د. ابومحمــد أبوآمــنة Dr. Abu Amna

ستبدأ خلال الشهر القادم مباحثات السلام بين جبهة الشرق التي تضم مؤتمر البجا والاسود الحرة والحكومة السودانية، هذا بعد ضغوط متواصلة تعرضت لها سلطة الانقاذ. لقد ناضل ابناء الشرق منذ عدة قرون لتغيير الوضع الماساوي الذي يعيشون فيه وبهذه المناسبة يجب ان نحي ذكري شهداء مجزرة بورتسودان الذين حصدتهم قوي شريرة احضرتها سلطة الانقاذ من الخرطوم لترتكب تلك الجريمة البشعة والتي راح ضحيتها العشرات من ابناء البجا. وعلي سلطة الانقاذ الان ان تنشر تقرير لجنة التحقيق القضائية وتقدم القتلة لمحاكمة عادلة. اما محاولة تسترها علي ذلك التقرير تدل علي تورط شخصيات كبيرة في تلك الجريمة التي هزت الكيان الدولي. ان وفدنا لايريد الجلوس مع اشخاص يقطر دم شهدائنا من ايديهم.
تنعقد المباحثات ولازالت حالة الطوارئ مفروضة علي الشرق مما يصعب علي قيادة جبهة الشرق عقد لقآت مع جماهيرها وفوق ذلك فان الوفد المفاوض نفسه معرض للاعتقال. فعلي سلطة الانقاذ ان كانت جادة في المفاوضات ان ترفع حالة الطوارئ حتي تتم هذه بين طرفين متواسيين.

لقد اكدت مواثيق الامم المتحدة ومبادئ حقوق الانسان الفطرية ودستور حكومة السودان واتفاقية السلام الشامل بان لا فرق بين انسان وآخر او قومية واخري بسبب اللغة او الدين او الجنس او اي معتقدات اخري. ولذلك مايتمتع به انسان الجنوب يجب ان يتمتع به انسان الشرق والغرب والشمال.
لقد صرح زولك نائب وزيرة الخارجية الامريكية وكذلك علي عثمان رجل الانقاذ القوي وكذلك سلفاكير بان اتفاقية السلام تصلح لحل المشاكل في كل انحاء السودان. بل ان جون قرنق ذهب ابعد من هذا وصرح بانها تصلح للتطبيق في كافة القارة الافريقية.

يقول زولك بان توقيع تلك الاتفاقية تم بمبادرة ووساطة امريكية واشاد بالدور الذي قام به السانتور دانفورث بينما
يقول الصادق المهدي ان الولايات المتحدة قد باركت هذا الوهم وقبلت وصفه الغير حقيقي بانها شاملة وبانها قومية, وباركت بعد ذلك الخطوات الثنائية.

يجب ان تطبق هذه الاتفاقية علي الشرق والغرب ايضا.

اولا: تعطي هذه الاتفاقية حق تقرير المصير للجنوبين بما في ذلك خيار انشاء دولة مستقلة بهم بعد 6 سنة من الفترة الانتقالية, اي عام 2011.

حق تقرير المصير
يجب ان يطبق هذا الحق علي الشرق ايضا ليختار بين الوحدة او الكونفيدرالية او الانفصال.

ثانيا: حكم الشريعة لايطبق في الجنوب بينما تطبيقها في الشمال يتوقف علي ارادة الشماليين وبهذا تنشأ دولة خاصة تطبق نظامين مختليفين.
ان تطبيق نظامين مختلفين يؤدي في النهاية الي الانفصال.
وبما ان الدين استغل استغلالا بشعا لاغراض سياسية فان الشرق يطلب بحكم ديموقراطي وابعاد الدين عن السياسة. سيؤدي هذا الي ترسيخ الوحدة ويبعد المقدسات عن التعارك السياسي.

ثالثا: تناولت الاتفاقية تقسيم السلطة, وقد تم الاتفاق علي تاسيس حكومتين: حكومة الوحدة الوطنية وحكومة الجنوب ذي الحكم الذاتي. ترتبط حكومة الجنوب بالحكومة الوطنية عن طريق البنك المكزي,ولجنة الدفاع المشترك, ونائب رئيس الجمهورية الذي هو في نفس الوقت رئيس حكومة جنوب السودان وتخضع له الادارة التنفيذية والتشريعية والقضائية بما في ذلك محكمة الجنوب العليا.
عليه تتكون في الشرق حكومة اقليمية ذات استقلالية معتبرة وسلطات واسعة تربطها بالحكومة في الشمال العملة والدفاع المشترك ومنصب نائب رئيس الجمهورية. علي ان تتمتع بنفس الصلاحيات التي تتمتع بها حكومة الجنوب. وكما وعدت الاتفاقية بتشكيل حكومة وحدة وطنية يشغل فيها رئيس الحركة الشعبية منصب النائب الاول لرئيس الجمهورية مع سلطة الفيتو على القرارات الرئاسية ،ويشكل الجنوبيون ما نسبته 28 بالمائة من الموظفين المدنيين.وتم تقسيم النسب بان تكون: 52% لحزب المؤتمر الوطني الحاكم و28% للحركة و14% للمعارضة الشمالية و6% للقوى الجنوبية غير الممثلة عبر الحركة.
شرق السودان يجب ان يتمتع بنفس الحقوق ويشترك في السلطة المركزية. وبما ان تعداده يشكل 15% فيجب ان يشرك في حكومة الوحدة الوطنية بنفس هذه النسبة وكذلك في الادارات المدنية والعسكرية والدبلوماسية والمالية وهيئات ادارة المشاريع المركزية. وينادي ابناء الشرق بتمثيل كل الاقاليم الستة في رئاسة الجمهورية علي ان تكون رئاسة المجاس تداولية بين الاقاليم الستة التي سيتكون منها السودان الجديد.
يجب ان يتم تكوين حكومة قومية ذات قاعدة شعبية عريضة تمثل فيها كل الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني حسب ثقلها الجماهيري. حكومة هزيلة مثل هذه التي تتكون فقط من حزبين يمكن ان يطاح بها في اي لحظة. وبما ان الاستقرار منشود فيجب ان توسع قاعدة هذه الحكومة. ان تقسيم السلطة الذي تم غير عادل وغير منطقي.
رابعا: تتناول الاتفاقية تقاسم الثروة,اذ تم الاتفاق علي تقاسم عائدات البترول والموارد الاخري بالجنوب.ولحكومة الجنوب تعود الضرائب . كما يحق لحكومة الجنوب ان تبحث عن التعاون الدولي والاقليمى في مجال الاستثمار, والرياضة والثقافة و يحق لها التوقع معها علي الاتفاقيات.وفي مجال اقتسام الثروة تم الاتفاق علي انشاء بنك الجنوب المكزي علي ان يكون تحت مظلة البنك المركزي.

ان الشرق يعيش في وضع ماساوي بشع ويتعرض لمجاعات طاحنة, وجفاف وتصحر, وكثرت فيه الامراض, وانتشرت ظاهرة سوء التغذية, وانهارت صحة البيئة وانتشرت الامية, وعم التخلف. وانهارت المشاريع الزراعية في بركة والقاش وخشم القربة والرهد. وبما ان موارده محدودة فيجب ان تترك عائدات المواني والمعادن والسياحة والطرق والضرائب كاملة له. كما يجب ان يكون له الحق في الاتصال بالحكومات والشركات الاقليمية والاجنبية من اجل الاستثمار ويحق له توقيع العقود معها.

خامسا: تتناول اتفاقية السلام الآجرآت الامنية, وتم الاتفاق علي ان يحتفظ كل جانب علي جيشه خلال الفترة الانتقالية وتم الاتفاق ايضا علي تكوين وحدات مشتركة من الجانبين وتعمل هذه الوحدات مع الجيش السوداني في الشمال وجيش الحركة في الجنوب.وتشرف لجنة دفاع مشترك علي الوحدة المشتركة ويراسها قائدي جيش الحركة والجيش السوداني.
جيش جبهة الشرق سيكون له وضعه المميز. لقد عرف البجا عبر التاريخ بدفاعهم المميت عن البوابة الشرقية وسيكون له الشرف في الاستمرار في تلك التقاليد وسيشكل الذراع الشرق لجيش السودان.

في النهاية فان اتفاقية السلام تصلح كنواة لحل الازمة المأساوية في كل من دار فور وشرق السودان. وستقود البلد الي بر الامان بعد ان تتسع قاعدة السلطة الشعبية وتضم كل الفعاليات السياسية كل حسب حجمها الحقيقي . وعلي مؤسسات المجتمع الدولي والاقليمي وفوق ذلك منظمات المجتمع المدني السوداني ان تؤدي دورها الفعال في ايصال تلك الباخرة السلام الي بر الامان.