السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الأساس التاريخي و القانوني لحق التقرير الذاتي للشعوب وعلاقته بمطلب الانفصال بقلم بروفسور.دكتور/ موسى الباشا

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
6/21/2005 10:11 م

الأساس التاريخي و القانوني لحق التقرير الذاتي للشعوب
وعلاقته بمطلب الانفصال


أستهل هذه الدراسة بمقدمة وجيزة عن الأساس التاريخي لحق التقرير الذاتي للشعوب الذي يطلق عليه البعض تجاوزا مسمى حق تقرير المصير ثم أستعرض بعد ذلك الأساس القانوني لحق التقرير الذاتي للشعوب ثم أتبع ذلك بخاتمة وتوصيات وذلك وفقا للنسق التالي:-
أقول وفقا للسياق التاريخي إن مفهوم حق التقرير الذاتي قد برز إلى حيز الوجود في الفقرة الخامسة من مقترحات الرئيس الأمريكي ودرو ولسون المعلن عنها في الثامن من يناير من عام 1918 (1)، و قد إستهدفت الفقرة المعنية تسوية أوضاع شعوب الأقاليم المستعمرة التي كانت ترزح تحت هيمنة قوى أجنبية آنذاك .عليه إن حق التقريرالذاتي في سياقه التاريخي قد عنيت به الشعوب التي كانت قابعة تحت سيطرة قوى إستعمارية و لم تعن به الشعوب القاطنة في إطار إقليم دولة مستقلة ذات سيادة.
أما وفقا للسياق القانوني التعاقدي فقد أكد ت عصبة الأمم على حق الشعوب المستعمرة في ممارسة مبدأ التقرير الذاتي وذلك وفقا لتدابير قانونية- إدارية ضمنت في نص المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم بشأن تسوية وضعيات شعوب الأقاليم التي تم إنتزاعها من قبضة الدول المنهزمة في الحرب الكونية الأولى و وضعها(أي الأقاليم) تحت نظام مفوضية عصبة الأمم (2). و إثر إنهيار نظام عصبة الأمم نتيجة لإندلاع الحرب الكونية الثانية تحققت صيرورة منظمة الأمم المتحدة التي قعدت لمبدأ التقرير الذاتي كحق تمارسه الشعوب في الفقرة الثانية من المادة الأولى في الفصل الأول من ميثاقها فقد نصت الفقرة المشار إليها أعلاه على (تنمية علاقات ودية بين الشعوب قائمة على مبدأ إحترام الحقوق المتساوية و حق التقرير الذاتي للشعوب،و إتخاذ تدابيرأخرى ملائمة لتعزيزالسلام العالمي.) (3). ترجمة بتصرف في نص الفقرة المكتوب باللغة الإنجليزية.
و إرتكازا إلى نص المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 1514 الذي يتضمن أحكاما تؤكد حق الشعوب في ممارسة التقرير بحرية في أوضاعها السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية. فقد نصت الفقرة الأولى من القرار المذ كور أعلاه على أن (إستهداف، إستعباد، الهيمنة على و إستغلا ل الشعوب - من قبل قوى - أجنبية يمثل إنكارا للحقوق الأساسية للإنسان و تعارضا مع أحكام ميثاق الأمم المتحدة وعائقا لتنمية التعاون و السلم الدوليين.) -ترجمة بتصرف في نص الفقرة المكتوبة باللغة الإنجليزية.

وتنص الفقرة الثانية من القرار المذكور على أن (كل الشعوب تمتلك حق التقرير الذاتي بمقتضى ذلك الحق لها أن تقرر في حرية وضعيتها السياسية و تمارس في حرية تنميتها الإقتصادية، الإجتماعية والثقافية.) ترجمة بتصرف في نص الفقرة المكتوب باللغة الإنجليزية.
أما الفقرة الخامسة من القرار المشار إليه أعلاه تنص على أن: (إجراءات فورية يجب أن تتخذ دون شروط أو تحفظات أو قيود بسبب العرق، العقيدة أو اللون ووفقا لرغبتهم و التعبير الحر عن إراداتهم لنقل كافة السلطات إلى شعوب الأقاليم التي تحت نظام الوصاية و الأقاليم التي لا تتمتع بالحكم الذاتي وكل الأقاليم الأخرى التي لم تنل الإستقلال بعد لأجل تمكينها من التمتع بالإستقلال التام و الحرية.) ترجمة بتصرف في نص المادة المكتوب باللغة الإنجليزية.
و تنص الفقرة السادسة من القرار المذكور أعلاه على أن (أية محاولة تستهدف التمزيق الجزيء أو الكلي للوحدة الوطنية و وحدة إقليم القطر تتعارض و أهداف و مباديء ميثاق الأمم المتحدة.).(4)
هذا، و إتساقا مع المنطوق الصريح للأحكام المتضمنة في متون الفقرات المشار إليها من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 يتضح بجلاء أن ممارسة مبدأ التقرير الذاتي حق مكفول ليس فقط لشعوب المستعمرات التي كانت ترزح تحت هيمنة قوى أجنبية بل مكفول أيضا للجماهير الشعبية التي تقطن في إطار إقليم دولة مستقلة ذات سيادة شريطة الإلتزام بمراعاة المحافظة على النظام السياسي و وحدة إقليم الدولة التي هم مواطنونها.وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة و قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1514 المشار إليه آنفا لم يشيرا صراحة و لا ضمنا،مباشرة أو غير مباشرة إلى أية صلة تقرن مبدأ التقرير الذاتي للشعوب و مطلب الإنفصال. و أشير أيضا في إطار السياق القانوني إلى أن مبدأ التقرير الذاتي قد تم تقعيده في الفقرة الأولى من المادة الأولى في الجزء الأول من الميثاق العالمي للحقوق الإقتصادية الإجتماعية و الثقافية المعمول به منذ الثالث و العشرون من مارس من عام 1976، فقد نصت الفقرة المذكورة على أن (كل الشعوب تمتلك حق التقرير الذاتي، و بمقتضى ذلك الحق لها أن تقرر في حرية وضعيتها السياسية، و في حرية ممارسة تنميتها الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية.) (5) ترجمة بتصرف في نص الفقرة المكتوب باللغة الإنجليزية.
إن الميثاق العالمي المذكور أعلاه قد كفل ممارسة حق التقرير الذاتي للشعوب التي كانت قابعة تحت هيمنة قوى أجنبية فقط، والقرينة على ذلك المنطوق الصريح لنص الفقرة الثالثة من المادة الأولى في الجزء الأول من الميثاق المشار إليه أعلاه، إذ تنص الفقرة المنوه عنها على (الدول أطراف الميثاق الكائن و تلك التي تتحمل مسئولية إدارة الأقاليم التي لا تحكم نفسها و التي تحت نظام الوصاية عليها تعزيز إنجاز حق التقرير الذاتي و إحترامه إنسجاما و أحكام ميثاق الأمم المتحدة.) (6) ترجمة بتصرف في نص الفقرة المكتوب باللغة الإنجليزية.
هذا، و في ذات السياق أشير هنا أيضا إلى أن الميثاق العالمي للحقوق المدنية و السياسية قد أكد في الفقرة الأولى من المادة الأولى في الجزء الأول منه على حق الشعوب في ممارسة مبدأ التقرير الذاتي، و تلافيا للتكرار أحيل القاريء الكريم إلى متن وثيقة الميثاق العالمي للحقوق المدنية و السياسية.(7).و تجدر الإشارة هنا إلى ثمة حقيقة هامة و هي أن كل من الميثاقين المشار إليهما أعلاه لم يشيرا صراحة ولا ضمنا إلى أية علاقة مباشرة أو غير مباشرة تربط بين مبدأ التقرير الذاتي و مطلب الإنفصال. و أشير أيضا في سياق الأساس القانوني لمبدأ التقرير الذاتي للشعوب إلى أن إعلان مباديء القانون الدولي المنظمة للعلاقات الودية و التعاون بين الدول وفقا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة قد جعل من معطيي الحقوق المتساوية و حق التقرير الذاتي مبدأين دوليين راسخين قعدهما في متنه. فقد جاء في متن إعلان مباديء القانون الدولي المشار إليه أعلاه تحت عنوان مباديء الحقوق المتساوية وحق التقرير الذاتي للشعوب ما نصه (بمقتضى مبدأ الحقوق المتساوية و التقرير الذاتي للشعوب المعضون في ميثاق الأمم المتحدة، كل الشعوب دون تدخل خارجي تمتلك في حرية تقرير وضعها السياسي و تمارس تنميتها الإقتصادية ، الإجتماعية و الثقافية، و أن كل دولة عليها إلتزام إحترام هذا الحق وفقا لأحكام الميثاق.)(8) ترجمة بتصرف في نص الفقرة المكتوب باللغة الإنجليزية.
هذا فقد نصت الفقرة التالية تحت مبدأ الحقوق المتساوية وحق التقرير الذاتي المشار إليه أعلاه على أنه (لا شيء في الفقرات السابقة يمكن ترجمته بإعتباره مخولا أو محفذا على الإتيان بأي فعل من شأنه أن يمزق أو يصدع جزئيا أو كليا وحدة الإقليم و الوحدة السياسية لدول مستقلة ذات سيادة تراعي إلتزاماتها بمبدأ الحقوق المتساوية و التقرير الذاتي للشعوب و تمتلك حكومة تمثل كافة الشعب المنتمي إلى إقليمها دون تمييز لعرق،أو عقيدة أو لون.)(9) ترجمة بتصرف في نص الفقرة المكتوب باللغة الإنجليزية.
إن المنطوق الصريح لنصي الفقرتين المشار إليهما أعلاه يؤكد بجلاء أن حق ممارسة مبدأ التقرير الذاتي قد كفل للشعوب التي كانت ترزح تحت هيمنة القوى الإستعمارية و كذلك أيضا كفل لجماهير الشعوب التي تعيش في أقاليم دولها الوطنية. بيد أن هاتين الفقرتان تنشئان التزامات متبادلة يجب علي كل من الدول و رعاياها مراعاتها، فعلى الدول مراعاة و إحترام مطالب شعوبها ممارسة حق التقرير الذاتي في سياقاتة السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية، بينما على الجماهير الشعبية موطني تلك الدول التقيد بالإمتناع عن القيام أو ممارسة أي فعل من شأنه أن يهدد جزئيا أو كليا سلامة إستقلال و سيادة و وحدة الإقليم الوطني لدولهم. و تجدر الإشارة هنا إلى أن إعلان مباديء القانون الدولي المذكور أعلاه لم يشر صراحة أو ضمنا إلى أية وشيجة تقرن مبدأ التقرير الذاتي و مطلب الإنفصال.
إن مبدأ حق التقرير الذاتي للشعوب قد تمت معالجته أيضا في متن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب المعمول به منذ الحادي و العشرون من أكتوبر من عام 1986. فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 20 في الجزء الأول من الميثاق المذكور على (كل الشعوب تمتلك حق الحياة و لها بلا منازع حق أصيل في التقرير الذاتي، و لها أن تقرر في حرية وضعها السياسي، و ممارسة التنمية الإقتصادية، الإجتماعية وفقا للسياسة التي أختارتها بحرية.) (10) ترجمة بتصرف في نص الفقرة المكتوب باللغة الإنجليزية.
و تجدر الإشارة هنا إلى أن الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب المشار إليه أعلاه قد كفل ممارسة حق التقرير الذاتي للشعوب القابعة تحت هيمنة قوى أجنبية و كذلك أيضا للشعوب مواطني الدول المستقلة ذات السيادة. فالفقرة الثانية من المادة 20 في الجزء الأول من الميثاق كفلت للشعوب القابعة تحت سيطرة قوى أجنبية حق ممارسة التقرير الذاتي فقد نصت الفقرة على أن (للشعوب المستعمرة أو المضطهدة حق تحرير أنفسهم من قيود الهيمنة باللجوء إلى أية وسيلة معترف بها من قبل المجتمع الدولي). (11) ترجمة بتصرف في نص الفقرة المكتوب بالإنجليزية.
أما الفقرة الأولى من المادة 20 المشار إليها أعلاه فقد كفلت للجماهير الشعبية مواطني الدول المستقلة حق ممارسة التقرير الذاتي بكيفية ضمنية تدل عليها عبارة الشعوب وكذلك أيضا تدل عليها الأحكام الواردة في فقرات المادتين 27 و29 . فالمادتان المذكورتان قد تضمنتا التزامات قانونية يجب على جميع أفراد المجتمعات الشعبية في الدول المستقلة أن يتقيدوا بها، فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 27 (على كل فرد تحمل التزامات تجاه عائلته، مجتمعه، الدولة و مجتمعات معترف بها قانونيا و المجتمع الدولي.)(12) ترجمة بتصرف في نص الفقرة المكتوب باللغة الإنجليزية.
أما الفقرة الثالثة من المادة 29 في الفصل الثاني فقد نصت على التزام الفرد بعدم التفريط في أمن وطنه(أللا يساوم على أمن الدولة التي هو مواطن أو مقيم فيها.)(13) ترجمة بتصرف في نص الفقرة المكتوب باللغة الإنجليزية. و كذلك نصت الفقرة 4 من المادة 29 في الفصل الثاني من الميثاق الأفريقي على الفرد أن (يصون ويمنع الأمن والتضامن الإجتماعي و الوطني سيما عندما يتهدد الأخير.) (14) وتنص الفقرة 5 من المادة 29 أيضا على الفرد أن (يصون و يعزز الإستقلال الوطني و وحدة إقليم قطره و أن يسهم في الدفاع عنه و فقا للقانون.) (15) ترجمة بتصرف في نص الفقرة المكتوب باللغة الإنجليزية.
و تجدر الإشارة هنا إلى أن الميثاق الأفريقي المذكور لم يشر صراحة و لا ضمنا إلي أية رابطة تقرن مبدأ التقرير الذاتي للشعوب و مطلب الإنفصال.
هذا، و وفقا للممارسات القانونية و التاريخية فأن مبدأ التقرير الذاتي ينقسم إلى نمطين مبدأ التقرير الذاتي الخارجي و مبدأ التقرير الذاتي الداخلي سأتناول في عرض موجز كل منهما على حدة وفقا للسياق التالي:-
مبدأ التقرير الذاتي الخارجي.
إن حق التقرير الذاتي كمكنة قانونية أستهدفت تصفية ظاهرة الإستعمار قد مارستها شعوب المستعمرات بصفة عامة وشعوب الأقاليم التي كانت قد وضعت تحت نظام مفوضية عصبة الأمم أولا ثم تحت نظام الوصاية الذي أنشأته منظمة الأمم المتحدة فيما بعد و قد نتج عن ممارسات حق التقرير الذاتي المحصلات التالية :-
أولا:
إن الغالبية العظمى من شعوب المستعمرات قد فضلت خيار الإستقلال التام ونتيجة لذلك برز إلى حيز الوجود على الصعيد الأفريقي 53 دولة مستقلة ذات سيادة من بينها جمهورية السودان.
ثانيا:
فضلت بعض شعوب الأقاليم التي كانت تحت نظام الوصاية الذي أقامته منظمة الأمم المتحدة الإندماج في شعوب دول مستقلة والصيرورة بعضا منها.فعلى الصعيد الأفريقي فضل شعب الإقليم الغربي من المستعمرة الألمانية السابقة توغو الذي كان تحت الإدارة البريطانية من نظام الوصاية الإندماج في شعب جمهورية غانا، و كذلك فضل شعب الإقليم الشمالي الغربي من المستعمرة الألمانية السابقة الكامرون الذي كان تحت الإدارة البريطانية من نظام الوصاية الإندماج في شعب جمهورية نيجيريا و كذلك أيضا فضل شعب الصومال في المستعمرة الإيطالية السابقة الذي وضع تحت الإدارة البريطانية من نظام الوصاية الإندماج في شعب الصومال في مستعمرة الصومال البريطاني السابقة .
ثالثا:
إن بعض شعوب الأقاليم التي كانت تحت نظام الوصاية فضلت خيار ممارسة الحكم الذاتي و إقامة علاقات إتحادية خاصة مع الدول التي كانت تمارس إدارتها تحت نظام الوصاية .فعلى سبيل النمذجة فضلت الأقاليم التالي ذكرها خيار الحكم الذاتي مع الإرتباط التعاقدي مع الولايات المتحدة الأمريكية. بويرتاريكو، جزر مكرونيشيا، جزر مارشال، جزر ماريانا و بالاو(16)
مبدأ التقرير الذاتي الداخلي:
إن مبدأ التقرير الذاتي الداخلي مكنة قانونية كفلتها المواثيق الدولية لشعوب الدول المستقلة إستهدافا لتعزيز حقوق الإنسان سيما حقوقه الأساسية في سياقاتها السياسية، ألإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية و ضمان ممارستها إلى أقصى مدى ممكن و ذلك صونا لإنسانيته و تحقيقا لكرامته و تعزيزا لحريته في مناخ من الديموقراطية أرحب. و لما أن أحكام المواثيق الدولية تعد بطبيعتها القانونية مصدر إلزام للدول المستقلة أعضاء المجتمع الدولي إستنادا إلى منطوق القاعدة الآمرة باكتا صونت سيرفاندا و كذلك القاعدة العامة العقد شريعة المتعاقدين فإن الدول المستقلة تعد ملزمة بالتقيد بأحكام الإتفاقيات الدولية سيما تلك التي تستهدف صون حقوق الإنسان و تعزيز الحريات الأساسية و ذلك بالعمل على تمكين جماهير شعوبها من ممارسة حق التقرير الذاتي الداخلي في معطياته السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية عبر منظماتهم السياسية، مؤسساتهم الإقتصادية و مثاباتهم الثقافية التي إختاروها بمحض إراداتهم الحرة.
إن من بين مستهدفات إقرار ممارسة حق التقرير الذاتي من قبل الجماهير الشعبية مواطني الدول المستقلة هو إشاعة مباديء و قيم الديموقراطية و جمهرت ممارستها في المحيطات الوطنية للدول المستقلة. إن حق التقرير الذاتي الداخلي في سياقاته السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية، الثقافية و الأمنية قد طبقته عمليا الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الإشتراكية عبر ممارسة السلطة الشعبية بكيفية المؤتمرات الشعبية الأساسية كجهة تقرير و اللجان الشعبية كجهة تنفيذ و بالشعب المسلح كآلية أمنية ذلك في سياق الديموقراطية المباشرة. كذلك أيضا أن حق التقرير الذاتي الداخلي للشعوب في سياقه الثقافي قد عبرت عنه الفقرة الأولى من المادة السادسة في الفصل الأول من دستور جمهورية جنوب أفريقيا حيث جعلت من أحد عشر لسانا وطنينا لغات رسمية في الجمهورية. (17) فكلا نمطي حق التقرير الذاتي للشعوب الخارجي والداخلي لا يرتبطان بكيفية مباشرة أو غير مباشرة صراحة أو ضمنا بمطلب الإنفصال.
هذا، تقتضي الموضوعية تعزيز مطلب ممارسة حق التقرير الذاتي الداخلي للشعوب و ذلك للمسوغات التالية:-
أولا:
إن النداء من أجل ممارسة حق التقرير الذاتي الداخلي مطلب عادل تدعمه الشرعية القانونية الدولية المعبر عنها في متون المواثيق الدولية.
ثانيا:
إن ممارسة حق التقرير الذاتي الداخلي يعد إعمالا لإرادة الجماهير في ممارسة الحقوق الأساسية للإنسان في سياقاتها السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية، و يعني أيضا إشاعة لقيم و مباديء الديموقراطية عبر آلية (الممارسة الفعلية)لا(المشاركة الشكلية) لسلطان الحاكمية و ذلك بتمليك الجماهير الشعبية عمليا مقاليد الحكم المتمثلة في السلطة و الثروة والسلاح. ذلك يعني بالضرورة صيرورة كل أبناء الشعب حكومة أي جهة للتقرير و التنفيذ في كل متعلقات حياة المجتمع و الوطن.
ثالثا:
إن ممارسة حق التقرير الذاتي الداخلي يعني تحرير إرادات أبناء الشعب السوداني في أقاليمه المختلفة و كسر إحتكار ممارسة سلطان الحاكمية من قبل فرد، حزب، طائفة أو زمرة متسلطة عسكرية كانت أو مدنية.
رابعا:
إن ممارسة حق التقرير الذاتي الداخلي يعني وئدا لدكتاتورية حكم الأغلبية و من ثم يعني تجسيدا لمبدأ حكم الشعب بالشعب للشعب المدلول الحقيقي لمفهوم الديموقراطية كما عرفها اليونانيون حيث تأتلف كافة الفعاليات السياسية الجماهيرية الشعبية في إطار حكومة وحدة وطنية من أجل تنفيذ برامج تنموية إستراتيجية قررتها في حرية تامة الجماهير الشعبية.
و في المقابل تقتضي الموضوعية رفض مطلب الإنفصال و ذلك للبواعث التالية:
أولا:
إن مطلب الإنفصال لا تدعمه مسوغات موضوعية و لا تسنده شرعية قانونية دستورية كانت أو قانونية دولية.
ثانيا:
موضوعيا أن مطلب الإنفصال في جوهره يتعارض إستراتيجيا و المصالح الوطنية العليا للبلاد وذلك للأسباب التالية:
(أ) إن موافقة حكومة السودان على مطلب فصل الإقليم الجنوبي من الوطن و من ثم صيرورته دولة ذات سيادة يعني قانونيا تدويل المشكل السوداني و هذا موضوع يضيق المجال عن الخوض فيه.
(ب) إن فصل الإقليم الجنوبي من الوطن يمثل تهديدا مباشرا للأمن الوطني السوداني في معطياته المتعددة:
1- معطى الأمن الوطني العام:
إن صيرورة الإقليم الجنوبي من الوطن دولة ذات سيادة سيفتح المجال الوطني لتغلغل النفوذ الأجنبي في سياقاته المتباينة عسكريا، سياسيا، إقتصاديا، ثقافيا و غير ذلك.
2- معطى الأمن الإجتماعي:
إن إنفصال الإقليم الجنوبي من الوطن يعني تمزيق لحمة كيان المجتمع الوطني و بالمقابل يعزز النعرات العرقية و الإقليمية الأمر الذي في النهاية يهدد الهوية الوطنية السودانية بالفناء.
3- معطى الأمن الغذائي:
إن قيمة الوطن السوداني كقطر تكمن في غنى موارده الطبيعية المتجددة، و الإقليم الجنوبي من الوطن يمثل المستودع الإستراتيجي الرئيس للثروة الوطنية الطبيعية. فهو مصدر المياه التي لا قيمة للمشاريع الزراعية الوطنية الإستراتيجية القائمة على الري الدائم و كذلك لا قيمة لمشاريع الصناعات الوطنية الإستراتيجية القائمة على الطاقة الهايدروكهربائية في شمال الوطن، إذ أن إنفصال الإقليم الجنوبي من الوطن يعني توقف محركات دواليب مولدات الطاقة الهايدروكهربائية في الشمال. إن ندرة الأمطار في أقاليم شمال، شمال شرق و شمال غرب السودان و تد ني معدلات تساقط الأمطار في وسط، و شرق وغرب السودان نتيجة للتغيرات المناخية كظاهرة التشوب و الإستحرار العالمي و الزحف الصحرائي المخيف نحو حزام السافانا الأخضر وموجات الجفاف المتواترة الصيرورة و التي ما فتئت تجتاح ربوع البلاد فينة أثر أخرى عوامل في مجملها تنذر بحدوث كارثة بيئية ساحقة ماحقة تهدد بإنقراض أسباب الحياة في جل أصقاع السودان سيما الشمالي منها. إنفصال الإقليم الجنوبي من الوطن يعني صيرورة الهجرة الجماعية للإنسان والحيوان جنوبا حيث مقومات الحياة تبقى في حكم المستحيل. إن بروتوكول نايفاشا حول إقتسام السلطة و الثروة بين حكومة السودان و الحركة الشعبية لتحرير السودان لم يتضمن فقرة واحدة تؤمن من خلالها حصة مائية تقيم أود أبناء السودان في الشمال حالة تأكد إنفصال الإقليم الجنوبي من الوطن و صيرورته دولة ذات سيادة.
4- معطى الأمن السياسي و بقاء الدولة السودانية:
إن موافقة حكومة السودان على مطلب فصل الإقليم الجنوبي من الوطن وصيرورته دولة ذات سيادة بلا جدال يمثل سابقة دستورية و مرجعية لشرعية قانونية سترتكز عليها مطالب قوى الإنفصال مستقبلا إن إنفصال الإقليم الجنوبي من الوطن يجسد عملا لا وحدوي لامراء سيحفذ قوى الإنفصال في أقاليم السودان الأخرى لتحذو حذوه. إن إرهاصات الحروب الأهلية التي تلوح في أفق البلاد تقوي إحتمالات صيرورتها وقائع الأحداث الدموية التي يشهدها إقليم غرب دار فور و كذلك التداعيات الأمنية والفوضى التي تجتاح إقليمي جنوب النيل الأزرق و إقليم شرق السودان. إن إنفصال الإقليم الجنوبي من الوطن لا يعني فقط زعزعة الأمن السياسي للبلاد و إنما يعني تهديدا لكيان الدولة بالتصدع بل بالإندثار.
هذا و أختتم هذه الدراسة بالمحصلات التالية :
أولا إن مبدأ التقرير الذاتي للشعوب الخارجي تاريخيا قد قعدته أحكام القانون الدولي بغية تصفية ظاهرة الإستعمار و من ثم تمكين شعوب المستعمرات من إسترداد إستقلالها الوطني و التمتع بحرياتها و تقرير أوضاعها السياسية، الإقتصادية، ألإجتماعية و الثقافية في حرية تامة و دون تدخلات أجنبية .
ثانيا إن مبدأ التقرير الذاتي الداخلي للشعوب قد كفلته أحكام القانون الدولي للجماهير الوطنية في الدول المستقلة و ذلك تعزيزا لحقوق الإنسان و صونا للحريات الأساسية و ترسيخا للممارسات العملية لقيم الديموقراطية لتمكين الجماهير الوطنية من ممارسة التقرير في متعلقات أوضاعها السياسية، الإقتصادية، الإجتماعية و الثقافية في إطار وحدة أقاليم دولها و تحت سياداتها الوطنية
ثالثا إن أحكام القانون الدولي المتضمنة في متون المواثيق الدولية التي قعدت لمبدأ حق التقرير الذاتي للشعوب الداخلي لم تنص صراحة و لا ضمنا ، مباشرة أو غير مباشرة على أية وشيجة تقرن حق ممارسة التقرير الذاتي للشعوب الداخلي بمطلب الإنفصال . هذا و أستتبع هذه الخاتمة بالتوصيات التالية:
أولا إنسجاما مع التوجهات الدولية،و وفاءا بالإلتزامات المنبثقة عن أحكام الإتفاقيات و المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان و تعزيزا للحريات الأساسية أقترح على جهات الإختصاص إصدار الوثيقة السودانية لحقوق الإنسان لتكون مرجعا قانونيا ضامنا و معززا للحقوق و الحريات الأساسية للمواطن السوداني .
ثانيا من أجل الإسهام في بلورة و ترسيخ رأي وطني و دولي حول المضمون المفاهيمي و القانوني لمبدأ التقرير الذاتي الداخلي للشعوب كحق كفلت أحكام القانون الدولي للجماهير الشعبية ممارسته في إطار أقاليم دولها الوطنية وتحت سيادتها في غير إرتباط بمطالب الإنفصال أقترح إلى جهات الإختصاص في حكومة السودان إستضافة ندوة عالمية تحت عنوان "المضمون الديموقراطي لممارسة حق التقرير الذاتي الداخلي للشعوب " على أن تدعى إليها فعاليات أكاديمية، سياسية و منظمات حكومية و غير حكومية تعنى بقضايا حقوق الإنسان و الحريات العامة و كذلك يدعى إليها ممثلين لدول تعاني من أنشطة منظمات إنفصالية كبريطانيا، أسبانيا، الإتحاد الفدرالي الروسي، جمهورية الصين الشعبية، صربيا، تركيا، سيرالانكا، كندا و جمهورية إيران الإسلامية و كذلك يدعى إليها كضيوف شرف ممثلين عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ،و منظمة الإتحاد الأفريقي والإتحاد الأوروبي بصفة مراقبين.
ثالثا أقترح تشكيل هيئة إستشارية شعبية عمادها أهل الإختصاص من أكادميين، وخبرويين لتقديم توصيات فنية إلى جهات الإختصاص في الأمور الحيوية المصيرية التي تتعلق بمستقبل الوطن على أن تنشر التوصيات في الصحف السيارة لإطلاع الرأي العام عليها، ذلك لأن القضايا الحيوية المصيرية التي تتعلق بالسيادة و وحدة التراب الوطني تقتضي الموضوعية النظر و من ثم التقرير فيها بالعقل الجماعي و ليس بالبصيرة الآحادية مهما كانت حصافتها.
.و الله الموفق إلي ما فيه مصلحة الوطن و خير المواطن.

بروفسور.دكتور/ موسى الباشا
أستاذ القانون الدستوري و النظم السياسية.
[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved