مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

مغزي ودلالات الزيارة التاريخية لوفد الحركة الشعبية للصين الحركة تتبني في بكين هموما و قضايا قومية بقلم د. جعفر كرار احمد

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/27/2005 9:05 ص

فاجأت الحركة الشعبية لتحرير السودان الدوائر السياسية في الخرطوم بزيارة الي جمهورية الصين الشعبية وصفها مسؤلون صينيون بالتاريخية .واحسب ان الزيارة قد فاجأت ايضا شركاء الحركة الشعبية في المؤتمر الوطني الحاكم . فما هو مغزي هذه الزيارة والهدف منها وانعكاساتها علي العلاقات السودانية – الصينية بشكل عام .
والمتتبع الدقيق لمسيرة العلاقات السودانية الصينية خلال الفترة من يونيو 1989 الي مارس 2005 سيلاحظ ان خطاب الجبهة القومية الاسلامية الحاكمة في السودان حول الصين اتسم بلغة ايحائية شديدة الوضوح استهدفت الرأي العام المحلي بشكل خاص والاقليمي والدولي بشكل عام .وتمحورت لغة الرسالة الاعلامية للجبهة الاسلامية الخاصة بالصين حول وجود تحالف مصيري مزعوم يربط الحركة الاسلامية بالصين منذ عام 1988 تاريخ زيارة زعيمها الدكتور حسن الترابي للصين وبالتالي حسب تصورهم فان العلاقة الحالية المتميزة بين السودان والصين هي علاقات تنظيمات وليست أوطان وان ما تقدمه الصين حاليا من مساعدات اقتصادية وفنية وصحية قيمة للسودان هي مساعدات للحركة الاسلامية لتعزيز سلطتها السياسية وحكمها الحالي .
وفي الواقع لم يتحرج الدكتور الترابي من ان يشير الي ذلك بوضوح في رسالته المفتوحة الشهيرة بمناسبة مرور عام علي ميلاد المؤتمر الشعبي حيث يقول فيها " ان السعي الدؤوب لاستغلال ما في باطن الارض من سائل الطاقة الأسود المبارك قد افلح ومن حيثما تيسر ذلك رأينا اثر بركة الاسلام في مستثمر غربي مسلم كندي لم يصده النهي , وفي جود ذي سلطة شرقي اسلامي ماليزي وفي اقبال ذي شأن شرقي صيني يوفي بعد الانقاذ بصداقة سابقة مع الحركة الاسلامية "
وقادة المؤتمر الوطني علي مختلف مواقعهم تمتلئ لغتهم بهذه الايحاءات حيث من النادر ان يأتي ذكر الصين في مناسبة دون ان يوهموا الرأي العام بهذا التحالف المتخيل واعتقد ان هذا الادعاء قد انطلي علي قطاعات هامة . وبينما ظلت هذه القيادات داخل السودان تؤكد علي هذا الاتجاه كانت لا تترك سانحة امام المسؤوليين الصينيين دون تحذيرهم من مغبة اجراء اية اتصالات مع القوي السياسية الاخري بل ذهب بعضهم للايحاء ايضا للاصدقاء الصينيين بان القوي السياسية الاخري خارج السلطة حلفاء للولايات المتحدة والغرب وان وصولهم الي السلطة سيضر بمصالح الصينيين في السودان . وفي تقديري ان خوف البعض في الحركة الاسلامية الحاكمة في السودان من فتح بوابات الصين امام القوي السياسية الاخري لا يتأتي من حرصهم علي الانفراد بالصين سياسيا فحسب وهنا مربط الفرس بل دفاعا عن مصالح شركاتهم ومؤسساتهم الاقتصادية التي تنفرد بشكل يكاد يكون كاملا بالسوق المحلي وبعالم المال والاعمال في السودان . فالصين بالنسبة للاسلاميين في السودان اصبحت منذ عزلهم لانفسهم في مطلع التسعينيات فردوسا تجاريا لهم ومصنعا كبيرا حرصوا علي الا يشاركهم فيه احد وقد بنوا امبراطوريتهم الاقتصادية الراهنة معتمدين بشكل كبير علي سوق الصين العظيم وقاتلوا ويقاتلون الان لاحتكار هذه السوق لشركاتهم .
وهكذا واصل الاسلاميون ترسيخ مفهوم التحالف مع الصين في اذهان الكثيرين وأحسبهم قد نجحوا الي حد كبير في ذلك. وعندما نواجه الباحثين والمسؤولين الصينيين بهذه الفهم يؤكدون علي ان علاقتهم مع المؤتمر الوطني علاقات طيبة لكنها ليست استثناء في علاقات الصين التاريخية مع شعب السودان ومع حكوماته المتعاقبة منذ اقامة العلاقات الديبلوماسية مع السودان في عام 1959 بل ويؤكدون ان رئيس الوزراء الصيني تشو ان لاي قد عاد الي الصين في عام 1955 بعد مشاركته في مؤتمر باندونغ وهو يحمل انطباعا جيدا عن الزعيم اسماعيل الازهري مشيرين الي انهم احتفظوا بعلاقات طيبة مع حكومة جعفر نميري وقبلها مع حكومة الفريق ابراهيم عبود كما تربطهم علاقا احترام مع حكومات الصادق المهدي مؤكدين ان مساهمات الصين في السودان منذ عام 19970 وحتي اليوم والمتمثلة في تشييد الطرق والمصانع والجسور واخيرا المساعدة في بناء صناعة النفط والبتروكيماويات في السودان ,هي جزء من التزامات الصين في دفع عملية التمية في السودان وجزء ايضا من التزاماتهم تجاه افريقيا .
وفي تقديري ان منطق الصينيين معقول ومقبول فقد احتفظوا بعلاقات طيبة مع كافة الانظمة التي تعاقبت علي حكم السودان كما نلاحظ انهم لم يكونوا في كل الاوقات علي وفاق مع حكومة الانقاذ خصوصا في قضايا مثل الحرب في الجنوب والوضع في دارفور حيث عبروا اكثر من مرة في النصف الاول من التسعينيات عن عدم ارتياحهم للطريقة التي تعالج بها الحكومة مسألة النزاع في جنوب السودان كما انهم دعوا اثناء احداث شرق السودان الحكومة السودانية الي ضرورة البحث عن حلول سلمية لمشاكل البلاد كما اعربوا عن قلقهم لما يحدث في دارفور ودعوا الحكومة السودانية للتعامل بجدية مع الازمة في دارفور ووقف الانتهاكات في الاقليم .
وفي الواقع ان اعتراضهم علي فرض عقوبات اقتصادية علي السودان الذي يعتبره مسؤولو المؤتمر الوطني بأنه تأكيد علي طبيعة التحالف الصيني مع المؤتمر هو الاخر موقف صيني قديم ومبدأ ثابت من مبادئ السياسة الخارجية الصينية فالصين تؤمن بان سياسة فرض العقوبات الاقتصادية علي الدول يؤدي الي تعقيد القضايا وليس الي حلها لان المتضرر الاول من العقوبات هي الشعوب وليست الحكومات وقد رفضت الصين واعترضت علي كل قرارات فرض الحظر المقدمة ضد الدول دون استثناء وستظل تفعل ذلك .
ويبدو ان التجربة العراقية قد اثبتت صحة ذلك فعلا فبينما كان اطفال العراق يموتون لندرة الدواء كان حكام بغداد يعيشون في قصورهم حياة مرفهة تزورهم باستمرار اطقم الاطباء من كل مكان وهكذا استمات الاسلاميون بالخرطوم في الدفاع عن صورة التحالف الاسلامي – الصيني ورسخوها في اذهان الكثيرين الي ان شاهد الصحفيون وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان يتجول في سور الصين العظيم .
اذن فقد فتحت بكين اسوارها امام الحركة الشعبية لتحرير السودان وفتحت ايضا صفحة جديدة في تاريخ العلاقات السودانية الصينية اكثر تنوعا وانفتاحا .
فما مغزي زيارة وفد الحركة للصين التي جاءها بدعوة رسمية من الجانب الصيني ؟
يبدو واضحا ان الصين قد قرأت بشكل جيد طبيعة المرحلة القادمة وادركت ان شمس الحزب الواحد الي افول في السودان وان واقعا سياسيا جديدا افرزته ظروف توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة والحركة الشعبية قد اطل وان علي الصين ان تستعد للمرحلة لتواصل تعزيز علاقاتها مع السودان .
ماذا فعل وفد الحركة في بكين ؟
وفد الحركة الذي راكم تجربة ديبلوماسية طويلة بدا واثقا من نفسه في بكين يقوده القائد المحنك سيلفا كير وقد استفبلت بكين كما حملت الانباء الوفد بحفاوة والتقي بكبار المسؤوليين في الحزب الشيوعي الصيني و الجمعية الصينية للتفاهم الدولي احد اذرع الحزب الشيوعي الهامة والمعروفة كما التقي الوفد بمسؤليين حكوميين منهم مساعد وزير الخارجية الصيني الديبلوماسي المخضرم لو قوا زنغ المسؤل عن ملف السودان في الخارجية الصينية ومبعوث الحكومة الخاص للسودان كما التقي الوفد نائبة رئيس البرلمان الصيني ونائب رئيس المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي وبذلك تكون الصين قد تعاملت مع وفد الحركة الشعبية تعاملا حزبيا وحكوميا مما يعكس الاهتمام البالغ الذي حظي به وفد الحركة في زيارته الاولي للصين .
واجمع باحثون ومسؤولون صينيون علي ان خطاب الحركة في بكين قد اتسم بالمسؤولية والموضوعية حيث أمن رئيس الوفد القائد سيلفا كير علي حرص الحركة علي التعاون باخلاص مع المؤتمر الوطني الحاكم لتنزييل اتفاقية السلام الي ارض الواقع وشددت الحركة في بكين علي ان اتفافية السلام لم تأت نتيجة الجهود المخلصة التي بذلها الجانبان الحكومة والحركة فحسب بل جاءت كمحصلة طبيعية لنضال شعبنا في الشمال والجنوب وتطلعه للسلام والاستقرار وقد أكدت الحركة في بكين امام المسؤولين الصينيين ان السودان سيكون اقوي بعد السلام ودعت الصين للمساهمة في اعادة الاعمار ليس في الجنوب فقط بل في الغرب والشرق والشمال كما حرص الوفد علي اطلاع المسؤولين الصينيين علي طبيعة اتفاقية السلام وقدموا شرحا وافيا لها مؤكدين استعدادهم علي مواصلة التعاون مع الصين في قطاع النفط عبر مفوضية البترول التي تتكون من الحركة والحكومة .
ولقد لفت نظري صديق وباحث صيني مقرب من دوائر الحزب الشيوعي الصيني الي أن الجانب الصيني كان يتوقع ان يحمل الوفد بنودا جنوبية في مباحثاته مع المسؤولين الصينيين لكنهم فوجئوا بان وفد الحركة جاء يحمل بنودا وهموما قومية غطت كافة مشاكل البلاد الراهنة متعهدا امام الجانب الصيني بالاسهام في احلال السلام بدارفور .
وقد غادر وفد الحركة بكين بعد ان ترك انطباعا طيبا لدي المسؤولين الصينيين و كسب اصدقاء جددا وفتح اسوارا جديدة واستمع الصينيون الي وجهة نظر جديدة ولكنها هادئة ومسؤولة .
ونحاول في الجزء الاخير من هذا المقال ان نستقرأ مواقف حزب المؤتمر الحاكم من هذه الزيارة .
نحسب ان دوائر المؤتمر الوطني لن تعجبها زيارة وفد الحركة للصين بالرغم من ان منطق الاشياء يقول غير ذلك فالحركة الان شريك رسمي للمؤتمر الوطني تقع عليهما بشكل خاص المساهمة الأكبر في اعادة بناء السودان وتنفيذ اتفاقية السلام حتي تكون الوحدة خيارا جاذبا . ولما كانت الصين شريكا رئيسيا في التنمية في السودان فمن الطبيعي ان يسعد المؤتمر الوطني بتحرك الحركة تجاه الصين . وفي تقديري ان العقلاء في المؤتمر الوطني سيستقبلون هذه الخطوة بارتياح اذ ان شريكهم في الحكومة القادمة يوثق حاليا علاقاته مع حلفاء المؤتمر المفترضين في الصين المعروفة بدعمها للوحدة في اطار التنوع ودولة واحدة بنظامين ولابد ان الصينيين سيحثون وفد الحركة علي العمل مع كافة الاطراف باتجاه وحدة تحترم التنوع وتنفيذ اتفاقية السلام وهذا بالضبط ما فعله الصينيون حيث شرحوا لوفد الحركة في بكين محاسن الوحدة وان التعايش بين القوميات والاديان والثقافات المختلفة امر ممكن حسب تجربتهم واحسب ان هذه موقف العقلاء وفي مقدمتهم السيد النائب الاول علي عثمان .
الاان البعض في المؤتمر الوطني لن يرضيه بل سيزعجه نجاح الحركة في خلق قناة مستقلة بعيدة عنهم لدفع علاقاتها الحزبية مع الصين .
وفي تقديري ان هذه الفريق يعمل منذ وقت طويل علي تعطيل اية اتصالات بين الصين والقوي الساسية الاخري لينفرد بسوق الصين الذي تجني منه شركات الجبهة الاسلامية القومية ارباحا طائلة ويعلم هذا الفريق ان وجود علاقات سياسية بين الصين والحركة الشعبية أو أي فيصل اخر يعني كذلك فتح قناة تجارية واقتصادية مستقلة , هي بالنتيجة خصما من حصة شركات الجبهة الاسلامية القومية في السوق المحلي في السودان . وبالطبع هذا النوع من التفكير يتجاهل مصالح الوطن وهو تفكير ضيق يختصر الوطن كل الوطن في صفقة تجارية .
وعلي كل حال قدر الصينيون وقادة الحركة الشعبية ان الوقت بات مناسبا لبدء حوار بينهما وهي خطوة تصب في صالح العلاقات السودانية الصينية وتعكس وعيا صينيا بحقائق الواقع الحالي في السودان كما تعكس الزيارة ذلك التوازن الذي اتسمت به ديبلوماسية الحركة في السنوات الاخيرة

د. جعفر كرار احمد
دكتواره في العلاقات السودانية الصينية
دراسات ما بعد الدكتواره في سياسة الصين
في الشرق الاوسط وشمال افريقيا



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved