مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

المحو والأثبات عبر التجربة الأسلاموية السودانية بقلم أحمد محمود\أمريكا

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/17 9:06م

ان حركة التطور ترتبط جذريا بعملية التراكم ومن ثم تبدو حركة التاريخ كفعل صاعد متموضعا فى خط النهوض لا الأرتداد. واذا كان العقل هو منتج المعرفة فلا ينتجها فى فراغ تأملى مفارق للنشاط المادى الذى يتحدد على اساسه مستوى تطور الجماعة التى ينتج لها العقل المعرفة – وحين يحدث انقطاع فى بنية الذاكرة يبدو العقل كما لو كان يبدأ دائما من نقطة الصفر(1). وهذه الأنقطاعات دوما ما ترتبط بحالتى المحو والأثبات كما ننقاشهما لاحقا. وحين معاينة التاريخ العربى الأسلامى وعلى صعيد مسألة الحكم نجد أن جدلية المحو والأثبات كانت الخط الأبرز عبر هذه التجربة وبالذات بعد عهد الراشدين. والمحو المقصود هنا هو عملية الهدم المؤسس للتجارب السابقة وتثبيت أيدولوجية الطبقة الحاكمة الجديدة. وهذه العملية ربما تعكس جانبا من حالة الأقصاء فى بعض جوانب العقلية العربية وبالذات فيما يتعلق الأمر بمسألة الحكم نتيجة للخلل الحادث فى مسألة تداول السلطة تاريخيا. والعقل الأقصائى هو عقل تمركز الذات ونفى الآخر دون أعتبارات المصلحة العامة. وحين معاينة تجربة الجبهة الأسلامية القومية نستطيع أن نتبين هذه الجدلية، جدلية المحو والأثبات فى تجلياتها المعاصرة بما يتطلب الكثير من المراجعة لتجربة الأسلام السياسى عربيا. فالجبهة الأسلامية تمتد الى هذا التراث العربى الأسلامى من خلال أبعاده السلبية لا الأيجابية ولهذا توجب علينا كشف هكذا عقلية فى تشويهها للتاريخ ذاته مع هدم الحاضر من خلال القراءة الخاطئة لعملية التطور. وسنلاحظ عملية المحو أبتداءا عندما نتناول الاطروحات التى قدمتها الجبهة الأسلامية فى الواقع السودانى. فمنذ البدء طرحت الجبهة الأسلامية مسألة المشروع الحضارى فى أشارة الى أن كل ما سبق عهدها ليست لديه أية صلة بالمفهوم الحضارى ومن ثم يجب الأستعلاء عليه وفق المفهوم الدينى. نتبين ذلك من القول الآتى والذى قال به أحد كوادر الجبهة الأسلامية والقول هو(ومشروع النهضة العربية الأسلامية مشروع انبعاث حضارى وذلك انه يمثل أستمرار لحضارة كانت قائمة بل كانت رائدة ولها أفضال كثيرة فى كل ما آل أليه العالم المعاصر من رفاهية وتقدم، ولذلك فان دعاة الحضارة العربية الأسلامية لا يطالبون بمقعد بين الأمم المتحضرة بل يطالبون بهذا المقعد فى الطليعة والمقدمة. وهم لا يتنافسون على مقعد شاغر بين الأمم المتقدمة وأنما يطرحون مشروعهم بديلا للمشروع السائد). القائل هذا الحديث هو أمين حسن عمروهو قول يشير لظاهرة المحو المتلبسة لعناصر الجبهة عند الأنطلاقة الأولى والزاوية التى يعاينون من خلالها لموضعة الآخرمن خلال الاقلال من شأنه ومنظوماته لتهيأة حالة الأثبات كأحلال بديل لما هو سائد. و فى أشارة أخرى أطلقت الجبهة على أنقلابها الأنقاذ، وهذا المفهوم يتعالق مع الفكرة التاريخية التى ترتبط بالمنقذ وهنا هو المهدى المنتظر الذى يأتى بعد أن تمتلأ الأرض جورا وفسادا ويصبح الدور المهدوى هنا هو محو ذلك الفساد وأقامة البديل العادل وأثباته. الربط بين المشروع الحضارى والأنقاذ كمفاهيم دينية أدت الى اقصاء الآخر وتبرير قتله أو نفيه لأنه فى تعارض ضدى مع المشيئة وبالتالى محوه من الوجود ومع تجربته وحتى ولو كانت ديمقراطية وأثبات التجربة الجديدة وفق هذا المنهج الأقصائى. المسألة الأخرى والتى تتساند مع حالة المحو ترتبط بأستهداف ركائز الدولة ذاتها والقضاء على مرتكزاتها الأساسية. فالدولة كمفهوم حديث تخلق عبر تجربة الغرب الأوربى ولا يجد مدلولاته لدى تيار الأسلام السياسى، لكن لا بأس للتعامل معها مرحليا. ولهذا فأن التفكيك لعناصر الدولة وتراجع دورها يصبح أساسيا ومن ثم تفتيت الوطن ليصبح حمى الحمى الذى تحميه القبيلة. وهذا العقل القبلى الرافض لمظاهر التطور والمتعالق مع المنحى الغيبى يبدو مجديا لسيادة العقل الدينى المنغلق مما يتيح لتيار الأسلام السياسى وحسب رؤيته أعادة التجربة التوحيدية الأولى وفق الغربلة الجديدة بعد محو المكتسب تاريخيا. فعبد الوهاب الأفندى العضو السابق فى الجبهة الأسلامية القومية يقول الآتى بشأن الدولة(ان مفهوم الدولة الحديثة القابضة والمسيطرة على كل نواحى الحياة غريب على الأسلام وقيمه وتقاليده).ان الفكرة المضادة لمفهوم الدولة هو متأصل لدى تيار الأسلام السياسى فقد قال به منظّر العنف الأول سيد قطب والذى قال(لا رابطة سوى العقيدة ولا قبول لرابطة الجنس والأرض واللون والوطن والمصالح الأرضية والحدود الأقليمية ان هى الا أصنام تعبد من دون الله). ولهذا فأن ما يحدث على صعيد تفتيت الدولة السودانية وظهور النزعات الأقليمية والقبلية بشكل لم يشهده السودان قبلا، أنما يشير الى تلك الجدلية من المحو والمتوافقة مع الرؤية الدينية لنظام الجبهة الأسلامية القومية. كما أن العمل المؤسس على هدم الركائز الأقتصادية وتفكيك البنية الأجتماعية هو مقصود فى حد ذاته من أجل خلق الفرد المغترب نفسيا والذى يجد ملاذاته فى الجانب الغيبى من أجل تسكين ألام النفس وهو الجو الذى يسهّل الأندماج مع تيار الأسلام السياسى. والأمر الصحيح أن هذا التيار يعمل الآن وبشكل حثيث على محو الشخصية السودانية وأستبدالها بنمط آخر مشوه من أجل سيادة أنماط التخلف والجهل وهى ارضية لتلاقى الغيبيات التى يتبناها هذا التيار.لأنك لا تجد أى تفسير يجلى لك ما يحدث للسودانيين عبر راهنهم غير ذلك. فأى حاكم وأيا كان جهله لا يمكن أن يقبل لأبناء شعبه أن يحدث هكذا انشطار وتشظى الا أذا كان معزولا عنهم كلية، والعزل هنا هو منطوق المفهوم الدينى. فكل من هو لا منتمى لهذ التيار لا يستحق التعاطف الأنسانى الممكن ويصبح الثراء لدى عناصر التنظيم منطقا طبيعا تسنده المقولة الدينية التى تعلى من الصالحين فى الأرض على حساب المفسدين فيها والمفسدون فى هذه الحالة هم الشعب السودانى بأكمله الا الذين أندمجوا فى الرهط فهم فى نعيم الى يوم الدين. هكذا يمكن قراءة محو الآخر نفسيا وعدم الأحساس بوجوده وتثبيت الذات واهوائها الدنوية ومن خلال المبرر الدينى ذاته. أن تجربة المحو المقصود للتجربة السودانية قد قطعت شوطا طويلا من خلال المنظومة الدينية التى تبنتها الجبهة عبر التاريخ الأسود من حكمها وهذا ما يبدو على السطح. والمتعمق فى الأمر سيكتشف أن المحو الحقيقى يحدث للجبهة الأسلامية ذاتها ومن خلال فعل الأرادات. وما الأنشطارات التى حدثت فى تنظيمها و التنازلات التى باتت تقدمها على الصعيد السياسى الا دليل مؤسس على جدل التفكيك الذى باتت تعانيه الجبهة وهذا هو فعل المحو الضدى من خلال حركة التاريخ الصحيحة وهو المحو الخلاق. وسيكون الأثبات المقابل فى هذه الحالة مرتبطا بالديمقراطية والحداثة وحقوق الأنسان ، أى العقل المنفتح ضد الأنغلاق وحالة سكون التاريخ. وسيكون عصيا على هكذا أنظمة أن تعود مرة أخرى لأنها ببشاعتها قضت على تجربتها وعلى المماثل لها ضمن المنطوق الدينى، وهنا يمكن الحديث عن جدلية المحو والأثبات وفق شروطها التاريخية لا وفق الهدم المؤسس وهكذا تسير حركة التاريخ الى الأمام وفق شروطها الموضوعية ، فهل أفصحنا عن شىء فى ظل عجمة المعنى الذى أدخلتنا فيه الجبهة الأسلامية القومية؟ربما.

1-د. نصر حامد أبوزيد-الخطاب والتأويل-المركز الثقافى العربى-2000ص.134.
لمناقشة أوفى يمكن مطالعة كتابات الدكتور نصر حامد ابو زيد حول هذا الموضوع.

الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved