مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

عرس الشهداء بقلم سارة عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/18/2005 8:29 ص

يعتبر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر هو مؤسس الدعاية السياسية في العالم العربي ، وفي عهده بلغت ( اذاعة صوت العرب ) قمة مجدها ، وكانت هذه الاذاعة تنقل خطب الزعيم الملهم علي الهواء مباشرة فيهرع الناس الي المقاهي ويتحلقوا حول المذياع من أجل سماع الخطب الحماسية ، وكان لهذه الاذاعة حضور واسع في المجتمع العربي الذي عاش علي حلم انتصار الثورة العربية علي اليهود الصهاينة . ان واقعنا العربي المرير هو الذي يصنع حكامنا كما أنه يشكل طبيعة أجهزة أعلامنا المرئية والمسموعة ، وهذه الاجهزة هي تبنت شعارات القضية الفسلطينية ، ولذلك تجد أن كل الذين وصلوا الي كراسي الحكم في العالم العربي عن طريق الانقلابات العسكرية تجدهم يضعون في أجندتهم الرئيسية محاربة اسرائيل وتحرير فلسطين ، وبسبب ذلك دفعت الشعوب العربية ثمن هذه الشعارات من غير ان تتحرر فلسطين ، لأن هذه الانظمة لجأت الي مصادرة الحرية والقمع في داخل أوطانها وأعتبرت أن هذا العمل يدخل من ضمن أوليات محاربة العدو الصهيوني واستعادة القدس ، فكيف يمكن مقارعة الدولة اليهودية علي أرض المعركة بينما عملائها في الداخل يطالبون بالحرية واليمقراطية ، فقمع صدام حسين شعب العراق وبدد العقيد القذافي موارد الشعب الليبي وفقد عبد الناصر سيناء ودير كاترين وطابت ، ولكن أرض فلسطين لم تتحرر و ما منحتنا له اسرائيل في كامب ديفيد عادت وانتزعته لأنها تحتاج لأرض خارج حدودها لتبني فيها الجدار العازل ، وفي اليمن خاض الجنرال صالح حربين عظيمتين وهي حرب صيف 94 من الحزب الاشتراكي وحرب الحوثي الاخيرة ، وفي كلتا الحربين كان الجنرال صالح يحارب الخونة وعملاء الصهيونية ،

ونحن في السودان أيضا لنا تجربة في حرب اسرائيل ، فالنميري أيضا كان محاربا جيدا ولا يقل عن عبد الناصر أو القذافي خبرة وحماسة في ادارة الحرب ضد الدولة الصهيونية فهو أيضا قد استباح الجزيرة أبا عام 1970 وذبح الرجال وهدم البيوت لأنه كان يعتقد بأنه يحارب قوة رجعية ظلامية من القرون الماضية تحاول أن تكون مخلب قط للأمبريالية العالمية التي تدعمها الصهيونية الخفية ، ولكن اين موقع حرب الصهيونية من عملية تهريب الفلاشا والتي نظمها وقبض عمولتها هو و زمرته ، نحن شعوب ضعيفة الذاكرة وعندما نسامح لا نفرق بين الخائن والمجرم ، وها هو النميري يعود اليوم الي الخرطوم ولا يسأله أحد لماذا فعل ذلك ؟؟ ولكننا نكرمه ونسمح له بتأسيس حزب سياسي ليملأ به ساعات فراغه الطويلة !! ، وأنا لا أدعوا الي محاكمة النميري أو سجنه فالرجل الان اصبح مجرد صورة قاتمة من الماضي الاليم ، ولا أريد أن أزيد في ايام شقائه فهو قد خسر الكثير الذي لم يكن يملكه ، فقد بدأ حياته ضابطا في الجيش ثم زعيم ثورة ثم لاجئا يعيش علي فتات الدولة المصرية ، هو الان في نزعه الاخير و يمر بالام الشيخوخة ورذائل تقدم العمر ولن يفيدنا شيئا اذا بقي داخل السجن أو خارج أسواره ، فالامر سيان .

ولكنه لم يفقد الذاكرة وكنوع من العلم بالاشياء بدلا من الجهل بها يمكنه ان يجيب علي تساؤلاتنا علي طريقة جورج غالاوي النائب في حزب العمال البريطاني ، لقد حزم غالاوي حقيبته ولم تخنه الشجاعة وذهب الي واشنطن ودافع عن سمعته بجدارة ووضع كل لجان الكونغرس الامريكي في قفص الاتهام وقال ( لم تستطيعوا أن تثبتوا أنني سرقت نفط العراق ولكنني قادر علي اثبات أنكم دخلتم هذه الحرب بناء علي كذبة pack of lies ) . ويمكن للنميري أن يمثل للتحقيق أمام لجنة منبثقة عن المجلس الوطني اذا أعترفنا أنه الكيان الشرعي الذي يحكم السودان ويترك للنميري حرية اختيار الاجابة ، ولكن هذا الدرس من الديمقراطية غير مقرر داخل الانظمة العربية التي يحب حكامها التطبيل والهتاف .

ان سمعة الانسان الغربي هي حياته وكرامته ، ولكن الحاكم العربي ولد بلا كرامة ولا يستطيع أن يدافع عن سمعته أمام الملأ لأنه أعلم بنفسه من غيره ، ان النميري لم يعتذر لأهل فلسطين الذين خانهم في يوم من الايام بعد أن تاجر بقضيتهم وعرض عليهم الاقامة في السودان كوطن ثان لهم حتي تتحرر فلسطين .

والفاتح عروة الضابط الكاتم لأسرار هذه الصفقة يعين مندوبا لأهل السودان في الامم المتحدة !! وكأن البلاد ينقصها الشرفاء واصحاب الضمير حتي يعتلي منابرنا من غرق في بئر الخيانة وفاحت منه رائحة العمالة لتملأ الافاق ، أليس من حقنا أن نتساْءل لماذا لم نحاكم النميري علي جريمة اليهود الفلاشا ونعتبر هذا جزءا من حربنا علي اسرائيل وعندها لن يشكك احد في نيتنا الصادقة هذه المرة ، فالرئيس المشير النميري لم ينكر هذه الواقعة وأبناء النميري رأيناهم في الفضائية الاسرائيلية يرتدون بزات الجيش الاسرائيلي وهم يرقصون ، ولا ننسي أنه أرتكب مذبحة الجزيرة أبا تحت زعم محاربة اسرائيل فلماذا لا نذيقه من نفس الكأس ، ولكن من يسأل عن الدم المسفوك في الماضي ودارفور كلها اصبحت دماء ويئن أهلها من المواجع . ونسأل مرة اخري لماذا كان الفاتح العروة هو الذي تم اختياره ليكون ممثل السودان في الامم المتحدة ونحن نعلم أن كل ما يملكه من خبرات لا يزيد عن كونه ضابط ترحيل نجح في نقل يهود الفلاشا من السودان الي اسرائيل تحت جنح الظلام .

ونظام الخرطوم له باع كبير في تبني شعارات محاربة الدولة اليهودية ، ولكنهم زادوا عليها شعارا جديد وهو ( يا الامريكان ليكم تدربنا ) ، د. حسن الترابي كان محقا في تصوره عندما قال ان اسرائيل ليست الا ذيلا لأمريكا واذا أردت النيل من اسرائيل فعليك بقطع الرأس في واشنطن ، وبسبب تبني شعار محاربة الصهيونية العالمية وتحرير بيت المقدس تم تدبير انقلاب المشير البشير عام 1989 ، فكل فقادة الانقلاب كانوا يتحرقون للقاء والموت والشهادة وتحقيق أمنية الصلاة في باحة المسجد الاقصي بعد أن يغرسوا أسنة سيوفهم في أحشاء العدو الصهيوني وينتزعوها وهي تقطر دما أحمر ويهتفوا بصوت عالي يهز أرجاء يافا وصفد وحيفا ( الله أكبر ) ، ولكنهم غير مطالبين بتحقيق هذا الحلم علي وجه السرعة ، فلم للاستعجال فهناك صهاينة في الداخل يطالبون بالديمقراطية والحرية يجب القضاء عليهم قبل البدء في هذه المعركة الكبري ، استقامة حكم السلطان مقدمة علي محاربة العدوان، والضرورات تبيح المحظورات، والذرائع تبيح تغيير الشرائع وغيرها من السجع الذي يبرع في نظمه د.عصام أحمد البشير وزير العمرة ، ولكن الانتظار لم يطل لأن الجنوب يمكن أن يكون مسرحا مناسبا لهذه الحرب فلماذا نتكبد مشاق السفر بينما اسرائيل القربية تبعد عنا مسافة علي قدر ( مقولة قالها الاشتر النخعي في يوم صفين) عدوة الفرس ، وأكتشف دكتور كمال العبيد بعد جهد جهيد ومثابرة وتقليب في الاوراق والوثائق أن أسرائيل تسعي الي وقف الزحف الاسلامي جنوبا حتي لا ينتشر الاسلام بين اهل القارة الافريقية السمراء ، فأهل الانقاذ نصبوا أنفسهم حماة للعقيدة الاسلامية هذا بالاضافة الي توليهم مشروع حرب اسرائيل وأمريكا في وقت واحد ، وفي أول حفل تخرج لطلبة الكلية الحربية بعد مجئ الانقاذ قام الملازم وداعة الله بالقاء كلمة علي مسامع الرئيس والجمهور الذي حضر الاحتفال فقال ( لا نطيعك اذا لم تطع الله فينا ) وأنشد قصيدة شهيرة بدأها بأهزوجة

طلقة طلقة ودانا دانا

دانا تضرب في مكانا

وكانت هذه بداية انطلاقة الحرب والتي عرفت أنذاك بعمليات صيف العبور ، أستشهد الملازم وداعة الله في هذه الحرب وكان رجلا علي قدر مقام الكلمة وتأثرت جدا للرسالة التي كتبها الي أمه حيث كتب كلمات عزائه الي أمه وهو علي قيد الحياة وسكب كمية من المشاعر الدفاقة واصدق المشاعر هي ما يزيجيها الابن لامه ، مات وداعة الله فداء لما كان يراه صحيحا حتي ولو اختلفنا معه في هذه الرؤية ، أن الاعلام هو الذي فتك بحياة وداعة وبحياة كل الاعزاء الذين فقدناهم في حرب الجنوب ، ويا تري ماذا سيفعل الدستور الجديد بفرع التوجيه المعنوي الذي يشرف عليه المقدم يونس محمود ، هذا الجهاز هو الذي أرسل أبناء السودان الي جحيم الحرب والان يصفق القائمون عليه لاتفاق نيفاشا ويهللون ويكبرون ونسوا انهم قد دفعوا بالمئات من ابناء هذا الوطن الي ساحة الحرب ، ثمانية وعشرين مقعدا في الحكومة و 40% من العوائد النفطية كافية لايقاف الحرب الدامية واشباع شهية الحركة الشعبية ، ولكن في تلك الايام كان كل ما يريده قرنق هو ( المؤتمر الدستوري الجامع ) الذي يشارك فيه كل أبناء السودان ، ولكن أهل الانقاذ أعتقدوا أنهم حددوا هوية السودان في دستور الثوابت الشهير وحصروها في لفظ عرب يدينون بالدين الاسلامي ومن رأي غير ذلك فعليه ان يستعد للحرب الضروس .

عندما عاد الرسول ( ص ) من أحد الغزوات قابلته امراة من أهل المدينة فنعي لها أبوها فصبرت فنعي لها زوجها فوولت وبكت فقال عندها ( ان زوج المرأة منها بمكان ) ، ولكن الانقاذ حاولت أن تجعل من خبر الموت مناسبة للفرح والزغاريد وهي ما عرف عندهم ( بعرس الشهيد ) ، وعرسهم هذا يجرح المشاعر الانسانية وفيه استخفاف شديد بأهل الفقيد ، واذكر في مناسبة من مثل هذا النوع أن والدة الفقيد كانت سيدة طاعنة في السن وتعاني من أمراض الضغط والسكر ، وصادف ان احدي أخوات نسيبة ( هذا اسم نطلقه علي بنات الجبهة ) أبلغت أم الشهيد خبر وفاة أبنها بصورة ( افرحي يا أم العريس أبنك استشهد في الجنوب ) فماتت هذه السيدة من هول الصدمة والسبب كان جرأة الناعي الذي بلغ الخبر ولم يراعي عامل عمر هذه السيدة المتقدمة في العمر ، وهذه الواقعة مشهورة والشهيد رجل لامع ويحمل رسالة الدكتوراة ولا أزيد عن ذلك حتي لا أسبب لأسرته المزيد من الالام فيكفيهم ما فقدوه الي الان في هذه الحرب .

ولكن من يتذكر وداعة الله الان والنظام مشغول بجمع حصاد نيفاشا ، أنه عهد ربطات العنق وفذلكة الكلام في الفضائيات ، انه عهد غازي سليمان وحسين أبو صالح وعبد الباسط والدرديري وكل من تخلف عن قطار الشهادة السريع ، الاعلام السياسي هو الذي صور أن حرب الجنوب عبارة عن غزوة لاجتثاث أعناق المشركين واستئصال شأفتهم ، حسين خوجلي كان يخشي أن يحقق قرنق حلمه ويتوسط الجعليات الحرائر في المتمة ويشرب معهن القهوة بالجنزبيل ، لا أحد تخفي عليه الروح العنصرية المبطنة في هذا مثل هذا النوع من التوجس البغيض ، فان قوله أشبه بشعارات منظمة ( كوكس كلان ) التي أنشأها اليمينيون البيض بعد نهاية الحرب الاهلية في أمريكا ، وذلك لأن حسين خوجلي يحاول أن يجد هوة سحيقة تفصل بين جون قرنق الزنجي وحرائر الجعلية في المتمة ، ومقياس هذه الهوة وفقا لرؤية حسين خوجلي هو العرق الاثني الذي ينحدر منه طرفا المعادلة ، ولذلك كانت حرب الجنوب عنيفة في عهد الانقاذ وجمعت كل العوامل التي تزيد نار الحروب اشتعالا ولهيبا مثل استخدام الكيان العرقي والعقيدة الدينية كمحرك للحرب ، و حسين خوجلي وغيره من الانقاذيين لعبوا علي هذه الاوتار الحساسة ودفعوا الكثير من الابرياء ليلقوا مصيرهم في هذه الحرب ، ولكن مهيجي الحروب والذين ينفخون في مزمارها اخر من يدفع ثمن تكلفتها الباهظة ، وفي مفوضية الدستور ساءني ما آلت الامور عندما أختلف الرأسان في كلمة البسملة ورأي فيها ممثلوا الحركة أنها تكرس لثقافة المؤتمر الوطني ، وهذا الشك وعدم الثقة سببه استخدام الانقاذ السئ للدين الاسلامي حيث أختزلت معانيه وحولته الي ثقافة حزبية ضيقة رفضها حتي شركائها في السلام ونظروا الي عبارات الدين التي وردت في مقدمة الدستور بعين الريبة مخافة ان تتحول في يوم من الايام الي مصدر لفرض الثقافة الاسلامية ، أن كلمة الرحمن والرحيم هي من صفات الله في الديانة المسيحية ولا أري مبرر لرفض كلمة البسملة سوي الشك والذي القي بظلاله علي مفردات كانت في يوم من الايام تجمع الناس ولا تفرقهم ، وأنني كنت في ذات يوم ألقي التحية علي أهلنا الاقباط في سوق أمدرمان فيردون التحية كاملة كما وردت في الاسلام ( وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته ) ، فالاديان الغرض منها أرساء الاخلاق ونشر قيم المحبة بين الناس ، واذا استخدم شخص مسيحي لفظ اسلامي في القسم أوعند القاء التحية لا يعني ذلك اطلاقا تخليه عن ديانته المسيحية ، ونذكر كلنا قصة ذلك القبطي الذي ترشح في دوائر الختمية في انتخابات 64 حيث كتب في ملصقه الانتخابي ( قبطي ختمي ) كدلالة علي روح التسامح التي كانت سائدة أنذاك قبل أن تغبرها الجبهة الاسلامية بشعاراتها العدائية ، ان الذين تضرروا من حكم الانقاذ ليس المسيحيون فقط بل المسلمون دفعوا الثمن أكثر من غيرهم ، فطاحونة الحرب كان زادها من أبناء المسلمين والذين سيقوا اليها من غير أرادتهم ، فشرطة الخدمة الوطنية كانت تداهم المدارس والبيوت والشوارع والازقة من أجل أن تقبض علي أحد الضحايا وترسله الي محرقة الجنوب ، لم تكن حرب الجنوب هي خيار أهل السودان الوحيد ولكنه خيار السلطة والتي وافقت الان صاغرة علي التفاوض وقبول السلام ، أن طالب الطب الان مطالب بأن يعمل سنتين لصالح الخدمة الوطنية وسنتين من أجل الامتياز ، وأبواب الوظائف مؤصده في وجه الذين لا يحملون شهادة خلو طرف من الخدمة الوطنية ، والسفر للخارج ممنوع الا باداء الخدمة الوطنية أو دفع فدية نقدية لادارتها ، لقد أنتهت الحرب في الجنوب ولكن أبناء الشمال لا زالوا يدفعون ضريبتها لنظام الانقاذ الي اليوم ؟؟ لقد قلت لكم أن حجم ماساتنا أكبر من كمية الحبر الذي نكتب به ولنا عودة ؟؟

سارة عيسي

[email protected]


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved