تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الطيب صالح فاتحة حكاية لم تكتب خواتمها بعد قصص سودانيين في الغرب بقلم: واشنطن: محمد علي صالح

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/27/2005 7:16 م

الطيب صالح فاتحة حكاية لم تكتب خواتمها بعد
قصص سودانيين في الغرب

واشنطن: محمد علي صالح
أصدر مؤخرا د. أحمد خير، كاتب واعلامي ومستشار اكاديمي سوداني في سفارة الامارات في واشنطن، رواية بعنوان «دوائر الخوف»، وتروي حكاية حب بين خالد، دبلوماسي في سفارة السودان في واشنطن، والاميركية سوزان. مقاطع طويلة من القصة عبارة عن مناقشات، حول الاختلافات الثقافية بين اميركا ودول العالم الثالث. هذه الرواية تذكّر بسلسة أدبية سودانية اغترابية يجمعها خيط واحد، ربما افتتحها الطيب صالح، لكنها لم تختتم بعد.تذكّر رواية أحمد خير في رغبتها مناقشة العلاقة المأزومة بين الشرق والغرب برواية «موسم الهجرة الى الشمال»، التي كتبها الاديب السوداني الطيب صالح، ومغامرات بطله مصطفى وسط البريطانيات. وهي تذكّر أيضاً برواية «ناس السكة»، التي كتبها الخضر هارون، سفير السودان في واشنطن، عن المأمون الذي ترك قريته الى المانيا، وواجه أغراء الالمانيات. وتشبه رواية أحمد الخير أيضاً، في الموضوع الذي تتطرق إليه، رواية أخرى هي «الجمل لا يقف خلف اشارة حمراء»، التي كتبها طارق الطيب، حين درس في النمسا، وسجل مغامرات سوداني وسط النمساويات. (كتب الطيب صالح مقدمة الكتاب، وشجع قصص التناقضات الثقافية). عكست كل هذه الروايات نقاطا عديدة، منها الآتي: إن الثقافة السودانية ذات جذور اسلامية وعربية وافريقية يصعب التفلت منها، وأبناء السودان حين يذهبون إلى الغرب يعانون مشاكل جمة في التأقلم مع الثقافة الغربية، وقد أسهبوا في الكتابة عن هذا المنحى بشكل يكاد يبدو لافتاَ
تأثير الإسلام
انعكس تأثير الإسلام على الثقافة السودانية في أول جملة في رواية «دوائر الخوف»، التي تحكي قصة الشيخ عبد الحافظ، صاحب الكرامات في القرية. كان الرجل يكثر من قول «بارك الله فيك»، ويبدأ الحديث بـ«الصلاة والسلام على اشرف المرسلين، ويؤم المصلين، ويلقي خطبة الجمعة، ويعلم اهل القرية امور دينهم، ويحذرهم من عذاب اليم يوم القيامة». وتكرر ذلك في قصة بطل الطيب صالح، مصطفى وهو صغير في القرية، حيث «جاءت امي تحمل الشاي، وفرغ ابي من صلاته، واوراده». وعندما عاد مصطفى من بريطانيا الى القرية، اصبح متدينا، وكان «يحضر صلاة الجمعة في المسجد بانتظام، ويسارع بذراعه وقدحه في الافراح والاتراح». وتكرر هذا الميل الديني عند


بطل الخضر هارون، حيث ان المأمون، ابن شيخ القرية، كان ينشد: «صلاة تفوق المسك عطرا مفعما. يطيب بها كل الوجود ويتلألأ». وكان يستيقظ كل صباح «على صوت المؤذن خلف الله، ينادي لصلاة الفجر بصوته الذي تهدج بفعل السنين، الا انه لم يزل في حلاوته». ونجد مشاعر مشابهة في قصة «طارق» الذي عاش في القرية، ايضا، حيث «سألني الشيخ عرفة ان اتلو شيئا من سورة الناس. لخبطت في آياتها. غضب ولعن».
تأثير العروبة
أما البعد العربي فهو لا يقل حضوراً وبروزاً في هذه الروايات، فقد كتب الدبلوماسي خالد خطابا عن الغربة والوطن الى صديق في السودان، استشهد فيها بقول عبد الرحمن الداخل، مؤسس دولة الاندلس: «قدر البين بيننا فافترقنا، وطوى البين عن جفوني غمضي». واستشهد البطل، خلال حديث عن نفاق المثقفين مع الحكام في الدول العربية، بما «حدث في واقعنا العربي، حيث قال الشاعر ابن هائئ مادحا الخليفة المعز لدين الله الفاطمي: ما شئت لا ما شاءت الاقدار... فاحكم فانت الواحد القهار». وفي بريطانيا، اشترك مصطفى في نقاش عن الشاعر ابي نواس، وقوله: «شربنا شرب قوم ظمئوا من عهد عاد»، وقوله: «اذا عبأ ابو الهيجاء للهيجاء فرسانا، وسارت راية الموت امام الشيخ اعلانا، وشبت حربها واشتعلت تلهب نيرانا، جعلنا القوس ايدينا ونبل القوس سوسانا». وفي المانيا، اشترك المأمون في نقاش عن قول الشاعر ابن الفارض: «يقولون لي صفها فأنت بوصفها خبير، اجل عندي بأوصافها علم». وكذلك دخل في نقاش حول قول الخنساء: «يذكرني طلوع الشمس صخرا، واذكره لكل غروب شمس. ولولا كثرة الباقين حولي.. على اخواني لقتلت نفسي». وكذلك ناقش بطل الخضر هارون قصيدة سودانية تقول: «لهيجك زي صباح العيد يبتق شوق، وجيهك زي قمر السبعتين يبهر فوق». وفي النمسا، ورث طارق كرم العرب، وقال: «دفعت حساب التاكسي، رغم اصرارها على الدفع. كنت أسرع منها في كرمي الاحمق الشهير»، وفي مناسبة اخرى روى: «اخذني الحماس والكرم، وقلت له: الحساب عندي فهم ضيوفي اليوم».
إفريقيا حاضرة
وظهر تأثير افريقيا على الثقافة السودانية في هذه القصص، عندما وصفت سوزان الاميركية صديقها خالد، لأمها بالاشارة الى لونه. وكتب خالد خطابا الى صديق في السودان عن اميركا، وتجارة الرقيق، والتفرقة العنصرية، ومظاهرات الحقوق المدنية. لكنه طمأن الصديق، وقال له ان «القوانين تغيرت، وادخلت تعديلات في الدستور مساوية، بين الجميع بغض النظر عن الجنس واللون والوطن الاصلي». وفي بريطانيا، قال «مصطفى» ان صديقته البريطانية ايزابيلا اعتقدت انه «مخلوق بدائي عار، يمسك بيده رمحا، وبالاخرى نشابا، يصيد الفيلة والاسود في الادغال»، وقالت له «هيئتك لا تدل على انك من أكلة لحوم البشر». أما أستاذ مصطفى في جامعة اكسفورد، فلم يداري مشاعره نحوه: «بعد كل المجهودات التي بذلناها في تثقيفك، كأنك تخرج من الغابة لأول مرة». وفي ألمانيا، قال المأمون ان صديقته الالمانية غريتشن نظرت اليه كأفريقي «فاحم اللون، شوته بالحرارة الشموس، فهو في لون الابنوس حقا»، ومرة غضبت منه الالمانية ماري، وشتمته قائلة: «ايها الوغد الاسود، يا ابن الزنجية».


أما طارق المقيم في النمسا، فإن النمساوية غابي ركزت على افريقته، وسألته كثيرا عن افريقيا، وغاباتها، وفقرها، ولم تخف دهشتها بسبب «ذكائي واجادتي اللغة في وقت قصير». ماذا يفعل السودانيون امام الثقافة الغربية، التي تركز على اللون، وترى افريقيا أحراشا؟ يسلك بعضهم السلوك الافريقي الذي تصوره الثقافة الغربية. مثل مصطفى الذي عاشر، خلال سنة واحدة فقط، خمس بريطانيات، وقال لهن «جئتكم غازيا»، واوهم كل واحدة بأنه سيتزوجها، وانتحل اسما مختلفا مع كل واحدة، وتسبب في انتحار اثنتين، وقتل ثالثة (زوجته). وافتخر قائلا: «اقرأ الشعر، واتحدث في الدين والفلسفة، وانقد الرسم، واقول كلاما عن روحانيات الشرق. افعل كل شيء حتى ادخل المرأة في فراشي. ثم اسير الى صيد آخر». وقالت له واحدة من عشيقاته: «اقتلني ايها الغول الافريقي. احرقني في نار معبدك ايها الاله الاسود. دعني اتلوى في طقوس صلواتك العربيدة المهيجة». لكن بقية القصص توضح ان اكثر السودانيين في الغرب، لا يسلكون هذا السلوك المتطرف. بل يحافظون على وقارهم، ربما بسبب تأثير الاسلام على ثقافتهم. في اميركا اكتفى خالد بأميركية واحدة هي سوزان. وعندما سألته: «هل ستتركني الى فتاة اخرى؟»، اجاب: «لن تكن هناك اخرى في حياتي. أنت حبي الوحيد والأخير». وفضل خالد السياسة على الجنس، وقضى ساعات مع سوزان يتحدثان عن مشكلة فلسطين (عشر صفحات)، وفساد الحكام العرب (خمس صفحات)، وغزو العراق (صفحتان)، والاختلافات الثقافية بين اميركا والسودان (عشر صفحات). ولم يتناقشا في الجنس او يمارساه كثيرا (صفحتان فقط). وفي معظم الحالات كانت سوزان هي التي تبادر، وتقول: «دعنا نقوم الى الفراش». وفي النمسا، كان طارق خجولا، ولم ينجح في الفوز بفتيات الا قليلا. وأحيانا كانت الفتاة هي التى تفوز به. وعندما قالت له واحدة: «ما رأيك في فنجان قهوة في بيتي؟»، ارتبك، ولم يصدق، وقال: «وقفت صامتا مذهولا، امسكت بيدي، فسرت معها كطفل ضال يبحث عن اهله». وفي المانيا، رفض المأمون كل اغراءات الالمانيات. ومرة اشتهى خالد واحدة «كما يشتهي الرجال النساء، لكنه سرعان ما اطرق الى الارض، وتمتم مستغفرا الله، وودعها وانصرف»، ومرة طمأن نفسه قائلا: «عظيم ان يعيش رجل بكامل رجولته. اخلاق الملائكة في بلد لا يوجد فيه سوى الشيطان».
نهاية كل واحد
أوضحت نهايات هذه القصص ان كثيرا من السودانيين لا يقدرون على اختراق الثقافة الغربية اختراقا كاملا، ويفضلون العودة الى بلدهم. حيث ترك خالد اميركا، بعد ان واجه، في جانب، ضغوط الاميركية لتتزوجه، وواجه، في الجانب الآخر، ضغوط اخته ليتزوج سودانية (أخت رجل كان يريد ان يتزوج اخته). ورغم ان خالد قتل في حادث انفجار، يبدو انه ما كان سيتزوج الاميركية بعد ان انتقدته اخته، وقالت له أن «بلاد الخواجات حولتك الى خواجه». وترك مصطفى بريطانيا، بعد مغامراته وجرائمه وسجنه في لندن، وعاد الى قريته، وتزوج قروية، وحاول نسيان البريطانيات، لكن تعقيدات الحياة تراكمت عليه، واختفى في نهر النيل. وعاد المأمون الى قريته، وتزوج قروية، ايضا، بعد ان صمد امام اغراءات الالمانيات، ولم يمارس الجنس مع اي المانية، رغم انه اصبح رجل اعمال يتنقل بين السودان والمانيا. واخيرا، مع مطلع القرن الحادي والعشرين، وبعد ان اصبح العالم نفسه قرية، ربما ستظهر قصص سودانية لجيل جديد، يهاجر الى الدول الغربية، ويتأقلم على ثقافتها، ويتزوج بناتها (اذا اراد)، ويحافظ على اسس ثقافته، فخورا بدين الاسلام وتراث العرب ولون افريقيا. وربما سيكون عنوان واحدة من هذه القصص «انضم اليهم»، اشارة الى المثل الاميركي الذي يقول «اذا لم تقدر على هزيمتهم، انضم اليهم».
نقله عن الشرق الاوسط العد 9829 الاربعاء 26 اكتوبر 2005 – فيصل الزبير – الدوحة


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved