مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

دور المنظمات غير الحكومية في حماية حقوق الإنسان في السودان ... بين الواقع والمحال (1) بقلم حسن سعيد المجمر طه المحامي؛-دمشق

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/31/2005 2:14 م

دور المنظمات غير الحكومية في حماية حقوق الإنسان في السودان ... بين الواقع والمحال (1)
حسن سعيد المجمر طه المحامي؛

مشهد أول؛ في كتابه الموسوعة -الإمعان في حقوق الإنسان- أورد الخبير هيثم مناع تعليقاً للفقيه عبد الرحمن الكواكبي العام (1902م) حول داء الاستبداد بقوله "يخف الاستبداد كلما قل عدد نفوس الرعية، وضعف الارتباط بالأملاك الثابتة، وقل التفاوت في الثروة وكلما ترقي الشعب في المعارف". والحكومة من أي نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد ما لم تكن تحت المراقبة الشديدة والاحتساب الذي لا تسامح فيه كما جري في صدر الإسلام في ما نقم علي عثمان ثم علي رضي الله عنهما، وكما جري في عهد هذه الجمهورية الحاضرة في فرنسا في مسائل النياشين وبناما ودريفوس. ومن الأمور المقررة طبيعة وتاريخا أنه ما من حكومة عادلة تأمن المسئولية والمؤاخذة علي نفسها بسبب غفلة الأمة أو التمكن من إغفالها إلا وتسارع إلي التلبس بصفة الاستبداد، وبعد أن تتمكن فيه لا تتركه وفي خدمتها الوسيلتين العظيمتين؛ جهالة الأمة، والجنود المنظمة. وهما أكبر مصائب الأمم وأهم معائب الإنسانية، وقد تخلصت الأمم المتمدنة نوعا ما من الجهالة، ولكن بُليت بشدة الجندية الجبرية العمومية، تلك الشدة التي جعلتها أشقي حياة من الأمم وألصق عاراً بالإنسانية من أقبح أشكال الاستبداد، حتى ربما يصح أن يقال إن مقترع هذه الجندية إذا كان هو الشيطان فقد انتقم من آدم في أولاده أعظم ما يمكنه أن ينتقم.

مشهد ثاني؛ في أي زمان أو مكان سادت فيه قيمة الحرية تحققت العدالة والمساواة والتسامح وانحسر الظلم وبرزت في الناس أفرادا وجماعات علامة المروءة ونخوة الإنسانية المعبرة عن احترام كرامة الإنسان وقدره فلا يتعطل عن الصدع بالحق أحد ولا ينجو مخطئا من اللوم مهما علت مكانته أو وظيفته. ومنذ القدم عبر أحد حكماء اليونان عن اعتبار الشأن العام واجبا إنسانياً بالقول (نحن ننظر إلي الرجل الذي لا يهتم بالمسائل العامة لا علي أنه رجل لا ضرر منه، بل علي أنه رجل لا نفع منه). وفي إطار ذات المفهوم وثقت التجارب الإنسانية الحية إقدام شخصيات متفردة حفظ لها التاريخ دورها المتعاظم في تعزيز وحماية حقوق الإنسان بدوافع إنسانية وتطوعية محضة، فالسويسري هنرى دونان عندما مر في منتصف القرن التاسع عشر حوالي 1856م بقرية سولفرينو شمال إيطاليا دفعته المشاهد المروعة لجرحي الحرب في الميدان لإعمال كل طاقته الفكرية والمادية لنجدة الضحايا فكانت محصلة مبادرته تلك ميلاد أكبر حركة إنسانية دولية عززت مصادر القانون الدولي الإنساني (قانون الحرب سابقاً) وانخرطت في تأييدها معظم دول العالم بلا إستثناء بل صارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر معلما للإنسانية لا تخطئه عين، الشئ نفسه الذي حدث مطلع ستينات القرن الماضي عندما استفز رجلا إنجليزياً خبر اعتقال شابين تجاذبا أطراف الحديث السياسي في مطعم في البرتغال لينشئ منظمة العفو الدولية التي يستنجد بها الآن النصارى والمسلمون واليهود علي السواء. وفي تاريخنا العربي والإسلامي الكثير من القصص كما أوردنا مثلا بينا في صدر هذا المقال. الأمر الذي يحسب لأشخاص حركة حقوق الإنسان العالمية مدافعين ومنظمات غير حكومية أنهم حققوا إنجازا تاريخياً تجاوزا به روابط القربى أو المصالح المباشرة والضيقة إلي الدفاع عن المثل والقيم الإنسانية السامية بعيدا عن تأثير السلطة، ووجهوا بموجب ذلك حركة المجتمع المدني لتصبح محل اهتمام من قبل المنظومة الدولية لأنها تمثل الذراع الفعال لأي تغيير اجتماعي وثقافي نحو بناء شعوب حرة تسود فيها قيم الديمقراطية والمحبة والسلام والحق والعدالة.
لقد تعددت التعريفات الخاصة بالمنظمات غير الحكومية لكننا للإيجاز أخذنا تعريفين. المجلس الأوربي والأمم المتحدة ومعهد القانون الدولي عرفها بأنها "الجمعيات والمؤسسات الخاصة التي تضم عددا من الأشخاص لغرض نوعي محدد، وهي عند تمتعها بالشخصية الحقوقية تصبح ذات هوية مستقلة عن أعضائها أمام القانون سواء في المسئولية الاعتبارية أو المالية". أما اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) فقد أوردت في تقرير لها حول "دور المنظمات غير الحكومية في تنفيذ توصيات المؤتمرات العالمية وفي المتابعة المتكاملة لها" بأنها (إحدي مؤسسات المجتمع المدني، وتتكون المنظمات غير الحكومية من جمعيات ومؤسسات متنوعة الاهتمام، تطوعية حرة، مستقلة جزئياً أو كليا عن الحكومة، وهي تتناول القضايا والمصالح العامة، وتتسم بالعمل الإنساني والإنمائي المتبادل، وهي لا تهدف في أعمالها إلي الربح المادي بل تهدف إلي خدمة المجتمع وتحسين أوضاع الفئات المحتاجة، ومن ثم إلي تنمية المجتمع من خلال تقديم الخدمات الصحية والرعائية والتوعوية والدفاعية والتنموية). وعلي الرغم من أهمية المعاني التي شملتها تلك التعريفات أن بعض خبراء العمل التطوعي مثل شهيدة الباز ود.أماني قنديل وآخرين قالوا أن هناك مشكلات نظرية تحيط بتلك التعريفات باعتبارها قد تم إنتاجها في الغرب وأنها تستند إلي فرضيتين هما "آليات السوق، والديمقراطية" وهما فرضيتان لا يمكننا إسنادهما من منطلق وظيفي للمنظمات غير الحكومية لأنهما لم تكتمل حتى الآن شروط تحققهما في مجتمعاتنا العربية.
ذلك لأن قضية الاقتصاد والسوق تتطلب حالة من الاستقرار السياسي تمكن المنظمات من القيام بأدوار رعاية الفقراء، والمحتاجين، وتلبية الحاجات الخدمية، حيث يصبح دور هذه المنظمات هو "التقليل من حدة التوتر الناتج عن التفاوتات الاجتماعية التي خلقتها ظروف التصحيح والتكيف الهيكلي"
أما مسألة الديمقراطية يعترض طريقها دوما خضوع المنظمات غير الحكومية من الناحية القانونية إلي القوانين الوطنية التي تختلف باختلاف البلدان فمنها ما يخضع لقاعدة الإعلان والعلم لدي السلطات كما هو الحال في فرنسا، أو بتقييد شروط تشكيلها كما هو الحال في البلاد العربية بما فيها السودان، الأمر الذي يحد من قدرتها علي تشكيل قوة ضغط فعالة في ميدان رصد ومراقبة حقوق الإنسان. وهو ما يخالف الحاجة إلي إنشائها منذ أن نفذ ميثاق الأمم المتحدة العام 1945م حيث تصاعد الاهتمام الدولي بها وأعطتها الأمم المتحدة مركز استشاريا يمكنها من المشاركة في مؤتمرات ولقاءات هيئاتها الرسمية وتقديم الخطط والتقارير والإدلاء بآرائها حول أحداث وقضايا حقوق الإنسان بما في ذلك تقديم الشكاوى الفردية وفي ذات الوقت تعاني تلك المنظمات من معضلة عدم تمتعها بالحماية القانونية اللازمة لنشاطها وحريتها في تحقيق أهدافها، حيث لا توجد في العالم سوي وثيقة واحدة صادرة عن "المجلس الأوربي" في 24 أبريل 1986م تقر بشخصية حقوقية للمنظمات غير الحكومية ولم تصادق عليها سوي ستة دول أوربية إلي وقت قريب فيما أضحي قانون الإرهاب عقبة أمام معظم المنظمات الخدمية ذات الثقل والتأثير وسط مستهدفيها من الجماعات والأقليات المحرومة في أنحاء عديدة من العالم يحدث ذلك علي الرغم من الضجيج الكبير الذي تثيره تلك المنظمات غير الحكومية علي مستوي قضايا حقوق الإنسان الدولية والإقليمية والمحلية. إن أية منظمة غير حكومية لا بد لها من التحلي بالمصداقية والشفافية وحسن التقدير وجميع مبادئ التطوع التي أقرتها الأديان والمواثيق الدولية بما في ذلك المبادئ الثمانية عشر التي توصلت إليها تجارب عمليات الأمم المتحدة الميدانية لعقود خلت لأن ذلك يضمن لها الحماية الدائمة من محاولات الاحتواء والتوظيف المختلفة، ويعطيها القدرة علي التمييز بين دورها كسلطة مضادة ودور غيرها من مؤسسات السلطان.
بمقاربة سريعة لواقع دور المنظمات غير الحكومية الدولية والإقليمية في مجال حماية حقوق الإنسان تبرز إلي السطح مظاهر واضحة لازدواجية المعايير تجعلنا حتى نحن جماعة الناشطين أمام مواقف محيرة يمكنني أن أطرحها علها تجد النقاش والتحليل من بعض الزملاء خاصة إذا ما تعرضنا للاعتقالات التعسفية التي تعرض لها مفكرين وسياسيين في العالم العربي جذب بعضهم اهتمام المنظمات غير الحكومية ومجموعات الضغط التي حركت حتى حكومات الدول الغربية وكلنا يعلم ما تم بشأن الدكتور سعد الدين إبراهيم والمحامي أيمن نور في مصر، وغازي سليمان في أوقات سابقة في السودان، وصدم الكثيرون حين عجزت نفس تلك الجهات من إثارة موضوع الدكتور حسن الترابي الذي تجاوز موضوع شرعية حبسه دون محاكمة أنواع القوانين كافة فيما وصفه حزبه بأنه أسير سياسي ورهينة لدي الأمن السوداني لأنه معتقل بلا قانون بعد تبرئة حزبه من الاتهام، ورغم الوعود التي ساقتها الحكومة بأنها ستطلق سراح المعتقلين السياسيين عقب توقيع اتفاق السلام النهائي مع الحركة الشعبية لتحرير السودان منتصف يناير الماضي. الأمر نفسه حدث في تونس التي بها مراكز وعلماء مدافعين عن حقوق الإنسان غطت سيرتهم المنطقة لكن أغلبهم صمت عن التعليق علي ما تعرض لها زملاء مهنة كبار من مضايقات فقط لأنهم عبروا عن آرائهم الشخصية فيما يتعلق بزيارة مرتقبة لرئيس وزراء إسرائيل.
قد يقول قائل أن المنظمات غير الحكومية محرومة من شخصيتها الحقوقية والاعتبارية في معظم البلدان العربية، ويشكل بقاؤها علي سطح الحياة سماحاً ومنحة تعطي من فوق وليس حقا طبيعيا تقر به الشرعة الدولية لحقوق الإنسان الأمر الذي يخلف آثارا سالبة علي نوعية أدائها وقوة حضورها، لكنها أيضا تنفعل بأناس دون آخرين وبقضايا دون الأخرى في دول المنطقة، وهي إن لم تجيب علامات الاستفهام المطروحة تلك فإنها ستثبت في أذهان الكثيرين وصفها بأنها ذات أجندة وتخدم مصالح جماعات أو أحزاب أو دول مختلفة.
لكني أعود لألفت نظر القارئ الكريم إلي زاوية أخري من الموضوع لنحرك سكون الأفراد الذين بيدهم تحريك المجتمعات نحو تكوين المنظمات فإذا ما أخذنا فرنسا مثالاً نجد بها جمعية لكل 56 شخص، وتقدر النسبة في فلسطين بجمعية لكل ألفي شخص، وهي نسبة متقدمة بالمقارنة مع باقي الدول العربية حيث لا يتعدى عدد الجمعيات في العالم العربي كله عددها في المنطقة الباريسية، وبمقارنة بسيطة بين بلد عربي وبلد أوربي نلاحظ أن عدد الجمعيات في بريطانيا يبلغ 20 ضعف لهذا العدد في مصر، أما إذا دعتنا المقارنة للحديث عن السودان فهو أمر آخر فبينما يتعدى سكان السودان الثلاثين مليون نسمة لا تزال المنظمات غير الحكومية المسجلة بصورة رسمية لا تتجاوز الألفي منظمة أي منظمة لكل 15 ألف شخص، فيما يقف إتحاد المنظمات الوطنية (إسكوفا) عاجزا عن زيادة عضويته البالغ عددها 500 منظمة منذ نشأته قبل أربعة وثلاثين عاما. هذه قراءة عرضا لواقع يعكس ضعفأ ظاهراً في بنية الشبكات المجتمعية ووهن في مدينة المجتمعات ومستوي الوعي العام ولولا ذلك لما إستطاعة أية سلطة إطلاق يدها لتعسف بالمجتمعات.
مشهد ثالث؛ علي الصعيد الداخلي تبدو محاولات المجتمع المدني السوداني متعاقبة في صياغة رؤي إستراتيجية تتوافق ووضعية السودان بموارده الكامنة والمستقلة، لكن أكبر العيوب تتمثل في التأثير الكبير الذي تفرضه الدوائر الرسمية باستمرار علي حركة المجتمع المدني لتدور موالية أو في صف المعارضة للإطار السياسي العام للسلطة ديمقراطية كانت أم شمولية، لذلك تأتي محصلة أي محاولة للحديث حول حجم إسهام المنظمات غير الحكومية في حركة التغيير الاجتماعي الثقافي الاقتصادي ضعيفة للحد البعيد خاصة إذا تناولنا واقع المجتمع المدني في السودان آخذين في الاعتبار إفرازات الحرب والسلام وما أفضي إليه الصراع السياسي والمسلح من إفرازات ونتائج سالبة علي المجتمع الذي أضحي حقلا خصبا لتجارب الساسة والعسكر الذين نجحوا بامتياز في استغلال زهد الطبقات المستنيرة وبعدها عن قيادة حركة مجتمع مدني حية إلي تكوين أجسام ومنظمات وجمعيات وروابط ونقابات موالية وغير فعالة.
شخصيا أنا متأكد من إمكانات واقعية موجودة لدي مؤسسات المجتمع المدني الواعية وقدرتها علي الإسهام في بناء السلام والثقة وتعزيز التعايش السلمي بين شعوب السودان كافة، لكن تحول دون ذلك الإستقطابات السياسية الحادة التي تنتهجها كوادر الأحزاب المتواجدة داخل جسم المجتمع المدني والتي تسهم بإستمرار في نخر حياد عوده وسلامته المرجوة لبناء مجتمع ديمقراطي حر يختار فيه الأفراد بحرية التيارات السياسية التي سينتمون إليه ويحددون بمحض إرادتهم إلي من سيعطون أصواتهم وهكذا.
نحن في السودان تموت بيننا القيم السمحة. وفي الوقت الذي تشرئب فيه مخالب التمييز الذي منعته الأديان السماوية والمواثيق الدولية كافة. إلا أننا لا نجد كثير عناء إذا ما عززنا ما ذهبنا إليه سابقا من صفحات الاعتقال التعسفي الذي تعرض له المفكر الإسلامي الدكتور حسن الترابي ولا زال حبيس السجن دون محاكمة إضافة الي بعض أتباعه السياسيين، ومن عجب أن قضي في الحبس السيد النبهاني المسئول الرفيع بجمعية الهلال الأحمر السوداني أكثر من ثلاثة أشهر لم يحرك أحد ساكنا لا داخليا ولا خارجيا، في ذات الوقت الذي أقامت فيه بعض جماعات حقوق الإنسان الوطنية الدنيا ولم تقعدها لتفك أسر د. مضوي رغم تحريك بلاغ رسمي ضده ببينات أثبتت تورطه في مخالفات قانونية حسبما إدعت الجهات المعنية، إنها مؤشرات سلبية لواقع مجتمع مدني سالب وعقيم تغيب عن أعضائه أهم مبادئه الإنسانية والشفافية والحياد.
إن السبيل الي التطور يدعونا الي وضع إستراتيجية تتعامل بمنهجية واضحة مع الوضع السياسي والأمني والإقتصاي والإجتماعي الراهن بعلاته كافة ثم تحدد وفقه الرؤي الإستراتيجية المستقبلية التي تتجاوز هنات ما مضي وعلي رأس الأولويات الحد من إنتشار ظاهرة تنامي حالة الصراع المسلح العنيف في أطراف السودان التي بدأت تتآكل للحد الذي قلل من السيطرة الفعلية للجيش القومي علي معظم أصقاع ومن ثم لم يأمن مواطنيه من النزوح واللجوء قبل أن تشرق عليهم صباحات السلام الذي إنتظروه حلما قريب المنال تمتلئ به الجيوب والبطون وتنبض به الإجساد رفاهة ونعمة.
مشهد رابع؛ في ظل الصعوبات الكبير التي تعترض طريق الاستقرار وبلورة رؤى واضحة خاصة بحركة المجتمع المدني المستقلة يبدو المجال واسعا لصياغة تكهنات عديدة يمكن قراءتها من خلال النقاط التالية:
1. نجحت الأمم المتحدة الي جانب مجموعات الضغط الدولية بدفع أطراف الصراع الي إدارة حوارات ماراثونية أنتجت مجموعة برتكولات وإعلان سلام دائم بالجنوب قبلناه جميعا وبكل (علاته) أملا في وقف الحرب وبناء السودان الجديد، بيد أن ملامح التطبيق الأولية أبانت خفاياه التي لم يكن يتوقعها أحد والتي تمثلت في مشكلات حقيقية تواجه وللأسف المفاوضين أنفسهم مما يؤكد ما ذهب اليه بعض المحلليين فيما يتعلق بفهم وتحليل أدوار الخبراء الدوليين المتخصصين في التفاوض عندما يعملوا علي إقناع طرف وآخر بضرورة تقديم تنازلات والتوقيع علي الحد الأدني الذي تم الاتفاق عليه ومن ثم الإنتقال الي مناقشة مسائل أخري اكثر تعقيدا، وإن لم يكن الأمر كذلك كيف نفسر موقف الحكومة من إعلان الحركة الشعبية عن تعاقدها مع شركات غربية لإنتاج البترول والتراشقات الكلامية التي دارت بين الأطراف وحسمها أخيرا قائد الحركة الشعبية ببعثه وفدا رفيع المستوي لجمهورية الصين استجابة إلي دعوة وصلته من الحزب الشيوعي الحاكم في بكين ولم نسمع تصريحا رسميا معقبا علي ما تم من قبل الحكومة.
2. رغم حالة النشوة بتوقيع سلام إلا أن ما حملته آثار الحرب في دار فور غطت وستغطي كل تداعيات سلام الجنوب في ظل حركة النزوح واللجوء المتزايدة لشعب دار فور، واستمرار حالة اللاحرب واللاسلام مع بعض المواجهات العنيفة بين الأطرف في بعض محافظات الجنوب وتصاعد وتيرة التوتر في الشرق، الوضع يتطلب تعزيز الرؤية التنموية القائمة على أساس الربط المحكم ما بين الإغاثة وإعادة تأهيل البنية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية البشرية، إضافة الي الحد من تنامي ظاهرة الإستعداء الموجه نحو مؤسسات المجتمع المدني العاملة في مناطق الصراع، وهي ظاهرة إن لم تحسم عاجلا ستؤدي إلي مزيد من التدهور الأمني والسياسي.
 3. كذلك استمرار إقحام المنظمات غير الحكومية كطرف في الصراع السياسي المتضرر الأول منه هم الضحايا من المواطنين العاديين، والكل يعلم ما لحق بالمنظمات العربية والإسلامية التي كانت إسهاماتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والي وقت قريب ملئ السمع والبصر، هبت بعدتها وعتادها لنصرة وإغاثة المتضررين في أوضاع الطوارئ التي ألمت ببلادنا لسنوات طويلة لكنها قوبلت بنكران الجميل فتراجعت إسهاماتها لأدني مستوي، ما حدث لا يدع مجالا لأي طرف أن يتذرع بأية أسباب كانت طالما أنه لم يقدر حاجة المتضررين.
4. حالة التسييس التي أشرنا إليها لم تصب المنظمات غير الحكومية ذات الأيدلوجية الدينية إسلامية كانت أم مسيحية فقط بل انتقل الداء نفسه ليصيب منظمات اليسار حيث شهد كل من زار العاصمة البريطانية (لندن) مطلع تسعينات القرن الماضي الخصام الشديد الذي شق بنية أكبر منظمة حقوقية يسارية سودانية بسبب اتهامات متبادلة بين أعضاء مجلس إدارتها حول استغلال أموال جمعت لعمل حقوق الإنسان بالسودان لكنها استغلت لصالح بعض كوادر الحزب اليساري الكبير المتواجدين ببعض دول المهجر آنذاك، وخلص النزاع إلي شق صف المنظمة إلي منظمتين أعدت إحداهما كتابا مفصلا عن تلك الأحداث روت فيه أسباب انشقاقها عن الأخرى.
الأدهى وأمر احتفاظ إحدى تلك لمنظمات بصورة درامية للدكتور الترابي مرتديا عمامته وجلبابه ناصعين البياض وكتبت علي صدره عبارة "لا بأس أن يتقرب العبد إلي الله بإرهاب عباده" هذا المشهد لم يزل قائما بموقع المنظمة علي الإنترنت التي تدعي شكلاً وموضوعا الدفاع عن حقوق الإنسان.
 
ولنا عودة

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved