السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الحصاد المر – الحلقة الثالثة من توثيق نضال الحركة الطلابية بجامعة الخرطوم بقلم ساره عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/29/2005 4:27 م


هذا المقال يعتبر جزءا من حلقات قمت بنشرها سابقا بموقع سودانيز أون لاينز وهي مقالات خاصة بتوثيق نضال الحركة الطلابية في التسعينات ، وتوقفنا في المقال السابق عند تكوين تجمع الروابط الاقليمية والاكاديمية والذي قصد من ورائه مقاومة قرار تصفية السكن والاعاشة ، وكانت هذه بداية الصدام بين الحركة الطلابية ونظام الانقاذ ، وسوف نواصل في هذا المقال سرد بقية الحقائق التي تعود لهذه الفترة من تاريخ الحركة الطلابية .
كما اسلفنا سابقا تم تعيين الدكتور مدثر التنقاري ليكون مديرا لجامعة الخرطوم بدلا عن البروفيسور يوسف فضل والذي وصل الي هذا المنصب عن طريق الانتخاب ، وبذلك أصبحت جامعة الخرطوم تخضع لقرارات المجلس العسكري وليس لقرارات مجلس الاساتذة الذي تم حله بالقرارات الثورية التي حظرت النشاط النقابي ، كان التنقاري حديث عهد بالمنصب الجديد ومكروه بين زملائه الاساتذة ، فالرجل لم يستطع أخفاء فرحته وهو يري النظام يفصل زملائه ويحيلهم علي الصالح العام ، وفي بعض الاحيان يقوم بدور ( ساعي البريد ) فيحمل خطابات الفصل بنفسه ويطرق أبواب سكن الاساتذة ليعلمهم بتاريخ الفصل ويذكرهم بانتهاء مهلة اخلاء المكتب والسكن ، وكان المرحوم اللواء الزبير محمد صالح هو قائد هذه الحملة التعسفية بعد أن تم تعيينه راعيا للتعليم العالي ، ولم يكن مدثر التنقاري قوي الشخصية ولذلك ترك أمر ادارة الجامعة لتنظيم الاتجاه الاسلامي والذي اصبح هو الجهة التي تحدد بداية العام الدراسي الجديد والعطلة الصيفية وموعد الامتحانات ، ولقد ذكرنا فيما مضي أن اتحاد الاتجاه الاسلامي أيد قرار تصفية السكن والاعاشة ، واعتبر ذلك من ضرورات المرحلة كما انه دعا الطلاب الي التضحية من أجل تحقيق الاهداف الكبري ومن بينها تحرير فلسطين ، وصف دكتور التنقاري رفض الطلاب لعملية تصفية السكن والاعاشة بالقضية ( الانصرافية ) ، ولقد نال طلاب جامعة الخرطوم حظهم من اللعنات والشتائم فوصف العميد البشير جامعة الخرطوم ( بانها الصنم الذي يجثم علي صدر الامة ) ، وكتب حسين خوجلي مقالا تحدث فيه عن انانية طالب جامعة الخرطوم والذي يشرب الحليب قبل كل أطفال السودان ، وسارع المقدم يونس محمود الي المشاركة في هذه الحملة الجهادية واعتبر أن رفض طلاب جامعة الخرطوم لنظام الاعاشة الجديد هو بمثابة تحدي للثورة ورموزها ، خرجت القضية عن مسارها وتحولت الي معركة يشير اليها قائد الانقلاب في خطاباته الرسمية ، توتر الجو داخل الجامعة وكانت انتخابات الاتحاد علي الابواب ، رأي تنظيم الاتجاه الاسلامي أن شعبيته اخذة في التدهور فاذا تم اجراء الانتخابات تحت تلك الظروف فسوف يفقد مقاعد الاتحاد ولذلك أصدر قراره باغلاق الجامعة الي أجل غير مسمي ، وعندما اعلن التنقاري قرار اغلاق الجامعة كان الطلاب بالفعل قد غادروا الداخليات وهم في طريق العودة الي أهليهم ، كانت قرارات الاتجاه الاسلامي اقوي من قرارات مدير الجامعة نفسه ولذلك أكتفي الطلاب بقرار الاتجاه الاسلامي ، وبذلك قطع الطريق علي تجمع الروابط الاقليمية والاكاديمية من أجل اتخاذ قرارات عملية تقف في وجه قرارات التصفية ، وقد تم عمل منشورات ليتم توزيعها في كل بقاع السودان المختلفة من اجل تنوير الناس بحقيقة ما يحاك ضد المؤسسات التعليمية .
ولكن كانت للاتجاه الاسلامي بعض الحسابات السياسية المعقدة ، ونسبة لمضاعفة عدد الطلاب الجدد المقبولين بجامعة الخرطوم كان الاتجاه الاسلامي يراهن علي هذا العدد في الانتخابات ويعتبر أنهم رصيد كسبته الثورة ، كما أن الطلاب أخضعوا لتدريب عسكري شاق وتم حقنهم بالجرعات الروحية ليكونوا زاد للثورة وحماة لمبادئها ، ومن المفترض ان يصوت هولاء الطلاب لتظيم الاتجاه الاسلامي لأنه يري أنه وفر لهم فرص الالتحاق بالجامعة ، ولكن الوضع في القطينة كان مختلفا وبعيدا عن حسابات الاتجاه الاسلامي ، تعرض الطلاب الجدد للضرب والاهانة من قبل المدربين والذين لم تكن لديهم خبرة في التعامل مع الطلاب والذين عرفوا بحساسيتهم للعسكر ، وطلب من أول الشهادة السودانية أن يجري بين صفوف الطلاب ويردد مقولة ( أنا الطيرة أول الطيور ) ، كما ان التدريبات العسكرية كانت قاسية ويتم ادخال الطلاب مباشرة الي أرض المعسكر من غير اجراء الكشف الطبي ، وفي الايام الاولي سقط العديد من الطلاب بسبب االحر الشديد وأزمات التنفس الرئوي ، وعندما يصل مسؤول حكومي الي أرض المعسكر يتم ايقاظ كل الطلاب عن طريق رشهم بالمياه الباردة وأمرهم بترديد هتافات الثورة ، كما كان الطعام رديئا ولا توجد خدمات صحية و يستخدم الطلاب العراء من اجل قضاء الحاجة ، وتقع في وسط المعسكر خيمة كبيرة يطلق عليها الطلاب لقب ( الهودج ) وهي مخصصة لطلاب الاتجاه الاسلامي فقط ، وفي هذه الخيمة يوجد جهاز مكبر للصوت وكميات كبيرة من المواد الغذائية التي لا يسمح بوجودها في المعسكر مثل التمر والزبيب ولبن البودرة ، تم تاسيس معسكر القطينة وفقا لنموذج معسكرات القاعدة في افغانستان حيث تم تقسيم الطلاب الي فرق وكتائب وسرايا ، وتم اختيار طلاب الاتجاه الاسلامي ليكونوا قادة لتلك التشكيلات ، وطلب من الطلاب اداء القسم ومبايعة العميد البشير عند التخرج .
فتحت جامعة الخرطوم أبوابها بعد اغلاق دام لمدة شهرين ، وتم تحديد موعد الامتحانات السنوية ، ولكن كانت هناك مفاجأة لم تخطر ببال الطلاب وهي اغلاق ( صفر ) الطعام ، وعند مراجعتنا لعمادة الطلاب فوجئنا بأمر أخر ايضا لم نضعه في الحسبان ، اخبرنا عبد الملك وهو شخص ينتمي لتنظيم الاتجاه الاسلامي وهو الان يشغل منصبا كبيرا في ادارة جامعة الخرطوم أخبرنا بعجرفة ان عهد الفوضي قد أنتهي وعليكم الان التاقلم مع النظام الجديد ، وذكرنا ان المسلمين في الصومال وفي كل بقاع الدنيا لا يجدون ما يسد رمقهم فكيف تعيشون أنتم في النعيم وتتركون غيركم من المسلمين يتضورون جوعا ، هذا هو المنطق الذي واجهتنا به عمادة الطلاب ، فتم صرف دفتر تذاكر طعام لكل طالب ، فكانت التذكرة البيضاء للفطور والحمراء للغداء والزرقاء للعشاء ، وتم الغاء الحليب وقنن الخبز ليصبح من حق كل طالب تناول قطعة صغيرة واحدة في كل وجبة ، كنا نشعر ان كل أزمات السودان والعالم الاسلامي سوف تحل بتصفية السكن والاعاشة ، تم تحويل ( الصفر ) الي كافتيريات تشرف عليها شركة الرواسي للأمن الغذائي ، وكان الذين يشرفون عليها في غاية الحقد والصرامة وذكروني برواية ( أوليفر تويست ) عندما طلب مزيدا من الخبز فكان جزاءه علقة ساخنة وحرمان من الطعام لمدة تزيد عن اليومين ، وشاهدنا بعد فترة عربة كلية البيطرة وهي تصب الحليبفي قدور مسجد الجامعة وتساءلت لماذا هذا الكيل بمكيالين أنتم بذلك تشربون الحليب قبل أطفال السودان وطلاب جامعة الخرطوم ؟؟ فكان الرد اقبح من الذنب .. هولاء عندهم قيام ليل !!!
وشركة الرواسي هي أحدي الشركات التي اسسها الافغان العرب في السودان ، وهناك لغط دائر بان ملكيتها تعود لاسامة بن لادن نفسه ، وقد احتكرت هذه الشركة توريد كامل المواد الغذائية في السودان ، فكانت تتاجر في أهم السلع وتبيعها للمواطنين باسعار غالية حيث كانت تحتكر توزيع اللحوم والبيض والخبز والدقيق ، وقد جنت هذه الشركة أموالا طائلة من هذه التجارة .
وفي تلك الفترة مر علي الجامعة حدثين في غاية الاهمية ، الاول كان اعدام ضباط حركة 28 رمضان ، ولقد تابعنا هذا الخبر من خلال صحافة النشاط الطلابي ولم يعرف الناس وقتها الفضائيات ، نقل الينا الاتجاه الاسلامي الخبر كما يلي :
(( ان القوات المسلحة احبطت محاولة انقلابية كان تهدف الي اسقاط الدولة المسلمة ، كما ثبت أن الانقلابيين كانوا ينسقون مع حركة التمرد والطابور الخامس وكانوا يسعون من أجل اقامة نظام علماني يبيح فتح البارات في الخرطوم ، وثبت ايضا ان هولاء الضباط كانوا من البعثيين وكانوا في حالة سكر شديد عندما تم اعتقالهم ، واالدولة الان قد اقامت عليهم الحد الشرعي وهو الاعدام رميا بالرصاص وعلي الباغي تدور الدوائر ))
هذا ما نشرته جريدة ( اخر لحظة ) و ( الصباح الجديد ) و ( أشتات ) وهي جرائد كلها تلحن بلسان الاتجاه الاسلامي داخل الجامعة ،
طبعا لن أرد علي هذا الكلام البذئ والذي قيل في حق اناس عرفوا بالشجاعة والاستقامة داخل القوات المسلحة وكل ما قيل هو بمثابة اعدام معنوي اخر لهولاء النفر الكرام ، و كان من بين دفعتنا الابن الكبير للفريق خالد الزين ، لقد بكي وحزن لعملية اعدام والده حيث قال أن والدي يحمل رتبة فريق ومن المفترض أن لا يخضع لمحاكمة عسكرية وفقا لقانون الجيش السوداني ، وعرفنا منه ايضا أن السلطات كانت تجهل هوية مدبر الانقلاب لأن زملائه رفضوا ان يكشفوا اسمه للسلطات وضحوا بحياتهم الغالية من أجل انقاذه ، ولقد علمت السلطات بامره بعد مرور يومين من اعلان المحاولة الانقلابية، وأعتقل في المنزل وهو يصلي ركعتي النافلة قبل صلاة الفجر ، فتم اقتياده الي جهة مجهولة وأعدم بسرعة من غير أن يحاكم ، كان بامكان الفريق خالد الزين الهرب والتخفي عن أعين السلطات ولكنه طرد هذه الفكرة من راسه وقرر اللحاق باصحابه الاوفياء ، كشفت لنا مجزرة 28 رمضان خطورة النظام الذي يحكم السودان والذي لم يراعي قدسية الشهر الكريم وقرر حرمان 28 عائلة من ذويها في يوم العيد ، ولكن كما تدين تدان ولم يعش الجلادون كثيرا ليروا فظاعة جريمتهم فكانت خاتمتهم لا تقل سوءا عن اعمالهم النكرة .
والحدث الثاني كان الغزو العراقي للكويت ونزول القوات الدولية علي الاراضي السعودية من أجل تحرير الكويت ، ملات هذه الازمة الفراغ الذي كان يعاني منه النظام في مقتبل تجربته السياسية ، فكان الاتجاه الاسلامي يخرج في مسيرات هادرة ليندد بالخطوة التي أقدمت عليها الحكومة السعودية ، كانوا يرقصون علي أنغام موسيقي الفنانة السورية ( جوليا بطرس ) وهي تنشد ( وين الملايين .. الشعب العربي وين ) ، والسفير العراقي في الخرطوم كان يحل علينا في ساعات الصباح والمساء في ساحة ميدان كلية القانون من خلال ندوات نظمها اتحاد د.التيجاني المشرف ، ومن طرائف ما سمعته في هذه الندوات زعم السفير العراقي أن الجيش العراقي يملك صاروخا بعيد المدي اسمه ( هنا كانت مدينة ) وطمأننا ايضا بأن دولة اسرائيل في طريقها الي الزوال ، كانت صيحات الله أكبر تملأ المكان ، وفتح الاتجاه الاسلامي ثلاثة مكاتب من اجل ارسال المتطوعين الي العراق ، المكتب الاول كان في مسجد الجامعة والثاني في مقهي النشاط والثالث في دار الاتحاد ، ترك اتحاد طلاب جامعة الخرطوم والذي يسيطر عليه الاتجاه الاسلامي هموم الطلاب وتفرغ لأزمة حرب الخليج الثانية .


وسوف نواصل السرد

[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved