مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

لا مفر من الصدام..بين ثقافة الحناكيش الطرية وثقافة القطط المغمضة الحقيرة التي تفتحت... بقلم مبارك إبراهيم

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/3/2005 3:49 م

بسم الرحمن الرحيم

لا مفر من الصدام..بين ثقافة الحناكيش الطرية وثقافة القطط المغمضة الحقيرة التي تفتحت...

حالة التخبط والارتباك التي يعيشها السودان علي جميع الأصعدة منذ الاستقلال حتى هذه اللحظة يمكن تشخيصها فيما يلي:-

أولا: أزمة أداة الحكم
الحقل السوداني خضع لعديد من التجارب ونظم الحكم المختلفة في الشكل والشعارات والمسميات والديكور والمتماثلة في المضمون والمقاصد والمآرب منذ الاستقلال تمثلت في نظم عسكرية انقلابية جاءت إلى السلطة بحد السيف وتحت حجج وشعارات براقة تبدو موضوعية ومبررة من الوهلة الأولى للمواطن البسيط العادي وللسواد العظم من الشعب السوداني . اغلب الحجج والمبررات التي كانت تتشدق بها الذين يسطون علي السلطة في غفلة من الجماهير تتمثل في العزف علي وتر استشراء الفساد والرشوة والمحاباة وارتفاع الجنوني للأسعار السلع وخاصة الضرورية منها والفقر وغيرها من الأوتار الحساسة التي تدغدغ المشاعر وتخاطب الجانب العاطفي للإنسان البسيط الذي يئن تحت وطأة الاستغلال والغلاة والفقر وما ينتج عنها من أمراض وظواهر اجتماعية خطيرة( السرقة ..النهب المسلح..الدعارة..تفكك الأسري ..تفشي الأوبئة الفتاكة ..صراعات قبلية) وغيرها من الأمراض والظواهر التي تزعج الأفراد والأسر والقبائل والعشائر وتنزلق بهم إلي دائرة الخوف والقلق واليأس والإحباط ويجردهم من الشعور والإحساس بالأمن بالاطمئنان علي مدي المنظور واللامنظور ناهيك عن افتقادهم الإحساس بالأمن في طار الضيق الذي يتواجد فيه هذه الشرائح الاجتماعية الغير معقدة التراكيب تهدد أمن المجتمع واستقرارها وتساهم بلا شك في رفع معدل الاستياء والسخط في أوساط المواطنين العاديين الذين لا يستطيعون توفير وتامين قوت يومهم بسبب اختلال الموازين وهم بالطبع يمثلون السواد العظم من الشعب.

معظم هذه الأنظمة وصلت إلى سدة الحكم عن طريق عزف واستخدام تلك الأوتار الحساسة التي تخاطب المشاعر والعواطف وذلك بغرض إضفاء الشرعية لعملية السطو علي السلطة وخداع الشعب بحجة انتشالهم وإنقاذهم من براثن ومخالب الفقر والفساد والاستغلال .كما جرت العادة في السودان وفي الأسبوع الأول من أي عملية سطو وخداع لشعب بذرائع الانتشال والإنقاذ من وضع ينعت عادة من قبل القراصنة الجدد القادمين(بالجحيم الذي لا يطاق).

جرت العادة وفي الأسبوع الأول من أي عملية لسطو والخداع يشهد المدن الكبيرة حملات مكثفة من المداهمات والاعتقال لرموز سابقين وزجهم في السجون بتهم الفساد واختلاس أموال الشعب وغيرها من المسرحيات الهزلية التي يراد من خلالها توجيه عدة رسائل للشعب المذهول بواقع جديد ومضمون هذه الرسائل لا يحتاج إلى عناء كبير وتفكير عميق لاستيعابها لأنها ببساطة رسائل مكشوفة وعارية تهدف إلى تضليل الشعب بوهم المصداقية وحسن نوايا النظام الجديد المنقذ المحارب للفساد بكل صورها وأشكالها بلا هوادة وهي رسائل تضليلية سرعان ما تنكشف مقاصدها الحقيقية في وقت لاحق وقبل يجف المداد الذي كتب بها فينهمك في سرقة واختلاس اكبر قدر ممكن من أموال الشعب وتحويلها إلى مصارف خارجية وبأسماء وهمية تمهيدا لهروب رموز ذلك المنقذ الذي بشر الشعب في يوم ما بالرخاء والحرية والسعادة والرفاهية . .

ثم العودة إلى المربع الأول المشبع بنفس الأمراض السابقة ثم يأتي نظام أخر ويعزف علي نفس الأوتار ويرفع ذات الشعارات البراقة ويعيد تكرار ذات الخطب الرنانة التي تلهب المشاعر والأحاسيس ينخرط الجماهير في التهليل والتصفيق وهكذا تتوالى وتتراكم الأزمات ويخرج البلاد من نفق مظلم إلى نفق أخر أكثر ظلمة وتدور عجلة الزمن لخمسة عقود من عمر الاستقلال والشعب السوداني مازال يدفع الثمن غاليا من لحمه ودمه.

الخصائص المشتركة لأدوات الحكم المختلفة التي تعاقبت علي السلطة في السودان:

1- معظم هذه الأدوات تفتقد إلى عنصر مهم جدا إلا وهو الحس الوطني ولهذا السبب تعمدوا إلى تكريس الجهل والتخلف والتهميش المتعمد والإقصاء المقصود لقطاعات كبيرة من البلاد وعلي وجه التحديد المناطق البعيدة من المركز والتي لا تنتمي إليها الفئات التي استأثرت بالثروة والسلطة والسلاح.

2- معظم هذه الأنظمة علي اختلاف أشكالها وألوانها من عسكرية وحزبية لعبت دورا كبيرا في وبنسب متفاوضة في العناية والاهتمام بثقافة ذو بعد أحادى وتم تسخير كل الإمكانيات المتاحة من الإذاعة المرئية والمسموعة والمقروءة وغيرها من باقي الوسائل التي تمكن الثقافات من النمو والتطور والانتشار في بقعة جغرافية معينة وهكذا تم حجب النور عن باقي المكونات الأخرى لثقافة المجتمع السوداني ونتيجة لهذا الحجب والاستخفاف المتعمد بتراث وثقافات الشرائح الأخرى المكونة للهوية السودانية نتج عقد نفسية مؤلمة لبعض الشرائح التي أهملت تراثها وثقافتها فأصبحوا أسرى الإحساس بالدونية واحتقار الذات واهتزت ثقتهم بنفسهم وبتراثهم الذي دفن وحجب عنه النور ومنع من المنافسة الحرة الشريفة في ظل بيئة سوية من عقد النفسية ومن مرض الاستعلاء العرقي واللغوي . وهكذا وكنتيجة حتمية تراكمت وتأزمت العقد النفسية لشريحة المهملة وفي الجانب الأخر اتسعت رقعة الاستعلاء والإحساس بالفوقية ونزعة الإقصاء الآخرين عند الشريحة التي حظيت بالعناية والاهتمام من قبل الفئات المستحوذة علي مقدرات الشعب

3- معظم هذه الأدوات والنظم ومن اجل ضمان بقاءها في سدة الحكم ولأطول فترة ممكنة دأبت بأساليب مختلفة في تأجيج الصراعات القبلية والطائفية وعلي مستوى المناطق والأقاليم البعيدة من المركز والتي تعاني من فقر حاد في الخدمات الضرورية من الصحة والتعليم والبنية التحية والمشاريع التنموية التي من شانها تخفف من حد المعاناة . فانشغلت هذه الدوائر المهملة في صراعات محلية مؤلمة ونسيت أن تطالب المركز بإعادة توزيع الثروة والسلطة بنسب عادلة حتى تأزمت الأمور وصلت إلى ما هو عليه الآن بعد خرجت من سيطرة التحكم .

4- تفتقد معظم هذه النظم لبرامج وخطط علمية مدروسة كفيلة بإيجاد حلول فعالة وناجحة للمشاكل التي تعانها منها السودان بل ساهم بطريقة أو أخرى في تعقيدها وتأزمها إلى حالة يصعب التشخيص وإيجاد حلول لها .

5- توظيف الدين في الحياة السياسية ويتم استخدام هذا العنصر في أوقات الأزمات الخانقة سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية وذلك لأدراك هذه النظم بان مزاج الشارع السوداني يتسق وينسجم مع الخطاب السياسي المصبوغ بالنكهة الدينية وبالأمس القريب تم توظيف هذا العنصر في تأجيج حرب جنوب السودان وتم زج الملايين من قطاعات الشعب السوداني في تلك الحرب الملعونة وباسم وهم الجهاد تارة وبحجة إعلاء راية الإسلام تارة أخرى وبعد ربع قرن من الدمار والخراب أدرك الشعب السوداني وبعد فوات الأوان بأنه كان مخدوعا بشعارات المشروع الحضاري الإسلامي ومخدوعا بوهم(الجهاد). ومن المفارقات العجيبة أن مفتي وهم (الجهاد) ومنظر المشروع الحضاري الإسلامي هو الذي أفتى بعدم مشروعية الجهاد بعد أن أقصى من سدة الحكم في لحظة اتسمت بالغفلة وما زال النظام في الخرطوم يعيد تكرار وإنتاج نفس الترهات لشحذ همم الجماهير تمهيدا لزجهم وبنفس الوهم لسحق التمرد في إقليم دار فور ومناطق أخري شرق السودان وشماله والشعب السوداني ينطلي عليه مرة أخرى نفس الوهم وهذا أمر يثير الدهشة والاستغراب !!

استعرا ضنا لهذه الخصائص كان أمراً ضروريا حتى يتسنى لنا تحديد طبيعة مشكلة السودان وتشخيص بعض الوصفات الطبية التي من شانها علي اقل تقدير تساهم في إعاقة انتشار المرض حتى لا يتحول إلى حالة مستعصية .

إذا تمعنا النظر في هذه الخصائص تجد أن مشكلة السودان هي في الأساس أزمة ثقافية بدرجة كبيرة قبل أن تتحول إلى أزمة ذو أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية تؤرق المجتمع السوداني فضلا عن الأسرة الدولية.

ومما لا شك فيه أن نظم الحكم في السودان لعب دورا كبيرا وبمعدلات متفاوتة في تكريس الجهل والتخلف وفي ظل ثقافة أحادية تتمتع بكل المزايا وكنتيجة حتمية تتماشى مع المنطق والواقع تولدت من هذه البيئة المنحازة لثقافة معينة ولعرق معين ولمناطق محددة تشرفت بميزة أسبقية التعليم بحكم ارتباطها بالاستعمار منذ الوهلة الأولى (أبان فترة الاستعمار) وحرمان الأطراف الأخرى البعيدة من هذه الميزة . من هذه البيئة تولدت ثقافة ذو نزعة ترتقي إلى مستوى الاستعلاء والشعور بالفوقية والنقاء وتميل إلى احتقار ثقافات الأخرى التي تتطلع إلى المشاركة والمنافسة الحرة في بلورة ورسم ملامح الشخصية السودانية وتتطلع إلى التحرر من قيود التبعية للمستحوذ الأول وهنا يحدث ما يمكن أن نسميه صدام وتبادل اللكمات وهذا بدوره يجبر أطراف الصراع لانكفاء علي الذات والذي يتمثل في القبيلة والعشيرة والطائفة والمنطقة لخلق توازنات معينة وهذا بدوره يؤدي إلى تعميق التعصب العرقي, والثقافي, وينشب الاشتباكات,والصراعات بين القبائل, والطوائف, والمناطق وتتدخل النظام الحاكم وتنحاز لفئة معينة, وتتسع رقعة الكراهية, والتهميش, والإقصاء, وتختل الموازين, وترتكب الجرائم, وتهتك الأعراض, وتفلت الأمور من السيطرة, وتتدخل الآخرين لضبط الأوضاع من التدهور إلى حالة مستديمة من عدم الاستقرار.

هكذا نتج من التسو نامي ألام ( الانحياز الثقافي) لفئة معينة دون غيرها إلى إفراز باقي التوابع الثانوية الأخرى من تهميش اقتصادي وسياسي واجتماعي........ .هلم جرا

هذه الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ما كانت لها أن تبرز إذا لم يتوفر الشرط الأول والذي يتمثل في البعد الثقافي ذو النزعة الاستعلائية.

دور الأحزاب في تعقيد الأزمة السودانية :

معاناة المواطن السوداني مع الأحزاب لا يختلف كثيرا عن معاناته مع النظم العسكرية ذات الصبغة الدينية. لقد لدغ المواطن أكثر من مرة من قبل الأحزاب في مسيرة التضليل والتدجيل ودغدغة المشاعر والعواطف بالشعارات البراقة الجوفاء والخطب الرنانة الخالية من الرؤى والخطط والبرامج العلمية المدروسة التي تطرح حلول جذرية لمشكلات مزمنة ومتراكمة لعقود من الزمان يناهز نصف قرن.

وفي السياق المهزلة الحزبية نحاول بقدر الإمكان استعراض تجربة حزب الأمة في الساحة السياسية السودانية علي سبيل المثال وذلك لعدة اعتبارات تتعلق بهذا الحزب مقارنة بتجارب الأحزاب الأخرى.

يتمتع هذا الكيان السياسي ( حزب الأمة) بقاعدة شعبية عريضة ( طابور عريض من المغلفين الذين لا يجيدون الكتابة والقراءة) ولا غرابة في هذا الأمر لأنه ينسجم مع أدبيات وسياسات الغير المعلنة لهذا الحزب الكبير.

جدير بالذكر أن فلسفة هذا الحزب ترتكز بدرجة اكبر علي قاعدة ( الكم وليس الكيف) ومن ضمن سياسات هذا الحزب تكريس الجهل والتخلف في صفوف أتباعه ناهيك ترسيخ هذه العادة السيئة بين كوادر الحزب وذلك لسبب بسيط جدا لا يحتاج تفكير في استيعاب مغزاها.

لابد من تكريس هذه العادة ( ضرورة بقاء عيون الأتباع مغمضة وليكن إلى الأبد ) حتى يتسنى للفيلسوف والأب الروحي لحزب السيد الصادق المهدي الاستفراد بالسلطة والأضواء إلى مالا نهاية ولتحقيق هذا الحلم لابد من وجود قطط مغمضة وهنا يتلاشى الدهشة والاستغراب التي أبديناها من فلسفة تكريس الجهل والتخلف.

وفي الآونة الأخيرة ومع تنامي وعي الجماهير وبفضل انبثاق عصر الجماهير وهو بتأكيد عصر الوفرة العلمية والمعرفية تجرا بعض( كوادر) القفز أو بالأخرى راودهم فكرة التحرر من قوالب الحزب التقليدية (المقدسة ) وبعبارة أخرى محاولة لتحرر من التبعية التي تكرسها التجهيل المتعمد من قبل الأب الروحي للحزب هنا قامت الدنيا ولم تقعد وأتضح ذلك جليا من وباء الانشقاق والصراع الذي حدث في هذا الكيان عندما تمرد مبارك المهدي ابن عم الصادق المهدي علي القوالب المقدسة وطالب بإعادة النظر في العلاقات القائمة علي أسس التبعية والتجهيل المبرمج في أوساط أنصار الحزب وطالب أيضا بتجريد الأب الروحي للحزب من حق الفيتو الذي كان يتمتع به.

صحيح, أن حزب الأمة تمكن من الوصول إلى سدة الحكم عبر ما يسمى (بالانتخاب الحر) وربما يكون الحزب الوحيد الذي نال هذا الشرف وهنا يجب أن نتساءل: كيف نال هذا الشرف؟ هل نال رضاء وثقة الجماهير لامتلاكه خطط وبرامج علمية مدروسة ؟ هل كان يمتلك رؤية سياسية شاملة أم أن هنالك شيء أخر يتوارى خلف الشعارات البراقة ؟!!

هذا الكيان السياسي لم يصل إلى سدة الحكم عن طريق خطط وبرامج علمية مدروسة وبنفس القدر لم ينال ثقة الجماهير ويكسب ودهم بسبب امتلاكه رؤية سياسية معينة ولكن وصل إلى السلطة عن طريق توظيف جيد لشعار دعائي معين ألا وهو(رمز السنبلة) ويبدو ان الصادق المهدي كان موفقا جدا في قراءة مزاج الناخب السوداني, وما يشده إليه, ويبدو انه كان عبقريا في إدراك ما يشغل بال مواطني دار فور ولا سيما الشريحة النسائية التي تهافتت علي صناديق الاختراع لإدلاء بصوتها لصالح حزب الأمة فقط ولكن لماذا.. وما هو السر؟!

السر الذي يقف وراء هذه المسرحية التراجيدية هو رمز السنبلة التي يعشقها الكادحين والفلاحين وكانوا يعتقدون بان الصادق المهدي في حالة فوزه صراع السباق الرئاسي سوف ينزل السنابل من السماء وفي داخل كل سنبلة مائة حبة وينتشلهم من حياة البؤس والشقاء ويدخلهم إلى جنات تجري من تحتها الأنهار في ليلة وضحاها. شعار السنبلة البراقة هيج مشاعر وعواطف النساء لذلك لم يترددن لحظة واحدة في الزحف نحو صناديق التضليل والتدجيل في شكل أسراب ضخمة وبالملايين ومن كل فج عميق, وبهذا الرمز السحري (السنبلة) خدع حزب الأمة الشعب السوداني واستولي علي السلطة وهكذا تتكرر المهازل والمسرحيات التراجيدية والشعب ما يكاد أن يفيق من خدعة إلا ويجد نفسه غارقا في خدعة أخرى اكبر حجما من التي سبقتها.

هكذا نال حزب الأمة شهادة الدكتوراه الفخرية في علم التضليل والتدجيل ودغدغة المشاعر والعواطف بالرموز السحرية والشعارات البراقة وهذا أمر مدهش!!

ما هو الحل الممكن والغير ممكن:-

نحن نعتقد اعتقادا جازما بان أي محاولة من أي جهة كانت ( حزبية..عسكرية..ائتلافية..معارضة مسلحة أو مدنية( المبشرون الجدد)..المجتمع الدولي ..مراكز البحوث والدراسات ( اجتماعي/ ثقافي/ سياسي) تهدف إلى إيجاد حل جذري ونهائي لازمة السودان بعيدا عن (الموضع المعلول ) والذي يمكن إن نسميه ( النتوءات الثقافية الطفيلية الزائدة) التي ساهم الخطاب السياسي الثقافي المنحاز للأحزاب ونظم العسكرية في رعايتها وتضخيمها وتدليلها (بالحنان المفرط) علي حساب المكونات الأخرى لتركيبة وشخصية المجتمع السوداني شكلا ومضمونا. فان أي محاولة تحاول الانحراف عن هذا الموضع المعلول وتتجاهل هذه البقعة المتورمة بالحنان المفرط لا يكتب لها التوفيق ونحن نراهن وبكل قوة علي صواب ما نؤمن به.

كل المحاولات التي جرت هنا وهناك سواء كان في الداخل أو الخارج وما زالت هنالك محاولات أخرى تكاد تكون مبتورة وتلفيقية تجرى علي قدم وساق مع تزايد حرارة الضغوط الدولية علي ما يسمى بالحزب (المؤتمر الوطني الحاكم ).

هذه المحاولات لا تهدف إطلاقا إلى أيجاد حلول جادة وفعالة لمشاكل السودان ولكنها تهدف في الأساس إلى المناورة وإهدار الوقت وتعقيد المشاكل لأنها تنحرف عن القواعد الطبيعية والمسارات الصحيحة التي تقود إلى موضع العلة التي يمكن رؤيتها بالعين المجردة .

إذن ما هي التداعيات المتوقعة من ركوب هذه المسارات المقوسة :-

لا مفر من الصدام بين ثقافة القطط المغمضة التي تفتحت أعيينهم في عصر الجماهير وثقافة النخب الاستعلائية الطرية ذو نزعة (الاحتقار والإقصاء والتهميش) التي اعتادت علي نسيب الأسد في كل شيء ( السلطة..الثروة..المديح..الأضواء..هلم جرا).

1. لا مفر من الصراعات والحروب بمختلف أشكالها وألوانها بين القبائل مع بعضها البعض ..القبيلة مع نفسها ..العشائر مع بعضها البعض..العشيرة من نفسها ..المناطق مع بعضها البعض..المنطقة مع نفسها ..الأقاليم مع بعضها البعض ..الأسر مع بعضها البعض..الأسرة مع نفسها ..بين الطائفة والأخرى ..بين حزب والأخر..بين عرق والأخر ..بين كل الثنائيات المتناقضة والغير المتناقضة ..وهكذا لا مفر من المشاحنات والصراعات والاحتكاكات وتبادل الشتائم واللكمات في داخل المجالس النيابية وأوكار الأحزاب والبرلمانات ..وفي داخل الحانات والملاهي الليلية ..ودور السينما ..هلم جرا لا مفر من هذا.

2. لا مفر من تزايد عدد النازحين والمشردين والمنظمات الدولية بمختلف أشكالها وأنواعها.

3. لا مفر من الضغوط الدولية والتدخل الأجنبي في كل كبيرة وصغيرة حتى في المسائل العاطفية.

4. لا مفر من ازدياد عدد العملاء والجواسيس في هذا الجو المشحون بالتوجس والخوف والقلق وعدم الاطمئنان .

5. لا مفر من تفتيت الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي.

6. يتصاعد وتيرة الانكفاء علي القبيلة والعشيرة وينتعش الاهتمام بثقافتها وتراثها لخلق توازنات معينة في ساحة الصراع علي السلطة واثبات الوجود ويمكن تعميم هذه الاجتهادات علي الأحزاب والطوائف وطرق الصوفية وغيرها ما يمكن أن يطلق عليه مصطلح المؤسسات المجتمع المدني ( الجمعيات والاتحادات والروابط والنقابات.....إلى أخره) سوف يستعر الصراع والتعصب والتشنج والتقوقع والانكفاء علي الذات وتمجيد نفس في داخل القواقع التي تتعاطى ثقافة تضخيم الذات والاستعلاء والإقصاء وحب الاستحواذ والاستفراد بنسيب الأسد.

7. سوف تلوح في الأفق نزعة الانكماش والانفصال عن وطن ألام والدعوات التي تروج للانفصال وحق تقرير المصير سوف تجد إقبال واستحسان من قبل الذين يعتقدون بأنهم ضحايا التهميش والانحياز الثقافي والمعايير المزدوجة.

مغزى استعراض هذه البنود التشاؤمية :

كان قصدنا من استعراض هذه البنود التي تتسم إلي حد ما بالمسحة التشاؤمية ليس ضربا من ضروب العبث وتلاعب بالكلمات بقدر ما هي محاولة جادة في الاتجاه الصحيح الذي ينسجم مع القواعد الطبيعية ونواميس الكون ...هي محاولة جادة لتشخيص موضع الخلل الحقيقي الذي يكمن في النتوءات الثقافية الاستعلائية الزائدة المتورمة بالحنان المفرط.

هذه النتوءات الطفيلية حظيت بالعناية والاهتمام من قبل الفئة القليلة التي أقصت الجماهير المغمضة من السلطة في غفلة من الزمن وتمكنت من الاستفراد بنسيب الأسد في كل شيء ..السلطة..الثروة..الإعلام..وهذا يعني استحالة تقديم تنازلات أو إبداء أي نوع من المرونة في التعامل مع الأخريين بالوسائل السلمية وبالتي هي حسن وهذا يعني لا مفر من الصدام بين ثقافة الحناكيش الطرية الاستعلائية وثقافة القطط المغمضة الحقيرة التي تفتحت بفضل انبلاج عصر الوفرة المعلوماتية.

إلى أي مدي سوف يستمر الصدام والصراع :-

من الصعب جدا التكهن بالفترة الزمنية التي تستغرقه الصدام والصراع ولكن يمكن القول بان مدة الصدام قد يستغرق وقتا طويلا وقد لا يطول لان هذا الاجتهاد مرهون بعدة عوامل يمكن إيجازها بقدر الإمكان فيما يلي:

ربما يشهد الصراع والصدام فترة هدوء نسبي كاذب ( البيات الشتوي) تكيفا مع ظروف مناخية معينة ومن المرجح ان تكون هذه الظروف المناخية ضغوط الدول الكبيرة التي لها مصالح معينة في داخل السودان وخارجها ومن اجل سلامة مصالحها تمارس عدة وسائل متنوعة( هدنة..مفاوضات..اتفاقيات ..عقوبات ..) لكل الأطراف المصارعة وهذه الوسائل غالبا تكون في شكل مهدئات ومسكنات لا تلبث عن تنتهي مفعولها ويعود الألم المزمن من جديد ويتجدد الصدام.

وهكذا تستمر الأزمة والمعاناة ومن مصلحة الدول الكبيرة التي تتطلع إلى إعادة التشكيل المنطقة من جديد وعلي حسب مزاجها استمرار الصراع والصدام بين المغفلين إلى يوم القيامة وهذا أمر مدهش!!

وقد يتوقف الصراع والصدام عندما تصل أطراف الصراع إلى نقطة القنا عات المتبادلة التي تتولد بفضل الوعي الذي يقود الجميع إلى مرحلة الإدراك بماهية الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الصراع والصدام فضلا عن معرفة العدو الحقيقي للشعوب وهو بتأكيد المستفيد الأول والأخير من تواجد الأزمات وهنا عند هذه المرحلة التي تتسمم بالوعي والإدراك ينتهي الصراع والصدام وتتلاشى الدهشة المرسومة في الأفواه.

وقد يخف حدة الصدام تدريجيا عندما يصل أطراف الصراع إلى نقطة القناعة التامة التي مفادها بان لا جدوى من عبثية استمرار الصدام وتبادل اللكمات طالما أن لا يستطيع طرف أن يمحى الطرف الأخر المضاد من الوجود وعندئذ يسود الاحترام المتبادل ولغة الحوار والتعايش السلمي المبني علي القناعة التامة الناتجة من وهم وعبثية استمرار الصدام.

وعند هذه المرحلة الواعدة المبشرة بالحرية والسعادة تتعادل كل المعادلات والمسارات والمنحيات المقوسة وهو عصر الجماهير حيث الشعوب تمتلك السلطة والثروة والسلاح وتحكم نفسها بنفسها بعيدا عن التضليل والتدجيل والنفاق والتزوير وخداع الشعوب التي تمارسها الأحزاب والطوائف والمجالس النيابية والبرلمانات نيابة عن الشعوب وذلك باستخدام الشعارات البراقة والخطب الرنانة الجوفاء وعزف علي وتر الإيقاعات الصاخبة والسنابل التي توجد في داخل كل واحدة منها مائة حبة.

الحل الجذري النهائي:-

ولكن قبل ان نطرح هذا العلاج السحري يجب ان نتساءل: بيد من هذا العلاج ؟ وما هو المطلوب أولا قبل طرح هذا العلاج؟

بلا أدنى شك بان الحل المجدي الفعال بيد الشعب السوداني وليس بيد حد غيره ولكن قبل الانخراط في طرح هذه الوصفة الطبية السحرية يجب علي الذين ساهموا في توليد المشكلة سواء كانوا أفراد أو أحزاب أو أنظمة عسكرية وغيرها من أدوات الحكم التقليدية التي عفي عليها الزمن والواقع المعاش. ماذا يجب عليهم أن يفعلوا؟

يجب عليهم الاعتراف بالجريمة وتقديم كل التنازلات
المؤلمة ولكنها ضرورية والتي تتمثل في الآتي:-

أولا: لابد من الاعتراف بوجود انحياز ثقافي لفئة معينة من مكونات المجتمع السوداني الواحد وهذا الاعتراف الشجاع بدوره يمهد البيئة نفسيا لانتقال إلى الخطوة التي تليها.

ثانيا: يجب عليهم الاعتراف بتضليل الجماهير لعقود من الزمان باستخدام العنصر الديني زورا وبهتانا في الخطاب السياسي والدعاية الانتخابية من اجل الوصول السلطة والبقاء فيها وذلك بتكريس ثقافة التمثيل الشعبي الكاذب .

ثالثا: إفساح المجال لجماهير للمشاركة في السلطة والثروة وصناعة القرار ووضع الخطط والبرامج التي من شانها تخفف المعاناة عن كاهل المواطن

رابعا: ضرورة بث روح الثقافة الجماهيرية الإنسانية المتحررة من العقد النفسية والأمراض الاجتماعية والتي تدعو إلى ترسيخ قيم الاحترام المتبادل والتعايش السلمي.

خامسا: ضرورة تطهير ومحاربة الثقافة الحزبية التي تكرس الأنانية وحب الاستحواذ والاستعلاء وال إقصاء والانحياز والاحتقار والتهميش التي تهدد الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي بالتمزق والتفتت.

مشكلة دار فور:

بما أن دار فور جزء لا يتجزأ من الوطن ألام إذن هذا يعني ان مشكلة دار فور هي مشكلة السودان بصفة عامة وهذا يعني ان أي محاولة تهدف إلى إيجاد حل لمشكلة دار فور بعيدا عن هموم ومشاكل وطن ألام يعتبر محاولة فاشلة بكل المقاييس ولا يمكن ان يكتب لها نجاح بل يعتبر بمثابة إثارة شهية مناطق أخرى تعاني من التهميش والنسيان والاحتقار.

وبما أننا في عصر الوفرة المعلوماتية التي تتسمم بميزة سهولة كشف وتعرية المستور المغلف بالكذب والتزوير والنفاق ومهما كانت دقة التقنية التي استخدمت في عملية التزوير والتغليف وهذا يعني بأننا لسنا بمناي عن التعرية والفضح ان كان عاجلا أم آجلا .

وطالما ان التعرية والفضح لا مفر منها يجب علينا ان نتعامل مع منطق العصر بصورة واقعية ونضع في حدقات أعيننا أي بقعة في السودان مظلومة ومنسية.

يقال ان سودانا جديدا ولد بتوقيع اتفاق السلام بين الشمال والجنوب وهنا يجب ان نتساءل: أين هذا المولود الجديد المزعوم الآن؟ هل ولد سليما من تشوهات خلقية؟ وهل ولد في بيئة خالية من التوتر والصراع والصدام ؟ من الذي يضمن بقاء هذا المولود الجديد المزعوم حيا في المستقبل في ظل استمرار الصراع في دار فور وشرق السودان؟

قصدنا من طرح هذه التساؤلات لنؤكد بان أي حل لا يتماشى مع القواعد الطبيعية والمسارات العقلانية الصحيحة المبنية علي فهم وإدراك جيد لطبيعة عصر الجماهير( عصر الوفرة المعلوماتية) لا يمكن أن يكتب لها النجاح.

دار فور لا يتعدى كونها أكثر من بيئة شاء القدر والظروف أن تكون حلبة مهيأة جدا لصراع والصدام وتصفية حسابات قديمة بغية استرداد الإرادة والحقوق المسلوبة بالجهل والتخلف والتهميش وبالحد السيف والإكراه.

صحيح, أن مشكلة دار فور فتحت شهية كل الذين يتطلعون إلى التحرر والانعتاق النهائي من ثقافة التبعية والانحياز والظلم وبذلك تم كسر حاجز الخوف والقداسة التي كانت تكبل أبناء دار فور والشعب السوداني عامة وتيقنوا جمعيا بان لغة السلاح هي الوصفة السحرية الوحيدة التي تجبر الحكومات للإصغاء والتفات إلى صيحات الجماهير المغلوبة علي أمرها في القرن الواحد والعشرون وفي ظل دولة تدعي بأنها عضو في منظمة الدول المنتجة للنفط ( ألاوبك) وهذا أمر مدهش !!!

ملاحظة مهمة:

الإدارات الأهلية (النقية) التي لم تتعاطى ثقافة الولاء الحزبي والطائفي ممكن أن تلعب دورا مهما في تمهيد الطريق وتهيا المناخ النفسي والوجداني لأي حل مرتقب لمشكلة دار فور.

وجدير بالذكر والإشادة بان المتلقي الأول لفعاليات الشعبية من أبناء دار فور التي استضافتها طرابلس كانت بمثابة خطوة شجاعة ومهمة في الاتجاه الصحيح..اتجاه تهيا النفوس لرتق النسيج الاجتماعي الذي تعرض لشرخ عميق ..علما بان الحزب الحاكم في السودان بذل لم يدخر جهدا لإفشالها لإدراكه بان الملتقي سوف يسلم مشكلة دار فور إلى أهل العقد والحل وهم المعنيين بهذا الشأن وهذا يعني بان القضية أصبحت قاب قوسين أو أدني من الوقوع في يد الجماهير الأمر الذي يكشف الأسباب الحقيقية يعالج موضع العلة ويدخل الذين ساهموا في إفراز المشكلة وتعقيدها في معممة الإحراج وتأنيب الضمير والمساءلة .

باختصار شديد كانت الملتقي بمثابة تصويب واعي وعقلاني في اتجاه القواعد الطبيعية الصحيحة التي تعالج المشاكل.

مبارك إبراهيم/

[email protected]



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved