تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

د. جون قرنق مات بطلاً والنضال مستمر . بقلـم: بقلم/ إستيفن بار كوول

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
26/11/2005 4:49 ص

بقلم/ إستيفن بار كوول

"إن لم يكتشف الرجل ما يموت من أجله فهوغير كفيل أن يحيا"
(مارتن لوثر كينج)

"فليكن الموت أو التحرير" شعارٌ رددته أفواجُ الجيش الشعبى لتحرير السودان (Sudan People’s Liberation Army Battalions)، خاصة أفواجُ قمر الليل (Moonlight Battalions) "النمر وتمساح" فى أغانيها الحماسية طيلة فترة النضال الذى قاده الشهيد البطل المقيم الدكتور جون قرنق دي مبيور. كانت هذه من اشهر أناشيد الجيش الشعبى الممزوجة بلغة النوير واللغة العربية وتعنى، فيما تعنى، أن النضال سيستمر الى آخر قطرة من الدم من أجل تحرير كل شبر من الجنوب (chang duoth ni neirew –لغة النوير)، مما يعنى أيضاً ان الموت سيأتى مسرعاً للبعض الآخر. فبلغة الإحصاء، أتى الموت بخطى اسرع مما يُتوقع فأخذ أعداداً كبيرة من الضحايا خلال عقدين من الزمان. كما أخذ هذا المارد، أى الحرب التعيسة، ما لا يمكن حصره من الجنود والمدنيين، وفاجأ اخيراً، قائد المسيرة د. قرنق بغتة فى نفسه وروحه الطيبتين.

فى تحدي لبعض قادة الحركة الذين تلكأوا فى تنفيذ اوامر التحرك من معسكر اللاجئين فى إتانق (Itang) فى يوليو 1987م، ذكَرالقائد وليام نيون (William Nyuon) هؤلاء القادة قائلاً: حتى الجبناء منا فى هذا الجيش لا يمكنه الإفلات والهروب من الموت لكيما يروا يوم التحرير. كما قال: إن يوم التحرير وثماره ليس للمحرر الذي قدم حياته ثمناً غالياً من أجل تحرير شعبه. قال وليام هذه الكلمات وكأنما هو على سابق معرفة أو على دراية أنه لن يبقى على قيد الحياة من مؤسسى الحركة الشعبية لتحرير السودان الأوئل أمثال كاربينو كوانين (Kerbino Kuanyin)، أروك ثون اروك (Arok Thon Arok) والدكتور جون قرنق دى مبيور، سوى سلفا كيير ميارديت (Salva Kiir Mayardit).

مهما يكن من امرٍ، فقد اظهرت حرم الفقيد ورفيقة دربه القائدة ريبيكا نيادينق دي مبيور، شجاعة فائقة غير مقرونة فى ساعة هول اعلان وفاة زوجها، أعلنت ما لم يتنبأ به أحد القادة السابقين وهو أن غياب د. قرنق الجسدى عن القيادة سيكون حتماً نهاية حركة التحرير والجيش الشعبى. وسواء أكان على جنود الصف أو الضباط أمثال حمد ملوال (Hamat Malual,)، على مايان (Ali Mayan) وآخرين الذين سقطوا بجانب الدكتور جون قرنق، يجب على جميع من تبقى على قيد الحياة مواصلة النضال إيفاءاً بوعد المُضى قُدماً فيما أرساه الشهيد الفريق أول والنائب الأول لرئيس الجمهورية د. جون قرنق. فى الوقت الراهن، لا يتعدى قُدامى مُحاربى الحركة الشعبية من فوج جاموس (Buffalo)، النمر (Tiger)، التمساح (Crocodile) و 104/105 إلا جزءاً يسيراً فى صفوف الجيش الشعبى. فمعظمهم، إما معوق بدنياً أو قُتل فى ميدان المعركة مما يعنى أن الحركة قد أصابتها الشيخوخة مع مرور الزمن ولكن روح الإستمرار فى النضال دائمةً ومتجددة. عسكرياً، أثبت التاريخ أن الموت أو قُل هدير المقاتلات الحربية على رؤس الابطال الشجعان، لم يزحزحهم عن مواقعهم أو مواقفهم. من جيكو (Jiokow) إلى نيمولى (Numeli)، ومن الكرمك (Kurmok) إلى جبال النوبة (Nuba Mountains) هزم جيش الشعب قصف طيران القواات المسلحة السودانية. لسنين طويلة إستخدمت القوات الجوية السودانية طائرات الأنتينوف السوفيتية الصنع للقضاء على قوات الجيش الشعبى فى المناطق المحررة دون تحقيق نصر مؤزر عليه وهذا هى حد ذاته يعتبر نصرٌ للجيش الشعبى.
على الرغم من التداعيات التى نجمت عن إنشقاقات 1991، إستطاعت الحركة إستعادة قوتها وأعادت كثيراً من ما فقدته فى ارض المعركة نتيجة لهذا الإحتراب الداخلى. إن النزاع المسلح فى الجنوب، كأحد الصراعات المسلحة، تعمدت القوات المسلحة السودانية إنتهاكات حقوق الإنسان بكل صوره. كان قصف المدنيين العزل لقتلهم أو نشر الهلع والفزع وسطهم بل تعدى ذلك إلى قصف الطائرات التابعة للمنظمات الإنسانية لكيما تمنع وصول المعونات الإنسانية إلى المواطنين مما أثار حفيظة هذه المنظمات للتساؤل فى إستغراب وفى شيئٍ من الغضب والإستياء: لماذا لا يساعد المجتمع الدولى الحركة الشعبية للحصول على أسلحة مضادة للطائرات للدفاع عن النفس والمواطنين فى المناطق تحت سيطرتها؟

إذن، لم يُسجل فى التاريخ أن أهل الجنوب لم يعرفوا ولم ينعموا بسلام دائم منذ 1955م مما أثر عليهم نفسياً لخوض الحرب لأكثر من أربعة عقود متقطعة. فنفسياً، لم يكن مواصلة الحرب من جانبهم بدافع أو بحجة الشجاعة بقدر ما هى نتاج طبيعى غريزى تلقائى للإفلات من هذه القبضة والخروج من هذه الدائرة للعودة الى السير فى الإتجاه الصحيح كما ينص عليه قانون الطبيعة الأول لحماية النفس (Self-Preservation Law). أطلق الراحل المقيم أبداً، الدكتور جون قرنق على هذه النزعة وما قد يترتب عليها ﺒ "ثمن الحرية" (Price tag for freedom)، وهذا خيار أفضل من ان يموت الإنسان على رجليه من أن يحيا على ركبتيه.

ذكر عالم النفس الروسى أيفان بافلوف (Ivan Pavlov) فى نظريته أن غالبية الإنعكسات الاساسية للحيوانات، بما فيهم الإنسان، هى تلك التى تشمل السعى إلى الحرية وإستعادة المسار فى الإتجاه الصحيح (Freedom and reorientation). ولتوضيح هذه النظرية قال: إذا أخذت بناصية أى حيوان فإن أول رد فعل لذلك الحيوان هو الإجتهاد للتخلص من القبضة والإنفكاك منها ثم محاولة إلمام نفسه وتوجيهها إلى الإتجاه الصحيح. لذلك لا بد ان يعلم الجميع أن الحرب الطويلة التى خاضها ويخوضها الجنوب كانت وما زالت لسبب حقيقى هو: الحرية وإعادة توجيه نفسه للقلبة الصحيحة. ومن أجل هذا السبب أصرالجيش الشعبى، على الرغم من قلة إمكاناته مقارنة بالقوات المسلحة السودانية (Sudan Armed Forces)، فى البقاء كقوة مخيفة (Formidable force) للحكومة السودانية إلى اليوم. فى هذا المنعطف لا بد من إستذكار مواقف الدكتور جون قرنق الثابتة فى القيادة الرشيدة التى قدم لها حياته فى وجه كل الصعاب والمشاكل الداخلية والخارجية.

نظَّر أحد المرموقين الأكاديميين والمختصين فى مجال القيادة أن لُب القيادة تعتمد كلياً على إجادة المقامرة أى المغامرة والعمل بكفاءة فى وجه ما يأتى به الغيب لخلق المستقبل المنشود بواسطة القائد والأتباع أو الراعى والرعية، وهذا ما يُعنى به أنَّ القادة العُظماء هم أعظم المغامرين (Great leaders are great gamblers). فهم كذلك يرفعون سقف المقامرة بأكثر وأحسن من غيرهم مما يجعل الآخرين يستسلمون للقائد لكى يخلق مستقبلاً مشرقاً ومشتركاً لهم جميعاً ينعمون به دون جحود. عليه، لكيما تكون قائداً لا بد من المغامرة وعلى نطاق أوسع وهذا ما تميَّز به الدكتور جون قرنق عن سلف القادة الجنوبيين والمحدثين منهم بل على كل قادة السودان قديمهم، حاضرهم ومن سيأتى من بعدهم إلى يوم الدين.

على كلٍ، عاب قادة الجنوب أنهم أحصروا رؤاهم فى جنوب السودان وبالتالى قللوا من فرصة النظر إلى مشكلة التهميش التاريخية فى الشمال الدانى والقاصى ونتيجة لذلك لم يكن لسياساتهم تلك الأثر الفاعل لتضخيم سلبيات سياسة التهميش على نطاق أوسع. على النقيض، نادى د. جون قرنق بثورة سودانية أى قل سودانوية قوامها العدالة، كما نادى بثورة إفريقية داخل السودان، لا إقصاءً لأحد ولكن للإعتراف بالإنتماء إلى أفريقيا. سيكتب المؤرخون الحقيقيون أن د. جون قرنق هو أول قائد جنوبى إن لم يكن أول سودانى، يفرض نفسه كقائد سياسى وطنى مخالفاً كل الإنفصاليين فى الجنوب والشمال وكذلك وقف بصلابة ضد مركب الإستعلاء (Superiority complex) فى الشمال. خلال عمل الدكتور قرنق كموحد للأمة السودانية برؤيته الثاقبة للأمور مع المهمشين الإفريقيين وبعض التقدميين الشماليين، حصد عدداً كبيراً من الأعداء فى الجنوب والشمال ولكنه إجتاز المخاطر والمؤامرات التى كانت تُحاك ضده داخل الحركة وخارجها. ومع الإصرار على مبادئه العليا المتمثلة فى رؤيته للسودان الجديد (New Sudan Vision) أثبت لخصومه السياسيين والمُريدين المستميتن فى تاييده، جنوباً وشمالاً، أن هذه الرؤى لا تتعارض مع قِيم مناداة شعب الجنوب بحق تقرير المصير والتصويت للإنفصال والطلاق بلا رجعة إن أدام الشمال نقض المواثيق التى أخرجت إتفاق السلام الشامل كما فعلوا فى الماضى.

على الرغم من التأثير الشديد والنهوض الفكرى الذى حُظينا بهما من الأباء المؤسسين للنضالنا التحررى وكذلك من القادة السياسيين العصريين فى وطننا إلا أن الدكتور جون قرنق يحتل مكاناً عالياً كأكفأ قائد حرب عصابات وكسياسي ثورى فى كل الأزمان. كما كان دبلوماسيا ذكياً حصيفاً وبارعاً فى توضيح قضيته عارية من الغموض للعالم الخارجى. لم تقتصر قضية د. قرنق على الجنوب وإنما كان همه السودان كله وخاصة الأفارقة المهمشين فى السودان. أوضح الدكتور بجلاء أنه يجب على الطغمة الحاكمة فى المركز أن تتحرر من الغلو العقائدى، العنصرية الشيفمونية والتطرف الطائفى (Racial chauvinism and fanatic sectarianism). كما هو واضح وجلى من النجاحات العسكرية والسياسية، فقد إستطاع الدكتور جون بكفاءة فائقة إعمال مؤهلاته الأكاديمية ومقدراته العسكرية فى تنظيم شعبه فى محورين أساسين متكاملين: الحركة الشعبية لتحرير السودان كجناح سياسى والجيش الشعبى لتحرير السودان كجناح عسكرى. عسكرياً وإدارياً إستطاع د. قرنق أن يحول نضال حرب العصابات التى تأسست بواسطة الأنيانيا الأولى والثانية إلى حرب تقليدية حديثة تعمل للإستيلاء ثُمّ المحافظة على حاميات حكومية وجعلها مؤسسات إدارية عُرفت شعبياً ورسمياً المناطق المحررة (Liberated areas ) أو السودان الجديد (New Sudan). وعلى الرغم من كثرة الأعباء وثقل المهام فقد إستطاع الدكتور جون قرنق أن يخدم الحركة كقائد أعلى للجيش وكرئيس للجناح السياسى. أدى الراحل المقيم هاتين الوظيفتين بإقتدار ومتى ما وأينما طُلب منه ذلك.

سياسياً، كان موقف د. جون قرنق واضحاً من إتفاقية أديس أبابا عندما كان ضابطاً فى الانيانيا، فهو لم يدعمها بل عارضها جهاراً ووصفها ﺒ سلام صفقات الوجبة (Peace Meal Deals) لفقدانها، من بين أشياء أخرى، جيشاً قوياً لحمايتها. ولهذا السبب كان إصرار د. قرنق على أنه لن يقبل بأى ترتيبات سلام لا تضمن جيشاً منفصلاً فى الجنوب ليحماية ذاك السلام، حُكم ذاتى للجنوب وإجراء استفتاء برعاية دولية لأهل الجنوب لتقرير مستقبلهم السياسى دون إملاء او تخويف من أى كائن من كان. كما إستطاع برؤيته الفاحصة ان يضمن للمجموعات الأفريقية المهمشة التى حاربت بجانب الحركة الشعبية الحُكم الذاتى فى أقاليمهم (جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق).

طيلة نضال د. قرنق كانت رؤيته واضحة المعالم والأهداف: السودان الجديد (New Sudan) أى سوداناً ينبنى على أُسس سيايسية جديدة، فيه تكون المواطنة أساساً فى الحقوق والواجبات، المساواة والعدالة بين المواطنين، ضمان الحريات العامة بما فيها حرية التدين دون إكراه على دين، إلخ.. ثم الوحدة الطوعية لشعوب السودان. ولتحيق هذه الأهداف أخذت الحركة الشعبية بقيادته المسارات الثلاثة التالية: الكفاح المسلح (Armed struggle)، الخيار الدبلوماسى أو الضغط الدولى (Diplomatic or international pressure) على الخرطوم للجنوح للسلم والحل السياسى السلمى عبر التفاوض (Negotiated political settlement). كان د. قرنق مُحقاً فى خياره الثانى حيث أجبرت الدبلوماسية والضغط العالمى حكومة الخرطوم على قبول الجلوس فى طاولة المفاوضات والتى تمخض عنها إتفاقية السلام الشامل (Comprehensive Peace Agreement). إلى هذا الحد لم يرحل د. قرنق عنا كرجلٍ حُرٍ أو بطلاً أو فداءاً للسلام فحسب وإنما كأول جنوبى فى تاريخ السودان يتبوأ منصب النائب الأول لرئيس جمهورية السودان. وعلى هذا كذلك، وبدون خلاف على الحقائق أو التاريخ فقد تعدت أسطورة د. قرنق كل السلف من قادة الجنوب. ترك د. قرنق فى حياته وبعد إستشهاده طريقاً مُنيراً للسير فيه وعليه، بل أحدث تغييراُ جذرياً فى خارطة الحياة السياسية السودانية إلى الأبد. الحق يُقال أنه ليس هناك بديل للدكتور قرنق، أو بالأحرى ليس هناك من يملأ الفراغ الذى تركه وكما أن السودان لم ولن ينجب مثله لكيما يدافع ويطور ويضيف إلى ما قام عليه وسقط من اجله د. قرنق.

على المستوى القومى وبلا مُراء، فإن رحيل د. قرنق ومن قبله إستشهاد القائد يوسف كوه مكى (Yusuf Kuwa Makki) ترك رحيلهم الى الرفيق الاعلى أهل الجنوب والهامش السودانى أيتاماً سياسيين، ليس لهم راعى سياسى، لسنوات عديدة مقبلة. فكالحياة نفسها، فان فناء الإنسان لغزٌ مسلَمٌ به، إلا انه كنهاية مادية للحياة (Physical demise) قاسيٌ قبوله نفسياً. لهذا وذاك قلما نجد رجالاً أقوياء مثل د. قرنق يختارون سبباً أخلاقياًً (Moral cause) يموتون من أجله. قال الدكتور مارتن لوثر كينج (Dr. Martin Luther king Jr.): إن الرجال ذوى العزائم القوية للحياة لا يبقون طويلاً للخدمة (Men of strong will to live do not long for longevity in servitude). إذن، ان اختيار د. قرنق للموت لم يكن حينما سقطت طائرته على الحدود السودانية – اليوغندية فى الثلاثين من يوليو 2005م وإنما كان قبل ذلك كما تبيَن الرسالة الشخصية التى كتبها هو لأعزَ أصدقائه ورفيق دربه السيد دومنيك أكيج (Dominic Akech) الذى يُقيم حالياً فى ولاية تكساس بالولايات المتحدة. كُتبت الرسالة، كما يبدو، فى الساعة الثانية من صبيحة الخامس من فبراير 1972م بيوغندا. كان فحوى الرسالة كالآتى: "سأعود إلى الداخل – جنوب السودان – للقتال بعد إكمال التدريب العسكرى مع الأنيانيا... الحرب هى الحرب، فإذا أنتهت صلاحيتى لخدمة الشعب الأفريقى والثورة ، نتيجة لاية عارض أو بفعل أى شئ، ، فعليك مواصلة النضال وإعداد الأجيال القادمة للثورة".

حقاً، هذه هى مسؤلية الاجيال فى ان تواصل النضال، وان سؤال الساعة الذى يجب ان تطرحه هو: هل نحن جاهزون لحمل هذه المسؤلية كما تطلع الزعيم د. قرنق؟ حسبما اعتقد كما يشاركنى هذا الإعتقاد جمع غفير من المعزين فى مجتمعنا فى مدينة أوماها (Omaha) بولاية نبراسكا، أن الجيل الأول والثانى من نضالنا التحررى قد خدموا بل قدموا أكثر مما وجب عليهم. وكما هو معلوم او جدير بالعلم، إن د. قرنق وعدد كبير من الجنوبيين من جيله الذين يحتلون قمة القيادة السياسية والعسكرية لنضالنا يبلغون من العمر ما بين اﻟ 50 واﻟ 60 سنة. هذا الرعيل خاض حربين وتقدموا بهذا النضال الى ابدع وارقى المستويات، بفضل ما أرساه د. قرنق، ولا يمكن الرجوع عن هذه المستويات على الرغم من أن موته قد دق ناقوس الخطر والإنذار للمخاطر التى تحدق بثورتنا بل الثورة السودانية.

فوق كل هذا، لقد ترك لنا د. قرنق إتفاقية السلام كمسودة قانونية ملزمة وكآلية للنضال السياسى، ترك أيضا الجيش الشعبى كقوة نظامية مسلحة ومنضبطة لحماية المكتسبات التى تحصلنا عليها بمقتضى الإتفاقية وكما يمكن إستعمالها إذا إقتضت الضرورة. عليه، فان مسار الاحداث فى الجنوب يعتمد على جاهزية هذا الجيل سياسياً ونفسياً للمضى إلى الأمام من النقطة التى رحل عنَا د. قرنق فيها فى الثلاثين من يوليو 2005م.

كما هو واضح عملياً على ضرورة إستمرار النضال، أن عدداً لا يستهان به من القادة السياسيين والعسكريين البارزين من الجنوب أمثال أكوت أتيم (Aquot Atem)، جوزيف أودهو (Joseph Oduoh)، فيليب بيداك (Philip Pidak)، على قواتلا (Ali Guatala)، قاليرو (Galero Modi) وآخرين إستشهدوا من اجل الحرية. فى إعتقادنا الشخصى أن موت هؤلاء الشيوخ فى ميدان القتال قبل إستقلال السودان، يجسد قمة التضحيات ويضعهم فى مصاف الرعيل الأول، كما تعتبر تضحياتهم رسالة فى غاية الوضوح على اهمية إستمرارية النضال. دوننا رسالة من حرفين (SC)، ولكنها بالغة التعبير وباعثة للمشاعر، كتبها المناضل القائد مارتن مانيل أيويل (Martin Manyiel Ayuel) على فراش الموت بمستشفى نيروبى وهو يحتضر وحده طوال الليل فى نوفمبر 1991م. وبما أن إيمان القائد بقضيته معلوم وغير مشكوك فيه، فقد دفع هذا الإيمان زملاءه الى تفسير الحرب الأول“Letter S" ﺒ "Struggle" اى نضال، أما الحرف الثانى (Letter C) ﺒ " Continue" اى واصل. ففى سكرات الموت هذه كتب أيويل: واصلوا النضال. نعم، تواصل النضال لمدة ثلاثة عشر عاماً بعد فراقه للحياة ولكن ما زال طريق الحرية محفوف بالمخاطر. ملايين من القتلى، ومن خيرة أبناء الجنوب، وقعوا على جانبي الطريق وبجانبهم أيضاً القائد الأعلى د. قرنق وبهم جميعاً وعليهم سيبنى جنوب السودان كل شئ للمستقبل. يجب أن تُنحت أسماءهم على جدران وطنهم الذى دفعوا له الغالى والنفيس. ويجب علينا ألاَ نغذى آمالهم وطموحاتهم فقط وإنما ينبغى أن نسمو بها الى أعلى العليين ترفُعاً وتسامياً عن صراع السُلطة، الأطماع المادية والشيمفونية القبلية (Tribal chauvinism).

قال أحد المناضلين الاريتريين: يمكنك قتل مناضل الحرية ولكن لا يعنى هذا انك هزمته ما لم تهزم أهدافه او أهدافها. عليه وكما ذكر قائدنا سلفا كيير مايارديت يوم دفن جثمان القائد المقيم بيننا، د. قرنق، بمثواه الأخير بمدينة جوبا بجنوب السودان. قال القائد كيير: إن الطريق الوحيدة لإعمال العدالة للدكتور جون قرنق دى مبيور وللنضال التحررى المستمر هى السير على نهجه والخضوع للمبادئ السياسية الأساسية التى أفصح فى توضيحها وإثباتها لنضمن عدم إنهزام أهدافه التى مات من أجلها.

تحياتنا القلبية الحارة موصولة لأبطالنا الشجعان ولشهداء نضالنا التحررى. ألا رحمهم الله وأحسن مثواهم فى سلام خالد.

إستيفن بار كوول

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved