تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

المؤتمر الوطني حزب وطبقة بقلم مجدي الجزولي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/11/2005 1:25 م



[email protected]

تابع قراء جريدة الصحافة والرأي العام عموماً "الشكنيبة المدوّرة" بين كارتيل الإتصالات (سوداتل، موبيتل، أريبا) وبين الجريدة ممثلة في رئيس تحريرها الأستاذ عادل الباز بخصوص وقف الكارتيل لإعلاناته في "الصحافة" على خلفية سلسلة من المقالات والتحقيقات والحوارات التي كشفت جانباً من استبداد الكارتيل وفساده. ولقد تولى الدفاع عن موقف جريدة الصحافة رئيس التحرير بنفسه مؤكداً أن جريدته لا يمكن شراؤها بالإعلان ودافعاً بحجة متماسكة، لكنه لم يصل إلى نهاياتها، قائلاً: "إذا فسدت الشركات أفسدت السياسيين كما تفعل الآن، وإذا فسد السياسيون جروا الوطن لفساد عظيم سينتهي بنا جميعاً لوطن خراب ولن يدفعوا هم الثمن، هم سيأخذون أبناؤهم ويلتحقون بأموالهم في بنك دبي الإسلامي أو البنك السويسري أو بنك لندن، بينما سنأخذ نحن بقجنا على رؤوسنا ونسيح في الأرض هاربين لاجئين.." (الصحافة، 16 اكتوبر 2005). في نفس العدد ورد خبر يقول أن شركة سوداتل أتمت بيع 528 ألف من أسهم الدولة فيها لشركة الرواد للوساطة المالية، التي يترأس مجلس إدارتها السيد عبد الرحيم حمدي عراب الاقتصاد الإسلامي، وقد ذكرت الصحافة نقلاً عن مصادر خاصة لم تسمها أن سعر البيع بلغ 22 دولار أمريكي للسهم الواحد بينما شهد التداول في سوق الخرطوم للأوراق المالية شراء أسهم سوداتل بسعر 34 دولار أمريكي لبعض شركات الوساطة الأخرى، مع الإشارة إلى أن قيمة الصفقة بلغت حوالي 12 مليون دولار.

من ناحية أخرى تابعت جريدة الأيام إحتجاج أهل الولاية الشمالية على القرار الجمهوري رقم 206 المؤرخ 13 سبتمبر 2005 والذي أوكل بضربة لازب أمر التصرف في كل الأراضي الممتدة من الحامداب حتى القولد وكرمة إلى إدارة سد مروي باستثناء الأراضي الملك والأراضي المستغلة زراعةً أو سكناً، دون اكتراث بالملكية العامة لهذه الأراضي أو بمقتضيات التحول الديمقراطي ونصوص نيفاشا الخاصة بمفوضيات الأراضي ومسؤولياتها (الأيام، 17 اكتوبر 2005، عمود الأستاذ محجوب محمد صالح).

الشاهد في القضيتين وكذلك في شأن قانون مشروع الجزيرة الجديد ومسألة تصفية البنوك المملوكة للدولة أن المؤتمر الوطني قد صدق وعده بالاستيلاء التدريجي والمحكم على المال العام السوداني ومصادر الثروة في البلاد لصالح نخبة أوليغاركية تشكل حلقة داخلية ومركزية من الرأسمالية ذات نفوذ متعاظم لا يتمايز فيه السياسي عن الاقتصادي، وهي لا تستمد قوتها فقط من الداخل السوداني بل تتشابك مصالحها ومصادر تمويلها مع رأس المال الخليجي والآسيوي. علاقة المؤتمر الوطني بهذه الطبقة ليست علاقة انتهازية قصيرة بل هي علاقة عضوية وبنيوية، يسعى من خلالها المؤتمر الوطني لإدامة سلطته السياسية بشوكة اقتصادية غليظة عبر مراكمة رأس المال المنتج ومصادر الثروة "نهب وقلع" وبسلطة الدولة. في نفس السياق يكاد الحزب الحاكم "يتشلهت" للحصول على مصادر أوسع للتمويل، وما المؤتمر الذي عُقد أخيراً في الخرطوم بخصوص الإرهاب إلا حلقة من حلقات هذا المسلسل، حيث يبذل الإسلاميون الغالي والنفيس لاسترضاء القطب الأمريكي آملين في دفق رأسمالي يروي عطشهم الاستثماري، هذا بجانب نحو 700 مليون دولار تدفعها الحكومة السودانية سنوياً من دخل البترول لسداد ديون البلاد من أصول وأرباح بوفاء بالغ أكسبها ثقة البنك الدولي ورضاه؛ تبلغ ديون السودان الخارجية 26 مليار دولار تقريباً، أصل الدين منها 47%، كانت سنة الانتفاضة (1985) في حدود 8 مليار دولار وبلغت عند إنقلاب الجبهة الإسلامية في العام (1989) 12 مليار دولار.

تجدر في هذا الصدد الإشارة للورقة التي قدمها وزير المالية السابق ومهندس "الليبرالية الجديدة" على الطراز الإسلامي أمام مؤتمر القطاع الاقتصادي للحزب الحاكم بعنوان "مستقبل الاستثمار في الفترة الانتقالية"، وهي لا تمثل في الحقيقة خروجاً على نص الممارسة التي خبرناها جميعاً منذ استيلاء الجبهة الإسلامية على السلطة. ظني أن الرجل قد أدهش الرأي العام بوضوحه المفرط، لكن قوله لا يعدو أن يكون تقريراً لأمر واقع. الدرس المستفاد أن المؤتمر الوطني قد أوضح بجلاء مبادئ اقتصاده السياسي وعرف الكتلة الاجتماعية التي يسعى لنيل تمثيلها والأدوات التي يستغلها في هذا السبيل؛ فهو بدون مراء الجسم السياسي العضوي للرأسمالية الطفيلية وطريقه المراد إلى أفئدة السودانيين خليط عجيب من النفعية المالية والانتهازية العنصرية والدينية وفي ذلك لا "يختشي" ولا يأبه بمصائر بلاد لم تزل تصارع للفكاك من أسر القبلية والطائفية والشوفينية العنصرية بل يستغل بالضبط هذه النوازع بمنطق "فرق تسد" لضمان تمام التمكين الاقتصادي والسياسي لطبقة حاكمة على حساب الكافة والمجموع.
بما أن الحال كما هو فإن الأحزاب السياسية مطالبة بالإجابة على نفس الأسئلة التي أجاب عليها السيد عبد الرحيم حمدي في ورقته القصيرة، إذ أنه دون وضوح رؤية مماثل لا يمكن مقارعة السلطان السياسي والاقتصادي للمؤتمر الوطني.

لا يجوز إذن أن تلتبس الأهداف على الحركة الجماهيرية وكما قال الأستاذ سليمان حامد القيادي بالحزب الشيوعي السوداني في أكثر من ندوة لا بد أن يكون البرنامج الذي تطرحه الحركة الجماهيرية مضاداً ومصادماً لبرنامج الجبهة الاسلامية (المؤتمر الوطني) وقع الحافر بالحافر. وهو قول سديد لا شك، لكن لا بد من توضيح مضامين هذا الشعار وصياغة برنامج تفصيلي يتضمن تحليلاً منهجياً وطبقياً لأوضاع بلادنا بعد 16 عام من حكم الرأسمالية الإسلامية، ويقدم بديلاً موضوعياً لعقيدة الليبرالية الجديدة في دثارها العنصري والديني. في هذا الخصوص يأمل كثيرون وأنا من ضمنهم أن يكون المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني فرصة مواتية ومنبراً مناسباً لطرح هذه القضايا بصورة كلية ما دام المؤتمر القومي الجامع قد أصبح حلماً مستحيلاً. وفقاً لهذا التصور يجب على الشيوعيين السودانيين أن يجعلوا من المؤتمر الخامس باباً على هموم الشارع الماثلة، يشاركونه قضاياه وأهدافه ويساعدون في تقديم الرؤية السياسية والاقتصادية التي تحقق هذه الأهداف.

تصر الصفوة المتشائمة أنه لا يرجى من الجماهير رجاء بعد سنين التدجين والقهر والاستبداد لكن شواهد عديدة تنافي هكذا نخبوية فشعبنا كطائر السمندل يخرج من بين الرماد في قول بليغ للأستاذ محمد إبراهيم نقد. مثال ذلك ما حققه المعاشيون الوطنيون من نصر بين في انتخابات إتحاد المعاشيين بمدينتي أتبرا والدامر في شهر مارس الماضي وبروز تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل كقوة مناوئة لإتحاد المزارعين الحكومي على خط يكاد يماثل الفاصل الطبقي بين كبار الملاك وصغار المزارعين، كذلك اكتساح قوى المعارضة الوطنية في حركة الطلبة لإنتخابات معظم إتحادات الطلاب على مستوى الجامعات، بالإضافة إلى لجان المحالين للصالح العام؛ في الفترة من يونيو 1989 حتى 1990 تم فصل حوالي 130 ألف مواطنة ومواطن من العمل بصورة تعسفية، وهي عملية متواصلة حيث فقد تقريباً 3 آلاف من العاملات والعاملين وظائفهم في الفترة الممتدة من يناير 2005 وحتى اليوم (الميدان، سبتمبر 2005)، هذا بجانب الحشود التي تنادت لسماع السياسيين الخارجين لتوهم من السرية أو قهر الصمت في ندوات الحزب الشيوعي العديدة في الخرطوم وأتبرا، وبالطبع مستقبلي المرحوم د. جون قرنق عصر الجمعة 8 يوليو. هذه هي قوى المجتمع المدني الحية وليس "ربوب" المنظمات الراقية التي لا ينتهي مؤتمر لها في جنيف إلا ابتدأ آخر في باريس أو أوسلو، كتجار الشنطة رزقهم على أبواب المطارات، والمنتظر أن تنتظم قطاعات مجتمعنا مرة أخرى في نقاباتها وإتحاداتها وروابطها إذ ليس من سبيل سوى التنظيم والعمل الجماهيري الصبور، وللسودانيين في هذا الجانب تراث يُلهِم ويُستلهَم فما نقابات العمال والمزارعين والمهنيين العتيدة بتاريخ مات واندثر.

الحقيقة أن الجماهير كعادتها تتقدم القوى السياسية بخطوات، والواجب التقاط هذه الخيوط ونسجها نسجاً متيناً وفق نظر عقلاني وواعي بدلاً من إجترار الشكوى من قسمة المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الضيزى فهي أمر واقع تصونه وتحميه قوة سلام دولية قوامها يفوق العشرة آلاف جندي وجهاز سياسي وإداري أممي عاصمته قاردن سيتي. إذن على القوى السياسية ادراك وتعقل "حكم الوقت" (في لفظ استعيره من الشهيد محمود محمد طه خارج إطاره) فما من طريق سهل يفضي إلى الديمقراطية !! ضمان فعالية المعارضة في الفترة المقبلة أن تعرّف الكتلة الاجتماعية التي تتوجه إليها، وهي كما هو بادي من التفصيل أعلاه ودون تردد إزاء الاصطلاح الطبقة العاملة السودانية في تصور متجدد يشمل جميع العاملين بأجر، ودون "فلقصة" نظرية تجتر نقاشات الستينات كتلة صغار المزارعين والمنتجين. بداهةً، التعريف ذو أهمية خاصة تحت شروط التفكك القبلي والجهوي إذ به يستعيد السودانيون وسيلة تقدمية وحديثة طالما أعانتهم على تجاوز رجعية العرق والدين والطائفة بنضالات شاقة ابتدروها بثورة 1924 واتصلت عبر تاريخ الحركة النقابية والنسوية ومجمل تيار اليسار الجذري. هذه الكتلة هي صاحبة المصلحة الأولى في تغيير ديمقراطي ذو محتوى اجتماعي واقتصادي، إذ هي الخاسر الأول من سياسات الليبرالية الجديدة، وهي من دفع و يدفع كلفة الصراعات المسلحة والمواتاة السياسية، وهي حاملة لواء الثورة في اكتوبر وابريل فليس لديها ما تخشى خسارته عدا السلاسل والقيود.

إزاء هذه الشروط التاريخية يجب على القوى الجذرية مراجعة صيغ التحالفات الفضفاضة مع الأحزاب الطائفية وقد أثلج صدري ما ذكره الأستاذ محمد إبراهيم نقد أن الحزب الشيوعي عاكف على تقييم تجربة التجمع الوطني الديمقراطي وأن شروطاً جديدة يجب أن تحكم أي تحالف مستقبلي منها برنامج عمل واضح بدلاً عن "المواثيق" العامة وهيكل تنظيمي بسيط لا يتجاوز وظائف التنسيق والسكرتارية في محل الهيئات والمكاتب القيادية. دواعي ذلك ليست فقط سياسية مباشرة لكنها تتصل أيضاً بالتغييرات الاجتماعية على الأرض، فالأحزاب الطائفية لم تعد هاروت الساحة السياسية السودانية وماروتها كما كانت، ونسبة مقدرة من الكتل الجماهيرية المساندة لها انتقلت من موقع الاعتقاد في الطائفة وشيخها إلى مواقع مطلبية حول قضايا محددة ووفق رؤية لا يجمعها جامع مع الاقتصاد السياسي للأحزاب الطائفية ومقتضيات طبيعتها الطبقية. والدليل ما قدمته قوى تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل مثلاً من تصورات بديلة لقانون مشروع الجزيرة الجديد، والتي عكست بصورة من الصور مصالح غمار المزارعين في حفظ الملكية العامة وفي نفس الوقت التحرر من استغلال بيروقراطية الدولة. من ثم ليس من طريق إلى الخلف ولا بد من تسمية الأشياء بأسمائها فالحق أبلج والباطل لجلج.

مختصر الحديث أنه إذا كان من ديمقراطية ترتجى فهي التي تتقوم بنضالات الحركة الجماهيرية وتحقق مطالب الجموع الشعبية؛ وهذه تتعارض بداهة مع مصالح الرأسمالية الطفيلية والكارتيلات وكذلك مع المواتاة الداجنة للأحزاب التقليدية. بين هذه وتلك تبرز القوى الشعبية مرة اخرى وتتراص صفوفها هوناً وتدريجاً، وإذا كان من دور ينتظر اليسار الجذري فهو دعم هذه القوى ومؤازرتها بالفكر والممارسة، ومن كان في نفسه بعد شئ من وجل أو تردد فليتأمل بشئ من الصبر الجميل سيرة اكتوبر الظافرة !!


اكتوبر 2005



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved