مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

صعوبة تطبيق مبدأ الشفافية وابتلاء الممارسة السياسية بعيب السرية بقلمبدر الدين أبو القاسم محمد أحمد

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/18/2005 8:25 ص

صعوبة تطبيق مبدأ الشفافية
وابتلاء الممارسة السياسية بعيب السرية
بقلم/ بدر الدين أبو القاسم محمد أحمد
شعارنا لهذا المقال ( أن الديمقراطية المستدامة تحتاج إلي أحزاب مستدامة أيضاً وتنمو نمواً طبيعيا لا أميبيا).
أسجل بداية أن القول بتفشي السرية في ممارسة الأحزاب السياسية السودانية خاصة الرئيسية منها ليس معطى محسوما من الناحية العلمية بقدر ما هو استنتاج مستخلص من انتقادات القياديين ،وتعليقات الصحافة ،وانطباعات المتابعين لتطور الحياة السياسية السودانية. فالأمر يحتاج موضوعيا إلي دراسات ميدانية لإثبات علمية هذا الحكم وتأكيد صلاحيته.بيد أن هناك عديد المؤشرات القادرة علي الدفع في اتجاه البرهنة علي رجاحة هذا الرأي.
فالطابع السري الذي حكم تجربة الحركة الوطنية ،وتحكم في التنظيمات التي شكلت روافدها السياسية لم تتوفر شروط القطيعة معه بل استمر ضاغطاً علي تفكير وممارسة الأحزاب كما هو حال حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي من جهة ، وحال الحزب الشيوعي وجبهة ميثاق العمل الإسلامي من جهة أخرى وتتغير الخطة من 2/2 إلي 3/1 وهكذا الأمر دواليك!!! وتحضرني قصة أشار إليها الأستاذ / عبد الرحمن مختار في كتابه خريف العمر" من ان شابا سودانيا حضر إلي راعي حزب الأمة آنذاك السيد/ عبد الرحمن المهدي وكشف له عن معلومات خطيرة ومهمة تتعلق بغريمه السيد / علي الميرغني والصاغ صلاح سالم.. فقامت الدنيا ولم تقعد ووجهوا اتهامهم للإمام /عبد الرحمن المهدي بغواية الشاب بالمال وتجنيده لصالحه وكاد الأمر أن يشعل حربا بين الفريقين" هذه صورة مصغرة عما كان يدور بين الأحزاب وعلاقاتها البينية القائمة علي تصورات تصل إلي حد الخرافة لقراءة طريقة تفكير الخصم السياسي الذي جل همه الكيد والمكر والخداع لهزيمة الآخر. والمضحك والمبكي في ذات الوقت ان أهل الحزب الواحد عندما يجلسون ويستأنسون ويتسامرون ينصب معظم حديثهم ما فعلوا بغريمهم السياسي اعتقادا منهم ان ذلك منتهى البطولة وجل الشهامة والاستبسال، والمؤسف حقا أن هذه الصورة لا تزال حاضرة وتزين حديث النخب فضلا عن الأعضاء العاديين.
هذا الضغط الفكري والنفسي انعكس سلبا علي تطبيق مبدأ الشفافية ووصم الممارسة السياسية داخل الحزب الواحد بالسرية التامة والمطبقة ،مما أدي إلي جعل معلومات عادية لا قيمة لها توصف بالحساسة ولا تتداول إلا همساً ،ومن تجرأ علي النطق بها في غير موضعها يكون قد خان الله ورسوله ونكص عن البيعة وخرج عن الملة ومصيره إلي النار والعياذ بالله. أما الأحزاب العقائدية فالصورة فيها أشد قتامة .. ففي الوقت الذي كان يتصور أن هذه الأحزاب وفي طليعتها الحزب الشيوعي السوداني الذي يضم في صفوفه النخب الواعية والمستنيرة أمثال المخضرم الشفيع أحمد الشيخ الحاصل علي جائزة لينين وغيره من الأفذاذ واستناداً علي استنتاجات المراقبين وشهادات المنسلخين عن الحزب أن ثمن إفشاء أي معلومة ولو لعضو في التنظيم بنوع الخطأ سيكون الثمن باهظاً ،مما يستنتج منه ليس انعدام الشفافية بل اغتيالها. كل ذلك ساهم في أن تتحول أحزابنا السياسية من منظمات تعتلي هرم المجتمع المدني يناط بها وضع البرامج السياسية الهادفة وتبادل الأفكار وإشاعة قيم الديمقراطية تتصدرها الشفافية وحرية الرأي والتعبير وتبادل المعلومات إثراءًا لها تحولت للأسف إلي ثكنات عسكرية جل همها الهاجس الأمني والسرية. والمطلوب في رأي المتواضع إحداث ثورة وانقلاب علي مستوى الفكر والأدوات والآليات داخل تنظيماتنا السياسية وتقع المسئولية علي عاتق الكوادر الشبابية المنضوية تحت لوائها ولا زالت تراهن علي بقائها حية وفاعلة في الجسم السياسي السوداني.
كذلك من الأشياء التي أعاقت تفشي مبدأ الشفافية وبررت استمرار الطابع السري ، ذلك الخطأ التاريخي الذي وقعت فيه أحزابنا التقليدية ، بناءاً علي التحالف الذي تم بين رواد الحركة الوطنية في مؤتمر الخريجين وزعماء الطوائف الدينية مما نتج عنه تديين السياسة ولا أقول تسييس الدين فهذا قد جاء مؤخرا علي يد الإسلامويين ، حيث تم المزج التام بين الولائين السياسي والطائفي وهو تحالف اقتضته الضرورة السياسية والمصلحة الآنية حينها ، ولكن التداعيات التي ترتبت عليه أدت إلي نتائج وخيمة وكارثية في بعض الأحيان ( التواطؤ مع العسكريين لتسلم السلطة) ، بالإضافة إلي تلك الصورة الماثلة حتى اليوم في حالة الارتباك داخل صفوف الأحزاب السياسية وخارجها وأن السودان " إفريقيا المصغرة" لا يزال يتنكب الطريق ويأتي في ذيل دول العالم.
ولا أجد مناصا أو حرجا في وصف الأحزاب السودانية بنعت " الطريقة " وقيام الحياة الحزبية علي ثنائية "الشيخ" و"المريد"( مع احترامنا التام لهم)، بكل ما يترتب عن هذه العلاقة من نتائج تنظيمية وفكرية وسياسية. فإذا كان المجال الصوفي محكوما بقوامة "الشيخ" الذي يشكل المرجعية الأساس ،فذلك لأن منه تنبع الهيبة والجاه والسلطان ،وهو مصدر الهبة والكرامات والإكراميات والمنافع الرمزية.فكلما توفرت في المريد مثل هذه الخصائص كانت حظوظ اقترابه من الشيخ أوفر. وبالنتيجة كانت دائرة استفادته من المنافع أوسع. يميل البحث الاجتماعي والأنثربولوجي إلي تأكيد حصول انتقال عمودي لهذه الثنائية من مجال التصوف إلي حقل السياسة. فكما أن الشيخ في التصوف لا مراد لقضائه فالزعيم بدوره لا حدود لسلطاته في السياسة ، وعلي الرغم من انتماء التصوف والسياسة إلي مجالين هما في خط التباعد والتناقض. ولكن زعمائنا السياسيين أبت أنفسهم إلا التسربل بالعباءتين معاً فالإسلامويون يفضلون نعت الأمين العام سابقاً الدكتور حسن الترابي بالشيخ وهو أمر له دلالته ويضمر في طياته الكثير ،وها هم ينادون الأستاذ/ علي عثمان محمد طه بذات الصفة. وينطبق الأمر علي السيد/ الصادق المهدي الذي التسربل بعباءة الإمامة عندما ضاقت به العباءة السياسية وأصبحت لا تغطي ما حرص علي تغطيته قاطعا الطريق أمام الخصوم السياسيين وانتقاداتهم الذين لم يكونوا هذه المرة كغيرهم من التقليديين ،بل من المقربين والعارفين ببواطن الأمور والمخبأ والمستور.
وخلاصة الأمر أن كل هذه المحاولات تظل مسكنات ومهدءات إلي حين. والعلاج يقتضي ألا بديل عن الشفافية رغم أننا لا ننادي بشطب السرية وإبعادها تماماً من العمل السياسي ولكن يجب أن تكون مضبوطة وفي حدود ما هو معقول ومنطقي ومقبول لدي أعضاء الحزب السياسي قبل غيرهم. لأنهم هم أصحاب السيادة والمصلحة الحقيقيتين وليس الزعيم أو القيادي وحده من يقرر ما هو سري للغاية وما هو قابل للتداول والنشر عبر المؤسسات.
معاً من أجل سودان جديد
16/5/2005م

للمزيد من االمقالات
للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved