مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

صحيفة الخرطوم مونيتور ومملكة المتعافي بقلم سارة عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/23/2005 8:51 ص

لا أحد منا يخفي عليه الدور الذي تلعبه الصحافة في حياتنا اليومية ، فهي ليست أداة تثقيف ومعرفة فقط ولكنها ايضا وسيلة للرقابة علي اداء الحكومات وأجهزة الدولة المختلفة ، ويتعاظم دور الصحافة ويكبر في الدول الغربية لأنها وفرت لها الجو الملائم مما جعلها تتطور وتؤثر علي الرأي العام ، وهو جو الحرية ، لا يمكن لشجرة الصحافة أن تنمو وتثمر تحت ظل الانظمة القمعية ، ووفقا للمقال الذي كتبه أستاذنا الكبير محمد الحسن أحمد أن توزيع الصحف في السودان قد أنخفض من 400 ألف صحيفة الي 160 ألف صحيفة في اليوم ، وهذا مؤشر خطير اذا علمنا أن عدد سكان السودان ربما يصل الي 33 مليون ، وبحساب رياضي بسيط نستطيع أن نعرف أن عدد قراء الصحافة السودانية لا يزيد عن 5% فقط ، وأكاد أجزم أن العدد الذي يتم توزيعه في اليوم لا يزيد عن 50 ألف صحيفة ، ويمكننا ملاحظة تكدس الصحف في أرفف المكتبات في الفترة المسائية ، فلا يمكن لشخص عاقل أن يشتري صحيفة ليتابع أخبار الامس الذي مضي بينما أمامه فرصة لمتابعة الخبر حيا و وعلي الهواء مباشرة وهو يتنقل بين القنوات الفضائية . .
وربما نعزو سبب تدهور الصحافة السودانية الي الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اهل السودان ، فالمواطن يحتاج لثمن الصحيفة من أجل شراء الخبز ودفع أجرة المواصلات وأنتهي ذلك الزمن الذي يعود فيه الموظف الي البيت وهو يحمل جعبته عددا من الصحف ، ولقد عرف السودان الصحافة الحرة منذ وقت مبكر ومن المؤسف أن تنهار هذه الصناعة الانسانية بهذا الشكل المريع ، والانقاذ منذ مجيئها عملت علي تحطيم مهنة الصحافة وتحجيم دورها كسلطة رابعة وتحويل دور الصحف الي أبواق للدعايا والاعلان ، فتم اغلاق الصحف الحزبية وصودرت ممتلكاتها ، وفرض علي الشعب قراءة صحيفة واحدة وهي ( الانقاذ الوطني ) الناطقة باسم النظام ، وبفعل تلك الرقابة أصبح الصحفي السوداني محروما من أن يكون مراسلا لوكالات الانباء العالمية أو أن يلتقي بعض الزوار الاجانب الذين يدخلون السودان من بواباته المختلفة ، فتجربة أسلام صالح مع قناة الجزيرة تؤكد صدق هذه الرؤية ، فبسبب تقرير بسيط قام باعداده وجد الاستاذ / اسلام صالح نفسه متنقلا بين السجون ومعتقلات الامن ، وذلك غير الجلد والتخوين الذي مارسه عليه شركاء المهنة من كتاب النظام .
محطة البي بي سي الاخبارية تعتمد في تقاريرها الاخبارية الورادة من السودان علي المراسل البريطاني أكثر من مراسلها المعتمد كمال حامد ، حيث أن الاخير مكبل بأصفاد الرقابة التي يفرضها النظام علي عمله بينما أن المراسل البريطاني لا يمكن أن تخضع تقاريره الاخبارية لمقص الرقيب ، ولذلك زهد الناس في أجهزة الاعلام السودانية ومن بينها الصحافة السودانية ، وفي تغطية ملابسات مذبحة سوبا الاخيرة نقل موقع رويتر الحدث بعد مرور ساعة من حدوثه ، وراديو الامم المتحدة أذاعه بعد ساعتين ، وقناة الجزيرة والعربية الفضائتين بثتا الخبر بعد ثلاث ساعات بعد حدوثه ، اما الفضائية السودانية فقد بثت الخبر بعد مرور نصف يوم كامل وبعد تهديد الحركة الشعبية بوقف مداولات الدستور اذا لم يتم بحث هذه الازمة ، وحتي المؤتمر الذي عقده والي الخرطوم كان هزيلا ولم يعطي تفسيرا كافيا للاحداث ، وركز الوالي علي نتيجة واحدة من الحدث الكبير وهي أن الشرطة تعرضت للاذي الجسيم وهي ستحتسب الشهداء وسوف تلتزم علي غير عادتها بضبط النفس ولن ترد بالمثل علي العدوان ، ولكن من الذي أعطي الاوامر للشرطة بأن تقتحم المخيم المكتظ بالنازحين ؟؟ ، ولماذا تم هذا الامر بعيدا عن عين الامم المتحدة أو القضاء الوطني اذا سلمنا بنزاهة هذا الجهاز ؟؟ حاول د. المتعافي أن يلقي بالذنب علي حزب الامة وأتهمه بتحريك الاحداث التي أدت الي هذا الشغب ، وهذا الاتهام من المفترض أن يصدر من وزارة الداخلية أو من الجهات الامنية وليس من والي يتربع علي سدة منصب خدمي وهو والي الخرطوم ، انه ليس مطالب بتوفير تفسيرات سياسية لهذه الاحداث ولكن تضارب الاختصاصات هو أحد الازمات التي يعاني منها نظام الانقاذ ولم يجد لها الحل حتي بعد رحيل الشيخ الترابي ، فتجد وزير التربية علي سبيل يتحدث عن اختصاصات وزارة الزراعة ووزير الخارجية يتحدث باسم القوات المسلحة ورئيس الجمهورية يتسرع ويصدر أحكامه بقطع الاعناق قبل الرجوع الي بيت القضاء .
فهم في تضارب أقوالهم أشبه بذكور الدجاج المحبوسة في القفص فقلما تستطيع تمييز الصوت الذي تنشده ، فالكل يصيح في وقت واحد و من غير نظام . والانقاذ لا يمكن أن تغير نهجها الاستئصالي الذي بدأت به لأنه لا توجد قوة قادرة علي ردعها و سوف تزيد ضراوتها في القتل والقمع كلما أحست بالخطر ، فبعد حديث الوالي عن نهاية الازمة بدأت الهزات الارتدادية في الظهور ، ففي صباح اليوم التالي حاصرت قوات الشرطة أرض المخيم وبدأت في اعتقال بعض المواطنين وأقتادتهم الي اماكن مجهولة ، ثم بدأت الحملة الشعواء علي الصحف المحلية ، فكانت أولي الضحايا هي صحيفة (الخرطوم مونيتور) الناطفة باللغة الانجليزية ، وجريمتها التي لا تغتفر في عدالة الانقاذ أنها نقلت عن وكالة رويتر للأنباء بعض التفاصيل الخاصة بمجزرة سوبا ، وحتي هذا التفاصيل كانت معروفة للجميع عبر المواقع الالكترونية ونشرات الانباء التي تناولت نفس الخبر ، فالاعلام السوداني يحيط كل الازمات بالسرية والتكتم الشديد ويغطي علي جرائم الدولة فلماذا ينتظره الناس من أجل تلقي الاخبار الجديدة فالكل تابع مجريات الازمة من خلال وسائل الاعلام الاجنبية، فالجميع الان يثقون في الاخبار التي تبثها محطات الاخبار العالمية ، وذلك لأن النظام يستغرق وقتا طويلا في فبركة الخبر وتوصيله بالطريقة التي تليق برغبة النظام وهذا امر لا يطيقه المواطن العادي والذي سرعان ما ينفذ صبره فيلجأ الي الاذاعات العالمية من أجل معرفة الحقيقة ، انتهي عهد أوروبا الشرقية وأصبح من المستحيل استخدام وسائل الكبت القديمة من أجل اخفاء الحقائق ، وما عجزت أوروبا الشرقية عن تحقيقه في قرن كامل لن يتمكن نظام البشير أن يحققه وهو يحكم بلدا الان كل القوي العالمية دست أنفها في شئونه ولها رجل في أرض السودان الشاسعة من وحدات المراقبة الي قوات حفظ السلام الدولية .
لقد طلبت الجهات الامنية من رئاسة تحرير صحيفة (الخرطوم مونيتور )أن تصدر عددها ليوم السبت بعد حذف المقال الخاص باحداث سوبا والمنقول عن شبكة رويتر للانباء ، وبما أن الصحيفة كانت تحت الطبع ومن الصعب اعادة صياغة اعمدتها من جديد لجأت السلطات الامنية الي حيلة تنقذها من هذا المأزق وهي أن لا تشمل الطباعة افتتاحية الصحيفة التي تناولت خبر مذبحة سوبا ؟؟ ، أي أن الافتتاحية عبارة عن صفحة بيضاء خالية من أي موضوع (blank ) ، ونسأل الاستاذ/ محمد الحسن أحمد للمرة الثانية هل صادفت مواطنا يشتري صحيفة خالية من المواضيع ؟؟ الاجابة نعم اللهم الا اذا أراد أن يلف بها ساندوتشات الطعمية أو يود بيعها كمواد تغليف لبائعات الفول والتسالي ، ولكن الاجهزة الامنية تداركت هذا الحل الغريب وأصدرت قراراها الجازم والاكيد بوقف طباعة العدد بالكامل ، والان من يتحمل هذه الخسارة ، خسارة الطبع وخسارة الاعلان وخسارة القارئ المنتظم للصحيفة ، لا احد يأبه لهذه الخسائر طالما أن النظام لن يمسه أحد بسوء ، وهنا ضاع دور الصحافة في الرقابة علي الدولة، ومن المضحك أن جهاز الشرطة رفع قضية قانونية علي الصحيفة واتهمها بالمغالاه في زيادة عدد القتلي حيث رفعت الصحيفة عددهم من 14 الي 18 قتيل ، ولا اعتقد ان موت اربعة أشخاص يمكن أن يمثل فرقا بالنسبة للحكومة السودانية اذا علمنا أن عدد الذين قتلتهم في دارفور بلغ 400 الف قتيل .
وكلنا نذكر كيف أدت التقارير الصحفية الي نشرتها الصحف الامريكية بخصوص أزمة أبو غريب الي محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي وقعت بهذا السجن، ولكن ما تكتبه الصحف في السودان قد يعرضها الي خطر الاغلاق والمصادرة اذا حاولت أن تلعب دور الرقيب كما تفعل الصحافة الغربية ، عليك أن تكتب بما هو مسموح ويصفق له الاعيان في المجلس الوطني ولكن أحذر أن تكتب عن افراط الشرطة السودانية في استخدام العنف ، وشرطة السودان هي الجهاز الامني الوحيد في العالم الذي يهاجم ويطلق النار في نفس الوقت علي جموع المواطنين ، وحتي الشرطة الاسرائيلية لا يسمح لها باطلاق النار الا في حالات الدفاع عن النفس عندما تجبرها الظروف الامنية علي مواجهة المحتجين في الطرقات ، ومصر التي يعتبرها الاخوان أنها الجحيم الذي خلق من أجلهم رأينا كيف تعاملت الشرطة معهم بصورة حضارية في التظاهرات التي قاموا بها أمس وهم يهتفون بسقوط نظام الرئيس حسني مبارك ، وأسراف الانقاذ في الفتل لا يمكن أن يبرر ولا يمكن أن يقال أنه غاية حميدة ولكنه أدي لنتيجة واحدة عرفها كل العالم هو أن الدولة الاسلامية لا تزيد عن كونها جهاز قمعي يصادر الحريات ولا يتردد في قتل خصومه وان صغرت جرائمهم .
ولو حدثت مذبحة سوبا في احدي الدول التي تطبق الديمقراطية لكان الوضع مختلفا عما جري الان ، كانت ستتم اقالة وزير الداخلية ووالي الخرطوم ، ولكن د. المتعافي لا زال يوزع بسماته علي عدسات مصوري الفضائية السودانية من غير أن تهتز له شعرة واحدة بسبب ما حدث ، فهو واثق مما فعل ولا يعتقد أنه أخطأ بارساله الشرطة لمواجهة جموع المواطنين الغاضبين ، فحدوث هذه المواجهة كان أمرا متوقعا ، وقد أوكلت للمتعافي مهمة خلق هذه الازمة وايجاد الحلول لتبعاتها ، ان أزمة المرور والصرف الصحي والتلوث البيئي تحاصر وسط الخرطوم ولكن الوالي الشجاع فضل أن يقود معركته بعيدا في أطراف المدينة المترامية ، حيث يوجد الغلابة الذين يمكن سحقهم بمجنزراته وتحقيق نصر كبير عليهم يؤدي الي تحرير الارض من دنس الافارقة الاوباش الذين تحلقوا كالحية حول مدينة الخرطوم عاصمة الثقافة العربية ، ان الخرطوم الان تستضيف شبابا عربا من كل الجنسين ومن مختلف أنحاء الدول العربية علي طريقة ( ستار أكاديمي ) فلماذا تضيق سعتها ببعض البؤساء الذين أجبرتهم ظروف الحرب علي العيش في ظل المخيمات ، لم يطالبوا بضرورة توصيل الخدمات الضرورية من هاتف وكهرباء وبريد وكل ما حلموا به مكان أمن تقصده فيه الامم المتحدة وهي تجلب لهم المساعدات ، فهم لم يعتدوا علي مخططات شركة المكيرش التي اشترت أرضنا بالمجان وباعتها لنا بالعملة الصعبة ، ولكننا عشنا زمنا تغلي فيه الارض السودانية وترخص فيه أرواح بني السودان ودمائهم .
وبما أن د. المتعافي أخذ مكانته في دنيا المجازر وأصبح عضوا في نادي حرب الابادة فعلينا أن نعرج علي سيرته الذاتية فربما نجد في ماضيه ما يعطينا تفسيرا لسلوكه اللاانساني ، فهو كغيره ينتمي للشمال النيلي وربما يزيد عمقا في ذلك اذا عرفنا أن اصوله تعود ( للصعايدة ) في جنوب مصر ، وقد هاجرت عائلته من شمال الوادي بسبب شح الاراضي الزراعية وأتجهت جنوبا لتستقر بمدينة الدويم في وسط النيل الابيض حيث عملت اسرته في مجال بيع اللحوم بالتجزئة ( جزارين ) ، وعندما كان حق التعليم مكفولا للجميع في السابق أستطاع الوالي الجزار أن يلتحق بكلية الطب جامعة الخرطوم وانضم لتنظيم الاتجاه الاسلامي ، وفي أول تجربة له سياسية سقط في انتخابات 1986 عندما ترشح في دائرة الدويم وهو يمثل الجبهة الاسلامية القومية ، وكان السبب في سقوطه هو الاتهامات التي وجهت اليه بأنه استغل مواد الاغاثة التي منحتها الولايات المتحدة لمتضرري الجفاف في عام 1984 لاغراض انتخابية ، فالرجل له سوابق قديمة وسجل حي مع أرباب الكوارث حتي قبل أن يكون وزيرا للصناعة وواليا للخرطوم .وهو كوالي للخرطوم نجح في زرع أهله واقاربه في المناصب الحساسة داخل الولاية . فالرجل يعتبر ولاية الخرطوم مملكة خاصة أو اقطاعية كبيرة منحتها له الدولة يفعل فيها ما يشاء .
اذا قرأت سير كل الذين يشغلون مناصب كبيرة في دولة الانقاذ لن تجد في حياتهم ما يثير الذكر عدا أنهم كانوا اعداء للانسانية حتي قبل وصولهم الي السلطة ، فسوف تجد منهم المرتشي والقاتل واللص والخائن وكل ما يخطر ببالك من عيوب البشر ، لقد رفض سيدنا عمر بن عبد العزيز هدم الكنيسة من أجل بناء مسجد للمسلمين ، والدولة الاسلامية كانت الاولي في العالم و في أوج عظمتها وقمة سؤددها ولم ينازعها احد في المكانة الرفيعة ، ولكنها دولة قامت علي شعيرة العدل ولم تقم علي الجبروت والتسلط كما تفعل الانقاذ الان والتي شردت أصحاب سوق الخرطوم المركزي للخضار والفاكهة لتبني عمارة شاهقه لم ترتفع قوائمها من الارض الي الان ، شردوا الاف الاسر التي كانت تقتات من هذا المصدر ونفتهم الي أطراف المدينة ، كما تمت مصادرة كل الاراضي والمباني التي كانت تحيط بمسجد الخرطوم الكبير من أجل بناء مجمع الذهب والذي يدر ذهبا لمنتسبي وزارة الاوقاف الممتلئة بمحاسيب النظام ونسوا ان الامام علي رضي الله عنه خشي ان يسأله الله اذا اذا احتفظ بدنانير في مال بيت المسلمين .
أنهم لا يبنون الجدار العازل ليحموا أنفسهم من العدا ولكنهم يحتاجون لكل الارض لتكون جدارا عازلا يحمي مصالحهم ونزواتهم ولكن لن يطول ليل الظلمة والمظالم ولا بد أن ينبلج صبح الحرية وان طال انتظاره ، وسوف تجف قطرات الندي وهي تمتص أشعة الشمس المشرقة ، ويصيح طائر الكناري علي الافنان مؤذنا ببداية العهد الجديد .

ولنا عودة

سارة عيسي

[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved