يشعر المرء في بعض الاحيان باحباط شديد، وهو يرى ما يحدث امامه على مسرح لا معقول حياتنا السياسية، وبصورة تلغي كل الفكر الانساني والعقل البشري، وترجعنا الى عصور بدائية سحيقة. ومن تلك الصور، المهرجانات الكاركتيرية التي ينقلها التلفزيون الموسوم بالقومي، والاذاعة الموصومة بذات الصفة لحشود من المواطنين، يغلب عليهم الفقر والمسكنة والجهل وقلة الحيلة، يتراصون ويتزاحمون وبعضهم يحمل لافتات بائسة الشعارات، تلبسهم اشعة الشمس وسمائم الصيف اللافحة تشوي وجوههم المكفهرة، يطوون بطونهم على وجع وتتكور اجسادهم من وهن ومرض، وتدلل اسمالهم البالية على حالة الفقر التي فيها يعمهون، وعندما تستمع الى خطب ممثليهم تجدها تتحدث عن الشفخانة وبئر الماء وفصل المدرسة، وهي من اساسيات الحياة، ومن ثم ينبري لهم من على منبر مجلوب بالايجار مع الكراسي والصيوانات وحافظات الماء البارد لزوم الاستقبال والاحتفال، ينبري لهم احد الذين اعتدنا عليهم طيلة ال"16" سنة الماضية، متحدثاً عن المشروع الحضاري، وعن النقلة التي احدثتها الانقاذ وعن البترول والجامعات وصد الكيد الدولي والمؤامرات الصليبية وحفظ السيادة الوطنية في حرز قوي امين ثم يعرج على سلام العزة الذي تم بارادة وطنية خالصة، ولا ينسى شجب وسائل الاعلام الغربية التي ضخمت ازمة دارفور المفتعلة، ولم تذكر جهود الحكومة المتواصلة في رتق النسيج الاجتماعي وبسط التنمية في انحاء دارفور، التي يتاجر بعض ابنائها بدماء اهلهم لتحقيق مكاسب ذاتية، ثم يعلن عن تبرعه بكذا مليون للخدمات في المنطقة، ومثلها لمشروع الزواج الجماعي، ومبلغ اخر للدعوة الشاملة وتزكية المجتمع .. الخ. ووسط الزغاريد والتهليل والتكبير وتجديد تمسكها بالمؤتمر الوطني اقتناعاً بمبادئه وفكره وممارسته وقياداته!! او ان قبيلة "كذا" في جميع انحاء السودان تبايع وتعلن انضمامها وتأييدها للمؤتمر الوطني!.
بالله عليكم، هل يوجد عبث اكثر من هذا، وهل يوجد كذب ونفاق منقول على الهواء مباشرة ويكلف خزانة الدولة عشرات الملايين لتغطيته اكثر من هذا؟ فمن اين لهذا المسؤول الذي تبرع بالمليارات هذه الارقام الفلكية، هل هي من الخزانة العامة، ام من "خزانة حزب المؤتمر الوطني"؟ .. ومن اين تأتي اموال المؤتمر الوطني نفسه، هل هي اشتراكات اعضائه ام ريع استثماراته وشركاته واثريائه، من هم وما هي هذه الشركات وما هي التسهيلات الممنوحة لها، وهل يعرفها مولانا محمد احمد سالم او يراجع حساباتها؟ وهل سمع احدكم في يوم من الايام ان الرئيس الامريكي قد تبرع بدولار واحد لقرية في كلفورنيا او نيويورك؟ وهل فعلها توني بلير او حتى اريل شارون في اسرائيل؟ ام اولئك القادة والرؤساء بخلاء وقادتنا احفاد حاتم الطائي؟ .. ايها الشعب المغلوب على امره، لا يغرنك مثل هذه المهرجانات، والتبرعات الهوائية، فواجب الغد ان تسأل عن حقك قبل ان يتبرع لك به احدهم .. السودان الجديد قائم على الشفافية، العدالة، المساءلة.!!