن وأمان ولتأمن شعوب المسلمين على مستقبل أبنائها
فالحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية ضرورة مرحلية وهدف استراتيجي لجعل المسلمين يحافظون على دينهم من سيطرة الأنظمة التابعة ومن أدلجة الطالبانيين الذين ادخلوا العالم في دوامة من الاقتتال أعطوا لأمريكا فرصة لم تكن تحلم بها لاحكام سيطرتها على بلاد المسلمين وتأبيد تلك السيطرة.

خاتمة :
و هكذا نخلص الى أن إسلام أمريكا هو نفسه إسلام الأنظمة التابعة، و خاصة أنظمة البترو دولار التي أفسدت الدين الإسلامي. و ما يليها من تنظيمات تؤدلج الدين الإسلامي لصالح تلك المنظمة و لمواجهة المد الاشتراكي العلمي في مراحل تاريخية معينة لتتحول الى تنظيمات تواجه الأنظمة التابعة، و قبلها و بعدها أمريكا، لنخلص الى استعراض مأزق إسلام أمريكا، و إسلام الطالبان اللذين يهدفان معا الى مصادرة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و لنوضح الفروق القائمة بينها على جميع المستويات، و التي أدت الى حدوث مصادمات بينهما على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي و قد أتينا على استعراض مظاهر إرهاب أمريكا، و مظاهر إرهاب الطالبانيين و علاقات الالتقاء و الاختلاف بينهما، و تساءلنا : هل تومن أمريكا فعلا بالإسلام ؟ و هل يمكن اعتبار ممارسة الطالبانيين من الإسلام ؟ و حاولنا أن نجيب على ذلك بما يفيد نفي الإسلام عن أمريكا، و عن الطالبانيين، و حاولنا أن نجيب على السؤال : ما هو الإسلام الذي نريد ؟ هذا الإسلام الذي يتحقق في أصالة الإسلام المتداخلة مع أصالة الشعوب، و في انعتاق الإسلام من عقدة أمريكا، و عقدة أدلجة الدين الإسلامي المتطرفة، و تخلص شعوب المسلمين من آثار التبعية لأمريكا، و من أدلجة الدين الإسلامي من اجل إنضاج شروط نهضة شعوب المسلمين و التخلص من أسر أدلجة الدين الإسلامي، سواء تعلق الأمر بأدلجة الأنظمة التابعة أو بأدلجة الطالبانيين، لترتفع شعوب المسلمين الى مستوى امتلاك الوعي الذي يحصنها من كل ما يتنافى مع حقيقة الإسلام، و يمدها بقوة مواجهة التحديات المختلفة، و أولها التحدي الأمريكي، و التحدي الطالباني، وصولا الى تحقيق مجتمع للمسلمين تتجسد فيه الحرية، و الديمقراطية، و العدالة الاجتماعية.
فهل يستطيع المسلمون فعلا مواجهة العقبات التي تحول دون تقدمهم، و تدحرجهم الى الوراء ؟ إن التبعية لأمريكا و الاستمرار في أدلجة الدين الإسلامي سيبقيان على أرض واقع المسلمين، و سيستمر المسلمون في المعاناة نتيجة التخلف الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي، و المدني، و السياسي كنتيجة أبدية للتبعية ، و الادلجة الأبدية للدين الإسلامي.
و إن الذي نعرفه أن التاريخ لا يعيد نفسه، و أن الشروط التاريخية تتغير باستمرار تبعا لتغير أحوال الناس، و أن الوسائل المختلفة تتطور باستمرار، و أن تطورها سينعكس على الاقتصاد و الاجتماع و الثقافة كما سينعكس على السياسة، و هو ما يعطينا الأمل في عملية التحول الى الامام، و الى الأحسن، و أن الهمجية ستبقى همجية سواء جاءت من أمريكا أو من الطالبانيين، و أن شعوب المسلمين سوف لن تبقى بعيدة على عن التحول الذي يعرفه العالم، و ما تعرفه هذه الشعوب الآن يمكن اعتباره بمثابة مخاض سيترتب عنه تحول في الاتجاه الصحيح لشعوب المسلمين التي ستعيد النظر في التعامل مع العقيدة الإسلامية. و أن تفصل الإسلام كعقيدة عن الإسلام كأيديولوجية.. و بذلك ينتقل المسلمون الى مستوى التطور الذي يقطع الطريق أمام استغلال الدين الإسلامي في الأمور السياسية و هو ما تجب مواجهته لأن الدين لله ، و من حق الجميع رفض تحريفه لأغراض سياسية تجسيدا لقوله تعالى : "إنا نحن نزلنا الذكر، و إنا له لحافظون". و الحفظ لا يتم إلا على أيدي المسلمين الحقيقيين حتى يصير الدين لله، و " من شاء فليومن، و من شاء فليكفر" و "لا إكراه في الدين" و ذلك هو الجهاد الحق. أما الكفاح و النضال و المقاومة فإن كل ذلك يستهدف تحرير الإنسان الذي يتعرض للاستعباد و تحرير الأرض التي تتعرض للاحتلال، وتقرير المصير الذي يتعرض للمصادرة. و ذلك ما يجب أن يهتم به المسلمون بعد تطهير الدين الإسلامي من الادلجة في أفق زوال الظلام، و انفتاح الآفاق أمام تطور المسلمين اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و سياسيا للارتقاء الى مصاف الأنظمة العادلة.

ابن جرير في : 2002/1/25





للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved