مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

جنوب كردفان: تفاعلات التراث، البيئة والحروب في تشكيل ملامح قبائل الحوازمة بقلم بريمة محمد أدم/ واشنطن

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/12 9:42م

جنوب كردفان: تفاعلات التراث، البيئة والحروب في تشكيل ملامح قبائل الحوازمة

بريمة محمد أدم/ واشنطن
[email protected]
بسم الله الرحمن الرحيم

أولاً دعنى أقدم الفائز بشرح الكلام البقارى اللغز الذى قدمته في نهاية المقال السابق والذى يقول:
(كن بتط قول بط وكن ما بتط قول ما بط).

الفائز هو الأخ كباشى الصافي الحميدى، من قبيلة أولاد حميد (إحد قبائل البقارة) التى تعيش في الجبال الشرقية (الجزء الشرقى من جنوب كردفان)، كما قال كباشى موطنهم أبوجبيهة.

وقبل أن أقول الشرح دعنى نقتطف الأتى من رسالة الأخ كباشى، يقول الكاتب: أنا من قبيلة أولاد حميد النحلة الغبيشة (والنحلة الغبيشة أخطر أنواع النحل)، جغمة السم، ركابين علي المايلة (وسوف أشرح ركاب المايلة في نهاية المقال ضمن الأقوال التراثية)، سياد العايلة، صلايين قايلة. ويواصل الأخ كباشى قائلاً: مسكنا أبوجبيهة الحبُاك، مسواك العراك، جنة من هنا وجنة من هناك.

وفي مقالاتى السابقة (جنوب كردفان: القوميات العربية عبر الزمان والمكان) تطرقت إلي سلوك البقارة الذى يحتوى علي كثير من الأعتزاز بالنفس، حتى قيل أنه تفخيم للذات أو مدح يغض الطرف عن مساوىء البقارة. وهنا الأخ كباشى أجمل كل ذلك في تلك الكلمات الرائعة التى تشير للفخر بالقبيلة (جغمت السم والنحلة الغبيشة) وأنظر الأعتزاز بالنفس (سياد العايلة: وتعادل مقنع الكاشفات أو مدرج العاطلة في رائعة عبدالكريم الكابلى)، الشجاعة لدرجة التهور (ركابين علي المايلة) والصلاح (صلايين قايلة) والأرتباط بالبيئة (أبوجبيهة مسواك العراك، الجنة).

ويقول الأخ كباشى عن المثل أنه قول لا يعرفه إلا بقارى أصيل (مش مضروب) ويشرحهه في الكلمات التالية: لو (بتدى) بتديهو قل (بدى) بديهو ولو ما (بتدى) بتديهو قل ما (بدى) بديهو. وهذا صحيح تماماً وهنا أكتبه بالعربية (لو بتعطى قول بعطى ولو ما بتعطى قول ما بعطى). ونتيجة للجزم في اللغة حزفت الياء من كلمة بتعطى فصارت (بتعط) وخففت العين في ( بتعط) بقلب العين ياء وأدمجت في الياء الأخرى فصارت (بتّط) أو تم حزف العين لتخفيف النطق (بتط).

وسوف نتطرق للكرم والجاه في خلال هذا المقال عندما نتحدث عن قبيلة دار نعيلة من قبائل الحوازمة كمثال لذلك. وفي خلال هذا المقال سوف نلقى قليل من الضوء علي جوانب من تراث الحوازمة والذى ساعد في تكوين شخصية مميزة في أطار كردفان، شمالها وجنوبها وعلي مستوى السودان. فقبائل الحوازمة يكفيها فخراً أنها كانت ضمن حملة ألوية الأمام المهدى في حصار الأبيض حتى سقوطها وأستشهد أبناء الحوازمة في أدرمان، وعطبرة وغيرها (راجع المقال السابق تحت عنوان جنوب كردفان: صفحات من التأريخ الجيوسياسى لقبائل الحوازمة). ومع تعدد مشارب قبائل الحوازمة وسحناتهم وحتى لهجاتهم إلا أنهم يمتازون بتراث الفروسية في الحروب، بالكرم والجود، بالأرتباط بالبيئة، حب الطرب. يشير الكاتب ماك مايك أن قبائل الحوازمة اليوم هى عبارة عن مجموعة قبائل إتحدت وتحالفت مع النواة الأساسية للحوازمة لكى تصمد في الدفاع عن نفسها في وجه أعدائها. فشكلت تلك القبائل المتحدة وحدة عضوية متماسكة، تشدها الظروف المضادة التى عملت على تكوينها. إزدادت قبائل الحوازمة إتساعاً نتيجة لفرط التزاوج والتمازج مع الأخرين والذى إشتهر به الحوازمة، فتممدت علاقة القبيلة الأجتماعية والعشائرية لدرجة أصبح الحوازمة يوجدون مع خصمين متقالتين في أن واحد كل يدعم الفصيل الذى يدانية. فأبناء الحوازمة لا يدرون تماماً ماهى قبائل الحوازمة اليوم. ففى المقال السابق أشرت إلي قبيلة زنارة، حيث تساءلت عن أنها تمثل فرع قائم بذاته لم يكن معروفاً بعد داخل الحوازمة، إلا أن المصادر التأريخية تؤكد أن قبائل زنارة هى تحت فرع الحلفا من فروع الحوازمة. يقول الكاتب علي أحمد، الذى وافنا بتفاصيل جيدة عن أماكن زنارة، حيث ذكر أن مركزية زنارة هى منطقة الكربب التى تقع في الزاوية الشمالية الشرقية للدبيات علي وادى أو خور السليك الذى ينحدر من منطقة الجمير (مركزية كنانة) ويصب في وادى نبق غرب الحمادى كما أشار الأخ علي أحمد أن زنارة يتبعون عمودية كنانة. وأضيف هنا أن زنارة أيضاً يوجدون في مناطق بلامات في خور أبو حبل وفي شرق كادقلى في منطقة قري البيضا والزرافة جوار قرى البخس وكركراية، حيث يغدو أبناءهم في الصباح مشاً علي الأقدام لحضور المدرسة الأبتدائية في قرية كركراية. وزنارة شعب قصار القامة، حيث يبدون أقل من متوسط طول الحوازمة عامة ومن كان منهم طويلاً يكن بائناً وسط أهله، وهم فاتحى لون البشرة في أغلب الأحوال ولهجتهم تشبه الخليط بين اللهجة الحازمية والبديرية والكنانية. وأنضواء قبيلة زنارة تحت عمودية كنانة ليس جديد في المنطقة، فقد وضع الأستعمار بعض قبائل النوبة مثل اللقورى وصبورى تحت عموديات الحوازمة من قبائل الرواوقة دار جامع.

وقد أشار الكاتب علي أحمد، أن قبائل الحوازمة يمكن تقسيمها إلي أربعة مجموعات، مجموعة شمال الدلنج وهى تضم في السابق إحدى عشر عمودية، مجموعة جنوب الدلنج، مجموعة وسط الجبال ومجموعة الجبال الشرقية. ففي المنطقة الشمالية في منطقة الفرشاى توجد عمودية دار بخوته ودار شلنقو كما ذكر أن عمودية دار نعيلة توجد في منطقة (ماجدة) جنوب الدلنج في منطقة دبرى (وسوف أتحدث أكثر عن منطقة ماجدة في هذا المقال لاحقاً). وأذكر هنا أن عمودية الجميعية في منطقة البقلتى وأم سعدة، وعمودية أولاد غبوش في منطقة خومى و دار دبل علي خور أبوحبل غرب الدبيبات. وتوجد نظارة الحوازمة في منطقة الحمادى تحت إمرة الناظر بقادى.
في فبراير عام 1989م قد شاءت الأقدار أن أزور منطقة ماجدة التى أعتبرها الأخ علي أحمد مركز عمودية دار نعيلة. فالمنطقة كانت خالية من السكان تماماً إلا إمرة واحدة فقط، فقد كان إلتهاب التمرد في منطقة جبال تولشى له أثر مباشر في تهجير شعب دارنعيلة من المنطقة. فالمطنقة تبدو وكأنها مأهولة بالسكان، فهى تقع في منطقة قردود شبيه بأراضى القوز، وتكثير بها أشجار ظليلة كالدروت والأرد والهجليج، تحفها من الناحية الشرقية والجنوبية والشمالية الشرقية جبال دبرى علي خط كادقلى الدلنج، علي مسافة غير بعيدة، ومن الناحية الغربية والشمالية الغربية منطقة جبال تولشى. كما تحف البلدة من جميع الجهات هضاب طينية صالحة للزراعة والرعى وتكثر بها أشجار الطلح، الهجليج وأم سنينة، فالمنطقة برمتها غابات نفطية كثيفة. وقد ذهبناً ناحيةالأتجاه الغربى حتى تلك الفاوة التى توجد بها المياة حتى شهر فيرابر، حيث تأتى قبائل النوبة التى تجعل منها مورداً للماء. يبدو أن منطقة ماجدة كانت منطقة عامرة بسكانها، مبانيها من القطاطى التى بنيت من الطين اللبن أوالطوب الأحمر، ويبدو من وضع المبانى وأحجامها وتوزيعها عراقة المنطقة وطبيعة سكانها الحضرية. وشعب دار نعيلة الذى شردته وهجرته الحرب الأهلية، ضمن 300 ألف من أبناء البقارة في جنوب كردفان، لم تكن بلدة ماجدة هى موطنه الوحيد، فهم يوجدون في منطقة الدلنج بكثافة واضحة وسط خليط سكانها من جميع قبائل السودان. ويعتبر الدلنج مركزية دار نعيلة منذ عهد الأستعمار. ويعتبر أغلب سكان حى المطار في مدخل مدينة الدلنج من دار نعيلة، كما يوجدون بنفس الكثافة في مدينة كادقلى وكل مراكز المياة الصفية شرق خط الدلنج –كادقلى. دار نعيلة شعب طوال القامة وضخام الأحجام في أغلب الأحيان، أى أنهم في النصف الأعلي لمتوسط الحوازمة في الطول والقامة ومنهم داكنى لون البشرة أو فاتحيها، يحبون الهندام الجميل، بالذات بعد بلوغ سن الرشد، حيث يلبس الرجل الجلابية والسروال أبوتكه والشال الكشميرى (باللون البيجى السمنى) وعراقى خفيف تحت الجلابية وعمامة ضخمة تشبه عمامة الفنان كمال ترباس ويرتدون مركوب جلد النمر أو جلود الأصلة والورل وغيرها. طبعهم يميل إلي العنفة ممزوج بكبرياء واضح مع بشاشة وكرم فياض في الأسواق، حيث أذا وجدت قوم منهم في مكان حاجات الشاى حتماً يكون مشروبك أو وجبتك مدفوعة. وذلك يأتى لأنهم تجار مواشى مشهورون في الأسواق، وللزوم التجارة لزم أن يكون التاجر ذو معارف وصلات واسعة، ولهم صلات أسرية مع قبائل الجميعية داخل الحوازمة حيث يتزاوجون مع بعضهم البعض بصورة سهلة لا تثير كثير إهتمام داخل قبائلهم.

وقد ذكر ماك مايكل، أن من أراد رؤية البقارة علي طبيعتهم عليه الذهاب إلي كردفان. وهنا أقول من أراد رؤية الحوازمة علي طبيعتهم عليه الذهاب إلي جنوب كردفان، ففي كادقلي حاضرة إقليم جنوب كردفان أو مدينة الدلنج، لا تخطئهم العين، فسرعان ما تتكون للزائر صورة مجسمة لشخصية شعب الحوازمة.
الحوازمة اليوم في أطار المدن ينقسمون إلي شريحتين، الشريحة المتعلمة التى من الصعب تمييزها وسط شرائح المجتمع الأخرى، والثانية هى الشريحة البقارية التى جاءت إلي أطراف المدن للأستفادة من تسويق الألبان أو تعليم الصغار أو نتيجة لظروف الحرب، فالفئة الأخيرة تقوم بالألعاب الشعبية البقارية كالمردوم، النقارة، الصراع والألعاب الأخرى كالدرملة، الرزة، الكنج (مأخوذة من لعبة كرنق النوباوية) والفئة الأخيرة تقوم كل مناسباتها علي النهج البقارى في الألعاب بينما تأتى الشريحة الأولي متفرجة، فألعاب وفنون الشريحة البقارة بمثابة برنامج ترفيهى بالنسبة لهم وفي بعض الأحيان يركبون العربات ويقطعون مسافات بعيدة لمشاهدتها وأذكر المصارعة بين الفارسين الجعفرى وحماد العنبر (الأول من الرواوقة أولاد نوبة والثانى من الرواوقة الديلمية قبيلة أولاد المومن في منطقة بجعاية شرق كادقلي في حوالى عام 1988م) كان الحشد غفير من مدينة كادقلي والدندور ومن جبال متفرقة. وأذكر أيضاً المصارعة التى جمعت بين التوم الكراكر (الجميعية) وحسن مسكين (أولاد غبوش) وبين عنبر ثلاثة (القرعان) ومختار اللفة (البديرية) في منطقة العضيات (عضاى خديجة جنوب الأبيض) والتى أتى لمشاهدتها جمع غفير من مدينة الأبيض وكازقيل والأبنوية.
والمرأة البقارية لا تقل عن الرجل في مجال الفروسية أو الأندماج في البيئة فهى دائماً تقوم بألهاب المشاعر سواء كان في الصراع (بالغناء والرقص) أو حالات الدواس والفزع حيث تقوم بالزغايد الحماسية. وفي إطار الحماسة أتذكر الحكامة الخابور التى كانت في الصف الأول ضمن المجموعة التى أنقذت أهل قرية البخس في شرق كادقلي، فقد كانت لا تكل أوتمل عن الغناء الحماسى والزغاريد حتى إنتهت المعركة، وأجمع كل من تحدثت عليه أن الحكامة لن ينحى رأسها مهما كانت كثافة النيران. وقد أشار قائد الدفاع الشعبى الذى أدار المعركة بفكاهة قائلاً (في وجود الحكامة الخابور أصبح تدريبنا العسكرى في كفة عفريت، أما الموت اللحمر أو النصر، فقد إلهبت المشاعر لدرجة أعمت الأبصار عن أى مخاطر). وفي تلك المصارعة التى تمت بين الكراكر وحسن مسكين (وهذين الأسمين لقبيين للمصارعين الأول يلقب علي خور أبوحبل الذى يسمية البقارة بالكراكر أو كجار والثانى يلقب علي الهمباتى حسن مسكين) كانت أغنية الجميعيات (أغانى الصراع أيضاً أغانى حماسية) في التوم الكراكر تقول:
(الداره سخنت بعزّل تيرانى، أنا ما بدور المباوى، الحابس كجار بشيله طوالى). وأترك هذا الكلام اللغز للمقالة القادمة ومن عرف معناه عليه أن يرد علي بذلك حتى أنشر أسمه.

فقد أصبح التراث الحازمى خاصة والبقارى بصورة عامة في الألعاب والرقص والغناء جزء هام من البيئة الكردفانية عامة وصار يشكل جزء مهم من ملامح السودان في الفلكلور الشعبى، فرقصة المردوم عند فرقة الفنون الشعبية بالخرطوم وأغانيها المميزة (حبيبى ولد الناس أنا بقى لي وناس، اللورى حلى بى دلانى فوق الودى) للفنان عبدالقادر سالم وكذلك أغنية (محلبى رديته في العلب دريته تومى المردوم خليته، ومحلبى الدقاقة بسمع حسيس الناقة تومى الدنيا فراقة) لعبدالقادر سالم هى أغانى بنات الحوازمة، والفنان عبدالقادر سالم، الذى يعتبر من أساتذة الفن السودانى والأفريقى، من أبناء الحوازمة. وفي أغنية عبدالرحمن عبدالله (شوف جمال بقارة ورقصيقهم للنقارة بين تلودى لبارا) كلها أغانى بنات الحوازمة.

ومع تطافر العوامل السالبة كالحروب، التخلف التنموى، البعد الجغرافي عن الأماكن الحضرية، والظروف الببئية القاهرة، إلا أن شعب الحوازمة لم يتراجع كثيراً عن تراثه الشعبى سواء كان في مجال الأجاويد، البرمكة، الديات (التعويض عن القتلى)، الفروسية، الهداى، الحكامة، الربابة، القرن (ينفح في أوقات الصراع) النقارة، المردوم، القيادات القبيلة السلطانية كالنظار، العمد، المشايخ وإلتزام صارم بالعادات والتقاليد في مجال الكرم، الشرف، والأفراح والأكراه.

أقوال تراثية:
أ‌. ركاب المايلة. ويعنى شخص لا يهاب المخاطر بتاتاً.
ب‌. الما عنده كبير وقع في البير. يقال للشخص الذى يتصرف علي هواه، أى ليس له من يهديه.
ت‌. إذا سلم العود اللحم بجود. ويقال للشخص الذى أصابه المرض حتى أنهكه.
ث‌. المال يا عريس، يا فطيس. حلاوة المال في شيئين أما أن تكون عريس أو في حالة الوفاة.
ج‌. أم جركم ما بتاكل خريفين. يقال للشخص العجوز الذى وصل سن الكبر. أم جركم هى جرادة معروفة عمرها سنة، فإذا أكملت دورتها أنقرضت في جماعات دون مرض.
وهنا اللغز الذى قدمته في داخل المقال (الداره سخنت بعزّل تيرانى، أنا ما بدور المباوى، الحابس كجار بشيله طوالى). وأترك هذا الكلام اللغز للمقالة القادمة ومن عرف معناه عليه أن يرد علي بذلك حتى أنشر أسمه.


نواصل

بريمة محمد أدم
واشنطن دى سى، الولايات المتحدة الأمريكية.
12 مارس2005


الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
Bayan IT Inc All rights reserved