مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

للصيف‚‚ فم ! بقلم هاشم كرار - الدوحة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/25/2005 1:31 ص

للصيف‚‚ فم !

هاشم كرار
احب الصيف‚‚ وحين تهب روائح هذا الفصل‚ تراني أتحسس أول ما أتحسس أنفي‚ في الصيف استحيل كلي الى انف‚ لأشطف الى دواخلي رائحة الكائنات كما هي‚
في الصيف تتعضد الكائنات عرقا‚ وأنا أحب عرق الكائنات ليس لأن العرق دليل حركة داخلية في الجسد‚ ودليل حياة‚ فحسب‚‚ وانما لأن العرق يعبر عن رائحة الجسد‚ كما هو في طينته الاولى !
رائحة الوردة‚ التي تتفصد عرقا‚ اقوى من
رائحة الورد التي بينها وبين الندى‚ أو
الثلج‚‚حكاية‚‚
وكذا رائحة الشجرة‚
ورائحة الحجر‚
ورائحة النهر‚ والبحر‚
والقرد‚ واللبوة‚ والحصان‚ والحمار‚ وبقية الحيوانات‚ وكذا العصفور‚ والنونو‚ والغراب وبقية الطيور طُرا !
الانسان اشعر بوجوده اكثر في الصيف‚ من رائحته‚ ويشعر بوجوده اكثر‚ غيري ايضا‚ من الذين يستحيلون في الصيف‚ الى أنوف:
في الصيف‚ تشم المرأة رائحة الرجل‚ كما هو‚‚ ويشمها هو‚ كما هي‚‚ هي في طينتها الاولى‚وهو ذلك‚ قبل ان ترين على هاتين الطينتين مستحضرات العطور من لدن أول بيت الى اشهر بيت في زماننا هذا: كريستيال ديور !
المسألة ليست‚ وقفا على الانسان ــ انثى وذكر ــ انها تنسحب على كل الكائنات الحية: كل ذكر يشم رائحة انثاه في الصيف‚ كما كانت هي‚‚ على امتداد تكوينها الوراثي‚ الى‚‚ الطينة الاولى‚‚ وكذا تشم كل انثى ذكرها‚
الجنس‚‚ رائحة !
ذلك آخر تعريف للجنس‚‚ ذلك لأن كل قطبين مختلفين‚ من سلاسة واحدة‚ يتداعيان الى الجنس‚ بالرائحة‚
الضفادع‚ تفعل ذلك‚
وكذلك النحل‚
والصراصير‚
والجاموس‚‚ وبقية الحيوانات‚ ومن بينها ذلك الذي عرف قديما بأنه «ناطق» !
العرق‚ اذن هو «بوق» الجنس‚‚ ومتى ما نفخ الجسد هذا البوق‚ نفخ الجسد الآخر بوقه‚ حتى اذا ما فاحت المسافة بين الجسدين بالنداءات الرائحة‚ كانت الخطى أولا‚ ثم النظرات‚ و‚‚ كان الجنس اللغة !
الجنس لغة‚‚‚
لكن ما يدهش‚ ان هذه اللغة لم تتشكل من صوت‚ وأصوات‚ وانما هي اللغة الوحيدة في العالم التي تشكلت من رائحة‚‚ وربما كان ذلك هو السر‚ في ان الجنس «كلغة» لم تكتب حتى الآن !
الاموات‚ لا يمارسون الجنس‚ ذلك بسبب ان أجسادهم‚ الميتة من اي حركة خارجية‚ ميتة ايضا‚ من اي حركة داخلية‚ تسيِّل العرق‚ وتضخ هذا العراق في الوقت ذاته ــ بأول النداءات في هذه الدنيا: نداءات الجنس !
للشيخوخة عرق‚ لكن عرق الشيخوخة‚ ليس كعرق الشباب‚‚ بل ان عرق المرء‚ يختلف في شبابه‚ عن عرقه في أواخر العمر‚‚ في العرق الأول رائحة «حفظ النوع»‚ وهو عرق يصرخ بالنداءات‚‚ وفي العرق الثاني‚ لا نداءات‚ وانما سعال وكحة‚‚ ورائحة آلام في المفاصل‚ وفي الترائب‚ وأسفل الحجاب الحاجز !
الدنيا صيف‚‚
وأنا‚ ما الذي حملني‚ لأكتب كل ذلك‚ سواء هذا العرق‚ الذي يتفصّد الآن من جسدي‚ ومن ذاكرتي‚ ومن مخي‚‚ وكل كل هذه الروائح الحقيقية‚ التي تفوح ــ كما ينبغي ــ من أجساد الكائنات‚ وتحيل الدنيا كلها الى غرفة نوم !
أول ما تهب روائح الصيف‚ أتحسس أنفي‚ و‚‚‚ أستحيل كلي الى انف‚
في الصيف‚ ينزّ جسدي عرقا‚ويستحيل هذا الجسد كله الى فم ينادي‚‚ ينادي: الدنيا يا عالم‚‚ صيف !
هاشم كرار ت 5447921 الدوحة

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved