تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

ملف الشرق والإنجاز الأممي الكبير. بقلم د/ أوشيك آدم علي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
27/11/2005 11:21 م

د/ أوشيك آدم علي [email protected]

مرت القضية البجاوية بمراحل كثيرة صعودا وهبوطا ولكن ما يجري الأن في اريتريا من عقد ورشة عمل لتأهيل الكوادر البجاوية المتفاوضة ما هو إلأّ تتويج لهذا النضال الذي امتد لأكثر من نصف قرن من الزمان. ورشة العمل المعنية في اريتريا نفذت بالقضية عبر الحجب والسدود والمتاريس المصطنعة وأخرجتها من نفق المحلية الضيقة إلي رحاب الأممية والعالمية كما انتزعتها من قاع سحيق أريد أن تكبل فيه إلي آفاق أوسع من الاعتراف الدولي. من المفارقات المؤلمة أن الحكومات السودانية وعلي وجه الخصوص الحكومة الحالية حاولت , بكل ما أوتيت , أن تتحاشي تعاطي ملف الشرق اعتقادا منها أن هذا ينتقص من الوحدة الوطنية , ولكن ما تخشاه أكثرهوأنه يقضي علي النهب المسلح لخيرات المنطقة بعيدا عن المواطن البجاوي البائس , ناهيك عن المواطن السوداني الذي لا يقل بؤسا وحرمانا. وظنت الحكومات السابقة والحالية , وبعض الظن إثم , أن التغافل عن المشكلة يلغيها بالتقادم ولم تدر أن هذا يجعلها أكثر تعقيدا وحدة , إضافة أن هذه السياسة ألحقت ضررا بليغا بالمواطن البجاوي وجعلته نهبا لسياسات جائرة ظالمة ومورست ضده ممارسات اقتصادية وسياسية مدمرة لا تصب في مصلحة الوطن.

ومنذ انعقاد مؤتمرهم في بورتسودان أكتوبر علم 1958 ظل البجا يستجدون حكام الخرطوم ويتوسلونهم بأن يولوا بعض الإهتمام لمشاكلهم وقضاياهم ,وصرخة شاعرهم المدوية الدكتور محمد عثمان جرتلي في ذلك المؤتمر لازالت تجلجل في الآفاق:

قولوا لإخوان لكم لم يشعروا بعذاكم إناّ هنـــا في موقــــد

ضاقت بنا الدنيا وقل نصيرنا ونسير حتما للفناء الأســود

إن تنيلونا الحــــقوق وتلــفتوا أنظاركم نحو الشقاء الزائـــد

ويخففوا عنا العناء وتخلقـــوا من أرضنا نهلا تقي المورد

نخشي عليكم من جياع شردوا ونخاف ثورة عاطل مستعبد

إن الفضيلة لا تقيل مطمعــــا أو ترجي من جــائع متشرد

فهبوا لنا من بعض ما عمرتموا نحميكم يوم النضال المرعد

ونكون حصنكم المنيع علي العدي ونصير في أيديكم كمهنــد

إن تتركــونا للردي سنزود عن أرواحنا في يومنا أو في الغد

فشـريعــة الدنـــيا نضـــال دائم والنصر للحرالكريم المــــاجد

إخواننا هذا عتاب صـــارخ من مهجة الشرق الكلوم المقعد

هذا عتــاب أخ لإخوان لــــه الفرق بينهم كأطــراف اليــــد

ولكن هذه الصرخة ذهبت أدراج الرياح سدي وكأنها في واد بلقع رغم أن الجبال والوديان ترددها إلي يومنا هذا ولكنها لم ولن تُسمع من به صمم . عندما عميت العيون وصمت الآذان وتفاقمت المشكلة اضطر البجا لحمل السلاح ليس حبا في الحرب والقتال , وهم أخبر الناس به وبتبعاته وتضحياته وهم الذين حصدتهم المعارك بالألوف في تأماي وتوفريك وهندوب وكرري وعطبرة ولكنهم يخوضونها الآن حربا فرضت عليهم لرد الحقوق إلي نصابها لذلك لم يهنو ولم يتزعزو ولسان حالهم يقول مرحبا بالموت إن كان فيه عزة وحياة لأبنائهم من بعدهم , حيث اقتنعوا أن الموت في ساحات الوغي أشرف وأكرم من موت بطئ يحصدهم علي أسرتهم وفرشهم وقد أقعدهم المرض والجوع والجهل.

إنعقاد ورشة أسمرا والإعتراف العالمي بالقضية البجاوية كان بمثابة صدمة قاسية للحكومة التي رفضت علي لسان مسؤوليها حتي النطق بكلمة " البجا " مكابرة وتعاليا . ما زاد من وقع الصدمة أن أعضاء الورشة انطلقوا من مطارات الخرطوم وكسلا وبورتسودان جهارا نهارا ولم يستجدوا الخروج ولم يتسللوا عبر الحدود في زُلف من الليل. والسودان بحكوماته المتعاقبة يحصد ما زرعه الآن من تجاهل وتجاوز مقصود لمشاكل الأقاليم حتي ُدولت وبدأت تتفاقم وأصبحت تنذر بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر.

رفعُ أسهم القضية البجاوية داخليا وخارجيا يرجع الفضل فيه , بعد الله , لكل أبناء البجا شيبا وشبابا , رجالا ونساءا الذي ما فتئوا يقدمون الغالي والنفيس من أجل نصرة قضيتهم والرفض الكامل للواقع المزري الذي فرض عليهم . وسبق الشرف في هذا النضال لا بد أن يعود لأوليك الأبطال الأشاوس القابضين علي الزناد والذين تركوا مباهج الدنيا وملذاتها واحتموا بجبال الشرق وشعابها وقفارها وافترشوا الأرض والتحفوا السماء مستقبلين الموت في كل طرفة عين ومن كل حدب وصوب. والحق يقال لولا تضحياتهم ومثابراتهم لما قامت للقضية قائمة ولما ارتفعت إلي هذه الذرر السامية. ولعل أكثرما أعطي القضية البجاوية إعلاما وتعاطفا داخليا وخارجيا هو التصرف الحكومي الأحمق الذي أسقط بين متظاهري بورتسودان في يناير الماضي العشرات بين قتيل وجريح ومعتقل في ملحمة بطولية لم يشهدها السودان في تاريخه الحديث. هؤلاء المتظاهرون أشهدوا العالم أجمع بأنهم لا يريدون في هذا الوجود إلاّ موت كريم أو حياة كريمة لهم ولمن سيخلفهم من بعدهم مرددين قول أبي فراس الحمداني:

نحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر

رغم هذه التضحيات الجسيمة فالحكومة لازالت تماطل في كشف ملابسات قتل شهدائهم , إن كان هنالك أصلا تحقيق.

ما تحقق من إعتراف دولي لقضية الشرق ما هو إلاّ خطوة أولي في الطريق الطويل المحفوف بالمخاطر والمكائد " والمطبات " التي يعد لها علي نار هادئة . رغم ذلك يجب أن لا تأخذ مفاوضي الشرق نشوة النصر بل عليهم أن يعوا أن المعركة الحقيقية لم تبدأ بعد . إن كان النضال حلقات متتالية متداخلة فإن أصعبها هو نضال السلام واستراجاع الحقوق وإرساء قواعد الأمن والعدالة والتنمية لإقليم مزقته كل عاديات الزمان وتكالب عليه الأعداء من كل لون وجنس. علي إخوتنا أن يدركوا بأنهم ليسوا الوحيدين الذين يحملون هموم الشرق في حدقات عيونهم وبين شغاف قلوبهم , وإن كانوا هم السابقون. عليهم أن يستنصروا بكل راغب مخلص ونبيل مهما بعد رحما أو فكرا , وإياكم والإنفراد بالرأي والقرار بمبررات قبلية أو أيدولوجية . وليعلم الجميع بأن لنا في هذا الإقليم إخوة وأخوات كرام ليسوا من البجا ولكنهم قاسمونا السراء والضراء والأفراح والأتراح وقنعوا بالعيش بيننا وارتضوا بالإقليم مسكنا ومعاشا , فهم لا يقلون عنا حماسا وإخلاصا لقضيتنا المشتركة فعلينا الإستفادة من هؤلاء وغيرهم من المتعاطفين معنا حتن يكونوا لنا سندا وعونا. فالمرحلة مرحة لم الشمل وشذ الهمم وإن الرأي السديد لا يأتي إلاّ بالمشاركة والمناصحة والإجماع العام حتي تتوج نهايات النضال بإنجازات تستحق كل هذه التضحيات الجسام عبر العقود والقرون. وليضع الجميع نصب أعينهم أن جماهيرنا المتعطشة لإنجازات منصفة وحقيقية ونهايات مشرقة سوف لن تقبل بقسمة ظيزي تكون لعنة وحسرة لأولنا وآخرنا إلي يوم الدين.

ونعود مرة أخري لتك الورشة التي تعقد في أسمرا رغم أنف الحاقدين والشامتين وصراخهم وعويلهم حتي من بعض من كنا نحسبهم منا وليسوا علينا . كانت دعوي بعضهم أن مؤتمر البجا لا يمثل البجا, وأنا أتساءل إن كان المؤتر لا يمثلهم فمن يمثلهم إذن ؟ ومن غيرهم ضحي بما ضحوا به حتي لا نبخس الناس أشياءهم ؟ ولا أدري كيف يسّوون بين نضال البيانات والتصريحات والنضال بالأنفس والمهج ؟ ونفر أخر منهم يقول أن عقد ورشة بجاوية بهذه المشاركة العالمية إنما هو مساس لسيادة السودان وتعد علي حرمة الوطن. وللأسف هذه الأصوات كان يمكنها أن تكون أكثر توقعا وقبولا إن صدرت من غير البجا , ولكنها تصدر من أناس نعرفهم ولا نجهل ضلوعهم والتزامهم المكبل لبرامج حزبية هي مكون أساسي لمشكلة الشرق , وليس محور السيد حمدي عبدالرحيم العنصري ببعيد عن الأذهان. رغم هذا فنحن لا يسعنا إلاّ أن نقول لهم ولغيرهم أنهم بالأحري كان عليهم أن يستهجنوا عندما دولت مشكلة الجنوب و من بعدها دارفور. أم يرون أنه حلال علي غير البجا حرام عليهم ؟ ألم يروا أن السودان كله أصبح رهنا لجهات أجنبية ولم يبق له إلاّ أن " يُدلّل " بالمزاد العالمي في بورصة نيويورك أو لندن . لقد تهاوي الوضع في هذا المستنقغ بخطي متسارعة حتي أصبحنا تحت وصاية أممية وإمريكية لم يسبق لها مثيل وسودان اليوم مسلوب الإرادة ليس بأفضل من العراق وافغانستان. أم لم يروا كيف أن السيد يان بروك أصبح يتمدد في فضاء السودان وأصبح آمرا ناهيا كأنه الحاكم العام أو المندوب السامي وأصبح لا يُجزم أمر إلاّ بحضوره ومباركته. ومواقف زوليك الأمريكي ليست أقل مساسا بحرمة السودان وثوابته واستقلاله. ما أوردته صحيفة " الوطن " ربما يلقي بعض الضوء إلي ماآلت إليه الأمور في السودان . فالصحيفة في عددها الصادر يوم السبت 19/11/2005 نبهّت عن إحتلال بعثة الأمم المتحدة والإتحاد الإفريقي بطائراتهم وآلياتهم ثلث مطارالخرطوم الدولي وأن طائراتهم هذه تجيئ وتذهب بركاب لا يعلم أحد عددهم ولا جنسياتهم ولا حتي من أين ولماذا جاءوا؟ يجري كل هذا أمام سمع وبصر سلطات الطيران المدني وجمارك الخرطوم وهم يقفون عاجزين حائرين لايقوون تحريك ساكن خوفا من التعدي علي ما أعطي لهذه الجهات من إمتيازات وحصانة , بقرارات دولية , لا يستطيعون المساس بها.

ولابأس من الإضافة وتذكير من لم تسعفه الذاكرة بموقف آخر لا يقل تعديا لحرمة الوطن وسلامته وهو تلك الوثيقة التي عرضها صحفي قناة " الجزيرة " المقتدر يسري فوده في برنامجه " سري للغاية " والتي عرض فيها الدكتور الترابي , أيام سطوته ونفوذه , خدماته لوكالة الإستخبارات المركزية الأمركية ( CIA ) وأبدي فيها تعاونا غير محدود وموافقته لتسليم رفقائه في الجهاد والعقيدة للسلطات الأمريكية , رغم استجارتهم به . رغم هذه الأنحناءة المذلة في الحق الشخصي والقومي إلاّ أن عرض الدكتور طُرح جانبا , لحسابات خاصة بالوكالة , وهو ما تعض عليه الأنامل الآن حسرة وندما.

يحدث كل هذا علي مستوي الأفراد والوطن ثم نسمع من يتباكي علي ورشة عمل لكوادر بجاوية عقدت بأسمرا تمت مشاركتهم بعلم من السلطات السودانية وتسهيلاتها . لذلك يكون من الغرابة بمكان الحديث عن كرامة أهدرت أو عن سيادة إنتهكت في هذا المجال اللهم إلاّ إذا كان الحديث يدورعن مفردات ومصطلحات نجهل نحن بمعانيها ومراميها وكما يقولون " الفهم قِسَم ".



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved