مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

اللاتسامح ,, سياسة الأسلمة والتعريب في جنوب السودان! بقلم أبوبكر القاضي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/21 8:02ص

في مؤتمر جوبا عام 1947 اختارت نخب جنوب السودان الوحدة بين الجنوب والشمال , وفي عام 1955 صوّت النواب الجنوبيون لصالح الاستقلال من داخل البرلمان, استنادا على كلمة شرف من الشماليين بتحقيق تطلع الجنوبيين بمنحهم الفيدرالية, الا ان الساسة الشماليين عموما نكثوا بعهدهم للجنوبيين ورأوا في الفيدرالية خطوة نحو الانفصال, للحقيقة والانصاف نص الحزب الجمهوري ـ الاستاذ محمود طه ـ في كتابه «أسس دستور السودان» الصادر عام 1955 على الفيدرالية للجنوب ولغيره من الاقاليم والاطراف التي نسميها بعد 50 سنة من الاستقلال بالمناطق المهمشة, في هذا المقال سوف احاول الاجابة عن الاسئلة لماذا انهارت مدرسة التسامح بين كوال اروب وسلالته دينق مجوك من طرف وبين نمر علي الجله وسلالته بابونمر؟ لماذا تحول السلم الاهلي في منطقة ابيي والذي استمر لمدة 50 سنة الى حرب وكراهية؟ لماذا ظهرت دعوات الانفصال بين الجنوبيين بعد ان قرروا في 1947 و1955 العيش مع الشماليين في اطار السودان الموحد؟ 1 ـ اسباب انهيار السلم الأهلي بين الدينكا والعرب المسيرية في منطقة ابيي: أ ـ واضح ان الذي جمع بين الدينكا نقول والمسيرية هو حبهم المشترك (للبقر) فهم جميعا بقارة, والبقرة لكثرة منافعها فهي حيوان مقدس, ب ـ لم تستطع المسيرة السمو بالعلاقة مع الدينكا من علاقة عاطفية أساسها الصداقة والمصلحة الاقتصادية المشتركة في رعاية الحيوان إلى علاقة ثقافية عميقة, تقوم على الاخذ والعطاء بين الطرفين وبحكم ان العرب وهم قادمون من خارج المنطقة, فيفترض ان يكون لهم الاثر الاقوى لكونهم يحملون موروث الحضارة الاسلامية في الشرق ـ المدينة المنورة وبغداد وحضارة الاندلس وفاس ومكناس وطنجة, من خلال قراءاتي ومعايشتي اقول ان المسيرية لم يحملوا معهم كل هذا الموروث الثقافي وانما اتوا فقط كرعاة يحملون القيم العربية والاسلامية في الكرم والضيافة والصداقة والوفاء بالعهد ,, الخ, باختصار لم يحمل المسيرية الثقافة الاسلامية كما يحملوا الحضارة العربية بفنونها واشعارها ودواوينها في بغداد والاندلس, ج ـ منطقة أبيي كانت بعيدة من طريق الحج, اقصد الحجاج العابرين من غرب افريقيا, الذين اخذوا الاسلام من الممالك الاسلامية في هذه المنطقة (الملثمين, غانة الاسلامية, مالي الاسلامية, سنفي الاسلامية ,, الخ) فالحاج هو عبارة عن وزارة إعلام ودعوة وارشاد متحركة فهو حافظ لكتاب الله ودرس العشماوي والرسالة وابن عاشر وبل مختصر خليل, له مقدرة فائقة على التواصل والاندماج والاخذ والعطاء يدخل على اي مجموعة بالزواج منها, وتعلم لغتها المحلية وتوصيل رسالته الاسلامية باللغة المحلية للمجموعة ويقرب لهم المعاني من حكم وامثال القبيلة نفسها, د ـ العقيدة المذهبية للمسيرية هي العقيدة الانصارية المهدوية واشكالية هذه العقيدة انها ارتبطت بالدولة والسيف والقهر والقوة, كما ارتبطت في ذهن انسان ابيي العادي من دينكا نقول بالدولة الاسلامية العربية وكل زخمها, فلو ان المسيرية كانوا ختمية او سمانية او تجانية لاختلفت الاوضاع تماما بمعنى كان ممكنا ان يأخذ الدينكا بالاسلام الشعبي مع الاحتفاظ التام بهويتهم الثقافية كدينكا, هـ ـ يضاف إلى ذلك ان اسرة بابونمر بمصاهرتها لآل المهدي وارتفاع اسهمهم في حزب الامة , قد خرجوا من كونهم مسيرية وتحولوا الى نخبة نيلية وبالتالي اخذوا بذور (الجمرة الخبيثة) واعني بها العقلية العروبية الاستعلائية, هذه المصاهرة باعدت بين المسيرية والدينكا, كان الوضع الطبيعي هو ان تتحول الصداقة الى مصاهرة وتمازج عرقي وثقافي لانتاج جيل هجين عرقيا وثقافيا يجمل خصائص الشعبين, هذه هي الاسباب الداخلية بالاضافة الى اسباب خارجية مرتبطة بعلاقة الشمال بالجنوب, ونظر الشمال كله للجنوب, هذه العوامل هي التي ادت الى انهيار السلم الأهلي القائم على التسامح في منطقة ابيي, سياسة الأسلمة والتعريب ,, كأدوات للقهر الثقافي ومسح الهوية الإفريقية! 1 ـ شعب جنوب السودان يدرك تماما القواسم المشتركة بينه وبين شمال السودان كما يدرك خصوصيته والاشياء التي تميزه عن شمال السودان, لذلك كان مطلب الجنوبيين الاساسي هو الفيدرالية التي تعطيهم فرصة للحكم الذاتي والاحتفاظ بهويتهم الثقافية, لذلك فان قضية الهوية في صراع المهمشين ضد المركز تأتي في المقدمة وفي اعلى سلم الاولويات بل لقد ادرك المهمشون ان التهميش الثقافي اخطر واكبر من التهميشين السياسي والاقتصادي لان من يفقد لغة اجداده سيفقدها الى الابد, وسيفقد معها كل ذاكرة وموروث هذا الشعب, ويتحول الى شخص آخر تماما وهذا بالطبع هو اكبر اهانة للانسان ومنتهى الاستلاب! فهل يعقل ان كل من قبل الاسلام وتوجه الى القبلة يتحول بقدرة قادر ليكون عربيا قرشيا؟ وان كل من دخل المسيحية يصبح ايطاليا؟ نؤكد اننا في افريقيا ـ جنوب الصحراء ـ نرحب بكل فكر جديد يأتي مباشرة من الشرق الاوسط, وبشكل غير مباشر من اوروبا, ولكن دون المساس بهويتنا وموروثنا الثقافي, نريد فكرا يكون (اضافة ولا نريد فكر يلغينا), 2 ـ هذا المطلب الموضوعي الذي نطلب ليس تعجيزيا, بل هو الشيء الطبيعي الذي ينبغي ان يكون, اعني يمكن لاي شعب خارج الجزيرة العربية ان يتقبل الاسلام كفكر نهضوي حضاري دون ان يتحول الناس الى عرب, لقد قبلت قارة آسيا الاسلام بالمفهوم الذي نتحدث عنه, ولم تأخذ بالعروبة ولم يتخلوا عن هويتهم الثقافية واحتفظت الشعوب من تركيا وايران وباكستان وماليزيا واندونيسيا ,, الخ احتفظت كل هذه الشعوب بذاتيتها وكيانها واصالتها وتاريخها وقد حسن اسلامها, واذا نظرنا الى افريقيا جنوب الصحراء (السودان الجغرافي) ابناء دولة المرابطين والملثمين وهكتو وسنفاي وكانمي نجد انهم ايضا اخذوا بالاسلام ولكنهم احتفظوا بهوياتهم وثقافاتهم الافريقية رغم انهم اتقنوا اللغة العربية وفنونها وكتبوا بها فكرا وتراثا اسلاميا افريقيا لم يكتب سودان وادي النيل ولا واحد بالمائة منه, ومع ذلك ظلوا فخورين بانتمائهم الافريقي وهويتهم الافريقية رغم انهم يعرفون انسابهم العربية التي اختلطت بالدماء الافريقية, 3 ـ اذن ما هي المشكلة؟ اقصد لماذا هان على شعب وادي النيل مصر والسودان ووادي النيل التخلي عن هويته الافريقية الخاصة به لتبني العروبة؟ السبب في تقديري المتواضع يعود الى الاستلاب لأمد طويل, فمصر محكومة بالاجنبي لمدة ثلاثة آلاف سنة, منها ألف وخمسمائة سنة قبل الاسلام وعندما جاء نابليون الى مصر قبل مائتي سنة ومعه الكتاب والمفكرون والادباء وضع بصمات مازالت باقية, والسبب هو ان الشعوب المستلبة الفاقدة لذاتها يسهل عليها ترك القديم الذي هو ليس ملكها, وتقبل الجديد غير المملوك لها ايضا فهي شعوب لا تصنع ولا تبتكر ولا تعرف التغيير من الداخل, لذا اصبح التغيير من الخارج امر ضرورة, السودان الشمالي في معظم تاريخه القديم والحديث اما جزء من كوش الحبشة او جزء من مصر وبكل أسف فان الوجدان السوداني خلال فترة المائتي سنة الاخيرة هو وجدان مصري بكل استلابه, بدءا بالتعليم والتربية الازهرية التي انتقلت لعلماء معهد ام درمان العلمي وتربية علماء السلطان بكل سوئها وانتهاء بالاحزاب السياسية ذات التربية المصرية والاتحاديين والختمية والشيوعيين والاخوان المسلمين هذا الاستلاب هو الذي دفع النخبة النيلية للمغالاة في العروبة لدرجة الانتساب الى قريش مباشرة, ولتبني سياسة (الاسلمة + التعريب) كمشروع متكامل لحل مشكلة الجنوب, 4 ـ لماذا رفض الجنوبيون الانضمام للاحزاب الشمالية؟ ـ يقرر د, عبداللطيف اليوني في كتابه (البعد الديني لقضية جنوب السودان) حقيقة ناصعة هي انه بعد قيام الاحزاب السياسية في السودان, لم يشأ الجنوبيون الانضمام للشماليين في احزاب قومية , بل آثروا ان تكون لهم احزابهم الخاصة بحجة ان همومهم تختلف عن تلك الشمالية وان مطلبهم الاساسي هو منح الجنوب حكما فيدراليا مبررين هذا المطلب باختلاف الجنوب كثيرا في هويته وفي تركيبته الاجتماعية وفي تطورة الاقتصادي عن الشمال, ومن الاحزاب الجنوبية الخالصة التي تم تشكيلها: حزب الاحرار بقيادة بوشا ديو واستنسلاوس بياساما ثم انشأ أسبوني منديري حزب الجنوب الفيدرالي, القاسم المشترك بين الحزبين الجنوبيين هو المطالبة بالحكم الفيدرالي للجنوب وقولهما ان الساسة الشماليين قد قدروا بالجنوبيين الذين وافقوا على ان ينال السودان استقلاله مقابل منح الجنوب حكما ذاتيا بعد الاستقلال وهو الامر الذي تنكر له ساسة الشمال كما جاء بالحرف في كتاب اليوني آنف الذكر,ولما كان دستور 1956 هو دستور مؤقت فقد كان من ضمن مهام حكومة الاستقلال وضع الدستور الدائم, فظهرت مسودة الجبهة المعادية الاستعمار مقابل الجبهة الاسلامية للدستور وقد ناهض الساسة الجنوبيون فكرة النص على الدين الاسلامي, وان كان لابد فيتوجب ذكر المسيحية كما ناهضوا فكرة اللغة العربية كلغة رسمية وان كان لابد فلا مناص من ذكر اللغة الانجليزية ايضا,الخلاصة التي أود ان اختم بها مقال اليوم هي ان مدرسة (ديبق مجول وبابونمر) للتسامح قد انهارت بعد الاستقلال مباشرة لاسباب داخلية اشرنا اليها ولاسباب خارجية كانت حاسمة هي رفض الشمال ـ رغم وعده ـ منح الجنوب الحكم الفيدرالي الذي يحفظ للجنوب هويته وثقافته الافريقية في اطار السودان الواحد, وقد قاوم الجنوب فكرة الدمج القسري الذي سيؤدي حتما الى زوال هوية الجنوب برفضه الاشتراك في الاحزاب الشمالية ورفضه الدستور الاسلامي الذي يجعل المسلم مواطن درجة اولى والجنوبي درجة ثانية وللحديث بقية,


للمزيد من االمقالات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved