تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

قهوة سيدي الحسن .. وشاي البرامكة بقلم هلال زاهر الساداتي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
18/11/2005 10:21 م

أمدرمانيات
قهوة سيدي الحسن .. وشاي البرامكة

الكيف ! قد يكون سائلاً كالشاي والقهوة والخمر وقد يكون دخاناً كالتبغ والبنقو والحشيش , وقد يكون جامداً كالسعوط والكوكايين وكلها أمور مستحدثة في عمر الإنسان فلم يكن العرب الأشاوس القدامى يعرفون القهوة والشاي مع أنهم عرفوا الخمر وتفننوا في أسمائها بحسب قوتها وثورتها وتأثيرها , ونجدهم اليوم يتناولون الشاي والقهوة أناء الليل والنهار , كما اشتهرت شعوب بإدمانها شرب الشاي كالإنكليز وشرب القهوة كالأمريكان وحسبنا هذان الشرابان المباحان اللذان لا يدخلان في دائرة التحريم وفي نطاق تغييب العقل وبالمثل لم يكن السودانيون يعرفون هذين الشرابين ولكنهم صاروا لاحقاً من محبي شرابهما ومن عشاقهما مما سنورده لاحقاً وقصة البن الذي تصنع منه القهوة حدثت بالصدفة فقد كان أحد الرعاة يقيل تحت شجرة وقد أضناه التعب فرأى أغنامه تأكل أوراق شجرة معينه وتنطلق بعد ذلك ويبدو عليها النشاط والحيوية فقطف بعضاً من أوراق الشجرة ومضغها وابتلع عصارتها فشعر بيقظة ونشاط وهدا ه تفكيره إلى غلي أوراق وثمار تلك الشجرة فتضاعف استمتاعه بالشراب وبالتجربة اصبح الناس يحمصون ثمار تلك الشجرة ثم يسحنوها وأنتجت لهم هذا الشراب اللذيذ وهي القهوة التي نشربها اليوم .. أما الشاي فأنني لا أعلم قصته وربما تكون مشابهة لاكتشاف البن .. والسودانيون مولعون بالشرابين ولكن حدث نوع من التخصيص أو (( الخصخصة )) بلغة اليوم فاختص أهل الشرق بشرب القهوة فلهم شغف ووله بالقهوة وكل فرد من البجة لا تفارقه عدة عمل القهوة ويصنعها بنفسه وفي أي مكان يحل فيه وفي أي زمان ولهم فيها أشعار يتغزلون فيها دونه غزل قيس في ليلى , وأما أهل الغرب فتخصصهم في الشاي ولهم مجالس لشرب الشاي تسمى مجالس البرامكة وهي أشبه بالطوائف الصوفية أو المنتديات الأدبية ولهم طقوس وعادات فيجلسون في دائرة لشرب الشاي ولهم أشعار وقصائد في الشاي وكل ما يتعلق به ويصفون الشاي منذ زرعه وحصاده وحمله وتسويقه وأدوات صنعه وصانعه ثم كيفية شربه ثم أثره في شاربه , وبخلاف الخمر التي لعن الله بائعها وشاريها وحاملها وشاربها فإن الشاي هنا محمود في كل حال .. والمشاركون في مجلس البرامكة تجدهم نظافاً أنيقي الملابس كما يتعين عليهم التحلي بخصال حميدة , واللافت للانتباه أن مجلس البرامكة يضم الرجال والنساء معاً .. ولا ننسى ولع الشايقية بالشاي وهناك مقولة شائعة إن الشايقي إذا عزمت عليه بالشاي أجابك بقوله (( كان احمر تلاتى وكان بلبن اسكت وكب )) أي بلا حساب ؟
وكنا ونحن صغار في أمدرمان نسمع بقهوة سيدي الحسن فقد كانت إحدى الجارات تأتي إلى المنزل وتعزم الوالدة لقهوة سيدي الحسن ولما كبرنا ووعينا عرفنا أن هذه الدعوة للنساء تقام من أجل نذر نذرته صاحبة الدعوة كشفاء مريض أو جلب عريس أو درء مكروه وأن كان النذر لا يجوز لغير الله فان البعض كان ومازال يتوسل بالأولياء والصالحين الأحياء منهم والأموات لقضاء حوائجهم وكانت عزومة القهوة مناسبة طيبة للونسة وتداول الأخبار وعرفنا أن سيدي الحسن هو السيد الحسن الميرغني راجل كسلا , وكانت العزومة مقتصرة على النساء وتتم غالباً في الضحى وكان النسوة يحرصن على حضورها لينلن بركة قهوة سيدي الحسن وكانت الدعوة مقصورة على صاحبات وجارات صاحبة الدعوة من نساء الحلة , فيجلس في العناقريب وتصنع القهوة أمامهن على منقد كبير وتدار فناجين القهوة عليهن ويشربن من القهوة مرة واثنين وثلاث وربما أربع أو كما يقال البكري والتني والتلتاوي وبعد الشربة الثانية تلقم القهوة أي يضاف عليها شيئاً من البن المسحون لأنها تصير خفيفة .. وأدوات صنع القهوة كانت تتكون من القدح والشرقرق والجبنة والفندق والليفة , وطريقة صنعها هي أن يشعل الفحم على المنقد إلى أن يصير جمراً وتوضع حبات البن في القدح المصنوع من الخشب _ استعيض عنه بمقلاة من الحديد _ ويوضع الجمر فوقه ويقلب البن إلى أن يتحمص وذلك بتحريك القدح من أعلى إلى أسفل وهي عملية تحتاج إلى حذق ولكن كل النساء كان يجدن عملها ولا بد من استنشاق دخان البن المتصاعد وبعد أن يتحمص البن يعاد الجمر إلى المنقد ويوضع البن في الفندق ويوضع معه بعض الحبهان في الأغلب ويدق ليسحن واثناء ذلك يملأ الشرقرق بالماء ويوضع على النار وهو إناء من الصفيح له مقبض وجزء بارز من الأمام يصب منه القهوة وعندما يفور الماء يلقم بالبن المسحون ويوضع على فتحة الجزء البارز الليفة وهي قطعة من ليف النخيل لتعمل كمصفاة ثم تصب القهوة في الجبنة المصنوعة من الفخار وتمسح بالزيت من الخارج لتكون لامعة وتغطى فتحتها بالليفة وتوضع الجبنة على الوقاية وهي مستديرة كالعجلة ومصنوعة من القماش المطرز بالسكسك من حوافيها , وبعد ذلك يتم تبخير فناجين القهوة الفارغة النظيفة بالمستكة ثم توضع على الصينية وتقدم للضيوف .
والقهوة السودانية بهذه الطريقة تسمى الجبنة أيضاً ولم يكن يخلو بيت منها وكان الكبار يشربونها صباحاً وفي المغرب على الأقل كل يوم .
ومازال السودانيون عامة يشربون شاي الصباح وشاي العصر وأما الجبنة المنزلية فقد تراجعت وأظن السبب يعود لغلاء مكونات الجبنة من البن والحبهان والفحم واستعيض عنها بقهوة التنكة وصارت قهوة سيدي الحسن من أثار الماضي الجميل برحيل الحبوبات والخالات من الدنيا ولكن أصبحت القلة تشرب الجبنة في أيام الجمع .. أما مجالس البرامكة فما زالت صامدة وعامرة .

هلال زاهر الساداتي

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved