مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

جنوب كردفان: صفحات من التأريخ الجيوسياسى لقبائل الحوازمة بقلم بريمة محمد أدم/ واشنطن

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/6 8:17ص

جنوب كردفان: صفحات من التأريخ الجيوسياسى لقبائل الحوازمة

بريمة محمد أدم/ واشنطن
[email protected]
بسم الله الرحمن الرحيم

في المقال السابق تحدثت عن قبائل الحوازمة وفروعها ومواطنها الجغرافية وألقيت قليل من الضوء علي القبائل التى تساكنهم المنطقة. وفي هذا المقال سوف نقدم خلفية تأريخية من كتاب البريطانى يان كينسون، الذى أشرنا أنه زار الحمر وأستقر عندهم في 1952 –1955 م، ويعتبر كينسون من أميز ما كتب عن البقارة (الحمر) في كردفان. فالرجل نقل مشاهداته اليومية وعلي مدى خمسة وعشرون شهراً قضاها مواطنا بين البقارة، وقد أشاد بكرهم وسخاءهم وحسن عشيرتهم.

يقول كينسون، ولقرون مضت، يعتبر حزام السافنا ما بين بحيرة تشاد والنيل الأبيض وطن قبائل البقارة. إن تأريخ المنطقة وطبيعتها الجغرافية يلقيان الضوء علي توزيع هذه القبائل (وسوف نرى شرح هذا القول من خلال المقال). يتكون العرب الرحل من فرعين أبالة (رعاة الأبل) وبقارة رعاة البقر. يحتل الأبالة الأجزاء الشبة صحراوية جنوب الصحراء الكبرى، أما البقارة فيعيشون جنوب حزام الأبالة، بعيداً عن الحزام الشبه صحراوى، حيث يصلون، في فترة تجوالهم الصيفى، إلي المناطق المغمورة بالمياة في أحواض النيل الأبيص (بحر العرب وبحر الغزال). والبقارة هم العرب الذين أجبروا بواسطة الظروف البيئة للعيش في تلك المناطق ذات الرطوبة العالية والأوحال الشديدة، والتى لا تلائم تربية الجمال (ذلك يعنى أن الظروف البيئية والرعوية هى التى ساعدت في إختلاف الأبالة عن البقارة). ويقول كينسون في روايته، إستناداً علي المصادر القليلة المتوافرة، فإن قبائل البقارة جميعها رعوية وتتشابه ثقافياً في نواحى عدة، وأغلبهم يدعون صلات قرابة بعيدة مع بعضهم البعض. إن خلفياتهم التأريخية تمتد عبر قرون لتصل إلي قبائل جهينة من فروع حمير التى تقطن جنوب شبه الجزيرة العربية منذ أيام قبل بعثت النبى (ص). (أنظر أن ماك مايكل في المقال السابق أشار أنهم من قبائل جهينة إحد فروع قبائل البيدون). ويقول كينسون لا نعرف كيف وصل البقارة إلي مواطنهم الحالية، هناك بعض الرويات تقول بعد غزو العرب لمصر، واصلت المجموعات التى صارت تعرف فيما بعد بقبائل البقارة، سيرها في محازات ساحل أفريقيا الشمالى حتى تونس الحالية، ومن ثم عرجوا (إنحرفوا) عابرين الصحراء الكبرى جنوباً ليستقروا في مناطق باجرمى ووداى في تشاد ثم نزحوا شرقاً تحت ضغط السلطنات القائمة هناك. وكما رأينا في المقال السابق، أن ماك مايكل أشار أنهم ضمن قوات الفتح التى إتجهت ناحية النيل الأعلي، ضمن تلك الجيوش التى كان قوامها قبائل جهينة العربية، ثم أتجهوا غرباً من النيل وأتخذوا حياة التجوال سبيلاً لهم. (سوف نتطرق في المقال القادم إلي صحة الروايتين وتطابقهما مع رواية قبائل الحوازمة عن أنفسهما).

يشير كينسون، إن البقارة لم يكونوا مزارعين إكفاء، بل يزرعون قليل وحتى اليوم، وربما في الأزمنة الغابرة كانوا يزرعون أقل مما هم عليه الأن، ذلك يعنى أنهم يعتمدون علي أسواق المجموعات المستقرة في الغلات والحبوب التى يستبدلونها بالزبد واللبن. كما يعتمدون علي المجموعات المستقرة في المعدات المعدنية كأوانى الطباخة والفؤوس وغيرها (هذا الرأى غير صحيح، البقارة يجيدون صناعة الحراب، السيوف، الفؤوس، والحلل وغيرها كما يصنعون أدوات الفخار للأستعمال كأوانى طباخة). ومع إعتماد البقارة الجزئى علي المستقرين إلا أن لديهم أسباب منطقية في عدم الثقة بالسلاطين عموماً (الذين يغتصبون ثروتهم). ويبدوا جلياً أن سلطان وداى له سلطة أقوى علي الرعاة الذين تحت إدارته من سطنات الفور، وربما لهذا السبب، إن البقارة الذين أستوطنوا غرباً تحركوا ناحية الشرق. إذا إراد البقارة تجنب الطغاة، سوف يتحركون، ولكن إذا تحركوا سوف يجدون أنفسهم في بيئات تخلوا من بعض المدخلات التى يحتاجونها، ففي هذه الحالة يحاولون اللجوء إلي سلطان أخر، وبالتالى تجدهم يتحركون غرباً وشرقاً حتى أستقر بهم المقام في مناطقهم التى يستوطنون بها الأن.

ومع تحركهم في تلك الأتجاهات، غرباً وشرقاً، ظل البقارة في بيئات طبيعية متشابهه. ففى الجزء الجنوبى يدخلون الأراضى الطينية ومناطق الذباب، أم في الجزء الشمالى يرتحلون في أراضى القوز والأراضى الشبه صحراوية. حزام البقارة لدية مقدرة علي دعم قطعان كبيرة تحقق إستقلال شبه تام للرعاة عن السلطات القائمة (وحتى اليوم). هذا الحزام يشتمل علي أراضى ذات بيئات مختلفة، ومياه وفيرة، ومراعى خصبة ومناطق صالحة للزراعة، فمن العسير أن يتصور المرء إنتعاش حرفة الرعى من غير هذا التنوع البيئى.

يقول كينسون، أن المناطق التى يوجد بها البقارة الأن، كانت من أكثر المناطق ذات النشاط السياسى. ففي تلك المناطق نشأت سلطنات الفور، سلطنة وداى، وسلطنة باجرمى واللائى يعتبرن في عهودهن الأولي وثنيات، بينما كانت سلطنة سنار (سلطنة الفونج)، التى نشأت بين النيلين، مسلمة. إن القبائل العربية التى ترتحل في الحدود الجنوبية لتلك المجموعات المستوطنة، يبدو أزدواجية تعاملها مع تلك السلطنات حتى بعد دخولهن في الأسلام. ففى بعض الأحيان يتقاتلون معهن قتالاً مريراً، وفي أحيان أخرى تنشأ أحلاف موقته. إن الرعاة لا يرغبون في دفع العوائد التى يفرضها السلطان، وفي نفس الوقت يعتمدون علي التجار والمستقرون في دائرة السلطنات علي بعض البضائع والسلع الضرورية. كان السلاطين، إلي جانب أخذ العوائد، يحاولون إستغلال فرسان البقارة في الحروب. إن البقارة لا يترددون في القتال مع السلاطين، كما يقول كينسون، لأنها تعتبر فرصة لأخذ الغنائم، ولكنهم أقل إستعداداً لدفع العوائد المالية. ولكى يتجنبوا أعوان السلاطين، يلجأ الرعاة إلي الأستفادة من التنقل، نتيجةً لمقدرتهم علي حمل أثقالهم وممتلكاتهم وأسرهم مع قطعانهم، وقد أستفادوا في ذلك بمعرفتهم اللصيقة ببيئتهم الغابية والسهول المغمورة بالمياة. أما إذا ما تم العثور عليهم فإن الجزاءات كانت باهظة. يقول برونى (بروانى) والذى يعتبر أول أروبى سجل زيارة لدارفور في الأعوام مابين 1793-1797م: إن العوائد الضريبية للعرب الذين يربون الحيوان هى العشر (أى يدفع الرجل عشر ثروته)، كما أن أغلبها كانت تدفع سمناً. ويقول برونى (عندما كنت هناك أهمل الرعاة دفع عوائدهم لمدة عامين، حيث أرسل السلطان مجموعة من الجيش كانوا يصادرون كل ما يقع تحت أيديهم، وتصل الحيوانات المجلوبة حتى ألف ومئتين رأس). ويضيف برونى، عندما يجد العرب الرحل أنفسهم فى موقف قوة، يحاولون التهرب من دفع العوائد الضريبية.

الشيخ محمد عمر التونسى، الذى زار دارفور عام 1803م كتب يقول (إن عرب الرزيقات يدفعون لمبعوث السلطان روؤساً إلا إذا أحبوا شخصية السلطان، وفي هذه الحالة لا يدفعون أى أبقار جيدة إطلاقاً). وذهب التونسى إلي القول أن السلطنات لا تملك أدنى سلطة علي القبائل العربية الرعوية. ويقول برونى أن جيوش السلطنات تعتمد في تحركاتها وسط الرعاة علي الرعاة أنفسهم الذين يرافقونهم، والذين يعتبرون روافد للسلطنات أكثر منها أعوان لها. ذلك يجعلنا نخلص إلي أن شعب البقارة عامة والحوازمة خاصة (نتيجية لوقوع مناطقهم بعيداً عن سلطنات الفور والفونج) ظل شعب حر تماماً يمتلك قراره وسيادة، متمثلة في زعامات القبيلة دون سيطرة الأخرين علية، وسوف نرى أن تلك السيادة أصطدمت مع حكومة الأستعمار البريطانية التى أرادت فرض سيادتها عليهم دون جدوى.


أقليم كردفان، والذى يقع بين سلاطين الفور وملوك الفونج، ظل لفترة زمنية غير قصيرة تحت سيطرة الأخرين، علماً أنه في جزء من القرن الثامن عشر كان شبه مستقلا. وبدخول الأحتلال التركى المصرى وفي حوالى عام 1922م أصبحت الدولة السودانية تحت قبضة الأستعمار حتى هزم الأحتلال علي أيدى الأمام المهدى وخليفته، ويعتبر منذ عام 1899م يقع أقليم كردفان تحت سيادة الحكم الثنائى حتى الأستقلال. ويقول كينسون (مع أن كردفان ظلت تحت الأستعمار ولمدة 60 عاماً إلا إنه من العسيرتصديق صحة نجاح الأدارة الأستعمارية في فرض سلطات أقوى علي البقارة من تلك التى كانت سائدة إبان عهد السلاطين من قبلهم).

الكاتب إقناتيوس بالمى الذى زار مدينة الأبيض، حاضرة أقليم كردفان في عام 1837-1838م كتب يقول عن البقارة في أقليم كردفان، كانت عوائدهم الضريبية تجمع بالقوة (في فترات الخريف)، أما في فصل الجفاف يتجولون في الأجزاء الجنوبية البعيدة، التى تعتبر غير معروفة لحكام كردفان، والتى لا يستطيعون المجازفة بالوصل إليها. وقال بالمى فقد وصلت الحكومة الأستعمارية حداً لا تعتبر البقارة ضمن السكان الذين يقطنون المقاطعات الخمسة التى تم تقسيم كردفان إليها (لأنهم لا يدفعون ضريبة أو عوائد إلا قسراً، بمعنى أخر متمردين).

ولكن مع وقوف الحوازمة (كبقية قبائل البقارة) في وجه الأستعمار، إلا أن الواقع يقول أن الأستعمار أحكم قبضتة علي المستقرين منهم، فقد قام الأستعمار بألزام الحوازمة المستقرين (ربما جميع قبائل الحوازمة) بزراعة حيازات زراعية لصالح مؤونة الجند. وعادةً يقوم الرعاة من الحوازمة بتخريب تلك المزارع، مما هدى بالأستعمار بمهاجمتهم ليلاً، حيث نشأ عند الحوازمة تراث يعرف (بالتعريد). وكلمة تعريد (من كلمة عرد) تعنى الهروب ليلاً، حيث يقوم الرحل بألقاء كل الحمولة التى يرحلون بها إلا القليل الذى يكفى للضرورات. وظل الحوازمة في حالة عداء مع الأستعمار حتى نجح الأستعمار في أبتدار الأدارة الأهلية، حيث أوكلت لزعامات القبائل إدارة شؤون قبائلهم (بمثابة إنقلاب أبيض خادع).

ومع ظهور الثورة المهدية، التى أصبح البقارة مهيئين لها أكثر من غيرهم، نهض شعب الحوازمة ينتفض لكرامة الوطن وسيادته مع بقية شعوب السودان الأخرى. فقد ذكر الكاتب ماك مايكل أن الحوازمة أنضموا إلي جيوش الدروايش، وذكر من قياداتهم: نواى (ربما نواى حامد) وإبراهيم قيدوم وهم زعماء الحلفا، وقطية حماد زعيم قبائل داربتى، ومحمد التوم زعيم أولاد غبوش، فقد كانوا ضمن قيادات قبائل الحوازمة في حصار الأبيض حتى سقوطها. وقد ذكر الكاتب وفاة الزعيم نواى بالجدرى بعد سقوط الأبيض، وقد أستشهد قطية حماد في مدينة أم درمان، كما أستشهد محمد التوم في معركة عطبرة. وأستوطن كثير من قيادات وقوات البقارة التى تحركت مع جيوش الأمام من الغرب في مناطق حى الأمراء في أم درمان والملازمين وبيت المال والشهداء، أى في جميع أحياء أم درمان العريقة.

من الكلمات التراثية:
أ‌. المسافر له المشى والمبطون له الجرى. (لا حظ السفر بواسطة المشى، وليس هناك علاج للمريض بالأسهال عليه أن يسهل فقط) ولا أعرف تحديداً ما سبب هذه المقولة، ولكنها تشير بوضوح إلي الحالة المزرية في وسائل الأتصال والعلاج حتى إندرجت ضمن أمثالهم.
ب‌. ركاب سرجين وقيّع. يعنى لا جعل الله لرجل في جوفه من قلبين.
ت‌. الله يخضر ضراعك. دعوة بأن يمد الله لك في رزقك والضراع (الساعد) هو مصدرالرزق.
ث‌. ستات الشدرة أو طيبات المقيلات. تحية للنساء وهن وقت المقيلة.
ج‌. قيلتو طيبين (ومنها كيف قيلتو، البرنامج الأذاعى الشهير). تقال وقت الظهيرة.
ح‌. عيد مبارك عليلم (تحية العيد) والرد: علينا وعليكم مبارك، الله يديكم الفي نيتكم، ويزيكم زايداً من الله، ويزوركم المصطفى. وفي بعض الأحيان علينا وعليكم مبارك، أليتنا (يا ليتنا) زايدين ما ناقصين. ولا يستجاب لك بالدعوات الصالحات عندما تقول: كل عام وأنتم بخير. فيقولون آمين.
خ‌. الحوض بى بلومه أو البليلة فيها حجار. هذا الكلام معروف جداً. ويقال إذا تحدثت عن شخض أو جماعة ولا تدرى أن منهم أحد موجود، فينبهك الأخرون الحوض فيه بلومة فعليك بالأعتزار.
د‌. فلان مطرقهُ لاحق العسل. الرجل واصل في العلم، أو ذو خبر يقين.
ذ‌. فلان زول كويس. بمعنى أنه إنسان طيب.
وهنا لغز سوف نترك شرحه حتى المقال القادم ومن أستطاع فهمه عليه أن يرد عليّ بذلك حتى ننشر أسمه. والكلام اللغز هو: ( كن بتط قول بط وكن ما بتط قول ما بط) ماذا يعنى هذا الكلام.


نواصل دارسة الحوازمة وما زلت أوجه النداء إلي أبناء الحوازمة والبقارة بمساعدتى في جمع قبائل الحوازمة، وقد وصلتنى أفادات جيدة سوف نقوم بالتنسيق مع أصحابها في كيفية إضافة تلك المعلومات إلي المقال الأول (الذى يشمل قبائل الحوازمة وتفرعاتها) وسوف نحفط للكتاب حقوقهم الأدبية بالأشارة إلي إسماءهم في مواقعها.

Ian Cunnison. 1966. Baggara Arabs: Power and the Lineage in a Sudanese Nomad Tribe, Clarendon Press; Oxford.
أنظر أيضاً مراجع ماك مايكل في المقال السابق.

بريمة محمد أدم
واشنطن دى سى، الولايات المتحدة الأمريكية.
5 مارس 2005

الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved