مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

محاورات فى العقل السودانى بقلم الاستاذ/ ذال مريال رونق-القاهرة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/18 1:51م

يعيش المجتمع السودانى اليوم ازمة ركود و احباط ، و تترجم هذه الازمة فى الحياة اليومية التى نعيشها من دون وعى جدى بها ونقدى جذرى لها ، ومحاولة مواجهة هذه الازمة الراهنة التى تسيطر على عقولنا وافكارنا وسلوكنا من دون ان نعى ابعادها المستقبلية .

تظهر هذه الازمة فى الخطاب الاجتماعى والثقافى و السياسى ، وفى سيطرة انظمة الحكم الاستبدادية التى توالت على حكم السودان ، وكذلك فى حركة التيارات الفكرية و الاجتماعية الضاغطة التى تتطلع الى استيعاب هذه الازمة ومحاولة تجاوزها ، و من ثم تحقيق التغير الاجتماعى و اعادة بناء البُنى الاجتماعية و السياسية التقليدية على اسس عقلانية رشيدة وفى مضامين جديدة تقوم على انتاج و اعادة الانتاج البنيات و الهياكل الاساسية و تشكيل مؤسسات المجتمع المدنى وتطبيق حقوق الانسان ، ومن ضمنها حق كل مواطن رجلاً ام امرأة فى الحرية و المساوأة و العدالة الاجتماعية ، وكذلك المشاركة فى عملية التغيير لتحديث بنيات المجتمع القديم على اسس التعددية و التفاهم و الحور و احترام الرأى و الرأى الأخر . ان الازمة التى نتحدث عنها اليوم ،ليست ازمة الحاضر السودانى ، اى بمعنى ان تاريخ السودان اليوم هو امتداد لتاريخ القديم الذى نبع منه الازمة ابتداءً من الدويلات و الممالك السودانية القديمة التى لم تعترف فى سياقاتها البنائية بمفهوم العقل ، و الانسان الأخر بل كانت القاعدة هى العبد و السيد، الطاعة و اللامساوأة ومن ثم توارثها الاجيال اللاحقة اى بمعنى ان الذين تولوا السلطة فى السودان بعد خروج المستعمر لم يغيروا من نظرتهم للاخر السودانى بل ظل المفهوم القديم موجوداً و بالتالى امتلكوا مصادر الانتاج ووسائله ، فتوترت علاقات الانتاج نتيجة للظلم الموجود ، فكانت الفقر و الحرمان المتوطن فى بعض مناطق السودان مثل الجنوب و الغرب و الشرق و بما ان تلك المناطق مناطق منتجة ، الا انها لم تجد من المركز سوى البطش دائماً . اذن الازمة هى ازمة فكر ، ازمة مفاهيم ،ازمة الاخر اى الجدل القديم بين السيد و العبد ، الصرع من اجل البقاء . و ما الحركة الشعبية لتحرير السودان الا الابن الذى تمرد على الخطاب الابوى و السلوك الابوية بقراءة تريخى و تحليل للاوضاع السودانية مع غياب المنهج الجدلى فى اطروحات الحركة الشعبية .

ان هذا لازمة قد انتجت ازمة الفكر السودانى : - يقول شكسبير " انا انتقد اذن انا موجود " ويقول فوكو "الفكر ليس ما يجعلنا نؤمن بما نفكر او نرض بما نفعل ، بل هو ما يجعلنا نطرح مشكلة ما نحن عليه بالذت " .

لم يعد هناك من يجادل فى اهمية الديمقراطية ، و يمكن القول ان خارطة الاحزاب السياسية السودانية تتقاسمها ثلاثة انواع :- احزاب السلطة ، الاحزاب العقائدية ، الاحزاب التقليدية . النوع الاول يشكل اداة من ادوات الحكم و مؤسسة من مؤسسات السلطة وحياة هذا النوع مرهونة بنظام الحكم الذى يرتبط به . ان موضوع هذه الاحزاب هو أمن السلطة ،اى المحافظة على بقائها و استمرارها " الجبهة الاسلامية فى ايام نميرى " . وتتوزع الاحزاب العقائدية الاتجاهات القومية و اليسارية و " الاصولية " . و لهذا الاتجاهات ، كما هو واضح ،ايديولوجيات مقررة بصورة مسبقة ، و هى تسعى بناء على هذه الايديولوجيات الى تغيير المجتمع . " الحزب الشيوعى السودانى "

اما النوع الأخير فهو احزاب التشكيلات التقليدية للبنية الاجتماعية ، و من طوائف و اثنيات و قبائل " حزب الامة و الاتحاد الديمقراطى " وهى التشكيلات التى لم تتوصل الدولة السودانية الىتعويضها ببدائل حديثة . ان موضوع هذه الاحزاب هو المحافظة على نفوذ التشكيلات التى تمثلها سواء من داخل او خارج السلطة . ويتضح من هذه الخارطة ان اياً من الاحزاب السودانية لم يتشكل على اساس الفكرة الديمقراطية . و على فرض التزامتها بالنهج الديمقراطى فى الوصول الى السلطة ،فان موضوعها فى كل الاحوال ليس الديمقراطية نفسها . فالديمقراطية بالنسبة لها وسيلة ،لضمان السلطة او النفوذ او تحقيق االمثُل الايديولوجية . و الحال فان اختزال الديمقراطية الى وسيلة يفرغها من مضمونها . فمن السهولة التضحية بالوسيلة اذا ثبتت فشلها فى تحقيق الغاية . كما ان الديمقراطية من حيث المبدأ هى وسيلة و غاية معاً . ان قواعد اشتغال الديمقراطية هى التى تكون الغايات ، و جوهر الديمقراطية يكمن فى المحافظة على قواعد اشتغالها . و الخلاصة هى ان ديمقراطية الاحزاب السودانية مفهوم غير متعين ، و فكر من دون موضوع ، و بكلمة واحدة : مطلق : اما الجانب الاخر من الازمة فهو ازمة الاخر و المعروف ان السودان بلد متنوع ثقافياً و لغوياً و دينياً و عرقياً ، ان الكائنات البشرية تتشابه و تختلف فى اَن معاً هذه هى الملاحظة البسيطة التى يمكن لكل واحد ان يقوم بها بنفسه ، المهم هو ان نعرف الى اى حد يمتد ميدان التماهى و اين يبدأ الاختلاف ، تشير كلمة " عنصرية " فى مفهومها الدارج الى ميدان للواقع مختلف جداً .

يتعلق الامر من جهة بسلوك يتكون على الاغلب من حقد و احتقار تجاه اشخاص ذوى خاصيات جسدية محددة ومختلفة عن خاصياتنا ومن جهة اخرى بايديولوجية، بمذهب متعلق بالعروق البشرية و لا يتواجد الاثنان بالضرورة فى الوقت نفسه لكن الغريب فى الامر ان بلد مثل السودان يتواجد هذين المفهومين ، المفهوم الدارجى على مستوى الشارع ، فكل سودانى مسلم يجد نفسه تلقائياً عربى او يبحث عن الانتماء العربى من خلال الدين و اللغة ومحاولة استيعاب و استقطاب الاخر الى جنته العروسلامى هذه ، و على مستوى السلطة فان كل الانظمة السودانية كان همها الاساسى تعريف الدولة السودانية على انها دولة عربية اسلامية ، متناسين وجود غير العرب ، ومحاولة تاسيس هذا الفهم فى المناهج الدراسية ، هذه النظرة هى محاولة البحث عن الذات السودانية الموجودة اصلاً . هذا البحث عن الأنا المتعالى اى العروبة هو ما يسمى بالعنصرية المادية اى عدم القدرة على تبرير السلوك من خلال حجج علمية . هل يمكن ان اكون انجليزياً طالما انا متثقف ثقافة انجليزية و اتحدث اللغة الانجليزية ؟.

اذاً نعود الى الدولة السودانية فى مفهوم السودان الجديد ، كما عند الحركة الشعبية او الدولة الشاملة و المنسجمة كما احاول ايجادها فى اطروحات الفيلسوف هيغل حيث يقول : " ان وجود الدولة هو مجىء الله الى العالم " ان هيغل يعيد تفسير الديمقراطية الليبرالية الحديثة بتعابير مختلفة بشكل محسوس عن تعابيرالتقليد الانجلو- ساكسونى لليبرالية . ان اتفاق متساوى ومتبادل بين المواطنين من اجل الاعتراف ببعضهم هو لب اليبرالية الهيغلية . بمعنى السعى وراء الاعتراف العقلانى ، اى الاعتراف على قاعدة شمولية يجرى بحسبها الاعتراف بكرامة كل شخص بصفته كائناً انسانياً حراً و مستقلاً من قبل المجتمع وهو المطلوب اليوم فى السودان اى ان نعترف بحقوقنا الشخصية اى السعى وراء المصلحة الشخصية كما يقول هوبس ، و الاعتراف باننا ابناء الوطن الواحد اى بالصورة العقلانية كما يرى هيغل . فالحياة فى الديمقراطية الليبرالية هى الطريق المفتوح امام الرخاء المادى . فالدولة الليبرالية الديمقراطية تقيمنا وفق احساسنا بالقيمة الشخصية ، لذلك فالجوانب الراغبة فى نفوسنا تجد فيها فى الوقت نفسه ارضاء لها . ان الاعتراف الشامل يحل مشكلة الاستعلاء الفاضحة القائمة فى المجتمع السودانى الحديث و القديم ، فشخص واحد او الفئة كان ولا يزال يعُترف بها . و رضاءهم عن هذا الاعتراف كان يجرى على حساب جمهور الشعب العريض ، الذى لم يكن يُعترف بانسانيته فى المقابل، هذا الاعتراف لم يكن بالمستطاع ان يتعقلن الا اذا وضع على قاعدة الشمولية و المساواة . بامكاننا ان نفهم بصورة افضل عقلانية الاعتراف الشامل اذا قارناه باشكال اخرى من الاعتراف غير العقلانية . فالدولة القومية مثلاً ، اى الدولة التى تقتصر فيها المواطنة على اعضاء المجموعة القومية او الاثنية او العرقية ، هى شكل من الاعتراف اللاعقلانى ، فالقومية لكثيرين هى تعبير عن رغبة الاعتراف التى ولدت من التيموس وهو الجزء الراغب من النفس و الطامح الى تأكيد الذات ، وانتزاع اعتراف الاخرين . اذ ان القومى يهتم قبل كل شىء ، ليس بالارباح الاقتصادية ، و انما بالاعتراف و الكرامة ، و الهوية القومية ليست خاصية طبيعية او موروثة ، فاننا لا نملكها الا اذا اُعتراف بنا من قبل الاخرين باننا نملكها . غير ان الاعتراف الذى تسعى اليه القومى ، ليس لنفسه كفرد و انما للمجموعة التى هو عضو فيها .

اما الدولة اليبرالية ، بالمقابل ، فهى دولة عقلانية لانها توفق بين متطلبات الاعتراف المتنازعة على القاعدة الوحيدة المتبادلة التى يمكن قبولها ، اى على قاعدة هوية الفرد باعتباره كائناً انسانياً . هذه الدولة ينبغى ان تكون شمولية ، اى ان تمنح الاعتراف لجميع المواطنين لانهم كائنات انسانية ، و ليس لانهم اعضاء فى هذه الجماعة القومية او العرقية او الاثنية ، كما عليها ان تكون منسجمة ، بحيث انها تخلق مجتمعاً بلا طبقات . فعقلانية هذه الدولة الشاملة و المنسجمة هى ايضاً اكثر بداهة لانها ترتكز بشكل واع على قاعدة من المبادىء المفتوحة و المعلنة . هذا يعنى ان سلطة الدولة لا تولد من تقليد قديم ، او من الاعماق المظلمة للايمان الدينى ، و انما تنتج من الجدل العام الذى يتفق فيه مواطنو الدولة فيما بينهم على الاسس البارزة للنظام الذى يريدون العيش فى ظله معاً . يمثل ذلك شكلاً من اشكال الوعى الذاتى العقلانى ، اذن فان قيام دولة جديدة على اسس جديدة فى السودان هو الحل و المخرج الوحيد من المازق الذى نحن فيه ، و اعنى بقيام دولة جديدة محاولة لفهم اتجاهات الفكر السودانى و دراسته و تحليله و من ثم الخروج بنتيجة لاسئلة كثيرة ، هل نحن عرب ام افارقة ؟ فليكن الاجابة كما يراها كل السودانيين . السودان الجديد ام غيره !!!!!!!!!


بقلم الاستاذ/ ذال مريال رونق

القاهرة مارس 2005


الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved