مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

إني أتساءل ولا أتهم – الطيب صالح بقلم هلال زاهر الساداتي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/9/2005 5:29 م

إني أتساءل ولا أتهم – الطيب صالح


لا يختلف إثنان في أن الطيب صالح علم من أعلام الأدب في عالمنا العربي , و قامة نفاخر بها العالم في مضمار الرواية , و إلى هذا يضاف ما يعرف عنه من سجايا و خصال سامقة , ولقد خبرت الرجل منذ أن كنا في بواكير الشباب عندما تزاملنا في كلية المعلمين الوسطى بمعهد التربية في بخت الرضا في أول الخمسينات القرن الماضي , ثم شتت بنا الحياة في دروبها , ولكن قرأت خبراً منسوباً إليه فزعت فيه بأمالي إلى الكذب كما فزع أبو الطيب المتنبي عندما اتآه نعي أم سيف الدولة إذا أ سعفتني الذاكرة القديمة , فانشأ قصيدة قال فيها

طوى الجزيرة حتى جاءني خبر
فزعت منه بأمالي إلى الكذب

وخبر الطيب هو قوله لصحيفة الأنباء بعددها يوم 27/4/2005 أن الأوضاع بالبلاد تسير إلى الأحسن , وزلزلت مفاهيمي فيما حسن وأحسن , فهل أبقت حكومة الجبهة على شيء حسن في السودان بعد أن عمدت إلى تدمير وتخريب كل جميل عهدناه في حياتنا من ميسور عيش ومن سمو أخلاق ومن تالد تراث , وصارت الحياة أضيق من سم الخياط ! وربما كانت للطيب حيثيات وأسباب يستند إليها في مقولته تلك لا نعلمها نحن , ولكنني ألقي إليه بهذه التساؤلات فربما لم يتيسر له في زيارته الخاطفة للوطن مشاهدة ومعايشة ومعرفة ما يحدث الآن في السودان , ولكنه بالقطع ملم بما تتناقله وسائط الإعلام العالمية , ومما يسمعه من القادمين إلى بريطانيا حيث يقيم من أصدقائه ومعارفه ومحبيه الكثيرين .
ودعني الآن أتوجه إليه بهذه الأسئلة والتي في إجابتها يمكن أن تتضح صورة الجميل من القبيح , والحسن من الردىء , هل أتيح لك أن تتجول راجلاً في السوق العربي بالخرطوم أو في شوارع العاصمة المثلثة ورأيت الكآبة والبؤس المرتسم في وجوه الناس ؟
وهل تعلم أن الناس قد باعوا أثاث منازلهم لكي يتمكنوا من مغالبة المعيشة وتوفير الحد الأدنى الذي يسد الرمق ؟
وهل علمت أن الطبقة الوسطى قد سحقت وأن كيس الملاح وليست قفة الملاح السابقة صار هاجساً مرعباً كي يوفرها الرجل لعائلته ؟ وأضطرت الحاجة بعض أصحاب المعاشات إلى التسول لأن ما يتقاضونه من معاش لا يكفي لسداد فاتورة الماء والكهرباء ! وهل تعلم أن مستشفيات الدولة قد خلت من الأدوية والنظافة والرعاية , وأن المواطن المصاب لا يسعف إلا إذا دفع نقوداً وأن الدفع طال حتى زيارة وعيادة وعيادة المرضى ؟ وأذكرك بأننا كنا نتلقى العلاج والدواء بالمجان .
وهل تعلم أن السودان صار أكثر قطر في الدول الإسلامية والعربية به إصابات بالإيدز وصلت إلى ستمائة ألف إصابة معروفة , وأن القطر أصبح مبآءة للملاريا والسل والسرطان التي تحصد الناس حصداً ؟!
وهل تعلم أن التعليم الحكومي تدنى إلى أسفل سافلين في كل مستوياته ولم يسلم مع ذلك من الجبايات بمسميات شتى ؟ وتصدعت مباني المدارس وجلس التلاميذ على الأرض العارية , وأوصدت المدارس أبوابها في الأقاليم بعد أن هجر المدرسون المهنة بسبب عدم تلقيهم رواتبهم بالشهور بل بالسنين . وهل تعلم _ وأنت المعلم القديم _ أن الكتاب المدرسي الواحد يشترك فيه ثمانية تلاميذ في مرحلة الأساس ؟ وصار هناك نوعان من التعليم : نوع حكومي بائس لعامة أبناء الشعب , ونوع آخر ممتاز في مدارس خاصة بمصروفات باهظة لأبناء القلة المرفهة الجديدة التي أغتنت بين ليلة وضحاها في عهد الجبهة القومية الإسلامية ؟
وهل علمت بإنهيار مشروعي الجزيرة والمناقل واللذين كانا عصب الأقتصاد السوداني , وأن المزارعين قد ركبتهم الديون وزج بهم في السجون نظير سلفيات ربوية فاحشة أقرضتها لهم بنوك الدولة ؟ وهل دريت بإقفال عشرات المصانع وبيع المؤسسات والمصانع الرابحة بأبخس الأثمان إلى القطاع الخاص الذي يحتكره ناس الجبهة , وصارت صناعتنا هي عمل البسكويت والصابون ؟ وهل علمت أن الإختلاسات بالمليارات والمختلسين كلهم من أهل الجبهة , وذلك بعد أن فصلوا جميع موظفي الخدمة المدنية للصالح العام كما أدعوا , ولم يحاسب أحد من اللصوص أو يقدم للعدالة ؟ ولعلك قد ألتقيت في أقامتك في بريطانيا بكثيرين ممن شردتهم الجبهة وهم من أميز السودانيين علماً وكفاءة وخبرة وأخلاقاً وأستبدلوا بهذه النجوم الزاهرة ونسور الجوزاء بغاث الطير وساقطى الهمة والعاطلين من كل مكرمة وليست لهم من ميزة سوى القربى والتزلف والولاء للجبهة وقادتها . وهل تعلم أن هناك أحياء عشوائية في أطراف المدن يعيش فيها مواطنون عيشة أفضل منها عيشة السائمة وهي عشوائيات طردونا وزقلونا ومايو كأمثلة , ويقابلها من الجانب الآخر أحياء تزخر بالفيلات الأنيقة والقصور الفخمة أختاروا لها أسماء من خارج بيئتنا تمييزاً لها ؟
وأخيراً وحتى لا أطيل عليك فهناك الكثيرالمثير , وأنت من أرباب القلم , أين حرية الكلمة والكلام , فالصحف تصادر من المطبعة , وتحجب عن الصدور , والعقوبات تصدر بحق الصحفيين , كما أن التجمع محظور والأعتقالات مستمرة , والتعذيب مستمر وهناك ماحدث ويحدث في دارفور الدامية ! بربك هل كنت تسكت لو أن ما حدث من فظائع وبشاعات في قارسلا ونرتتي بدارفور حدث في الدبة موطنك الصغير _ لا سمح الله ؟!
ويفاخر أهل الجبهة بإستخراج البترول وهو إنجاز لا شك فيه , ولكن هل أنعكس على حياة الناس نعيماً ورخاء ؟ كلا , فعلى النقيض زادت حياة الناس بؤساً وشقاءً .
وهناك الذهب الذي يستخرج بالأطنان في شرق السودان ومع ذلك ينهش الجوع والسل إنسان الشرق ! لقد قالت قائدة تاريخية من قيادات الجبهة وهي الدكتورة سعاد الفاتح من داخل المجلس الوطني السابق أن الأغنياء زادوا غنى والفقراء زادوا فقراً , والآن ومنذ قولتها تلك تفاقم الحال وإزداد سوءاً .
أعلم من قديم أنك سمح مجامل ولعلك جاملت أهل الجبهة بقولتك تلك من أن الأمور في البلاد تسير إلى الأحسن , ولكن المجاملة الضارة ولا أجد لها وصفاً أليق هي صنو الكذب الضار فكلاهما شآئن , وعندما تصدر الكبيرة من كبير تكون خيبة الأمل منها على قدر ذلك الكبير . أبعد كل هذا , هل تتجه الأوضاع في السودان للأحسن ؟! راجع نفسك يارجل , وسلام عليك .

هلال زاهر الساداتي

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved