تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

من قريب ..... حديث الأمس (3 -3) بقلم فتح الرحمن محمد زين – ولاية سنار

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
19/11/2005 9:43 ص

من قريب ....
حديث الأمس (3 -3)

(1) إحتدم الصراع هذه المرة في ميدان آخر من ميادين الابتلاء أكثر حساسية وخصوصية, هو ما كان يعرف بمؤسسة التنظيم, وكيف يكون حاله ما بعد مرحلة الدولة والتمكين, فبرز من جديد ذلك الجدل القديم, فحينئذ دعا فريق للفصل التام مؤسسياً بين ما هو دعوى وما هو سياسي, وفريق آخر رأي أن التوحيد مرتكز أساسي في فقه الإسلام ولا حجة من دين أو منطق لذلك الفصل والتفريق بل أن الأمر شاملاً متصلاً يهتم بهم الدين والدنيا وأن "شمولية" الفهم يجب أن تكون مرتكزاً أساسياً من بين ما تقوم عليه الحركة من مرتكزات. تفاعلت مكونات المؤسسة المختلفة حججاً وتقديرات كل مدفوع بكسبه, ثقافة, معرفة, تجربة حياة أو فقهاً للأشياء. بعضهم جمد, تمترس من وراء القرون سلفياً مقلداً لا يري أبداً أن في الإمكان أبدع مما كان وأن الكسب (رزق) متفاوت متفاضل, علم وتجربة تبادلها تلقاءً الأجيال. وأن صلاح الحاضر يمكن أن يبني على كسب الحاضر مستصحباً ما يواكب من تجارب الآخرين تراثاً مجارياً لما يحدثه الزمان من تبدلات وتحولا. وبعض آخر من أهل التجديد والابتكار من بعض المتحررين (الليبراليين) ممن يري القدسية البتة لفكرة أو لافتة اسم, أو هيكل تنظيم لمؤسسة. بل كل ذلك محض كسب بشري لأجيال, يعتريه النقص أو يعيبه النسيان تراثاً يؤخذ منه ويرد وأن القدسية تبقي فقط لذلك "الجوهر" الكامل الكلي الخالد الذي يقوم عليه أساساً أصل البناء, رحابة تتسع أبداً لعلم الناس بشئون دنياهم و لا تضيق بنوازل الابتلاء. ومن بعد أخذ ورد استطال انتهي ذلك الحديث الجدال إلي شوى قرار لم يكن حلاً تاماً لتنظيم كما أشيع من بعد, ولكني أستطيع أن أقول "مدعياً" ومدللاً على ذلك أن الأمر لم يعدو أن يكون محض "إختزال" فرضته ظروف تلك الفترة وابتلاءاتها. وأجد أن في ذلك الإجراء شيئاً من منطق وواقعية, إذ أن ما كان موروثاً من هيكل ومؤسسات صممت لتناسب فترة الديمقراطية الثالثة لم تعد بالضرورة تناسب الواقع الجديد في مرحلة التمكين التي تستدعي حتماً تكييفاً وإعادة ترتيب على أكثر من مستوى وصعيد.
(2) قدر أن تنتقل الكثير من وظائف التنظيم إن لم يكن كلها لتندمج في أجهزة الدولة الوليدة توظيفاً للقدرة الأعظم ومنعاً للازدواج, فدفع ببعض الكادر إلي مواقع صنع القرار إثراءً للتجربة وتحقيقاً لإستراتيجية "التمكين" قيماً ومعاني تتجاوز الوجوه والأشكال. أما دليلي على الاختزال فإن قيادات تنظيمية عليا قليلة "مشهورة" ظلت تتمتع بكامل شرعيتها التنظيمية والتاريخية وظلت تمسك تمام الإمساك بأخطر الملفات ومفاتيح الشفرة للخاص من الأعمال والتدابير, مما يؤكد بقوة أن الأمر لم يكن "حلاً" كلياً يفضي لفراغ, ولكنه إنتقالاً لضرورة, تكييفاً واختزالاً. ولا أشك أبداً أن كل ذلك الإجراء قد كان اجتهاداً صادقاً, تقديراً ظرفياً أملته طبيعة المرحلة تحولاً وإعادة بناء. استعداداً لدورة جديدة من دورات الانفتاح الجماهيري الواسع الذي درجت عليه الحركة منذ منتصف الستينيات باستمرار. وفي هذه المرة وبدفع وجذب من سلطان سيكون الانفتاح بدرجة أكبر. استقطاباً واستيعاباً للكثيرين من المتحررين من ولاءات قديمة, القادمون نحو الجديد فرادى وجماعات بدافع من قناعة ومبدأ أو بدافع من خوف أو طمع. وكل ذلك جائزا ومستحقاً في حق البشر... يبقي الاجتهاد اجتهاداً. ما أصاب الإجراء تماماً كل الصواب ولم يخطئ تماماً كل الخطأ إلا أن الخسران الأكبر قد تمثل في تلك الهجرة الكبرى من قواعد المجتمع إلي قمم السلطة وأن البعض منا قد تغير منه الوجدان وتبدل فبعدت الشقة بين رموز الحركة ومجتمعات الناس هموماً وتطلعات. وبذلك الفعل الانقلابي لا شك أن الحركة قد كسبت دولة, هياكل حكم ومؤسسة سلطان إلا أنها كانت كمن بدل العاجلة بالآجلة فخسرت كثيراً من سوح المجتمع عمقاً "ضرورياً" وتربة إنبات ترفدها بطيب الزرع ومبارك الثمر. ميدان مجاهدة ومفاعلة يقوم عليه أصل البناء, يأتي منه الدفع طاقة والتوجيه رقابة ومحاسبة تصحح المسار.
(3) بتغييب "الآخر" عنوة وكبته قهراً إجراء, ارتكبت الحركة به أعظم الأخطاء. صادمت ناموس الكون وخالفت طبائع الأشياء. فالكفر على بغضه من قدر الله وكذا الإيمان. الملك من خلقه وكذا الشيطان وكل أولئك ضدان أبداً لا يلتقيان. إلا أنه من أجل المدافعة والمفاعلة حتماً سيبقيان. في غياب "الآخر" الناصح والرقيب الناقد قد صارت السلطة مفسدة للكثيرين وفتنة طغيان خاصة وأن عمر "الشمولية" قد تطاول أكثر مما كان مقدراً له زماناً. فوسم المرحلة ضيقا بالآخر ونفيه, تجاوز للشورى وكثير من تقاليد العمل المؤسسي والأعراف. حينما غابت المدافعة انتفت المفاعلة والحيوية اللازمة لكل نهضة وبناء. فأضحي الرأي اتجاهاً واحداً والحديث لغة واحدة وكذا اللون والشعار.حشود, تظاهرات, دعوات احتفال أو استقبال. أهمل المجتمع من كل عمل (جاء) ثقافة أو دعوة, فكراً يبشر بمسيرة التحول الكبرى وينير أمامها الطريق, يثري الساحة منتديات حديث وجدال. بل طغت السياسة "مظهراً" وحشوداً ظرفية, شعارات كلام بلا عمل ينفع الناس ويؤكد صدق الخطاب والشعار إلا من بعض استثناء هنا وهناك. ومن بعد حل الأحزاب كان لا بد من بديل يملأ الفراغ. يستوعب طاقات جمهور الناس ويوفر لهم متنفساً منبراً يعبر عن تطلعاتهم حتى وإن قيد بمدي وسقف محدود. فابتدع نظام المؤتمرات محاكياً شيئاً لما هو موجود في بعض الجوار, إلا أنه والحق يقال قد حقق بعض نجاح وفاعلية إذ استوعب الكثير من الكوادر والطاقات فضلاً على نجاحه في أن يجتاز بالناس ما ألفوه وسئموه قريب عهد من تنافس حزبي محموم وشقاق ميز الممارسة الديمقراطية الأخيرة حتى كفر البعض بتجربة الأحزاب. ففي ظل نظام المؤتمرات وبشروط ميسرة اتسعت المشاركة حتى استوعبت الكثيرين من الناس وكذلك تم توظيف ما توفر من موارد قليلة لمصلحة المواطن خاصة في الريف وتحسين بعض الخدمات. توفرت فرص جيدة للتدرب على ممارسة الشورى والعمل المؤسسي بقدر معقول ومقبول, والأهم من كل ذلك وبعد تجربة مستمرة ومستقرة جاوزت في عمرها الخمس سنوات, فإن هذه المؤتمرات قد وفرت قاعدة بناء صلبة قام عليها فيما بعد حزب السلطة "المؤتمر الوطني" الذي لم يكن في أصله غير تأطير حزبي للمستقطبين في تلك المؤتمرات والمنتمين سابقاً لحزب "الجبهة الإسلامية القومية". تم البناء سهلاً برعاية ودعم من سلطان. جسماً مهولاً ضخماً لا غبار عليه"شكلاً". تم بناؤه في ظل ظروف غير طبيعية كما تبني الأحزاب. بل في تغييب للآخر مدافعة ومنافسة وجدال, بينه وتنظيم "مايو" ملامح شبه وقربي. ما أحسبه سيصمد طويلاً إذا ما قصت عنه مشيمة السلطان. تنظيم بلا إرادة تذكر أو حاكمية, يكفيه هواناً ما تم من هدم وتجاوز في صفر وما تلي ذلك من مهزلة مشهورة "شورى الأثر الرجعي" لتقنين قرارت صفر ورمضان. شاركنا في تأسيس هذا التنظيم وبناؤه من قواعده الدنيا ارتقاءً لأعلي المستويات, ومن خلال التجربة العملية اللصيقة بالناس, أيضاً أن الكثيرين قد تعلقوا به باعتباره (مرحلة), أمراً واقعاً وخوفاً على مصالحهم أو طمعاً في منافع دنيا يرجونها. وفي مناسبات عدة استبانت لنا مواطن الضعف والأدواء في ذلك البناء. ولكن هل كان يرضي القوم أبداً حديث ناقد أو ناصح يريد الإصلاح؟ لا أحسب أن كثير فلاح يرجي لمثل هذا البناء. ومن يري غير ذلك فما عليه سوي أن يختبر جماهيرية التنظيم وصدق الولاء بأن يفرض على الأعضاء اشتراكاً مالاً راتباً رمزاً يؤدونه. فإن نجح الاختبار. فلا نتردد أبداً عن الاعتذار عما أبديناه من رأي وادعاء.
(4) من خلال إطلاعنا على تاريخ مكتوب لتطور الحركة, حسبنا أن القوم قد تجاوزوا مرحلة "الصفوية" المتوهمة والسرية المتمكنة التي ربما فرضتها لأول العهد ظروف موضوعية مقدرة. ولكن أن يرتد الأمر إلي ضيق بعد اتساع وإلي انغلاق بعد انفتاح بل إلي صفوية "متوهمة" بعد جماهيرية تحكي عن تطور عبر السنوات وتؤكد منطق الأشياء. كيان خاص يحاكي ذلك "الكيان" المشهور الذي طالما استهدفناه بالنقد والتفكيك. فهذا لعمري أمر محيرا يسترعي كثير تفكير, مراجعة ونظر. فإن كان القوم قد رأوا ما رأيناه أعلاه من أن ذلك الجسم الهلامي الضخم لا يعتد به وأنه لا يصلح لنزال حقيقي ولا يحمي من خطر, وأنه فقط يمكن أن يتخذ ميداناً, ملهاة لألاعيب السياسة, ضرواتها ومناولاتها. وإن ذلك الكيان الخاص الحركة الإسلامية فيما بعد يبقي وحده صمام أمان يعتد به, حارساً وأميناً على (الخاص) من التدابير (السرية) والأعمال. فلا أظن أن في هكذا إجراء من حكمة بل عودة إلي ازدواجية كانت وتفريق بين ما هو دين وما هو سياسة وقدحاً صريحاً في مؤسسة الحزب بل تشكيكاً في صدقية (التحزب) وكيانات الأحزاب كآليات حقيقية لممارسة العمل السياسي في إطار من الديمقراطية الحقة والتداول السلمي للسلطة وفقاً لقواعدها وأعرافها (الليبرالية). ولكن حسبما أري فإنه لا مجال للخروج من مثل هذا الوضع الشاذ سوي إعادة البناء من جديد توحيداً للخاص والعام كياناً واحداً قوياً يقوم على أساس من الشفافية والديمقراطية وشورى القرار. يتجاوز صورية المؤسسات و(لوبي) البطانات ذلك المرض الموروث منذ قديم الزمان في تنظيمات العقائديين.

هنا ينتهي حديث الأمس وما سيأتي من حديث في حلقات سوف يكون (اعتباراً) وعظة استعداداً لقادم الابتلاء في زمان آت.

فتح الرحمن محمد زين – ولاية سنار
(مسقط – أكتوبر 2005)


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved