مقالات من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

عبد الحي يوسف والاصطياد في الماء العكر بقلم شوقي إبراهيم عثمان-ميونيخ – ألمانيا

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
5/10/2005 9:34 م

عبد الحي يوسف
والاصطياد في الماء العكر
عندما يكون للوهابيين السلفيين 1600 مسجد علينا أن ندق ناقوس الخطر القادم

كتب أستاذنا الدكتور الطيب زين العابدين مقالة طيبة في صحيفة الصحافة عن العقل والحريات، إسلاميا، وشرعيا، وسياسيا، رغم قصرها. وحقيقة، عكست هذه المقالة طريقة تفكير الكاتب الإسلامي الدكتور الطيب زين العابدين، فزاد احترامه في نفسي، وربما لدى عشرات المئات من القراء.

هذه الرمية هي بصدد الزوبعة التي قامت في الخرطوم، خاصة في مساجد السلفيين، والإثارة الكاذبة والأباطيل التي قام بها الكتاب من على شاكلة الوهابيين أو أئمة المساجد مثل الشيخ عبد الحي يوسف وإضرابه، الذي مارس في هياجه وتهييجه للساحة الإسلامية والساحة العامة السودانية الكثير مما نتج عنه أبلغ الضرر للعقل والحرية ويتمثل حاله وقوله قولة إمامنا علي بن أبي طالب عليه السلام في الخوارج: "كلمة حق أريد بها باطل". فهي عبارة خالدة. لقد أدعى يوسف عبد الحي وإضرابه أنه أو أنهم يدافعون عن رسولنا (ص) الكريم. فبخطبته في صلاة الجمعة الموافق 29/4/2005 تحت عنوان: انصروا رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم نجده يرمي سهامه في اتجاهات أخرى. ولكنه لم يكن صادقا، لأنه يصطاد في الماء العكر.

فما لا شك فيه أن الخوارج لم ينتهوا بنهاية القرن الأول على يد الإمام على وأصحابه المنتجبين. يخبرنا الرسول (ص) أن الخوارج هم كلاب النار وهم موجودون في أصلاب الرجال. يخرجون من جيل لآخر، ويمكنك القول بثقة وليس على سبيل المجاز: هم يتمثلون في إحدى الجينات وراثة في أصلاب الرجال جيل بعد جيل، إذن هنالك خوارج في كل جيل، وينحدرون إلى عصرنا هذا في الإباضيين في عمان، أما الوهابية فهي شكل من أشكال الخوارج المتجدد، فقد أجزم بذلك مفتى مكة والجزيرة العربية الشيخ دحلان المكي (هو أحمد بن زين بن أحمد دحلان المكي، الشافعي. فقيه، مؤرخ، شارك في أنواع من العلوم، مفتي السادة الشافعية بمكة المعظمة، وشيخ الإسلام. ولد بمكة سنة 1231ه‍ وتوفي بالمدينة في المحرم سنة 1304هـ (1815-1886م). وله مؤلفات كثيرة مطبوعة متداولة منها: الأزهار الزينية في شرح متن الألفية، وتاريخ الدول الإسلامية بالجداول المرضية، وفتح الجواد المنان على العقيدة المسماة بفيض الرحمن، والدرر السنية في الرد على الوهابية، ونهل العطشان على فتح الرحمن، في تجويد القرآن، وخلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام، والفتوحات الإسلامية).

يقول الشيخ دحلان مفتي مكة وهو معاصر لظل محمد عبد الوهاب (1669-1785م) ومعاصر لفتنة الوهابية في بدايتها، في كتابه الدرر السنية في الرد على الوهابية: (وكانت فتنتهم من المصائب التي أصيب بها أهل الإسلام فإنهم سفكوا كثيرا من الدماء، وأنتهبوا كثيرا من الأموال، وعم ضررهم، وتطاير شررهم فلا حول ولا قوة إلا بالله، وكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم فيها التصريح بهذه الفتنة كقوله صلى الله عليه وسلم "يخرج أناس من قبل المشرق يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق" وهذا الحديث جاء بروايات كثيرة بعضها في صحيح البخاري وبعضها في غيره لا حاجة لنا إلى الإطالة بنقل تلك الروايات ولا لذكر من خرجها لأنها صحيحة مشهورة ففي قوله "سيماهم التحليق" تصريح بهذه الطائفة لأنهم كانوا يأمرون كل من اتبعهم أن يحلق رأسه ولم يكن هذا الوصف لأحد من طوائف الخوارج والمبتدعة الذين كانوا قبل زمن هؤلاء، وكان السيد عبد الرحمن الأهدل مفتي زبيد يقول لا حاجة إلى التأليف في الرد على الوهابية بل يكفي في الرد عليهم قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم "سيماهم التحليق" فإنه لم يفعله أحد من المبتدعة غيرهم. واتفق مرة أن امرأة أقامت الحجة على ابن الوهاب لما أكرهوها على أتباعهم ففعلت، أمرها ابن عبد الوهاب أن تحلق رأسها فقالت له حيث أنك تأمر المرأة بحلق رأسها ينبغي لك أن تأمر الرجل بحلق لحيته لأن شعر رأس المرأة زينتها وشعر لحية الرجل زينته فلم يجد لها جوابا. ومما كان منهم أنهم يمنعون الناس من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم مع أن أحاديث شفاعة النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم لأمته كثيرة متواترة وأكثر شفاعته لأهل الكبائر من أمته وكانوا يمنعون من قراءة دلائل الخيرات المشتملة على الصلاة على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وعلى ذكرها كثير من أوصافه الكاملة ويقولون إن ذلك شرك ويمنعون من الصلاة عليه صلى الله عليه (وآله) وسلم على المنابر بعد الأذان حتى أن رجلا صالحا كان أعمى، وكان مؤذنا وصلى على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم بعد الأذان بعد أن كان المنع منهم، فأتوا به إلى ابن عبد الوهاب فأمر به أن يقتل فقتل ولو تتبعت لك ما كانوا يفعلونه من أمثال ذلك لملأت الدفاتر والأوراق وفي هذا القدر كفاية والله سبحانه وتعالى أعلم).

وبما أننا نكتب للفائدة ولكي يعتبر الجميع من شر الوهابية وأقطابها في السودان مثل عبد الحي يوسف وأمثاله، سنرفق مقالة أخرى مع هذه المقالة باسم "نصيحة لعلماء نجد" لهاشم الرفاعي الكويتي، وهو من علماء السنة المخضرمين. لكي يعلم الشيخ عبد الحي يوسف وأمثاله ماذا يفعل أربابه بالرسول (ص) وآله وآثاره في مكة وفي المدينة المنورة. ولكن لنقف قليلا عند حادثة الأستاذ رئيس تحرير الوفاق الأستاذ محمد طه محمد احمد.

لقد أخطأ الأستاذ محمد طه محمد أحمد كرئيس تحرير فنيا وصحفيا في طريقة عرض تلك القاذورات الأموية التي تحط من قدر رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وتحط من فضائل آل بيته. ولكن هل أخطأ محمد طه محمد أحمد لأنه فتح هذا الموضوع؟ الجواب كلا وألف كلا. فالدفاع عن رسولنا الكريم وآل بيته هو من أول عمل المسلم لكي ينال شفاعة رسولنا الكريم، أما السكوت عنها فهو الغريب، وهو المريب.

أما الخطأ الثاني الذي وقع فيه الأستاذ محمد طه محمد أحمد هو عدم فهمه أن الحط من أرومة الرسول (ص) ومن آل بيته هو خط عام وقديم وتاريخي، وقد فعلته الثلاثة وعشرين بطنا قرشيا، وخاصة البطن الأموي فيها، وخاصة في زمن معاوية بن أبي سفيان. فهذا الأخير سن سنة تحسده عليها الماكينة الإعلامية الأمريكية، عندما بدأ ولايته بأمره للولاة في الأقاليم الإسلامية "أن أكرموا كل من يأتي بمحدثة أو فضيلة للشيخين عمر وأبي بكر وأجزلوا له العطاء‍". فكثرت الموضوعات الكذوبة في رفع شأن عمر وأبي بكر وفضائلهما، وكان قصد معاوية أن يدفن فضائل آل البيت، وأن يرفع قيمة "الخلافة الراشدة" بالمقابل في روع المسلمين السذج ويضاهيها ببيت النبوة، وللعلم: أهل البيت هم الخمسة فقط، ويعبر عنهم بأهل الكساء، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وبعد أن كثرت الأحاديث الموضوعة في فضائل الشيخين عمر وأبي بكر، وكثر الوضاعون لنيل تلك الجوائز المالية، عندها حور معاوية إلى عماله وولاته الأمر التالي: "أحرموا وأبرءوا الذمة من دم أية شخص يوالي علي بن أبي طالب وشيعته، اسحلوه واحرموه من عطايا بيت مال المسلمين". فقامت حملة تطهير وكثرت المذابح في شيعة آل البيت ومحبيهم ونحن لم نتراوح العام الهجري 41 بعد. بل صار الولاة بأمر معاوية ومن بعده الحكام الأمويون يسبون على بن أبي طالب من منابر المساجد في كل الأمصار سبعين عاما. ولم نرى في التاريخ الحديث والقديم شخصا مورس التعتيم على فضائله وسبه وتشويهه مثلما فعلوا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وبالرغم من ذلك لم يزد إلا وهجا، هو مثل الشيء إذا استطال بنفسه كما يقول فيه المتنبي في شعره عندما قيل له لماذا لم تمدح عليا عليه السلام فقال: (وتركت مدحي للوصي تعمدا*إذ كان نورا مستطيلا شاملا، وإذا استطال الشيء قام بنفسه* وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا). أو قول الشاعر: (إذا أراد الله نشر فضيلة طويت*أتاح لها لسان حسود).

فكما رأينا، كيف أنهم فشلوا في تنقيص فضائل علي بن أبي طالب عليه السلام ولم يفلحوا قط، أو "دفنا دفنا" كما قال معاوية! فكيف إذن برسولنا الكريم؟ نقول لعبد الحي يوسف وأمثاله وللجميع: لم يخلق بعد من يستطيع تنقيص نبينا محمد أو تنقيص نسبه صلى الله عليه وآله وسلم. إذن لماذا هذه الضجة المفتعلة التي أقامها السلفيون الوهابيون السودانيون على الأستاذ محمد طه محمد أحمد؟ لقد أخطأ الرجل في موضعين كما ذكرنا، ولكن هل هو أرتد؟ بالطبع لا. هل هو تعمد إساءة الرسول (ص) وآل بيته؟ بالطبع لا. ولكن ستكتشف أن تلك الحمية الوهابية لها أغراض أخرى نجملها في التالي:

صنع مناخ من الإرهاب الفكري ليس دفاعا عن رسولنا (ص) وآل بيته، بل دفاعا عن أئمة الكفر الشانئة للرسول (ص) من الأمويين. فخذ عبد الحي يوسف في خطبة الجمعة تلك بعد أن يغبرنا بالآيات القرآنية، لكي نقول له ..نعم نعم مقدما، ويعطل فينا عقلنا، ينتقل عبد الحي يوسف إلى مراده بقوله..(..ألم ينشر -صاحب صحيفة الوفاق- قبل سنوات كلاماً قبيحاً عن السيد الجليل عثمان بن عفان رضي الله.... ألم تتابع مقالاته في ذكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالسوء كوصف معاوية رضي الله عنه بابن آكلة الأكباد؟ ألم يسخِّر صحيفته للدفاع عن بعض مرضى القلوب ممن اتهموا الشيخين أبا بكر وعمر رضي الله عنهما بالكفر واتهموا عائشة رضي الله عنها بمعاداة أهل البيت؟.... وتضمنت المقالة كذلك رمياً للصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه حيث قال بالحرف الواحد: وهذا ما سنراه عندما تنازع أربعة وهم: العاص وأبو لهب وأمية بن خلف وأبو سفيان بن حرب على بنوة عمرو بن العاص رغم معرفتهم بأن أمه عاهرة وتناوبوا عليها الأربعة في وقت واحد..). ولم ينس عبد الحي يوسف تحريض الدولة على الصحفي، وخاطب رئيس الجمهورية ونائبه، وسل سلاح الزندقة والردة والتكفير.

هؤلاء الذين يدافع عنهم عبد الحي يوسف هم أمويون إذا أستثنينا أم المؤمنين عائشة وأبا لهب، فمثلا عمرو بن العاص والعاص بن وائل كانا من الذين شنئوا على الرسول (ص) بأنه أبتر، أي منقطع النسل. وماذا يقول الرسول (ص) في معاوية وعمرو بن العاص؟ سمع رسول الله (ص) رجلين يتغنيان وأحدهما يجيب الآخر فقال النبي (ص) إنظروا من هما؟ فقالوا فلان وفلان، (لاحظوا انهم يبدلون اسم معاوية وعمر بن العاص بفلان وفلان مثلا: في مساند أحمد بن حنبل سترا عليهم) فقال النبي (ص): (اللهم إركسهما في الفتنة ركسا ودعهما إلى النار دعا)..علما أن الطبعات القديمة تصرح باسمي معاوية وعمر بن العاص. ستكتشف أن حمية عبد الحي يوسف وأمثاله من الوهابيين ودفاعهم عن الأمويين تجري في دمائهم، أو وضعهم ذلك القانون الأموي الذي يقول: "أن الصحابة كلهم أو بمجموعهم عدول لا يجوز الجرح في عدالتهم" قصد منه الأمويون وقريش عامة ستر أنفسهم وأولئك الذين آذوا الرسول (ص) وآل بيته عليهم السلام. علما أن الله يقول في قرآنه الكريم:"إنّ الّذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدّنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً) الأحزاب: الآية 57.

أليست "الحمية الأموية" هذا تناقض بنيوي في الشعار المرفوع بالدفاع عن الإسلام وعن الرسول (ص) وآل بيته؟ ستكتشف أن الوهابية التي قامت قبل قرنين تخدم قبضة آل سعود السياسية، ولكن على حساب الدين عندما تختار بشكل انتقائي الخط الأموي المعادي للرسالة الإسلامية ولا يرفع هذه الرسالة إلا ظاهريا. يقول الشيخ الأزهري المصري حسن شحاته في آل البيت:

( إن آل البيت صلوات الله عليهم أفضل من جميع خلق الله بعد رسول الله محمد فهم أفضل من جميع الأنبياء والمرسلين وأولي العزم والملائكة المقربين وسكان سدرة المنتهى وسكان الحجب والحافون حول العرش وأي إنسان يفضل أحدا عليهم سواء من الأنبياء والمرسلين أو الصحابة أو الحواريين فذلك يكون لسبب من ثلاثة إما عدم المعرفة وهو معذور حتى يعرف وإما الجهل المركب الذي يتكلم صاحبه بالخطأ الفاحش ويعتقده صوابا وإما العداوة والعناد فصاحبه أعمى البصر مطموس البصيرة فاقد العقل أسود القلب، الدابة خير منه وإيضاحا لذلك وحتى يتذكر المتذكر ويعتبر المعتبر نقول أن هذا البيت الكريم لم يخلق الله في العالمين بيتا مثله فعميد البيت هو سيد المرسلين وولي البيت هو أمير المؤمنين وسيدة البيت هي خيرة الله في الأولين والآخرين ورجال البيت هم الحسن والحسين سيدا أهل الجنة أجمعين والإمام السجاد المعروف بزين العابدين وباقر علوم النبيين وصادق أهل السماوات والأراضين وكاظم الخاشعين ورضا الزاهدين وجواد الأكرمين وهادي المهتدين وعسكري المقام الأمين ومهدي الله في السماوات والأراضين صلوات الله عليهم أجمعين. فائتني يا هذا ببيت مثل هذا البيت معصوم بروح معصومة هاهو التاريخ قلب صفحاته لترى الحق جليا).

ولقد سب المهاجرون القرشيون وهم مسلمون الرسول (ص) في حادثة تعتبر من أضخم الحوادث والمفاصل الإسلامية، ولكن كعادتهم طمسوها وحرفوها وقصقصوها ونتفوها حتى لا يفهم المسلم أو المسلمون. هذه الحادثة التي نقولها لكم هنا توضح لكم أهمية الولاية!! السؤال هو: لمن الولاية؟ للذين آذوا الرسول (ص) وآل بيته أم لهؤلاء الذين ينافح عنهم عبد الحي يوسف وأمثاله؟ وإليكم القصة:

حادثة خطيرة نتفتها الصحاح

ـ روى البخاري في ج 1 ص 32: تحت عنوان: باب الغضب في الموعظة والتعليم: عن أبي بردة عن أبي موسى قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس سلوني عما شئتم! قال رجل: من أبي؟ قال أبوك حذافة! فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال أبوك سالم مولى شيبة! فلما رأى عمر (بن الخطاب) ما في وجهه قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله عز وجل !

وفي صحيح البخاري باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث :
عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي؟ فقال أبوك حذافة، ثم أكثر أن يقول سلوني! فبرك عمر (بن الخطاب) على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، فسكت! انتهى.

عندما تقرأ هذا النص تحس أنه ليس طبيعيا! فهو يقول: أكثروا عليه السؤال فغضب...ثم قال: سلوني عما شئتم...ثم أكثر أن يقول سلوني...فسألوه هل هم أولاد شرعيون أو أولاد زنا! فبرأ صحابيا وفضح آخر على رؤوس الأشهاد، وشهد بأنه ابن زنا! ثم أصر عليهم: سلوني سلوني سلوني..! فقام عمر وأعلن التوبة فهدأ الموقف وسكت النبي صلى الله عليه وآله !!

فما هي القصة، وما سبب هذا الغضب والتحدي والفضح النبوي! والتوبة العمرية؟ الذي يساعد الباحث هنا أن القصة وإن قطعتها الصحاح، لكنها روتها هي وغيرها بأكثر من عشرين نصا، فيمكن للباحث أن يجمع منها خيوطاً كثيرة.

يقول مسلم في صحيحه لم يكن غضب النبي صلى الله عليه وآله لسؤال كما قال البخاري! بل بلغه عن أصحابه شيء كريه! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن يسألوه (عن أنسابهم) وتحداهم فخافوا وبكوا، فقام عمر وتاب!!

ـ قال مسلم في صحيحه ج 7 ص 92
عن أنس بن مالك قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال: عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا. قال فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه! قال غطوا رؤوسهم ولهم خنين! قال فقام عمر فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا! قال فقام ذاك الرجل فقال: من أبي؟ قال أبوك فلان، فنزلت: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم! انتهى.

وروى مسلم جزء منها أيضاً في ج 3 ص 167

فالمسألة إذن غضب نبوي لما بلغه عن (أصحابه) وخطبة نارية...وتحد نبوي لهم في أنسابهم...وأشد يوم مر عليهم مع نبيهم...وبكاء الصحابة المعنيين خوفا من إطاعة الرسول وسؤاله عن نسبهم...والفضيحة...وإعلان عمر توبته وتوبتهم..!!

وهكذا تبدأ خيوط الحادثة بالتجمع...ويمكنك بعد ذلك أن تجمع من خيوطها من نفس البخاري!.

ـ قال البخاري في ج 1 ص 136
عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر، فقام على المنبر فذكر الساعة فذكر أن فيها أموراً عظاما، ثم قال: من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل فلا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي هذا! فأكثر الناس في البكاء وأكثر أن يقول سلوني! فقام عبد الله بن حذافة السهمي فقال: من أبي؟ قال أبوك حذافة! ثم أكثر أن يقول سلوني! فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا! فسكت، ثم قال: عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط فلم أر كالخير والشر!.

ـ وقال البخاري في ج 7 ص 157
عن أنس رضي الله عنه سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه المسألة فغضب فصعد المنبر فقال: لا تسألوني اليوم عن شيء ينته لكم، فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي! فإذا رجل كان إذا لاحى الرجال يدعى لغير أبيه، فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: حذافة ثم أنشأ عمر فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا نعوذ بالله من الفتن. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط! إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط. وروى نحوه أيضاً في ج 8 ص 94.

- وقال البخاري في ج 8 ص 143
عن الزهري أخبرني أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أموراً عظاما ثم قال: من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه، فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا! قال أنس فأكثر الناس البكاء! وأكثر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول سلوني!! فقال أنس فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال النار!! فقام عبد الله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال أبوك حذافة. قال ثم أكثر أن يقول سلوني سلوني!! فبرك عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا. قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال عمر ذلك! ثم قال رسول الله: أولى والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي، فلم أر كاليوم في الخير والشر!.

ـ وقال البخاري في ج 4 ص 73
عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر رضي الله عنه يقول: قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم...! حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه.

ـ وقال أبو داود ج 1 ص 542
عن أبى قتادة أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، فما رأى ذلك عمر قال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله، فلم يزل عمر يرددها. حتى سكن غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى .

ـ وقال في مجمع الزوائد ج 1 ص 161
عن أبي فراس رجل من أسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: سلوني عما شئتم؟ فقال رجل: يا رسول الله من أبي؟ قال: أبوك فلان الذي تدعي إليه، وسأله رجل: في الجنة أنا؟ قال: في الجنة. وسأله رجل: في الجنة أنا؟ قال : في النار!! فقال عمر: رضينا بالله ربا. رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

ـ وقال في مجمع الزوائد ج 7 ص 188 وص 390
وعن أنس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان! فخطب الناس فقال: لا تسألوني عن شيء اليوم إلا أخبرتكم به، ونحن نرى أن جبريل معه! قلت فذكر الحديث إلى أن قال فقال عمر: يا رسول الله إنا كنا حديثي عهد بجاهلية فلا تبد علينا سوآتنا فاعف عفا الله عنك! رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح .

ـ وفي مجمع الزوائد ج 9 ص 170
وأتاه العباس فقال: يا رسول الله إني انتهيت إلى قومٍ يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا لأَنهم يبغضونا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو قد فعلوها؟! والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتى يحبكم، أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي، ولا يرجوها بنو عبد المطلب !

ـ وفي مجمع الزوائد ج 9 ص 258
وجلس على المنبر ساعة وقال: أيها الناس مالي أوذي في أهلي؟! فوالله إن شفاعتي لتنال حي حا، وحكم، وصدا، وسلهب، يوم القيامة !

ـ وفي مجمع الزوائد ج 8 ص 214
عقد الهيثمي باباً في عدة صفحات بعنوان: باب في كرامة أصله صلى الله عليه وسلم. وأورد فيه أحاديث عن طهارة آباء النبي وأمهاته صلى الله عليه وعليهم، ونقل حوادث خطيرة أهان فيها القرشيون أسرة النبي صلى الله عليه وآله في حياته، وهم تحت قيادته في المدينة، وهم مسلمون مهاجرون، أو طلقاء منَّ عليهم بالعفو بالأمس في فتح مكة! فغضب النبي صلى الله عليه وآله وأجابهم بشدة !

الحادثة الأولى :
عن عبد الله بن عمر قال إنا لقعود بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم: هذه ابنة محمد، فقال رجل من القوم: إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن! فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب، ثم قام على القوم فقال: ما بال أقوال تبلغني عن أقوام! إن الله عز وجل خلق السموات سبعا فاختار العليا منها فسكنها وأسكن سماواته من شاء من خلقه، وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلى خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم .

والثانية :
عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال: أتى ناس من الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نسمع من قومك حتى يقول القائل منهم إنما مثل محمد نخلة نبتت في الكبا (قال حسين الكبا الكناسة) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس من أنا؟ قالوا أنت رسول الله، قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ـ قال فما سمعناه ينتمي قبلها ـ ألا أن الله عز وجل خلق خلقه ثم فرقهم فرقتين، فجعلني في خير الفريقين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتا فجعلني في خيرهم بيتا، فأنا خيرهم بيتا وخيرهم نفسا...رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .

والثالثة :
عن ابن عباس قال توفي ابن لصفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكت عليه وصاحت، فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: يا عمة ما يبكيك؟ قالت توفي ابني، قال: يا عمة من توفي له ولد في الإسلام فصبر، بنى الله له بيتاً في الجنة. فسكتت ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبلها عمر بن الخطاب فقال: يا صفية قد سمعت صراخك، إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغني عنك من الله شيئا! فبكت فسمعها النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكرمها ويحبها، فقال: يا عمة أتبكين وقد قلت لك ما قلت؟! قالت: ليس ذاك أبكاني يا رسول الله، استقبلني عمر بن الخطاب فقال إن قرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لن تغني عنك من الله شيئا! قال فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا بلال هجِر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة، فصعد المنبر صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع!! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة !

ثم خرجت من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررت على نفر من قريش فإذا هم يتفاخرون ويذكرون أمر الجاهلية فقلت رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقالوا: إن الشجرة لتنبت في الكبا (المزبلة) قال فمررت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته! فقال يا بلال هجر بالصلاة فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس من أنا؟ قالوا أنت رسول الله، قال: انسبوني، قالوا: أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال: أجل أنا محمد بن عبد الله، وأنا رسول الله، فما بال أقوام يبتذلون أصلي! فوالله لاَنا أفضلهم أصلا وخيرهم موضعا!

قال: فلما سمعت الأنصار بذلك قالت قوموا فخذوا السلاح، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أغضب، قال: فأخذوا السلاح ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم لا ترى منهم إلا الحدق، حتى أحاطوا بالناس فجعلوهم في مثل الحرة، حتى تضايقت بهم أبواب المسجد والسكك!! ثم قاموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله لا تأمرنا بأحد إلا أبَّرنا (قتلناه) عترته. فلما رأى النفر من قريش ذلك قاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذروا وتنصلوا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الناس دثار والأنصار شعار، فأثنى عليهم وقال خيرا. انتهى .

ـ وقال في الدر المنثور ج 2 ص 335
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمار وجهه، حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال: أين آبائي؟ قال في النار! فقام آخر فقال من أبي؟ فقال أبوك حذافة، فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً، إنا يا رسول الله حديثُ عهدٍ بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا!! فسكن غضبه، ونزلت هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم.

ـ وقال في الدر المنثور ج 4 ص 309
وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سألت عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن قول الله: يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم؟ قال: كان رجال من المهاجرين في أنسابهم شيء فقالوا يوماً والله لوددنا أن الله أنزل قرآنا في نسبنا، فأنزل الله ما قرأت. ثم قال لي: إن صاحبكم هذا يعني علي بن أبي طالب إن ولي زهد، ولكني أخشى عجب نفسه أن يذهب به. قلت: يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت، والله ما نقول إنه غيَّر ولا بدل ولا أسخط رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام صحبته! فقال: يا بن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزاً! انتهى .

وراجع أيضاً: سنن ابن ماجة ج 1 ص 546، ومسند أحمد ج 3 ص 162 وص 177 وج 5 ص 296 و303، وسنن البيهقي ج 4 ص 286، ومصنف عبد الرزاق ج 11 ص 379، وكنز العمال ج 4 ص 443 وج 13 ص 453

* *
من مجموع هذه النصوص يصل الباحث إلى نتائج قطعية متعددة، نذكر منها:

أولاً ـ أن القرشيين لم يتركوا حساسيتهم من بني هاشم حتى بعد فتح مكة وإعلان إسلامهم! غاية الأَمر أنهم استثنوا منهم شخص النبي صلى الله عليه وآله! بل من حق الباحث أن يشك في هذا أيضاً، فالطلقاء أسلموا مهزومين تحت السيف! ولم يكونوا يستطيعون أن يتفوهوا بحرف على شخص النبي صلى الله عليه وآله، وإلا كفروا وعرضوا أنفسهم لسيوف الأنصار !

ثانياً ـ أن القرشيين كانوا في حياة النبي صلى الله عليه وآله وفي عاصمته، وتحت لواء نبوته، وتحت سيوف الأنصار...شرسين على أسرته وعشيرته صلى الله عليه وآله، وكانت ألسنتهم بذيئة على أصل النبي صلى الله عليه وآله وعشيرته، حتى ضجَّ من ذلك الأنصار، وجاءوا يشكون إلى النبي صلى الله عليه وآله بذاءة قريش بحقه، طالبين منه معالجة هذه الألسنة المنافقة، أو إصدار أمر بتقتيلهم. وقد قال الهيثمي عن حديث شكوى الأنصار: رجاله رجال الصحيح!

ثالثاً ـ أن الحوادث التي تكلم فيها القرشيون على أسرة النبي صلى الله عليه وآله متعددة، فقد نقلت كتب الحديث منها أكثر من عشرة حوادث، ولا بد أن ما لم تنقله أكثر وأعظم!!

رابعاً ـ أن النبي صلى الله عليه وآله كانت حساسيته من هذا الموضوع عالية جدا، وكان رده دائماً شديدا، فهو يتعامل معه على أنه موضوع ديني وليس موضوعاً شخصيا، لاَن عدم الإِيمان بأسرته الطاهرة، يساوق عدم الإيمان به صلى الله عليه وآله.

خامساً ـ أن إحدى الحوادث كانت كبيرة بذاتها، أو بالتراكم، فغضب الله تعالى لغضب نبيه صلى الله عليه وآله، وأمره بالرد على القرشيين (المسلمين الصحابة) وإتمام الحجة عليهم، وأنزل عليه جبريل ليكون إلى جانبه يوجهه ويجيبه عن أنساب القرشيين، وعن مستقبلهم في الجنة أو في النار!!

سادساً ـ أن النبي صلى الله عليه وآله أحضرهم في المسجد وأمر الأنصار بمحاصرتهم بالسلاح، وخطب خطبةً نبويةً نارية بليغة عاصفة، صبَّ فيها الغضب الإلهي والنبوي على القرشيين، وتحداهم في أنسابهم وأعمالهم ونواياهم! فلفوا رؤوسهم! وأستغشوا ثيابهم! وعلا خنينهم وبكاؤهم! وكان ذلك أشد يوم عليهم! فتدارك الموقف زعيمهم وتقدم وبرك على قدمي النبي صلى الله عليه وآله! وقبلها! وبكى له! ليعفو عنهم! ولا يفضح أنسابهم! وعشائرهم! ولا يصدر عليهم حكمه بالقتل، أو بالحرمان من الحقوق المدنية حتى أداء الشهادة!! فسكت النبي صلى الله عليه وآله ولم يقل لهم كلمة قبول أو عفو! وهدأت عاصفة الاِنتقام النبوي في الدنيا!!

سابعاً ـ إنها قضيةٌ ضخمةٌ في الحساب العقائدي والفقهي والسياسي، تستحق الدراسة ووضع النقاط على الحروف...ولكن الخلافة القرشية تعرف كيف تتخلص منها، فتعتم عليها إن استطاعت، أو تحولها إلى مجد لقريش، ولا تسمح لبني هاشم أن يستفيدوا منها! ومن أجل هذا كانت براعة الخليفة عمر في طريقة روايتها، ثم كانت براعة الرواة ومصنفي الصحاح في تجزئتها وتقطيع أوصالها وتغييب حقيقتها! وهذه هي مهمة جيل ما بعد الأنبياء!!

أما عبد الله بن الزبير الزهري، فقد كان عنده عقدةٌ من بني هاشم مع أنهم أخوال أبيه! وقد اشتهر عنه أنه لم يكن يطيق ذكرهم، وأنه ترك حتى ذكر النبي صلى الله عليه وآله والصلاة عليه في خطبة الجمعة حتى لا تشمخ أنوف بني هاشم بزعمه!! والظاهر أن القرشيين ربَّوه على كره بني هاشم منذ كان غلاماً، وأن له مشاركة في قصة الغضب النبوي!!

ـ فقد روى عنه الهيثمي في مجمع الزوائد ج 8 ص 215 افتراء عجيباً على النبي في ذم أهل بيته صلى الله عليه وآله حيث حول كلام قريش الذي غضب منه النبي صلى الله عليه وآله وغضب منه الله تعالى من فوق عرشه كما رأيت...إلى حديث مسند عن النبي صلى الله عليه وآله!!

ـ قال الهيثمي: وعن عبد الله ابن الزبير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثلي ومثل أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في مزبلة. رواه الطبراني وهو منكر، والظاهر أنه من قول الزبير إن صح عنه، فإن فيه ابن لهيعة ومن لم أعرفه. وعن ابن الزبير أن قريشاً قالت: إن مثل محمد مثل نخلة في كبوة. رواه البزار بإسناد حسن، وهذا الظن به.

براعة البخاري في تضييع القضية
المحدث العادي ـ فضلاً عن البخاري ـ يعرف أن هذا الحديث قصة واحدة كما ذكر صاحب فتح الباري، أو اثنتان في الأكثر. وهنا تظهر براعة البخاري في اختراع العناوين لجعل قطعة الحديث تحتها، أو عقد باب مناسب لتغطية حقيقة الحديث! (شرح الباري بصحيح البخاري، كتاب لإبن حجر العسقلاني (773 - 825 هـ).

ففي ج 1 ص 31 عقد له باباً باسم: باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى ما يكره. فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ!

وفي ص 32
جعله من نوع تأدب التلميذ بين يدي معلمه فسمى الباب: باب من برك على ركبتيه عند الإمام أو المحدث!

وفي ص 136
وضع جزءً منه تحت عنوان: باب وقت الظهر عند الزوال! بحجة أن خطبة النبي صلى الله عليه وآله النارية القاصعة كانت عند الزوال!!

وفي ج 4 ص 73
جعل جزءً منه تحت عنوان: ما جاء في قول الله تعالى وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه...بحجة أن الراوي قال: قام فينا النبي (ص) مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم!!

وفي ج 7 ص 157
عقد له باباً باسم: باب التعوذ من الفتن! وكأن الموضوع كان حديثاً هادئاً عاماً لكل الأمة عن الفتن الآتية، وأن عمر قال: رضينا بالله رباً وبمحمد رسولا...نعوذ بالله من الفتن !

وفي ج 8 ص 142
عقد له باباً باسم: باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالى: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم! وكان ينبغي له أن يسمي الباب: باب وجوب امتثال أمر النبي إذا أمر بالسؤال، وأن لا يربط الآية به، ولا يحشرها في هذا الموضوع أصلاً كما فعلت قريش، لاَن موضوع الآية كراهة السؤال، وموضوع الحديث أمر النبي صلى الله عليه وآله المكرر المشدد لقريش أن يسألوه! اللهم إلا يقصد البخاري بكراهة السؤال: كراهة إلحاح المعلم على تلاميذه بقوله سلوني! فيكون الخطأ حينئذٍ من النبي صلى الله عليه وآله لاَنه ألحَّ عليهم بالسؤال! ويكون موقف عمر تصحيحاً لخطأ النبي صلى الله عليه وآله كما هي عادته المشكورة!!

ماذا قال كبار الشراح ؟

لا خبر عند شراح الصحاح بالقضية، فلا رأوا شيئاً ولا سمعوا ولا قرؤوا، ولا شموا رائحة شيء يستوجب التساؤل والبحث!!

ـ قال ابن حجر في فتح الباري :
قوله سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء...كان منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذلك من المسائل، كما سيأتي في حديث ابن عباس في تفسير المائدة !

ـ قوله قال رجل: هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء، القرشي السهمي، كما سماه في حديث أنس الآتي.

ـ قوله فقام آخر: هو سعد بن سالم مولى شيبة بن ربيعة، سماه بن عبد البر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح، وأغفله في الاِستيعاب ولم يظفر به أحد من الشارحين، ولا من صنف في المبهمات ولا في أسماء الصحابة، وهو صحابي بلا مرية، لقوله فقال من أبي يا رسول الله؟ ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلاً من بني عبد الدار قال من أبي؟ قال سعد: نسبه إلى غير أبيه، بخلاف ابن حذافة! وسيأتي مزيد لهذا في تفسير سورة المائدة.

ـ قوله فلما رأى عمر..هو بن الخطاب...ما في وجهه، أي من الغضب، قال: يا رسول الله إنا نتوب إلى الله، أي مما يوجب غضبك ، وفي حديث أنس الآتي بعد أن عمر برك على ركبتيه، فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، والجمع بينهما ظاهر، بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ، ودل على اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة.

ـ تنبيه: قصر المصنف الغضب على الموعظة والتعليم دون الحكم لاَن الحاكم مأمورٌ أن لا يقضي وهو غضبان، والفرق أن الواعظ من شأنه أن يكون في صورة الغضبان، لاَن مقامه يقتضي تكلف الاِنزعاج لاَنه في صورة المنذر!!

وكذا المعلم إذا أنكر على من يتعلم منه سوء فهم ونحوه، لاَنه قد يكون أدعى للقبول منه، وليس ذلك لازماً في حق كل أحد، بل يختلف باختلاف أحوال المتعلمين. وأما الحاكم فهو بخلاف ذلك كما يأتي في بابه. فإن قيل: فقد قضى عليه الصلاة والسلام في حال غضبه حيث قال: أبوك فلان! فالجواب: أن يقال أولا، ليس هذا من باب الحكم!! وعلى تقديره فيقال هذا من خصوصياته لمحل العصمة، فاستوى غضبه ورضاه، ومجرد غضبه من الشيَ دالٌّ على تحريمه أو كراهته، بخلاف غيره صلى الله عليه وسلم.

ـ قوله باب من برك: هو بفتح الموحدة والراء المخففة يقال: برك البعير إذا استناخ، واستعمل في الآدمي مجازا. قوله خرج، فقام عبد الله بن حذافة: فيه حذف يظهر من الرواية الأخرى، والتقدير خرج فسئل فأكثروا عليه، فغضب!! فقال سلوني، فقام عبد الله. قوله فقال رضينا بالله رباً...قال ابن بطال: فهم عمر منه أن تلك الأسئلة قد تكون على سبيل التعنت أو الشك، فخشي أن تنزل العقوبة بسبب ذلك! فقال رضينا بالله رباً الخ. فرضي النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فسكت!

ـ قوله وقال سلوني: في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال: لا تسألوني عن شيء إلا بينته لكم. وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم: فخرج ذات يوم حتى صعد المنبر، وبين في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك، وأنه بعد أن صلى الظهر، ولفظه: خرج حين زاغت الشمس فصلى الظهر فلما سلم قام على المنبر فذكر الساعة، ثم قال: من أحب (أن يسأل عن شيَ فليسأل عنه، فذكر نحوه).!

ـ قوله فقام رجل فقال يا رسول الله من أبي؟ بين في حديث أنس من رواية الزهري اسمه، وفي رواية قتادة سبب سؤاله، قال فقام رجل كان إذا لاحى أي خاصم دعي إلى غير أبيه، وذكرت اسم السائل الثاني، وأنه سعد، وأني نقلته من ترجمة سهيل بن أبي صالح من تمهيد بن عبد البر. وزاد في رواية الزهري الآتية بعد حديثين فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: النار! ولم أقف على اسم هذا الرجل في شيء من الطرق كأنهم أبهموه عمداً للستر عليه!

وللطبراني من حديث أبي فراس الاَسلمي نحوه، وزاد: وسأله رجل في الجنة أنا؟ قال: في الجنة، ولم أقف على اسم هذا الآخر .

ونقل بن عبد البر عن رواية مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: لا يسألني أحد عن شيء إلا أخبرته، ولو سألني عن أبيه، فقام عبد الله بن حذافة، وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه، وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره، وفيه فقام سعد مولى شيبة فقال من: أنا يا رسول الله؟ قال أنت سعد بن سالم مولى شيبة. وفيه فقام رجل من بني أسد فقال: أين أنا؟ قال: في النار! فذكر قصة عمر، قال فنزلت: يا أيها الذي آمنوا لا تسألوا عن أشياء . . الآية.

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيلٍ وقال، وكثرة السؤال (؟!) وبهذه الزيادة يتضح أن هذه القصة سبب نزول: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم، فإن المساءة في حق هذا جاءت صريحة بخلافها في حق عبد الله بن حذافة، فإنها بطريق الجواز أي لو قدر أنه في نفس الأمر لم يكن لأبيه، فبين أباه الحقيقي لافتضحت أمه، كما صرحت بذلك أمه حين عاتبته على هذا السؤال، كما تقدم في كتاب الفتن.

قوله: فلما رأى عمر ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغضب...بين في حديث أنس أن الصحابة كلهم فهموا ذلك، ففي رواية هشام فإذا كل رجل لافاً رأسه في ثوبه يبكي، وزاد في رواية سعيد بن بشير: وظنوا أن ذلك بين يدي أمر قد حضر! وفي رواية موسى بن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة: فغطوا رؤوسهم ولهم خنين...زاد مسلم من هذا الوجه: فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كان أشد منه!

قوله: فقال إنا نتوب إلى الله عز وجل...زاد في رواية الزهري: فبرك عمر على ركبته فقال رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولا. وفي رواية قتادة من الزيادة نعوذ بالله من شر الفتن. وفي مرسل السدي عند الطبري في نحو هذه القصة: فقام إليه عمر فقبل رجله وقال رضينا بالله رباً فذكر مثله، وزاد: وبالقرآن إماماً فاعف عفى الله عنك فلم يزل به ... حتى رضي.

وفي هذا الحديث غير ما يتعلق بالترجمة مراقبة الصحابة أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وشدة إشفاقهم إذا غضب خشية أن يكون لاَمر يعم فيعمهم، وإدلال عمر عليه وجواز تقبيل رجل الرجل، وجواز الغضب في الموعظة، وبروك الطالب بين يدي من يستفيد منه، وكذا التابع بين يدي المتبوع إذا سأله في حاجة، ومشروعية التعوذ من الفتن عند وجود شيء قد يظهر منه قرينة وقوعها، واستعمال المزاوجة في الدعاء في قوله اعف عفى الله عنك، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم معفوٌّ عنه قبل ذلك .

قال ابن عبد البر: سئل مالك عن معنى النهي عن كثرة السؤال، فقال: ما أدري أنهى عن الذي أنتم فيه من السؤال عن النوازل، أو عن مسألة الناس المال .

قال بن عبد البر: الظاهر الأول، وأما الثاني فلا معنى للتفرقة بين كثرته وقلته، لا حيث يجوز ولا حيث لا يجوز.

قال: وقيل كانوا يسألون عن الشيء ويلحون فيه إلى أن يحرم. قال: وأكثر العلماء على أن المراد كثرة السؤال عن النوازل والاَغلوطيات والتوليدات، كذا .

ـ وقال النووي في شرح مسلم ج 8 ص 291 في سبب غضب النبي صلى الله عليه وآله كما تصوره أو صوره :
قوله: رجل أتى النبي فقال كيف تصوم فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم...قال العلماء: سبب غضبه أنه كره مسألته، لاَنه يحتاج إلى أن يجيبه ويخشى من جوابه مفسدة، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه، وكان يقتضي حاله أكثر منه!!

ـ وقال في ج 15 ـ 16 ص 111
قوله: غطوا رؤوسهم ولهم خنين، هو بالخاء المعجمة هكذا هو في معظم النسخ ولمعظم الرواة ولبعضهم بالحاء المهملة. وممن ذكر الوجهين القاضي وصاحب التحرير وآخرون، قالوا: ومعناه بالمعجمة صوت البكاء وهو نوع من البكاء دون الاِنتحاب. قالوا وأصل الخنين خروج الصوت من الأنف كالحنين بالمهملة من الفم. وقال الخليل: هو صوت فيه غنة، وقال الأصمعي: إذا تردد بكاؤه فصار في كونه غنة فهو خنين. وقال أبو زيد: الخنين مثل الخنين وهو شديد البكاء.

قوله: فلما أكثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول: سلوني برك عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولا. فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال عمر ذلك. قال العلماء: هذا القول منه صلى الله عليه وآله وسلم محمولٌ على أنه أوحي إليه وإلا فلا يعلم كل ما سئل عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالى.

قال القاضي: وظاهر الحديث أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: سلوني إنما كان غضباً كما قال في الرواية الأخرى سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس: سلوني. وكان اختياره صلى الله عليه وسلم ترك تلك المسائل، لكن وافقهم في جوابها، لاَنه لا يمكن رد السؤال، ولما رآه من حرصهم عليها!!والله أعلم.

وأما بروك عمر رضي الله عنه وقوله: فإنما فعله أدباً وإكراماً لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشفقةً على المسلمين لئلا يؤذوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيهلكوا!!

ومعنى كلامه: رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم واكتفينا به عن السؤال. ففيه أبلغ كفاية. انتهى .

وأنت ترى أن ابن حجر والنووي غائبان عن كلام النبي صلى الله عليه وآله، وأن في كلامهما تهافتاً ونقاط ضعف كثيرة لا نطيل فيها...وليس كلام غيرهما من الشراح أفضل، وإن كان فيه مادة مهمة لمن أراد أن يتتبع ملف القضية!

الحادثة في بعض روايات أهل البيت عليهم السلام

ـ قال النيسابوري في الفضائل ص 134
عن سليم بن قيس يرفعه إلى أبي ذر والمقداد وسلمان قالوا: قال لنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: إني مررت بفلان يوماً فقال لي: ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة! قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فذكرت ذلك له، فغضب غضباً شديداً ، فقام فخرج مغضباً وصعد المنبر ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح، لما رأوا من غضبه، ثم قال: ما بال أقوام يعيرون أهل بيتي؟!! وقد سمعوني أقول في فضلهم ما أقول، وخصصتهم بما خصهم الله تعالى به، وفضل علياً عليهم بالكرامة وسبقه إلى الإسلام وبلائه، وأنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي! ثم إنهم يزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة! ألا إن الله سبحانه وتعالى خلق خلقه وفرقهم فرقتين، وجعلني في خيرها شعباً وخيرها قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرها بيتا، حتى حصلت في أهل بيتي وعشيرتي وبني أبي، أنا وأخي علي بن أبي طالب... أنا خير النبيين والمرسلين، وعلي خير الوصيين، وأهل بيتي خير بيوت أهل النبيين، وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة أجمعين.

أيها الناس: أترجون شفاعتي لكم، وأعجز عن أهل بيتي؟!
أيها الناس: ما من أحد غداً يلقى الله تعالى مؤمناً لا يشرك به شيئاً إلا أجره الجنة، ولو أن ذنوبه كتراب الأرض .
أيها الناس: لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلى لي الله عز وجل، فسجدت بين يديه ثم أذن لي في الشفاعة، لم أوثر على أهل بيتي أحداً .
أيها الناس: عظموا أهل بيتي في حياتي وبعد مماتي، وأكرموهم وفضلوهم، لا يحل لأَحد أن يقوم لأَحد غير أهل بيتي، فانسبوني من أنا؟!

قال: فقام الانصهار وقد أخذوا بأيدهم السلاح، وقالوا: نعوذ الله من غضب الله وغضب رسوله، أخبرنا يا رسول الله من آذاك في أهل بيتك حتى نضرب عنقه؟! قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، ثم انتهى بالنسب إلى نزار، ثم مضى إلى إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، ثم مضى منه إلى نوح، ثم قال: أنا وأهل بيتي كطينة آدم عليه السلام نكاح غير سفاح! سلوني، والله لا يسألني رجل إلا أخبرته عن نسبه وعن أبيه! فقام إليه رجل فقال: من أنا يا رسول الله؟ فقال: أبوك فلان الذي تدعى إليه! قال فارتد الرجل عن الإسلام. ثم قال صلى الله عليه وآله والغضب ظاهر في وجهه: ما يمنع هذا الرجل الذي يعيب على أهل بيتي وأهلي وأخي ووزيري وخليفتي من بعدي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، أن يقوم ويسألني عن أبيه، وأين هو في جنة أم في نار؟ قال فعند ذلك خشي فلان على نفسه أن يذكره رسول الله صلى الله عليه وآله ويفضحه بين الناس فقام وقال: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، أعف عنا عفى الله عنك، أقلنا أقالك الله، استرنا سترك الله، أصفح عنا جعلنا الله فداك. فاستحى النبي صلى الله عليه وآله وسكت، فإنه كان من أهل الحلم وأهل الكرم وأهل العفو ثم نزل صلى الله عليه وآله !!

ـ وقال فرات الكوفي في تفسيره ص 392
حدثنا عبد السلام بن مالك قال: حدثنا محمد بن موسى بن أحمد قال: حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال: حدثنا الحكم بن سنان الباهلي، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لفاطمة بنت الحسين: أخبريني جعلت فداك بحديث أحدث واحتج به على الناس. قالت: نعم أخبرني أبي أن النبي صلى الله عليه وآله كان نازلاً بالمدينة، وأن من أتاه من المهاجرين مرسوا أن يفرضوا لرسول الله صلى الله عليه وآله فريضة يستعين بها على من أتاه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا: قد رأينا ما ينوبك من النوائب، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من أتاك. قال: فأطرق النبي صلى الله عليه وآله طويلا، ثم رفع رأسه فقال: إني لم أؤمر أن آخذ منكم على ما جئتم به شيئا، انطلقوا فإني لم أؤمر بشيء، وإن أمرت به أعلمتكم. قال: فنزل جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك، وما عرضوا عليك، وقد أنزل الله عليهم فريضة: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى .

قال فخرجوا وهم يقولون: ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأَشياء وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأَرض لبني عبد المطلب!! قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي بن أبي طالب أن أصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل: أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار، ومن ادعى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار، ومن انتفى من والديه فليتبوأ مقعده من النار!! قال: فقام رجل وقال: يا أبا الحسن مالهن من تأويل؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره، فقال رسول الله: ويلٌ لقريشٍ من تأويلهن! ثلاث مرات. ثم قال: يا علي انطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء، ثم أنا وأنت مولى المؤمنين، وأنا وأنت أبوا المؤمنين .

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا معشر قريش والمهاجرين والأنصار. فلما اجتمعوا قال: يا أيها الناس، إن علياً أولكم إيماناً بالله وأقومكم بأمر الله، وأوفاكم بعهد الله، وأعلمكم بالقضية، وأقسمكم بالسوية، وأرحمكم بالرعية، وأفضلكم عند الله مزية. ثم قال: إن الله مثَّل لي أمتي في الطين، وعلمني أسماءهم كما علَّم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته، وسألت ربي أن تستقيم أمتي على علي من بعدي، فأبى إلا أن يضل من يشاء ويهدي من يشاء. انتهى .

ـ وقال محمد بن سليمان في المناقب ج 2 ص 122
عن عبد المطلب بن أبي ربيعة قال: قال العباس: يا رسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوا ببشر حسن، وإذا لقونا لقونا بوجوه ننكرها! فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غضباً شديداً، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله. هكذا قال خالد قال أبو خليفة، فأما أبي فحدثناه عن يزيد بن هارون ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله بن الحارث، عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله...فذكر نحوه أو مثله. وقال في هامشه:

وروى أبو بكر ابن أبي شيبة في الحديث الأول والثالث من فضائل العباس من كتاب الفضائل تحت الرقم: 12259 والرقم: 12261 من كتاب المصنف: ج 12 ص 108 ـ 109 قال: حدثنا ابن فضيل، عن يزيد، عن عبد الله بن الحارث قال: حدثني عبد المطلب ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أن العباس دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغضب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أغضبك؟ قال: يا رسول الله مالنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا بغير ذلك؟! قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمر وجهه، وحتى استدر عرْق بين عينيه، وكان إذا غضب استدر العرق ـ فلما سرى عنه قال: والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله. ثم قال: أيها الناس من آذى العباس فقد آذاني إنما عم الرجل صنو أبيه.

حدثنا ابن نمير عن سفيان عن أبيه عن أبي الضحى مسلم بن صبيح قال: قال العباس: يا رسول الله إنا لنرى الضغائن في وجوه قوم من وقائع أوقعتها فيهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لن يصيبوا خيراً حتى يحبوكم لله ولقرابتي، ترجو سلهب شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب؟!

أقول: والحديث الأول رواه الحاكم في فضائل العباس من كتاب المستدرك ج 3 ص 332 قال: أخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق أخبرنا إسماعيل بن قتيبة حدثنا يحيى بن يحيى وإسحاق بن إبراهيم وأبو بكر بن أبي شيبة قالوا : . . .

وأيضاً الأولان رواهما أحمد بن حنبل في مسند عبد المطلب بن ربيعة من كتاب المسند، ورواه عنه ابن كثير في تفسير آية المودة من سورة الشورى من تفسيره .

وقد روى الحافظ ابن عساكر معنى الحديث بوجوه وأسانيد في ترجمة العباس من تاريخ دمشق، كما أورده أيضاً البدران في تهذيبه: ج 7 ص 239 فراجعهما .

وروى عمر بن شبه في عنوان: ذكر فضل بني هاشم...من تاريخ المدينة المنورة: ج 2 ص 639 قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضها بعضاً لقوا ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها!! فغضب النبي غضباً شديداً فقال: والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله حدثنا خلف بن الوليد قال: حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن المطلب بن ربيعه بنحوه .

حدثنا عمرو بن عون قال: أنبأنا بن عبد الله عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن المطلب بن ربيعة قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليه العباس وهو مغضب فقال: يا نبي الله ما بال قريش إذا تلاقوا بينها فتلاقوا بوجوه مبشره وإذا لقونا لقونا بغير ذلك! قال: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى احمرَّ وجهه وقال: لا يدخل قلب رجال الإيمان حتى يحبكم لله ولرسوله.

وحدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده قال: قال العباس: يا رسول الله إن قريشاً تتلاقى بينهما بوجوه لا تلقانا بها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إن الإيمان لا يدخل أجوافهم حتى يحبوكم لي.

حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان عن أبيه عن أبي الضحى: عن ابن عباس قال: جاء العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن يبلغوا الخير ـ أو قال الإيمان ـ حتى يحبوكم لله لقرابتي، أيرجو سؤلهم شفاعتي من مراد ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي. انتهى .

وكما ترى في هذه السياحة التي عرضناها عليك، أن الرسول (ص) تحدى الطلقاء من قريش والمهاجرين منهم بعد فتح مكة في أنسابهم ومنهم عمر بن الخطاب عندما سأله الرسول (ص) أن يسأل عن نسبه في تحدى واضح والغضب يشع من وجهه الكريم، فبرك عمر وبكى وقبل قدم الرسول (ص) وأستعطفه أن يعفوا عنه وعنهم! فماذا نستفيد من هذه الواقعة بالجملة؟؟ علينا أن نرجع إلى أول حديثنا في هذه المقالة وكيف أن معاوية بن أبي سفيان قد رفع من شأن الشيخين عمر وأبي بكر حتى يدفن بيت النبوة وفضائلهم ويحجبها عن الخلق. أنه (معاوية) أو أنهم (بالجملة) يضخمون من دور الخلافة الراشدة (!)..فأفهم! تكتيك بسيط وسهل. ولكنهم لم ينسوا أن يقولوا أن الصحابة كلهم عدول ولا يجوز تجريحهم، وأغلقوا على كتب التراث وسحبوها حتى تستمر الكذبة أو المؤامرة إلى يوم القيامة!!

عندما تدرس كل كتب التراث جيدا، وتمحو أميتك الإسلامية، لن تجد عمادة هذا الدين إلا في آل البيت، ولن تجد العلم إلا في آل البيت، ولن تجد الشرف إلا في آل البيت، ولن تنجو إلا بمحبة وولاية هذا البيت حصرا، ولن تنال شفاعة الرسول (ص) إلا بالبراء من أعداء آل البيت، ويوم القيامة ستكون على محبي آل البيت حصرا سيماهم. أما أن يأتي السيد عبد الحي يوسف وغيره من الوهابيين تحت دخان الذود عن نبينا الكريم ويخلطون الكروت..فهذا بهتان شائه. فخذهم في كل خطب الجمعة، وفي كل مناسبة دينية يكثرون قال عمر وقال أبو بكر حتى أنهم يكادون أن يساوونهما بالنبي (ص) وهكذا يتعبدون بدين بني أمية، ولكننا لم نسمع من يقول قال علي، أو قال الحسين، أو علي بن الحسين، أو محمد الباقر، أو جعفر الصادق..من آل البيت! ولكن تأمل حجتهم..يأمرونك ألا تفتح أوراق الصحابة حتى لا تسيء "لأصحاب" النبي! وكما قرأت بنفسك هذه الصحابة القرشية تسيء للنبي وآل بيته، فكيف نأخذ موقف عبد الحي يوسف وأمثاله والموقف الوهابي برمته من الإعراب سوى أنه النفاق وتلبيس الحق بالباطل. يقول العلامة المصري الأزهري الشيخ حسن شحاته الذي أنحاز لآل البيت بعد خمسين سنة كان يكرر فيها قال عمر وقال أبو بكر:

يقول الشيخ المصري الأزهري حسن شحاته: (الصحابة كلمة مبتدعة لم يرد بها القرآن ولم يرد بها حديث ثابت عن النبي (ص) بل وردت في حديث مكذوب هو "أصحابي كالنجوم" وإنما الحديث الصحيح "أهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" لأن الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم مقامهم واحد وعقيدتهم واحدة وفقههم واحد وهدايتهم واحدة إذا هم صراط الله المستقيم. من هم هؤلاء الصحابة؟! أهم الجهلة الذين كانوا يلجئون إلى أمير المؤمنين في كل معضلة تشهد على جهلهم وهاهي كتبهم مشحونة "اللهم لا تبقني في قوم ليس فيهم أبو الحسن.. لولا علي لهلك عمر.. كل الناس أفقه منك حتى.."! إن الذين يقولون بأن الصحابة عدول فإني مستعد لمناقشة جميع علمائهم على قنوات التلفزيون وفي مختلف وسائل الإعلام وليأتوا بما لديهم لآت بما عندي وقبل أن يأتوا إلي فليقرؤوا سورة التوبة والمائدة والمنافقون وليعدوا كم من الصحابة آذى النبي بالقول والفعل وكم منهم تبع هواه وليقرؤوا التاريخ بدقة ليجدوا المخازي العظام).

وكذلك أنني لأعجب لصحيفة تسمى نفسها "رأي الشعب" تدعي أنها تعبر عن خط المؤتمر الشعبي، والناطق أو المعبر عن شيخها الشيخ حسن الترابي. فالمتأمل لهؤلاء، خاصة مثل محبوب عبد السلام أو محمد أحمد عثمان يكتشف بعض الحقائق. فمثلا أن الجبهة القومية الإسلامية هي بالون منفوخ بالهواء، ولقد تأكد لي صدقية تحليل الأستاذة المحترمة والفاضلة هويدا صلاح الدين العتباني، وهي من أطلق لفظة البالون على الحركة القومية الإسلامية. فواضح أن القائمين على الصحيفة يقاتلون لأشخاصهم وليس من أجل القضية الإسلامية عامة، أو القضية السياسية الوطنية السودانية. فمحبوب عبد السلام يصب سمه في نافع على نافع ولا ينسى أن يذكرنا في مقالته أنه كان قريبا ومن الدائرة الخاصة للبشير والترابي التي أخرج منها، أما محمد أحمد عثمان فهو يضع سمه في كأس الدكتور غازي صلاح الدين العتباني. بالمجموع لا تحس أن هؤلاء القائمين على صحيفة رأي الشعب يتحلون بأدب الحوار أو الاختلاف طبقا للعرف العقلاني، ناهيك عن أن يتمثلوا أو أن يتعبدوا بأدبيات وأخلاقيات الإسلام في هذه المسألة. وتأتي الصدمة الأكبر أن تفتح هذه الصحيفة صفحاتها للتيار السلفي الوهابي وللإخوان المسلمين الكلاسيكيين - وهؤلاء من أعدى أعداء الشيخ الترابي..! هذه الملاحظة قد تفوت على العامة، ولكن لن تفوت على شخص مثلي محا أميته الإسلامية. ماذا يعني هذا في العمق؟ يعني أن الهواء الذي يملأ هذا البالون هو خليط من الغازات، ويمكنك أن تتخيل أية نوع منها وكل العجب من الإسلاميين الحركيين. عند هذه النقطة اجزم أنه لا محبوب عبد السلام ولا محمد أحمد عثمان يفهمان شيخهما الترابي، ولا تعدو القضية الدينية في نظرهما سوى الصعود الأدبي والتنظيمي في عالم السياسة.

وعلى ضوء ذلك يمكننا التنبؤ أن المرحلة القادمة في عالم الإسلاميين الحركيين في السودان ستمر عبر مرحلة إستقطابية لا تخلو من مرشحات (فلتر) التصفية والتنقية. فكلا من السلفيين الوهابيين والإخوان المسلمين الكلاسيكيين حجزا مقاعدهم لفترة الديموقراطية القادمة ونصبا الشباك في صورة مؤسسات دينية ذات عناوين فاقعة، وتعتبر السيطرة على المساجد أحد الآليات الفاعلة للتأثير على عقول العامة. وأستطيع التنبؤ أن تياري المؤتمر الوطني والشعبي سيضمحلان تدريجيا، وسيتلاشيان. وبما أنني لا أفرق ما بين الفصيل السلفي الوهابي والأخوان الكلاسيكيين، وأنني أجزم أنهما شيء واحد جوهريا بينما يختلفان في البرقع، سيمر السودان بنكسة دينية، ولن تخلو الساحة من موجات التشنج الفكري والصدام ما بين الصفوة المثقفة والمستنيرة وهؤلاء الظلاميين الذين يخونون نبيهم الكريم من أجل الريالات والدراهم الخليجية. ماذا تعني "التصفية والتنقية"؟ تعني أنهم سيركزون على النوع وليس الكم من الحركيين. سيستغنون عن الثقافة الإسلامية الجماهيرية ويستعيضون عنها بهؤلاء الحركيين النوعيين المبرمجين، وفي تقديرهم هذا الأسلوب هو أشد فتكا بالعامة.

سيوهمون العامة أنهم يدافعون عن الإسلام والمسلمين، وأنهم يدافعون عن الرسول (ص) كما فعلوا مع صاحب صحيفة الوفاق، وسيحيلون القضية الإسلامية بكاملها في قضية واحدة لإرهابك "الصلاة أو غير الصلاة"، ورغم إيماننا أن الصلاة هي عماد الدين ولكن معرفة الله الحقيقية وليس معرفته اسما، ومعرفة الرسول وطريق الرسول (ص) حقيقة وليس ظنا،..طريق طويل..مليء بالشراك التاريخية المنصوبة والقنابل الموقوتة، وتعترضه الحيل والخدع، حتى يجرونك لكي تصبح مسلما بلا روح، بليدا منافقا، ترتعب من سيرة الحاكم أكثر من ارتعابك من الله، وستقدس السلف "الصالح" أكثر من تقديسك لله، وستحب السلف "الصالح" أكثر من حبك للنبي وآل بيته، وستسبح لملكوت الخلافة أكثر من تسبيحك لملكوت السماء خانعا لمذهبهم الأموي، سيوهمونك أنها الرافضة هي التي ترفض دينهم الأموي. ولنختصر الكلام في كلمتين: قضية الدين ذات وجهين لا ثالث لهما، إما أن تتعبد بدينهم الأموي الذي يخدعون به العامة، أو أن تدين بالدين الذي أتى به محمد (ص) الذي تناقله آل البيت عن جدهم الرسول (ص) عن جبريل عليه السلام.

ونقتطف هذه اللمحة من الشيخ حسن شحاته المصري الأزهري يقول: (وحقا إن مقام الإمام علي من مقام النبوة، ففي الحديث الشريف: "إن الله اتخذ إبراهيم نبيا قبل أن يتخذه رسولا واتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلاً، واتخذه خليلا قبل أن يتخذه إماما" ويكفي من شرف الإمامة أن صاحبها معصوم محفوظ بحفظ الله محاط بعنايته منذ كان نطفة إلى أن تلقى ربه فلم يظلم ولم يهم بظلم لنفسه أو لغيره واسمع معي، قال تعالى: "قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين" وهذا أكبر دليل على ما نقول ويكفي أن يعرف المؤمنون عامة أن إبراهيم الخليل عليه السلام كان من شيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام إذ يقول تعالى وإن من شيعته لإبراهيم صدق الله العلي العظيم.

إن أهل البيت لا يقاس بهم أحد. هل يقاس الثرى بالثريا؟ هل يقاس ذبل الغنم بحبات الألماس؟! إنه ليس هناك طهر وطهارة إلا لأهل البيت وكلما التصقت بهم أفاضوا عليك من أنوارهم ما يطهر خبثك. واسمع معي قول النبي حينما أخذ الإمام الحسن تمرة من تمر الصدقات، حيث انفض النبي من مجلسه قائماً وأخذها وقال له "كخ…إنما هي أوساخ الناس لا تحل لمحمد ولا لآل محمد " إن أهل البيت منذ نشأت الرسالة وسيد العترة أمير المؤمنين كان مع أخيه النبي الكريم خطوة بخطوة اتباع الفصيل لأمة كما قال صلوات الله عليه توحيدا وعبادة وجهادا وبلاغا وبيانا ودفاعا. وضع نصب عينيك قول النبي (ص) "لولا سيف علي ومال خديجة ما قامت للإسلام قائمة" فأهل البيت هم أهل الذكر والعلم وهم أهل الطهارة والقداسة. الدين الصحيح خرج من بيتهم والعلم الصحيح نطقت به ألسنتهم والصراط المستقيم ثبتت عليه أقدامهم والبصيرة الصحيحة انطوت عليها قلوبهم جسدهم جسد النبي وعقلهم عقل النبي ولسانهم لسان النبي وأعضاؤهم أعضاء النبي وأحكامهم أحكام النبي وتأمل معي قول الإمام الصادق عليه السلام للناصبي أبي حنيفة "قبل يد رسول الله" وأشار إلى يده الشريفة. فالاعتقاد الصحيح عند آل البيت فمن أراد أن يفر إلى الله من أكاذيب أبي هريرة وخرافات ابن تيمية وسفاهات ابن عبد الوهاب عليه أن يلجأ إلى أهل البيت النبوي ويركب في سفينتهم لينجو من غضب الله وسخطه وعذابه وينجو من ضلالات المضلين وغشم المنحرفين). يبقى أن تعرف أن الشيخ حسن شحاته ليس شخصا سهلا، فهو زميل الشيخ طنطاوي شيخ الأزهر ودفعته، فبينما الأخير سلك سلك المؤسسة الرسمية، أنطلق الشيخ حسن شحاته في الدعوة الإسلامية في المساجد والجيش المصري..الخ، فعندما يفوق بعد خمسين سنة من غفوته "قال عمر وقال أبو بكر" وينحاز إلى رسول الله (ص) وآل بيته فهي إشارة ذات دلالة على ما نقول.

ولا تحتاج أيها القارئ الكريم أن تستنتج أنني لم أدرك ديني الإسلامي هذا على حقيقته إلا بعد أن اكتشفت نور آل البيت وعلومهم وفضائلهم، ومعنى ذلك أنني الآن لا أخذ ديني إلا من آل البيت، وحصرا، هكذا أمرنا الرسول (ص) عليه وآله وسلم إذا رغبنا في النجاة، ويكفيك أن ترى سخرية الشيخ حسن شحاته عندما يقول أكاذيب أبي هريرة، وخرافات بن تيمية، وسفاهات محمد عبد الوهاب. وفي أثناء كتابتي هذه المقالة لفتت نظري مقالة الأخت سارة عيسى، فهي تهاجم الأستاذ محمد طه محمد أحمد، ومن حقها أن تهاجمه، غير أنني لأول مرة أعرف من كلماتها إن هذا الأستاذ متشيع لآل البيت، كما لم أره قط، حتى أنني لم يحدث أن قرأت صحيفته. ولكن الذي لفت نظري في مقالة سارة عيسى أنها تتخيل بشكل خاطئ، ومعظم السودانيين أيضا، أن التشيع لآل البيت هو من اختراع إيران، أو الفرس عموما. وهذا من ترويج الوهابية الحديثة. التشيع لآل البيت نبتة زرعها رسولنا الكريم بنفسه في حياته، وأوصانا أنه لا نجاة دون التمسك بحبلهم. الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال في آل بيته قولة ثقيلة هي من المرسلات وقد أخرجها الطبراني في المعجم الكبير عن زيد بن أرقم حديث الثقلين والغدير برقم 4971 وفيه: (فلا تقدموهما فتهكلوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم)، ورواه عن الطبراني كل من السيوطي في الدر المنثور 260، والسخاوي في استجلاب ارتقاء الغرف الورقة 21ب، والسمهودي في جواهر العقدين الورقة 84ب، وابن حجر في الصواعق ص 89، والمتقي في كنز العمال. ولا نبالغ بالقول أن الرسول (ص) كان جهده الجهيد في كل حادثة، وفي كل سانحة، لفت نظر المسلمين أن يتمسكوا بأهل بيته لو رغبوا في النجاة. ويكفيك قول رسول الله (ص) السابق الذكر: "..وسألت ربي أن تستقيم أمتي على علي من بعدي، فأبى إلا أن يضل من يشاء ويهدي من يشاء". يكفى أن تعلموا أن 300 آية نزلت في علي بن أبي طالب، وربع هذا القرآن نزل في آل البيت. ألا ترونهم يعطونكم القرآن بدون تفسير؟ ألا ترى مثل القرضاوي يقول "ليس المهم سبب نزول الآية، بل العبرة بعموم اللفظ"! يكرر قول أربابه من الأمويين.

ولقد تابعت بنفسي هؤلاء الوهابيين أمثال عبد الحي يوسف ونزار محمد عثمان وغيره من الوهابيين والأخوان المسلمين الكلاسيكيين ولهم صفحة تسمى المشكاة الإسلامية، وهي نسخة من المشكاة السعودية وتديرها لهم من الرياض، يمكنك الدخول عليها سترى العجب www.meshkat.net ولقد انتهز هؤلاء الغلطة الفنية التي قام بها فنيو صحيفة الوفاق لقد يصنع منها أئمة مساجد الوهابيين مولدا ومحرقة لتأكيد وجودهم وإرهاب الساحة السودانية، مما دفع الكاتب الإسلامي إسحق أحمد فضل الله ـ في صحيفة الحياة عدد رقم 736 الصادرة يوم الاثنين 2 مايو كتابة مقال بعنوان: "محمد طه ومجلس الصحافة وخادم زياد" برأ فيه محمد طه من سب النبي وعزا ما نشر بالوفاق إلى خطأ وقع فيه "صحافي". وألقى الكاتب الإسلامي اللوم على أئمة المساجد الوهابية التي حركت غرائز المسلمين وليس عقولهم. ولقد تضامنت مع هذه المحرقة وزارة الأوقاف التي يتوزرها عصام أحمد البشير، خريج الجامعات السعودية تخصص علم الحديث، وعضو تنظيم الأخوان المسلمين الكلاسيكيين، وعضو مكتب الإرشاد الدولي لهذا التنظيم. ولقد أصدرت ما تسمى مستشارية التأصيل بهذه الوزارة بيانا بدأته كالتالي: "فإن مستشارية التأصيل ووزارة الإرشاد والأوقاف وهيئة علماء السودان ولفيف من العلماء ومديري الجامعات والمؤسسات الإسلامية والهيئات الدعوية قد تدارسوا تداعيات ما نشرته صحيفة الوفاق مؤخرا بعد إحالة الأمر إلى القضاء وما صحب ذلك من تصعيد أكد الحاضرون على ما يلي: أولا: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) هو أشرف الخلق عند الله تعالى وأزكاهم الأمر الذي يتوجب تعظيمه وتوقيره، وقد أجمعت الأمة الإسلامية سلفا وخلفا على أن التطاول على هذا المقام بالتنقص أو القذف أو السب مروق من الدين وخروج على الصراط المستقيم وأن من ثبت عليه ذلك يستحق العقوبة الشرعية..وختمته بقولها وقى الله بلادنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن).

وهذا جزء من بيان هذه المستشارية ونجد فيه سقطتين تدل على الجهل، فأولا قولها (صلى الله عليه وسلم) ولم تسلم على آل الرسول، رغم أن المبتدئ في الإسلام يعلم أن الرسول (ص) يقول لا تصلوا على الصلاة البتراء، قالوا ما البتراء يا رسول الله، قال تصلون على ولا تصلون على أهلي. أما الخطأ الثاني فهو قولهم "وقى الله بلادنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن" وهذه العبارة من الأدبيات الأموية لإخراس عامة المسلمين، بينما الصحيح أن تقول: وقى الله بلادنا من مضلات الفتن..الخ وليس من شر الفتن. لأنك لو قلت شر الفتن فهو وصم إرادته بالشر واعتراض على قول الله سبحانه: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) العنكبوت: 2-3.

عندما تتأمل المعترضين في بيان المستشارية ستجدهم قد نفخوا في البالون خاصة ذكرهم للتي تسمى هيئة علماء السودان، وليس سرا القول أن تنظيم الأخوان المسلمين الكلاسيكي عشق تروسه بتروس هذا الوزارة لكي يوهم العامة أن ما يتنزل الساحة العامة من ضمنها المساجد هو نشاط محايد ووقور. بينما لا يخرج من ربكة التهافت، ومن ربكة التصورات الحزبية الضيقة الأفق، واختلاطها بالأدبيات الأموية والوهابية التي هي تعادى الرسول (ص) وآل بيته. فيكفي أن ترى صفحتهم التي تسمى "بالمشكاة" مليئة بأقوال إبن تيمية والعقيدة الطحاوية..الخ كل هذه السخافات، وما أدراك بإبن تيمية والعقيدة الطحاوية! رغم أن كلمة "المشكاة" القرآنية في تفسير آل البيت هي فاطمة الزهراء عليها السلام. فكيف تدعي هذه الصفحة العنكبوتية الدفاع عن الرسول (ص) وآل بيته عليهم السلام بينما يحتفون بأعداء الرسول (ص) وبأعداء بيته؟ وقد طالبت مستشارية وزارة الأوقاف للتأصيل بالتالي: "وقد أجمعت الأمة الإسلامية سلفا وخلفا على أن التطاول على هذا المقام بالتنقص أو القذف أو السب مروق من الدين وخروج على الصراط المستقيم وأن من ثبت عليه ذلك يستحق العقوبة الشرعية"..ماذا لو قلنا لهم أقرأوا هذه المقالة وعاقبوا ذلك السلف الذي سب رسولنا الكريم (ص) وآله الطيبين، وبأية عقوبة شرعية سيعاقبونهم؟ وماذا هم قائلون؟ لقد سبوا الرسول (ص) وآله رغم كل جهود البخاري وحنكته في التستر على قريش والأمويين!

لن نستغرب أن يأتي اليوم الذي يطالب فيه جمهور السودانيين أن يخضعوا تعيين أئمة مساجد الأحياء للانتخاب بواسطة سكان الحي. وهذا هو الأسلوب الصحيح والديموقراطي لكي يؤكد الشعب السوداني حرصه ودفاعه عن الرسول (ص) وآل بيته والتفويت على المخطط الوهابي الذي يرسم خيوطه ببطء مثل السم الأسود لكي يوهبنوا السودان وأن يمسحوا كل ذكر لآل البيت عليهم السلام! والآن مسموح لكم قراءة مقالة "نصيحة لعلماء نجد"، وستفجعون في السلفيين الذين يتشدقون بأنهم يدافعون عن الرسول (ص) وآله!

شوقي إبراهيم عثمان
ميونيخ – ألمانيا
[email protected]


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved