السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الأستاذ، الرفيق، صاحب المعالي والذوق الرفيع/ على التوم بقلم المنـصـور جعـفــر

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
6/9/2005 6:57 م


في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات شهدت الأبيض ومدرسة الأبيض الثانوية في خورطقت نضالات علي التوم في إطار الجبهة المعادية للإستعمار والجبهة الوطنية قبل أن تذوب الجبهتان في برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية والحزب الشيوعي السوداني.

كان علي آنذاك مع الأساتذة -فيما بعد- بقادي ومحمد سعيد معروف وحسنين حسن وحاج الطاهر وأخرين، أحد الطلائع الثورية التي بينت ذخر البلاد بإمكانات التقدم والرفاه وإجحاف الإستعمار في تنميتها وتلبية حاجات تطورها تطوراُ متوازناً حيث كان من المألوف في أحياء الأبيض آنذاك أن تسير الجهود الشعبية لـ(مكافحة العطش) في المناطق القريبة منها وقتكان وصف "مكافحة العطش" هو الأسم القديم للمجاعة.

و آنذاك فشل الجوع والعطش ومايرافقهم في ثني همة المناضلين عن الإهتمام بقضايا الوحدة الشعبية بين الفئات الطبقية والطوائف المختلفة والقوى القبلية المتبيانة، كطريق إجتماعي للتحرر السياسي من الإستعمار وإجحافه، وقد تجسد نضالهم الثوري بوضوح في قيام الجبهة الوطنية التي كانت بسكرتارية المناضل الشهيد الشفيع احمد الشيخ ورأسها الشيخ محمد بخيت علي "حبة" وكانت امانتها تضم حسن عبد القادر وحسين زاكي الدين. وكان هذا النفر من الثوريين الأوائل هم الجند البواسل والذخيرة الحية لمعارك الإستقلال والتنمية المتوازنة في السودان، حيث بدأت حركة الأدب متعلقة بالألوان والصراعات الفكرية التي شغلت الأذهان الأوربية والعربية وتفتح المسرح في مدارس ونوادي الأقباط والشوام ونشرت الصحيفة الإقليمية الأولى "كردفان" وتأسست الأندية الثقافية الإجتماعية نادي العمال ونادي الأعمال الحرة، والإتحاد النسائي وجمعيات التعاون، والبيطرة، والبساتين، ومولت اضرابات السكك الحديد والبوليس والطلاب وطبعت المناشير، وسيرت المواكب هادرة، وعقدت الندى التي تزهر كل هذا النشاط الثوري الخلاق في عبارات بليغة المعان تنظم التناول والتفكير والكفاح.

وكان هذا النضال يقتسم نفسه بثبات لأجل الإنتصار للقضايا التحرر في فلسطين والهند والصين ومصر والجزائر وكوريا من أجل التحرر والسلم العالمي ضد الإمبريالية. مما جعل من كردفان موئلاً من موائل التحرر الوطني والعالمي. يحتج عليها قناصل الإستعمار ويزورها بعد التحرر قادة من وزن تيتو وبرجينيف.

وقد نبغ الأستاذ علي التوم بدراسته كما في نضاله، وكان في نبوغه وسطوعه عقلاً رزيناً، شيد بنيانه صراع المنهجين المادي الجدلي التاريخ الذي تلقاه ثقافة والمنهج الصوري للتعليم الذي ينظر للجدل كحالة مجزوءة قاصرة على مادة بعينها، لايشمل حياة البشر الإجتماعية وعلومها وسياساتها كجزء من الطبيعة تحكمه قوانينها!! حيث نظر إليها المنهج الصوري للتعليم قارة جامدة. وبهذا الصراع كان شديد القوى في تمسكه بخط التوائم مع المستوى السائد من التفكير الإجتماعي الذي يتعامل مع الحياة كصور ثابتة منعزلة عن بعضها غير متواشجة ومختلفة لا تحكمها طبيعة عامة للأشياء، والإنتقال نضالاً بهذا المستوى الموروث إلى مستوى أعلى من التفكير والممارسة.

وكان هذا التوجه الإصلاحي نهج العدد الغالب من الشيوعيون الأقدم الذين إرتبطوا بقيادة الحركة الشيوعية السودانية قبل منتصف القرن السابق وفيهم على سبيل المثال الأساتذة الرواد الأعلام أحمد زين العابدين وأبراهيم عبد التام وعوض عبد الرازق والأستاذ الجليل حسن الطاهر زروق والنضال العلم الخفاق عبده دهب حسنين.

ومع تضاعف الإستعمار وقت الحرب العالمية الثانية وتطور الحياة وزيادة عدد قاطني المدن والمتعلمين وأخذ أهل المدينة بالحياة الحديثة وأعنتها تغلب على هذا تيار التوم التيار الأخر في الحركة الشيوعية بقيادة الشهيد عبد الخالق محجوب الذي كان يرى إن الإستعداد لمعارك ما بعد الإستقلال ومواجهة الإستعمار الحديث يتطلب شكلاً فكريا وتنظيميا مستقلاً للتحرر الطبقي والوطني يأخذ بقوة مهام النضال ضد الديمقراطيات الزائفة والديكاتاتوريات الصريحة لرأس المال والإستعمار الحديث.

كان برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية في تناوله تحالف الكادحين مع الرأسمالية الوطنية والقوميات المهمشة بواسطة النظام الذي ينتج هذه الرأسمالية وتنتجه يمثل وجه الضعف الذي شاب المرحلة (الأولى) من الشيوعية في السودان بتيارها الإصلاحي التدرجي الإشتراكي الديمقراطي الذي كانت زهرته الجبهة الوطنية التي من رحيقها رشف النحل الجديد للحزب الشيوعي السوداني قسماً من تصوراته النضالية.

وكانت المقابلة والمجابهة بين التيارين ملأى بالإصرار والتحدي الذي وصل إلى الحدود الشخصية خطاً غير فاصل بين عناصر التيارين التي تنتم رغم أصولها الريفية الصميمة لتصور زائف حول إمكانات العاصمة وسكانها آنذاك في قيادة حركة التحرر في السودان بمعزل نسبي عن حركة التحرر في أرياف السودان. الذي أوقد الأستاذ على التوم جزءاً منه في إسهامه بتنظيم شيوخ مدينة ريفية في نضال تقدمي يضاد الإستعمار والإمبريالية.

ومع غيره من الأسباب التي تكررت ملامحها في كثير من الدول قد يكون هذا التناقض النظري والعملي بين هدف التحرر الشامل والإتكال على قوة واحدة لنيله -والذي أسهمت مع غيري فيه- هو السبب في خروج ما سمي بالعالم الثالث من الإستعمار القديم ودخوله دائرة الإستعمار الحديث التي عمقت بشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التناقض فيه بين الإقتصاد المديني والإقتصاد الريفي ومجتمعاتهما مثلما عمقت الفوارق بين المراكز الدولية لرأس المال والدول الغالب عددها في العالم -التي وضعها التقسيم الإمبريالي التاريخي للإنتاج والتجارة والموارد النقدية في هامش الحياة العالمية- رغم ان الدول المستضعفة تنتج أسس الحياة وموادها الأولية .

قبل عقد من الزمان كان على التوم في مناقشة له معي يقارب مسألة التكوين العنصري لإقتصادات الملكية الخاصة لموارد ووسائل الإنتاج العامة وإجحافها في تلبية الحاجات عموم الناس وإصطفاءها بعضهم على حساب كدح العدد الغالب منهم، وكان في مقاربته ممسكاً بنواص الموضوع وقلبه في التنظيم العام للدولة وتكوينها.

ولكن على ما إختلفنا فيه، فقد كان يرى -عكس مبتدأه- ان الدولة والحكومة هي أداة رئيسة في دفع تطور المجتمعات حتى ولو كان ذلك مدة من الزمن تعمل فيها من خلال تطوير الزراعة والتعليم على دفع قوى التطور الصناعي إلى حدود تلبية حاجات التطور الزراعي ودفع التطور الزراعي من ثم لتلبية حاجات التطور الصناعي ودائماً وفق تخطيط مركزي دوائره هي دوائر الحكم الشعبي المحلي. وكان رأيي حزبياً في ان التطور الإجتماعي إذا إستند للدولة البرجوازية الصغيرة في دفعه الأولى فستلتهمه البيروقراطية وتبدد قواه وموارده وتسنفذ مخزوناته. وبوعي أهل المدينة الزائف لم ادرك حينها أن الدولة نفسها كانت قد تبددت فعلاً في الريف، وهو أغلب البلاد، وأن الثورة التي بدأت في الإشتعال في الريف قبل ذلك الحديث بعقد أخر من السنوات سترسم الحياة الإجتماعية-الإقتصادية السياسية بفعل يؤسس الوعي العام وينصبه على قدميه بدلاً عن وضعه الحال المقلوب على أم رأسه، مغيرة مركز المبادرة السياسية وطبيعة التحالفات الجماهيرية المطلوبة للتغيير الجذري للسودان.

في )ثورة مايو الإشتراكية( تولى وزارة الزراعة ممثلاً التيار الذي أقصي عن الحزب الشيوعي بينما تولت قيادات في حزبنا بضعة مناصب وزارية أخرى مع التكنوقراط والقوميين العرب وممثلين لتيارات الحداثة في الأحزاب التقليدية وكان مستوى التقدم الإقتصادي وخاصة في الإنتاج الزراعي في ذلك العهد من المستويات المشهودة.

مع حكمة الديالكتيك كان الرجل لغات عدداً، وعلماً بلغ من المكانة العلمية والخبرة الفنية فأصبح ممن تعتمدهم الأمم المتحدة في مجالات التنمية الإقتصادية الإجتماعية ومشروعات الزراعة الضرورة لهذه التنمية، مثلما إعتمدته المنظمة العالمية خبيراً بالتنمية الريفية، وفادت به دول الجزيرة العربية القاحلة حتى أخضرت جوانبها.

كان القارئي على التوم في الحديث ذائقة شجي، بسيطاً جزلاً في مقالاته وذا كتب، أستاذاً ذا أسئلة ومجاوباً سلساً، يحكي من كل نادرة بطرف ومن كل حاضرة بظرف، حافظاً للقرءان والأشعار والحكم، عفيف اللسان، موصلي الغناء والأنس، شاباً يبسم للحنايا والمحن، يجادلك بعقل وضاء ونفس طيبة، ولا ينسي نصرتك في نقطة صغرى وان كانت فاصلة، يخدم الصغير، ويسأل عن الغريب، ويحفظ المعروف، ويبدد الصغائر، ويرشد إلى المراجع. سأل عني مرة فرردت عليه طويلاً : شرفني خطابك، وأعزني أمام نفسي سؤالك، وأكرمني، وأنت العالم، قيامك، لي وأنا البسيط، وتقديرك العالي الشفيف. لك السلام أبو أكرم.. النضير في عروس الرمال.

المنـصـور جعـفــر 3 يونيو2005



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved