مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

كيف يدار ملف حالة حقوق الإنسان في السودان بقلم حسن سعيد المجمر طه المحامي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/9 3:34م

حسن سعيد المجمر طه المحامي يكتب :

كيف يدار ملف حالة حقوق الإنسان في السودان
هل رزق اليوم باليوم أم بخطة مرسومة تتولاها آليات وطنية مختصة؟


قرارات مجلس الأمن تلاحق السودان مرتين بسبب دارفور وحماية الأطفال
"فرض قيود علي سفر القادة واستبعادهم من هياكل الحكم ومن أحكام العفو، وفرض حظر أسلحة علي الدولة ومنع تقديم المساعدة العسكرية، وتقييد التدفقات المالية إليها"
مشهد أول؛ اختلف الفقهاء منذ أمد بعيد حول أمرين هامين متعلقين بمحاكمة ولي الأمر إذا ارتكب جرما حيث أورد الإمام أبو زهرة في كتابه العقوبة ٍرأيا للمذهب الحنفي يقول "أن القاضي الذي يقضي بالحد يستمد سلطانه من الإمام الأعظم، وإذا كان يستمد السلطان منه، فهو سلطان واضح في أنه مقصور علي إقامته بين الناس، وليس هو داخل في عموم الناس، وإذا فسرنا سلطان القاضي علي أنه سلطان مطلق غير مقيد، وعام شامل، يشمل سلطان القاضي علي أنه بعمومه ولي الأمر الأعظم وغيره، فإن التنفيذ متعذر، فإنه يخصصه أو يعزله وربما يكون في غير مصلحة المسلمين عزل هذا القاضي وأشباهه، وتولية الضعاف المستخذين".
وقد فرق الحنفية بين القصاص وإقامة الحد لأن القصاص له مطالب من العباد، أما هذا فالمطالب بإقامته، هو الذي يناط به إقامته.
أوردتَ هذا الرأي مقدمة لمقالي هذا اعتقادا مني أنه يُجيب علي المذكرات العلنية المتبادلة حول مظالم قضاة أزيحوا من مناصبهم للصالح العام أو لغيره في مقابل رد مسئول تنفيذي كبير أظنه لم يكن بوسعه في أحلك الظروف أن يقوم أمر إزاحة القضاة عن أداء مهامهم لشرط معلوم لنا هو طعنا في قدرتهم العقلية أو براعتهم في تحقيق العدالة أو إتيانهم بأفعال تنقص مجري إقامة الحق بين الناس.
ولعلي أقصد به تنبيها لأن هذا التلاسن قد يعد دليلا يطعن في نزاهة قضاء السودان الذي عرف قدره القاصي والداني منذ فجر الاستقلال، كما يمكن أن يؤكد أمرا آخر متعلق بعدم قدرة النظام القضائي السوداني في تشكيل محاكمة عادلة بموجبها تتم محاكمة قائمة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دار فور وترد الاعتبار والتعويض للمتضررين جميعهم.
هذا باب واسع للجدل بين أهل القانون وإذا أفردت مقالي هذا للحديث عن مشكلة واضحة في الفصل بين السلطات في السودان وما يتعلق منها علي وجه التحديد باستقلال القضاء فقد تعكس لنا ظواهر الحال تاريخا غير مضئ في هذا المجال فقد سبق في بلادنا أن استقال رئيس قضاء بتدخل السلطة التنفيذية في أحكام أصدرتها المحكمة العليا، لكنه قبل أن يأخذ زملاءه وتلامذته منه العبرة والدرس انخرط منفذا تكاليف السلطان. فكُل نظام سياسي حل في بلادنا غير الدستور والقوانين وعين هياكل جديدة نهشتها أحاديث المدينة وتتناقل الركبان.
إن الأمر المهم عندي أن يلتزم الساسة التريث في إدارة شئون البلاد والعباد وأن يمعنوا النظر في الملاحظات الدقيقة التي يسوقها أهل القانون هنا وهناك فيما يتعلق بمستجدات أمر محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية؛ وإن كان المجال مفتوحا لإدارة حوار حقيقة وطني بناء يٌثبت مبدأ التسامح والمصالحة التي هي أهم مدخل لحل عقدة المحاكمات وتحديد ظروفها التي ينتظرها الناس لرفع المظالم وتحقيق العدالة والتعويض فحكم القاضي وحده لا يشفي آثار الجريمة المترسخة في ذهن المجني عليه طالما أن آثارها باقية ملموسة علي جسده أو عرضه أو ماله أو نفسه.
مشهد ثاني؛ أعتقد أن الواجب علي الدولة أن تتسارع خطاها في إدارة حوار مفتوح مع مجلس الأمن يتعلق بتحديد فاصل لولاية عملية الأمم المتحدة المتعلقة بحفظ السلام في السودان والتي يتم الإعداد والترتيب لها بسرعة مهولة وتحشد لها بموجبها الألوف من الجنود الدوليين لإرسالهم إلي بلادنا من كل حدب وصوب، والحق يقال أننا مشغولون شعبا وحكومة في الداخل والخارج بأمر المحاكمات تلك إلا أن مخاطر توسيع ولاية ومهام قوات حفظ السلام التي سيتم إرسالها إلي الجنوب قد يتسبب في مضار كثيرة قد يكون أثرها أكبر بكثير من المحاكمات المزعومة. لأن جميعنا يعلم أن تعداد القوات الأجنبية يتزايد بصورة مستمرة في دار فور والجنوب وجبال النوبة مما يعني أن مناطق التماس والحرب يقل منها الجيش القومي فيما يحل محله قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة. علينا أن نتساءل بحذر لماذا قدم الإتحاد الإفريقي طلبا لمجلس الأمن يرجوه بترك أمر المحاكمات الخارجية لقائمة المتهمين السودانيين؟ هل اتفق الأفارقة علي دعم الحكومة السودانية؟ أم يسعون لتخدير الحكومة من الانشغال بمتابعة أمر المحاكمات ويصرفوا نظرها عن دخول حشود العشرة آلاف من قوات حفظ السلام دون أن تفهم الحكومة تفاصيل ولايتهم أو تناقش دورها بالكامل وتضع القيود اللازمة التي تحفظ للسودان سيادته وكرامة شعبه؟ . إنني أخشي أن يحتفل الساسة باتصالات سياسية أجروها مع الأفارقة يحسبون أنهم جميعا مع الحكومة لحصر أمر المحاكمة ويحدث ما لا يحمد عقباه في نهاية المطاف كما شهدنا فيما أعقب إجازة البيان الرئاسي التوفيقي للجنة حقوق الإنسان بجنيف التي رفضت المقترح الأمريكي بشأن دارفور في شهر مارس من العام الماضي والإتحاد الأفريقي هذا أقرب فكرا ومنطقا للأمين العام للأمم المتحدة السيد كوفي عنان ولأمريكا والإتحاد الأوربي من أي تحرك سوداني عربي أفريقي موالي.
مشهد ثالث؛ في التاسع من فبراير الماضي وبينما حكومتنا منشغلة بما ستفصح عنه القائمة السرية لأسماء المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية المرفقة بتقرير لجنة تقصي الحقائق وما سيسفر عنه قرار مجلس الأمن حول كيفية المحاكمة والجهة التي ستسند إليها. ناقش نفس المجلس ضمن البند 101 من جدول أعماله موضوع حماية الأطفال في النزاعات المسلحة متناولاً ثلاثة محاور شملت معلومات حول الدول الأطراف الوارد أسمها في تقرير الأمين لسنة 2003م بما في ذلك الانتهاكات الجسيمة التي يتعرض لها الأطفال فيها، وخطة العمل المتعلقة بالرصد والإبلاغ وأفضل الممارسات المتبعة في برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، ومقترح تدابير فعالة للسيطرة علي الأنشطة غير المشروعة دون الإقليمية والعابرة للحدود. غطي التقرير كالعادة دول محددة وأوردها بالاسم وهي ساحل العاج، أفغانستان، بوروندي، الكنغو، ليبيريا، الصومال، العراق، الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، كولومبيا، ميانمار، الفلبين، أيرلندا الشمالية، سريلانكا، نيبال، الإتحاد الروسي،أوغندا، السودان وهي دول لم تحترم التزاماتها الدولية بشأن حماية الأطفال في النزاعات المسلح بل استمرت المجموعات المقاتلة فيها تزج بمعظم أطفالها كجنود مقاتلين في النزاعات الداخلية التي تدور في أراضيها، في وقت ظلت فيه الأمم المتحدة تسعي منذ أكثر من خمسة عشرة عاما إلي حث الدول الأطراف علي الإقلاع عن تجنيد الأطفال وتشجعها للوصول إلي سلام عادل مع شعوبها لتجنب الأطفال مخاطر التجنيد والمشاركة المباشرة في القتال إلا أن الدول المشار إليها فشلت بكل أسف في الحد من خطورة تلك الممارسة بسبب استمرار النزاع المسلح لتحقيق أهداف سياسية في الغالب لا تعني الأطفال في شئ.
لقد تناول تقرير الأمين العام للمنظمة الدولية تطورات حماية الأطفال في السودان مشيراً إلي دور الأمم المتحدة في دعم اتفاقية السلام الدائم في الجنوب وكذلك موقف الجيش الشعبي لتحرير السودان من موضوع حقوق الأطفال لا سيما فيما يتعلق بتجنيدهم واستخدامهم، ونزع سلاحهم وتسريحهم، وإعادة إدماجهم وأكد التقرير الخطوات الجادة التي أعلنتها الحركة الشعبية بتسريح ثمانمائة طفل في غرب أعالي النيل في أوائل العام المنصرم 2004م إضافة إلي وضع مشروع سياسة محلية لتحقيق ذات الغرض، إلا أن نفس التقرير وقبل أن يجف مداده عاد ليشير إلي عدم التزام الحركة التي واصلت تجنيد الأطفال.
كما أثبت التقرير تورط المجموعات المسلحة الأخرى في جنوب السودان مضيفاً إليها المليشيات والمجموعات المقاتلة في دار فور مثل مليشيات الجنجويد الطرف المسئول عن القتل والتشويه والاغتصاب وغيرها من أشكال العنف الجنسي الشديد في حق الأطفال في الفترة المشمولة بالتقرير، والحركة الشعبية لتحرير السودان، وحركة العدل والمساواة. وحسب إفادات بعثة الأمم المتحدة لرصد حقوق الإنسان في دارفور ولجنة الإتحاد الأفريقي لوقف إطلاق النار اللتين أكدتا وجود أطفالا جنودا ضمن قوات الحركتين.
ونظرا لخطورة الانتهاكات التي ترتكبها المجموعات المسلحة لحقوق الأطفال قدم تقرير الأمين العام توصيات حاسمة ومحددة لمجلس الأمن حثه فيها بأن يتخذ خطوات عملية بشأن الدول التي لم تحرز تقدما ملموساً وفقا لقراراته المعنية المتسلسلة بالأرقام 1679(2001)، 1460(2003)، و1539(2004). علي أن تتضمن تلك الخطوات فرض قيود علي سفر القادة واستبعادهم من هياكل الحكم ومن أحكام العفو، وفرض حظر أسلحة علي الأطراف المعنية ومنع تقديم المساعدة العسكرية إليها وتقييد التدفقات المالية إليها.
وبموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني توفرت معايير عديدة (صكوك دولية وإقليمية) تؤكد ضرورة حماية حقوق الأطفال في حالتي السلم والنزاعات المسلحة، ولن ينسي العالم بالتأكيد حجم الاهتمام الدولي غير المسبوق باتفاقية حقوق الطفل علي مستوي رؤساء الدول وفي مؤتمر عالمي مشهود بمقر الأمم المتحدة بنيويورك مطلع تسعينات القرن الماضي عندما نالت تلك الاتفاقية إجماع دول العالم ما عدا دولتين هما الصومال لظروفها المعروفة والولايات المتحدة الأمريكية. تلك الاتفاقية التي تعهدت فيها الدول الأطراف بأن تحترم قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني المنطبقة عليها في المنازعات المسلحة وذات الصلة بالطفل. وطرحت الاتفاقية مسائل جوهرية جديدة لم تطرحها أي إتفاقبة أخري وهي حق الأطفال في المشاركة ، والحق في إعادة التأهيل ، موضوع التبني.
لقد أبدي السودان رغبة صادقة في حماية وتعزيز حقوق أطفاله فأنشأ لتحقيق ذلك آليات وطنية وانتشرت المؤسسات والمنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حماية وتعزيز حقوق الطفل لكنا نتساءل!!! لماذا انحصر دورها في أنواع محددة من الحقوق دون غيرها؟ هل كل الأطفال المحاجين إلي حماية يتواجدون بالخرطوم والمدن الكبرى؟ ما هو دور مفوضية العون الإنساني المتعلق بمتابعة ومراقبة تلك المنظمات في القيام بدورها المحددة ضمن أهدافها؟ وهل تنفذ تلك المنظمات برامج حقوق أطفال حقيقية أم لا زالت عقدة التسييس تراوح مكانها؟
لماذا لا يغطي اختصاص لجنة القضاء علي اختطاف النساء والأطفال "سيواك" حالة الأطفال غير المصحوبين عن ذويهم بسبب الحرب؟
إن قضية انتهاكات حقوق الطفل هي مسئولية الجميع لكن الدولة هي المسئول الأول أمام مجلس الأمن وإذا ما أتخذ قرارا بشأن الدول التي حددها القرار فسيكون وبالا علي شعب السودان الذي أنهكته القرارات الدولية والضغوط الداخلية الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة.
ختاماً؛ بيد الحكومة اليوم قبل الغد أن تستدرك الموقف وفقا للوسائل التالية:
- إعلان فوري للجنة الحقيقة والمصالحة وإعطائها تفويضا كاملا ورفع كافة القيود المعلومة التي تعطل عمل اللجان الوطنية وتوفير مالية كافية لها وإفراد مساحة زمنية واسعة في وسائل الإعلام بالقدر الذي يمكنها من الاستماع لكل مواطن أو جماعة متضررة مهما كانت الجهة التي ارتكبتها، وهذا هو الطريق الوحيد لبناء الثقة وإزالة ما علق في النفوس من غبن قديم وحديث.
- إعادة قراءة التجربة الجنوب أفريقية والرواندية وحتى الجهود المغربية المبذولة لمعالجة قضايا حقوق الإنسان العالقة والاستفادة منها.
- الإعلان الفوري عن تكوين المفوضية الوطنية لحقوق الإنسان بشكلها المستقل بعيدا عن تأثير طرفي الاتفاق بحيث تقوم وفقا لمبادئ باريس وتغطي في تشكيلها كافة التنظيمات بما في ذلك المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال حقوق الإنسان.
- التفرغ التام لأعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وتمكينهم من نظر كافة الشكاوى والنداءات المحلية والدولية المقدمة من قبل الأفراد والجماعات والمنظمات الحكومية بدلا من الأسلوب الانتقائي المتبع حاليا في معالجة الشكاوى.
- فتح مكاتب فرعية لمكتب استعلامات الأمن في مدن دار فور وإتاحة الفرصة لكافة المواطنين لتقديم شكاواهم.
- شخصيا أعتقد أنه من الواجب عزل ولاة دار فور الثلاثة وإعادة تشكيل حكومات تلك الولايات بما يتناسب وتجديد الثقة وأسلوب التعامل مع قضايا المنطقة.
- مخاطبة المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان لرصد ومراقبة هذه الإجراءات في مناطق دارفور معسكرات نازحين وسجون ومرافق وأن تتاح الفرصة للمنظمات الوطنية ذات الكفاءة في متابعة وتقييم ما جري ويجري من أحداث.

وبالله التوفيق

الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved