تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

ساحات الفداء الجديد في (رحيل شعب ) وقصة اللاجئين الارتريين في شرق السودان بقلم سارة عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
10/2/2005 5:12 ص

عندما تاسيس مليشيات الدفاع الشعبي في عام 1990 تسأءلنا عن الهدف المراد من تكوينها ونحن نعلم بأن القوات المسلحة المسلحة لم تشتكي يوما من نقص في الرجال والعتاد ، فالسودان من أكثر الدول الافريقية التي تصرف علي الجيش حيث وصل مخصص ميزانية التسلح الي مليار دولار في العام ، ولم نشعر وقتها بأن أمننا غير مستتب وبأن بلادنا غير مستقرة ، وبلادنا الان تواجه خطر التقسيم بسبب عودة روح الجهويات والعنصرية الي جسد السياسة السودانية ، و ظاهرة توافد المندوبيين الامميين للسودان اصبحت شيئا عاما ولا يمس سيادة الدولة ، وقد جر ذيل الانقاذ المتسخ الكثير من الغبار حتي غشيت أعيننا عن استبانة الحقيقة ، وفي السابق لم نألف زيا عسكريا في اقاليمنا القاصية والدانية سوي زي قواتنا المسلحة ، كانت البلاد موحدة وأزمة حرب الجنوب في طريقها الي الحل عن طريق المفاوضات وعقد المؤتمر الدستوري ، والفريق جون قرنق والذي أستقبلته الملايين في الساحة الخضراء كان من الممكن التعرف عليه قبل خمسة عشر عاما ، قبل ان يموت عبيد ختم وحاج نور ومحمد احمد عمر ومحمود شريف ،و قبل ان يموت الطلاب وأساتذة الجامعات وقادة العمل النقابي في ساحات المعارك ، وسوء حظ اهل السودان العاثر رماهم في أحضان تنظيم الجبهة الاسلامية ، فكانت النتيجة هي ما آلت اليه أحوالنا الان ، ولا احد ينكر حقيقة المستقبل المجهول الذي ينتظر الشعب السوداني ، حرب في الجنوب أوشكت أن تنتهي وهي الان في طريقها الي الاشتعال للمرة الثانية ، وهناك حرب أهلية عرقية قادمه ولا أحد يجزم بطبيعتها .. هل هي مثل الصومال .. أم مثل ليبريا .. أم مثل العراق .. ولكنها خليط من كل ذلك الرماد .
وبحسابات الربح والخسارة سوف نفقد الجنوب من أجل المحافظة علي الشمال ، وغرب السودان حاله ليس بأفضل من الجنوب ، ففي ظرف عامين حصدت الانقاذ مائة وثمانون ألفا من القتلي ودمرت خمسمائة قرية وشردت أكثر من ثلاثة مليون من ديارهم ، وشر ما وجدته دارفور من عطايا الانقاذ هو تفكك النسيج الاجتماعي وتحول هذا المجتمع الذي عرف بالتسامح الي مجتمع بدائي جاهلي تسود فيه فضيلة القبيلة والغزو علي فضيلة الدولة والقانون .
وحتي لا يأخذنا تشعب الحديث وشجونه بعيدا فقد سألنا محمد طه محمد أحمد ما هو الغرض من تكوين مليشيات الدفاع الشعبي ؟؟ وفي آخر ندوة عقدت بالقرب من بيت الزجاج في شارع النشاط بجامعة الخرطوم ، أجاب الرجل بكل برود وثقة : أننا نريد غزو الحبشة !! ، طبعا هذا الحلم لم يتحقق لأن عهد التوسع والاطماع قد أنتهي بعد الحرب العالمية الثانية ، فحتي أمريكا مع ما تملكه من قوة وعتادت غرقت في الوحل العراقي ، وغاصت اسرائيل وجيشها الاسطوري في قطاع غزة ، وأحلام الغزو والانتشار وحيازة الدنيا لم تكن في مخيلة محمد طه وحده ، فمفكر استراتيجي مثل حسن مكي كان يعتقد بأن السودان سوف يلعب دور القطب الروسي في القارة السمراء ويحول دويلاتها الي مستعمرات تدين بالولاء والطاعة للتاج الاسلامي والعربي في الخرطوم ، وهذه المشاريع المميتة لن تتحقق عن طريق الضحك والقاء القفشات في الفضائيات ، فهي تحتاج الي الموارد والتخطيط البعيد المدي ، وفكرة الغزو وثقافة القبيلة لا زالت تعشعش في أذهان أهل الانقاذ الي الان ، حتي بعد رؤيتهم للجنوب وهو في طريقه الي الانفصال من لحمة الوطن الام ، فلا زال أهل الانقاذ يحلمون بتغيير خارطة الدول وتصدير الثورات ، فقبل شهرين من الان هدد الدكتور مصطفي عثمان اسماعيل بغزو ارتريا مستخدما جيشا يصل تعداده الي عشرة الاف نازح ارتري ، وأظنني كتبت حول هذا الخصوص في وقته ، وبعد تكوين حكومة الوحدة الوطنية تفآءل الكثيرون بأن الأحوال السودان سوف تتجه الي الاحسن ، وأن الصورة القاتمة لعلاقات السودان الخارجية وبالذات مع أرتريا سوف تكون أكثر وضوحا ، وبعد تولي الحركة الشعبية لحقيبة وزارة الخارجية كانت الامال معقودة بأن يترك حزب المؤتمر الوطني مساحة كافية للدكتور لام أكول تمكنه من ترميم العلاقات مع ارتريا ، فالحركة الشعبية لها علاقات مميزة مع قادة هذا البلد المجاور ، وعمل وزارة الخارجية يتطلب أن تتناغم الموجة الداخلية للأعلام المرئ والمسموع مع موجهات السياسة الخارجية ، ولم يبدر في خاطري أن تعود لغة اسحاق أحمد فضل الله الي واجهة الاعلام من جديد ، هذه اللغة البغيضة التي لا تعرف التسامح ، ولقد شاهدت البرنامج الذي اعدته الفضائية السودانية قبل يومين حول عودة اللاجئين الارتريين الي السودان ، وقد بذلت الفضائية السودانية مجهودا كبيرا وهي تراقب بعدستها الشريط الحدودي الفاصل بين البلدين لتلتقط صورا لبعض الشباب تتوسطهم فتاة منقبة يزعمون بأنهم فروا من الجحيم الارتيري لينهلوا من النعيم السوداني ، ولم تبدو علي هولاء الشباب أي سمة تشير بانهم لاجئين فعليين ، فثيابهم كانت نظيفة وهندامهم حسنا ويلبسون زيا وأحذية غربية لا تتوفر حتي في معارض السوق الافرنجي بالخرطوم ، وفي اثناء حديثهم للكاميرا تستشف بأنه طلب منهم تمثيل دور اللاجئين وهم يتحدثون عن سوء الاحوال في ارتريا ، واسباب لجوئهم الي السودان تتفاوت بين طلب الدراسة والبحث عن لقمة العيش والفرار من الخدمة العسكرية ، والمضحك والمبكي أن هجرة السودانيين في السنوات الاخيرة كانت ايضا لا تخرج من هذه الاسباب ، والدول التي استضافت السودانيين في أرضها عاملتهم كطالبي عمل وليس كلاجئين سياسيين تنصب لهم الخيام وتوقد لهم القدور لاطعامهم علي مدار الساعة .
وفي برنامج ( رحيل شعب ) والذي خصصته الفضائية السودانية لظاهرة اللاجئين الارتريين في شرق السودان تم تناول احصائية تقول بأن عدد هولاء اللاجئين يصل الي ستة الاف ، وطلبت السلطات من المجتمع الدولي التدخل من أجل حل ازمتهم ومدهم بالطعام والغذاء والدواء ومنحهم وثائق اللجوء التي تمكنهم من التنقل والهجرة الي الخارج ، وكل الارتريين الذين دخلوا السودان من ناحية كسلا هم من الباحثين عن سبل الهجرة والعمل ولا أعتقد أن لهم نشاطا سياسيا جعل السلطات في اسمرا تضيق عليهم الخناق ، وذلك بالاضافة الي المغريات التي توفرها ولاية كسلا من أجل جذب هولاء الشباب حتي يكونوا وقودا لتلك التطلعات الي ذكرها الدكتور مصطفي عثمان عندما هدد بغزو ارتريا مستخدما سلاح اللاجئين في عنفوان المواجهة ، وحكومة المؤتمر الوطني بعد تقزيمها للحركة الشعبية اصبحت تلعب منفردة علي المسرح السوداني ، وهي التي تضع الاوليات وتقرر شئون الحرب والسلام ، فالنازحين الجنوبيين في سوبا وجنوب أمدرمان هم في اشد الحاجة الي الدعم والمساندة من اجل اعادتهم الي ديارهم ، وهناك معسكرات للاجئين السودانيين في شرق تشاد ويوغندا وكينيا ويصل عددهم هناك الي الملايين ولكن الفضائية السودانية لن تراهم بعدستها المثقوبة ، فحكومة المؤتمر الوطني تتعالي عن القضايا المحلية وتنصرف كلية لدعم القضايا الخارجية مثل الصومال والبوسنة والشيشان ، وكل ذلك تم علي حساب اهلنا الغبش ، ان الانقاذ لا تري في اهل السودان شيئا حسنا سوي الاستفادة من ثرواتهم وتحويلها لارضاء نزق مشروعها الحضاري ، وكنا نراهن علي دور الحركة الشعبية الجديد بانها سوف تجذب أجهزة الدولة الي قضايا المواطن السوداني ولكنها آثرت الصمت والرضا بالواقع .. فاذا كان الكلام من فضة ..فان السكوت من ذهب.
سارة عيسي

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved