تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الرق في السودان وتأثيره علي إجراءات السلام بقلم حسن سعيد المجمر المحامي/لندن

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
11/11/2005 9:59 ص

الرق في السودان وتأثيره علي إجراءات السلام
حسن سعيد المجمر المحامي/لندن
المدير التنفيذي - منظمة العون المدني العالمي

حسنا فعل مركز دراسات الشرق الوسط وأفريقيا بجامعة أكسفورد حين عقد مؤتمرا حول السودان بالعنوان أعلاه، في ظل ظروف صعبة تمر بها بلادنا إذ تئن أطرافها بالجراح والآلام فيما تصر الحكومة وحليفها الحركة الشعبية غض الطرف عن أهم قضايا السودان المتعلقة برتق النسيج الاجتماعي وإزالة الغبن الذي خلفته سياسات ما قبل وبعد الإنقاذ التي تداعت جميعها إلي سطح الأحداث عندما برزت أنصبة القسمة الضيزي بين طرفين دون الأخريين في اتفاق نيفاشا الشهير.
إن حاجة شعب السودان لطي ملف الحرب أكدتها ملامح قبوله واحتفاءه بهذا السلام المنقوص، لكن الأمل الذي كان يحدق فيه أولئك هو أن يتصدى الطرفين بجدية لإنفاذ جميع بنود الاتفاق حسبما هو مخطط لإذابة أزمة الثقة ووفاء العهد التي ظلت تشوب وفي كل الأوقات طرق حل قضية الجنوب بأبعادها الإنسانية والقانونية والأخلاقية.
لقد ذكرت في مقال سابق أن طرفي هذا الاتفاق أثبتا دون ريب أن همهم الأول هو تثبيت دعائم الحكم إذ أن سلطة الدولة مقدمة علي مصلحة الشعب وقضاياه، ويرجع هذا الأمر للطريقة التي تعامل بها طرفي الاتفاق كل علي حدا مع شركاءه حيث لم تحفظ الحركة للتجمع الوطني الديمقراطي ماء وجهه فيما تخلت الحكومة عن معظم حلفائها الذين دافعوا عنها بعد الانشقاق الكبير.
لقد أغفلت اتفاقية نيفاشا حسم موضوع الاختطاف المتبادل بين القبائل بنص واضح رغم اعتراف طرفيها به، من خلال تعاونهما السابق ولسنوات مضت مع اللجنة الوطنية لوقف اختطاف النساء والأطفال (سيواك)، ولم يكن هناك مبررا كافيا لتجاوز مثل هذا الموضوع باعتباره ضمنا قد حل، خاصة إذ تأكدنا أن الإجراءات التي قامت بها سيواك بعضها أو معظمها كان من طرف واحد - أطفال الجنوب هم الوحيدون المختطفين لدي القبائل العربية في مناطق التماس في دار فور وكردفان فيما لم نقرأ أو نشاهد تقريرا واحدا عن مختطفين من أبناء القبائل العربية لدي القبائل الجنوبية كما يؤكد في كل مرة الزعماء المحليين في تلك الأنحاء. وفي ذلك يختلف كثير من أبناء السودان حيث يعتقد البعض أن مشكلة الاختطاف المتبادل عادة اجتماعية قديمة وموروثة في أصقاع السودان المختلفة شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، فقد سمع الكثيرون عن عادة (العُقَال): إذ يتواعد زعماء القبيلتين المتصارعتين علي أن يلتقيا في ميدان المعركة ووعلي مقربة منهم يحيطون كل ما يملكون من مال ونساء وأطفال وحيوانات بسياج من الشوك يحرسه كبار السن الذي لا يستطيعون قتالا، فإذا ما انتصر أحدهما علي الآخر سبي وأسترق الحلائل والحرائر، حيث تغنت الشاعرة بت بدرية للعمدة ود قمر ووصفت ما حدث له عندما قتلته القبيلة الأخرى وجرت جثته بالبقر (الثيران) وتركتها للصقور الجارحة تلتهمها في صحراء وادي الملوك جنوب مدينة الدبة الحالية. لقد روي الدكتور زكريا بن زعيم الدينكا الشهير أن الفرق بين اختطاف الدينكا لبنات القبائل العربية أن الدينكا كانوا يتزوجون من الفتاة العربية المختطفة ويتم إدماجها مباشرة في المجتمع فتتكلم لغة الدينكا وتعيش حياتهم، أما المُختَطف الدينكاوي لدي القبائل العربية فكان يستخدم راعيا للأبقار والأغنام والماعز و لن يتمكن من الزواج من القبيلة العربية التي اختطفته. لقد تأكدت بنفسي مما قاله بن الزعيم عندما زرت في العام 2002م مركز تجميع الأطفال التابع لمنظمة رعاية الطفولة البريطانية بمدينة الفولة وقابلت آنذاك مجموعة من أطفال الدينكا تتراوح أعمارهم بين الحادية عشرة والسابعة عشر تقريبا فتحدث لي أحدهم قائلا أن مختطفي فلان من قبيلة فلان ولدي عنده عدد من الماعز مقابل عملي في الرعي معه وطلب مني مساعدته في استرجاع حقه.
ورغم ذلك فقد تبنت حملة الرق في السودان منظمات دولية غير حكومية كبيرة علي رأسها منظمة التضامن المسيحي، والحملة العالمية ضد الرق، والمنظمة الحقوقية الأفريقية، وعدد آخر من تجمعات الجنوبيين أنفسهم في حملة كبيرة لم تتعرض لها دولة أفريقية من قبل. ولأن حكومتنا تؤمن بصفة دائمة بنظرية المؤامرة لم تكلف نفسها عناء نقاش هذا الأمر أو إتاحة الفرصة للمختصين لبحثه وتقصي الحقائق حوله وصولا لرأي سديد وصائب يسهم في احتواء ما هو موجود فعلا من مشكلات علي أرض الواقع.
لقد قدم الأمين العام لمنظمة الدعوة الإسلامية الدكتور الأمين محمد عثمان صديق الجنوبيين الحل علي طبق من ذهب لحكومتنا حينما إستصحب معه الزعيم الجنوبي الكبير "كوستيلو قرنق" الذي حط رحاله وقتذاك في فندق المريديان في قلب الخرطوم واتفق الرجلان علي عقد مؤتمر جامع بمدينة الميرم (تقع جنوب مدينة المجلد ويقطنها الآلاف من الدينكا والمسيرية في تآلف ومحبة منذ القدم) تكفلت المنظمة بنفقاته جميعا. لكن أيادي خفية بثت سمومها فاندفعت جهات حكومية بعينها موصدة الباب أمام أي مسعى لعقد ذلك المؤتمر ووئدت الفكرة في مهدها وعاد كوستيلو قرنق لألمانيا بخفي حنين. لقد سعي ذلك المؤتمر إلي تحقيق هدفين أهمهما أن يدرك المجتمع الدولي أن ما يثار حول سوق نخاسة في الميرم لا وجود له علي الإطلاق وأن آلاف من قبيلة الدينكا بالمدينة يمثلون بالأرقام ضعف أفراد قبيلة المسيرية المقيمين معهم الأمر الذي يجعل من المستحيل علي المسيرية أن يقوموا بتنفيذ تلك الادعاءات التي روجتها بعض المنظمات غير الحكومية. أما الهدف الآخر فهو الأهم إذ تمثل في طلب عقد معاهدة صلح بين زعماء القبائل العربية والجنوبية يتعاهد فيها جميع الأطراف باحترام حقوق الآخرين ووقف الاعتداءات المتبادلة ويقر فيها الأطراف بأحقية المتضررين في التعويض بما في ذلك ضمان تبادل المختطفين من النساء والأطفال، علي أن تلتزم الحكومة بتنفيذ برامج تنمية ريفية تفصل فيها بين الرعاة والزراع وتعطي الإدارة الأهلية حقها في إحياء الأحلاف القديمة التي مكنت في زمان قريب السادة دينق مجوك وبابو نمر أن يحفظوا الوئام والمودة بين أفراد قبائلهم من أقصي مناطق المسيرية الشمالية إلي عمق مناطق الدينكا في محاذاة بحر العرب.
علي الرغم من الأهداف السامية التي خطط لها أصحاب فكرة المؤتمر إلا أن الحكومة كان لها رأي آخر، إذ رفضت فكرة دكتور الأمين جملة وتفصيلاً وفضلت طائعة الخضوع للضغوط التي مارستها لجنة سيواك بزعامة العمدة جيمس أقوير رئيس لجنة الدينكا الذي ظل محل اهتمام المنظمات الدولية التي تصفه مرة بمنقذ العبيد وتحتفي به وتكرمه كما حدث العام الماضي في السويد، ومرة بالمناضل الذي لا يهدأ له بال حتى يعود جميع أبناء الجنوبيين المختطفين بأيدي القبائل العربية الآثمة.
لقد اعتمدت حكومة الخرطوم ميزانية بملايين الدينارات لتنفيذ أنشطة اللجنة الوطنية لاختطاف النساء والأطفال. ولي مشاهدات خلال عملي الميداني في غرب كردفان حول ما تقوم به اللجان المشتركة من قبيلتي الدينكا والمسيرية في تنفيذ برامج سيواك كنت قد حفظتها لمثل هذا اليوم، وإن كان حديثي هذا الذي ذكرته أو سأذكره لا يقدح في بعض محاسن تلك المؤسسة في مقابل سلبياتها الكثيرة باعتبارها هي التي أقنعت المجتمع الدولي بأن الذي يدور اختطافا متبادلا وليس رقاً، كما مثلت وعلي أقل تقدير اعترافا ضمنياً من الدولة بمعاناة الجنوبيين بسبب الحرب. لكنها في ذات الوقت ساعدت علي ترسيخ انتهاكات جماعية موجهة لحقوق الإنسان الجنوبي، كما أنها فشلت في كبح جماع رئيس لجنة الدينكا السيد جيمس أقوير الذي يتقاضى أعلي الرواتب ويمتطي اغلي السيارات المُحلاة بالنمرة الحكومية في أن ينسي وللأبد مصطلح رق. لقد أجاب أقوير علي أسئلة الحضور في مؤتمر الرق في السودان حول فهمه للاختلاف بين مصطلحي الرق والاختطاف قائلاً " عندما بدأنا في لجنة الدينكا قبل قيام –سيواك- في البحث عن المسترقين من النساء والأطفال مطلع العام 1990م تحرشت بهم الحكومة واعتقلتني شخصيا ثلاثا وثلاثين مرة، فيما قتل ثلاثة أعضاء من لجنة الدينكا. لقد كنا نجمع المال لتسيير عمل لجنتنا من تبرعات أهلنا المنتشرين في السودان لإنقاذ المسترقين وتمكنا فعلاً من إعادة مالا يزيد عن ألف ومائتين من المسترقين" والسبب في ذلك حسب زعم أقوير أنهم كانوا يستخدمون مصطلح "رق" لكنهم حين أذعنوا لرأي الحكومة ليستخدموا كلمة "اختطاف" رفع الحظر عنهم وباشروا عملهم علنا عن طريق لجنة سيواك فأعادوا أكثر من أربعة آلاف من المختطفين. ثم علق جيمس أقوير ساخرا لماذا نصر علي إطلاق كلمة "رق رق رق، ما دامت كلمة اختطاف مقبولة عند الحكومة وتعيد لنا أبناءنا وبناتنا".
لقد أحضر العمدة جيمس أقوير كتابين كبيرين وضعهما علي منضدة عالية تتوسط مسرح القاعة التي عقد بها المؤتمر بجامعة أوكسفور وظل يشير اليهما بين الفينة والأخري أنهما يحويان بين دفتيهما توثيقا لعدد ثمانية آلاف مختطف من أطفال ونساء الدينكا، مؤكدا أن لجنة الدينكا تملك في نفس الوقت صورا لألئك المغصوبين والغاصبين وهي كما قال ستظل وثيقة وموجودة ما طال الدهر حتى يتمكن الدينكا من إعادة أبنائم المسلوبين. لقد كان منظرا مؤثرا عندما روي جيمس كيف أن أطفال الدينكا المستغلين كرعاة يجوبون هجير الوديان حفاة عراة، لا يجدون من الطعام ما يسدون به رمقهم أو من الماء ما يروئ ظمأهم. ثم وجه نداءه للمنظمات الدولية وللمجتمع الدولي بدعم سيواك للعمل علي إنقاذ هؤلاء وإعادتهم لحياتهم الطبيعية وسط أسرهم وذويهم.
لكن الأمر الذي تكرر كثيرا ويثير الاستغراب والكثير من الأسئلة هو الغياب الدائم لأبناء القبائل العربية المعنية في كردفان ودار فور حيث لم نسمع لهم ذكرا أو صوتا وسؤالي موجه لهم بصفة دائمة هل أنتم مقرون بما يقال؟ هل لديكم دليل ووثائق موجودة حول اختطاف متبادل تعرض له أبناءكم؟ لماذا لا تشاركون وأنتم البوابة التي تؤتي من قبلها القبائل العربية في السودان لتوصف بالغاصبة والمسترقة؟
المهم أنه تم تقديم عدد أربعة أوراق في المؤتمر الذي نظمه برنامج السودان بمركز دراسات الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة أكسفورد –بإشراف د. أحمد الشاهي الذي أحسن استضافة المشاركين واتاح لهم جميع سبل الراحة مما جعله ناجحا من ناحيتي التنيظم والتنفيذ للحد البعيد. قدمت في المؤتمر أربعة أوراق علي النحو التالي:
• الورقة الأولي بعنوان قضية الرق في جنوب السودان قدمها السيد بونا ملوال، ترأس الجلسة د. أحمد الشاهي.

• الورقة الثانية بعنوان جاءت بعنوان الاستجابة الدولية للاسترقاق في السودان. قدمها د. جون إيبنر مساعد رئيس منظمة التضامن المسيحي، ترأس الجلسة السيد بونا ملوال.
• الورقة الثالثة بعنوان الرق وتحرير الرقيق : تجربة رئيس لجنة الدينكا ، قدمها العمدة جيمس أقوير باللغة العربية وقام بالترجمة الأستاذ شارلس دينق مجوك كوال، ترأس الجلسة د. أحمد الشاهي.
• الورقة الرابعة بعنوان الرقيق السودانيين : بعيون أهل الشمال، ترأس الجلسة السيد بونا ملوال.
• اختتم المؤتمر بتقديم التعليقات والمناقشات العامة، ترأس الجلسة د.أحمد الشاهي والسيد بونا ملوال.
أبرز ملامح المؤتمر هو الغياب التام لرأي الحكومة حيث حضر قبل ساعة من نهاية المؤتمر عدد من موظفي السفارة ولم يفتح الله عليهم بالتعليق أو التفسير الأمر الذي ظل يحدث في معظم الملتقيات الكبيرة حول السودان التي تعقد بلندن، ولولا حضور الأستاذ الطيب هارون أحد مسئولي سيواك علي نفقته لما استطاع أحد أن يعكس أية معلومة صحيحة للحكومة حتى تحدد رأيها بوضوح حول ما تم. وعلي النقيض تماما فقد ظهر جليا حضور اغلب التنظيمات السياسية السودانية والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان بالسودان، كما حضر المؤتمر جمع غفير من الجنوبيين والشماليين ضاقت بهم جنبات القاعة وشاركوا بفعالية في النقاش والتعليقات والأسئلة. ستكون محتويات الأوراق التي قدمت بالتأكيد محلا لمقالاتنا القادمة.


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved