السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الشــــايقية بجا اصلا كليوبـاترة ايضا بقلم د. ابومحمد ابوامنة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
6/15/2005 8:44 ص


من ستكون له مصلحة في اغتيال جون قرنق ؟

الحرب التي خاضها العقيد جونق قرنق منذ عام 1983م قد كشفت عن طراز فريد لشخصيته وسط الساسة السودانيين إجمالا ، وأكثر تفرداً في أوساط الجنوبيين حصرا ، فهو بالكاد يكون السياسي والقائد الحربي الميداني الوحيد الذي لم يستجب لأي نوع من أنواع الرشاوى السياسية ، وهذا أمر يحسب له . غير انه وبالمقابل قد سدد ثمن ذلك الموقف ليس نقداً وإنما بشيك آجل السداد ، ربما يحين أجله في أي وقت بعد أن وقع اتفاق السلام النهائي ، حيث ستختلط الأوراق ، وحيث لن يكون العقيد في أحرا ش الجنوب وإنما في القصر . وعندها تتهدد مصالح بعض القوي المحلية أو الإقليمية بفعل ما يمكن أن تسفر عنه تطورات الاوضاع خاصة إذا ما شعرت تلك القوي بأنه لن يستقيم لها الأمر إلا إذا ما تخلصت من جون قرنق . والذي وبحكم تعارض وتضارب مصالح تلك القوي سيبدو كمن يسير في حقل ألغام لاتوجد به أي إشارات خطر ، مضافاً إليه تكاثف سحب غائمة تزيد من غتامتها طبيعة الشريك الذي سيكون العقيد جزءُ أساسي من حكمه.

ففي أول الأمر كانت الخيارات واسعة أمام العقيد ، وكان عليه أن يتخير الدرب الذي سيمضي فيه ،و تبعاً لذلك القوي المرشحة لدعمه إذا ما إستقر علي خيار ما ... بيد أن الأمر لن يكون بذات السهولة واليسر في المرحلة الراهنة وما يتبعها في الاجل القريب ، فكلما إقترب العقيد من القصر خطوة كلما ضاقت الخيارات امامه . كما أنه كلما أوغل الزمن في الاقتراب نحو لحظة إعلان الاستفتاء حول تقرير المصير كلما تحفزت قوي كثيرة للتفاعل مع هذه الخطوة سلباً وإيجاباً بتركيز خاص علي العقيد باعتباره الشخصية المفتاحية في كل ما يدور .

فالخيار الاول الذي تبناه جون قرنق عند إنطلاق حركته ضد نظام مايو وكما جاء في برنامج الحركة (المنافيستو ) قد أمن له من يناصره في الشمال – الحزب الشيوعي السوداني – الذي إندفع في تأييد العقيد وحركته فقط بمجرد طرح الأخير تحليلاً مرتكزاً علي النظرية الماركسية في تقويم الاوضاع في السودان آنذاك 1983م ، وبهذا إستطاع أن يجد لإطروحته صدي في الدوائر السياسية في أعقاب إنهيار نظام نميري ومع بداية عهد الديمقراطية الثالثة . كما ضمن أيضاً تأييد بعض القوي الليبرالية المستنيرة والتي رأت فيما يطالب به( دولة سودانية ديمقراطية موحدة ذات دستور علماني ) خطوة إيجابية يجب دعمها وتثمين مواقفها لاسيما وان نميري كان قد أعلن قوانينا دينية تزامنت مع بداية إنطلاق الحركة الشعبية ، أسام بها خصومه السياسيين عسفاً غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث . وقد كان في إستعصام قرنق بعلمانية الدولة السودانية سنداً لكل القوي التي ناصبت نظام الجبهة الاسلامية العداء ، حتي تلك القوي ذات التوجه الديني في الشمال والتي كانت تبحث عما تكايد أو تماحك به نظام الجبهة الاسلامية حتي وان لم تكن مقتنعة بتوجهه العلماني .

عموماً ومهما يكن من شيء ، فإن الحرب التي خاضها العقيد قد إتسمت بالتعقيد ، وذلك نظراً لطبيعة التحولات التي حدثت والحرب لما بعد تحقق أهدافها . فإنهيار الشيوعية الرسمية ممثلة في الاتحاد السوفيتي ،وإنهيار نظام منقستو في أثيوبيا قد تركا آثارهما علي مسيرة الحركة ، بل يمكن القول إنهما قد زادا من صعوبة العبور علي حقل الالغام وحفه بالمزيد من الضبابية، مما حتم علي العقيد أن يغير في خطاب حركته الفكري ، وهذا أمر وارد ، فالحروب طويلة الامد من نوع الحرب التي خاضها العقيد ، عادة ما تفلت دوافعها وأسبابها من أيدي من يبادرون بشنها وفي خضم ذلك تتبدل الشعارات والمثل التي كانت السبب في إشعال نار الحرب ، وتتداخل الأسباب تماماً كما هو الحال في بالنسبة لحرب الجنوب والتي تحولت من حرب "لرد المظالم" والعمل علي إيجاد وضع إقتصادي وتنموي متوازن في ظل دولة موحدة إلي صراع هويات مؤسسة علي جذر ديني تارة وعرقي تارة أخري . ومن مطالبة بحكم ذاتي إلي المطالبة " بحق تقرير المصير " أما بالوحدة أو الانفصال .. وهذه الأخيرة لم تكن تدور لجون قرنق في خلد عند بدايات حركته المسلحة بقدر ما كان يسكنه من هواجس العدالة الاجتماعية والاعتراف بخصوصية الجنوب في ظل السودان الموحد .

إن العقيد جون قرنق الآن لا يتحدث باللسان القومي السوداني الذي يريد أن يؤسس لدولة وطنية ديمقراطية متحدة وعلمانية الطابع كما كان شأنه لأول مرة ، حتي أن أراد ذلك وسعي له فسيجد من متطرفي الجنوب من يقول له لا . ليس بالحسني وإنما بالتصفية الجسدية إن لزم الأمر . لذا فإن هناك من يتربص بجون قرنق الدوائر من أبناء الجنوب ، بل ربما من أبناء حركته ، وهذه حقيقة تدعمها شواهد وأحداث موضوعية كتلك التي حدثت في اغسطس من عام 1991م عندما إنشقت عنه ، وخرجت عليه مجموعة الناصر التي سعت في إتجاهين كلاهما مفارق لقرنق . الاتجاه القبلي والاتجاه السياسي . فبرغم أن هذا الانشقاق لم يفلح في أن يهز مركز جون قرنق كقائد للحرب ، إلا أنه قد شكل عليه ضغطاً تبلور آخيراً في إسقاط الشعارات الأولي وتبني خيارات أخري كان أهمها مبدأ تقرير المصير ، الذي يمكن وصفه بأنه العاصفة التي لم يكن يتبنأ بها أياً من ربان سفن السياسة السودانية

فضلاً عن خيار الكنفدرالية أو ما يعرف بنظام دولة بنظامين one state two systems . وهذه بدورها قد خلطت الأوراق ، وزادت من دقة توازن القوي ليس في السودان وحده، وإنما في المحيط الاقليمي برمته . فليس بخاف الأمر أن العقيد جون قرنق ومهما كانت درجة وحدويته ، أو مهما كان إدعاؤه لها ، فإنه لن يكون صاحب الكلمة الفصل في حق تقرير المصير ، إذا ما رأت جموع الجنوبيون الذين سيقومون بالاستفتاء أن تصوت لصالح خيار الانفصال . عندها سيكون للمصريين قولتهم – سراً أو علانيةً – فمصر لايمكن لها ومهما كانت صدق التطمينات التي تصلها أن تجعل خيار الجنوب .يتجه نحو الانفصال ، وهذه حقيقة ظهرت مؤشراتها عقيب توقيع تفاهمات مشاكوس في يوليو 2002م . عندما تم تهميش الدور المصري في محادثات السلام ، وقصرت فقط علي الايقاد شركاءً وأصدقاءً ، فالشاهد في الأمر أن مشاكوس وما تبعها من إتفاقات في نيفاشا سيحدث تغييراً ربما يمس البنية الهيكلية للدولة السودانية ، لذلك ستجد مصر نفسها مضطرة للتعامل مع الملف السوداني بمنظور المخابرات أكثر من منظور التحليلات السياسية ، وذلك من ناحية إستراتيجية حتي تتوقي الضغط علي خاصرتها من جنوب السودان ، ولن يكون المجال أمامها مفتوحاً إلا لمحاولة إعادة الجميع إلي المربع رقم واحد أو قلب المائدة علي وجوه الجالسين ولن يتأتى لها ذلك إلا إذا اختفى واسطة عقد الترتيبات الجديدة- جون قرنق- .

غني عن القول أن شدة الضغط الذي مورس علي طرفي الاتفاق وبرغم أنه سيفسر عن نوع من أنواع التهدئة علي جبهة القتال الساخنة ، إلا انه لا يحمل في طياته أي ضمانات كافية تجعل الطرفان يعملان فيما يكن أن يكون فريق عمل موحد لقيادة دفة البلاد ، بما فيها من تناقضات ومصطرعات قد تعصف بالعملية السليمة برمتها ، خاصة إذا ما وصلت حدة التناقضات بين الشريكين ألي نقطة حاسمة تتعلق بمصالح كل منهما في تشكيلة ما بعد إجراء الانتخابات العامة التي ستلبها القوي المستبعدة حالياً . فالشراكة المؤسسة علي الضغوط الخارجية بين الحكومة والحركة قد تنفجر مما قد ينذر بتفتيت كيان الدولة السودانية ، لاسيما وأن الجهات التي مارست الضغوط علي الحكومة – خاصة أمريكا – لم تعمل بمبدأ الترغيب في فض النزاع بقدر ما عملت بمبدأ التحفيز Incentive ، والمعروف في علم فض النزاع أن الترغيب Inducement هو أكثر شمولاً وعمقا من التحفيز. أنما مارسته أمريكا من ضغوط خاصة علي الحكومة يتراوح في درجته بين التلويح بالعقوبات الذكية وبين ما يسميه ديفيد بولدوينDavid Baldwin بمصطلح العقوبات الايجابية positive sanctions ، بناء علي ذلك ربما يخبو دور العامل الخارجي رويداً رويداً وبالتالي تتقلص الحوافز التي وعد بها الطرفان مما قد يرشح هذه الشراكة للتآكل الداخلي بفضل التناقضات فيما بينهما، الموجودة أصلا و التي ربما تدب لاحقا ، هذا علاوة علي المتطرفين الاسلاميين قد يرون في مثل هذا النوع من الشراكة " تفريطاً في الثوابت" التي كان يغذي بها النظام أتباعه لحين مقدر من الزمن ربما ينفلت عقال بعضهم ويدخل في مرحلة تصفيات جسدية قد تطال ليس جون قرنق وحده وإنما أيضاً جزء من أبناء الحركة الاسلامية الذين إستجابوا لتلك الضغوط وقد يجدون لذلك ألف فتوي وفتوي .

لكل ذلك تتكاتف الغيوم حول حقل الالغام الذي يتعين علي العقيد عبوره ، ذلك لأن ماتم عبوره حتي الآن يعتبر الجزء الاصغر منه فقط . فهل تري يفلح العقيد الذي دخل الحلقة السادسة من عمره في عبور هذا الحقل إلي الحلقة السابعة دون أن تفتك به رصاصات الفتن في عهد السلام ؟!!!

محمد عبد الحميد


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved