السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

السودان .. لقاء الفرصة الأخيرة بالقاهرة بقلم د. طارق الشيخ

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
6/15/2005 7:56 ص

السودان .. لقاء الفرصة الأخيرة بالقاهرة
د. طارق الشيخ
بدأت صباح أمس بالقاهرة جولة جديدة من التفاوض بين وفدي الحكومة السودانية والتجمع الوطني الديمقراطي . جولة من المؤكد انها تكتسب أهمية مساوية لما كانت عليه اهمية اللقاءات والاتفاقيات الثنائية التى شهدتها نيفاشا الكينية . وبالاحرى فان محادثات القاهرة هي الكفة الأخرى لميزان السلام فى السودان . وبدونها لايمكن الحديث عن سلام أو تغيير حقيقي فى البلاد . بل يمكن القول بأن اتفاق القاهرة يعني فى حال التوصل اليه الدخول الحقيقي فى خانة الحل الشامل لأزمات السودان السياسية والاقتصادية والاجتماعية . هذا الاتفاق والذى وقع عليه الطرفان من قبل بالاحرف الاولى يلزم الطرفين بالتحلى بروح الجدية اللازمة للخوض فى ثنايا موضوعات التفاوض والقدرة على تلمس وادراك التبعة الثقيلة التى يمكن ان يجرها عدم الاتفاق . ولذلك تكتسب هذه الجولة بالذات أهمية تجعلها حدا فاصلا تظهر عنده النوايا والجدية وتنفضح عنده المماحكة والفهلوة السياسية التى لامكان لها فى هذه اللحظة التاريخية الدقيقة .
ويلفت النظر من كل الجولات السابقة ومارشح عنها من معلومات ان هناك موقفين يمكن استبيانهما . الأول موقف الحكومة السودانية الذي لم يرشح عنه سوى تقديم أهمية التوقيع على اتفاق بين الطرفين يعمده حضور الحكومة المصرية راعية التفاوض . أى توقيع التجمع وفقط التوقيع ولذلك لم تحمل البيانات التى صدرت عن اللقاءات السابقة شيئا محددا يمكن التعويل عليه أو حتى يفسح المجال أمام التكهن بامكانية التوصل لاتفاق حوله. التجمع الوطني المعارض من ناحيته بدا اكثر جدية وتحديدا فى بحث القضايا المعلقة والتى تركتها نيفاشا أو اتفاق السلام النهائي بين الحكومة والحركة الشعبية . وعلى ذلك يمكن ان يستشف من جدول اعمال الجولة الحالية من المحادثات ان هناك بندين هما فى الواقع كل ماتم النقاش حوله فى السابق دونما التوصل لاتفاق . البند الاول يتعلق ببحث آليات تنفيذ اتفاق القاهرة ونسبة مشاركة التجمع فى الحكومة القادمة والحكم المحلى بشكل عام . والبند الآخر يعنى بالجانب العسكرى ووجود قوات التجمع فى شرق السودان . بمعنى ان المطلوب من اجتماع القاهرة الراهن ان تتخلى الحكومة عن موقفها السابق وتترك وراءها فكرة الحصول على توقيع على بياض من التجمع والخوض فى بحث ترتيبات آليات تطبيق اتفاق القاهرة والالتزام بتنفيذه.
الموقف التفاوضي للتجمع :
يتمسك التجمع الوطني بعدة قضايا يعتبر امر حسمها فى غاية الاهمية وتتلخص بشكل عام فى : قضية الدستور والمبادىء التى تحكمه وتلك التى يجب ان يتضمنها . فهناك قوانين يراد اضافتها واخرى تعدل وثالثة يجب حذفها . وضمن هذا الاطار وكخطوة أولى يدعو الى الغاء حالة الطوارىء وكافة القوانين المقيدة للحريات أو تلك التى تبيح الاعتقال . واصلاح النظام القضائي وقومية الخدمة المدنية والعسكرية والنأي بها عن الحزبية .وهناك قضية اعادة المفصولين عن العمل للصالح العام الى اعمالهم وتقديم تعويض مجزى فى حالة عدم اعادتهم . وكذلك تعويض من صودرت ممتلكاتهم . وضمن هذا الاطار يطرح التجمع مسألة المحاسبة على انتهاكات حقوق الانسان طوال السنوات الماضية وتقديم من تثبت ادانتهم بالجرائم للعدالة .وكل هذه قضايا تنتظر صدور قرار سياسي واضح من الحكومة فى الخرطوم. من الناحية الاقتصادية تطرح قضية تصحيح المسار الاقتصادي والوضع المعيشي المتردى للغالبية من الشعب السودانى واعادة النظر فى الخصخصة التى جرت فى الفترة الماضية والمال العام ووقف التعديات عليه . بمعنى آخر مخاطبة اكثر مباشرة للقضايا الاقتصادية واعادة النظر فى الكيفية التى يسير بها اقتصاد السودان .
المشاركة فى الحكم :
حول قضية مشاركة التجمع فى الحكم تلوح فى الافق مسائل تحتاج لكثير من التأمل فى معانيها . وهى مسائل تبدو بسيطة من اول وهلة ولكنها فى حقيقتها غاية فى التعقيد وخطرة تهدد مستقبل السودان ووحدته . والحقيقة الأولى هنا تتمثل فى الثنائية التى ارتضاها طرفا اتفاقية السلام أى الحكومة والحركة الشعبية كمدخل لمناقشة قضية الدستور . وهى مسألة تتعارض مع القيم التى خاطبت بها الاتفاقية ذاتها الشعب السودانى ومنته بفجر جديد من الحرية والديمقراطية وتلك المعاني والمفاهيم المتقدمة وغير المسبوقة كما يقول الدكتور منصور خالد فى حديثه عن الدستور والاتفاقية فى المقابلة التى اجريتها معه لصحيفة الراية قبل فترة . ولذا من غير المبرر الغاء حق الاخرين فى خطوة يفترض انها تتطلب اجماع المشاركة والتفاكر بين كل قطاعات المجتمع وقواه الفاعلة . ولماذا يصاغ الدستور على مرحلتين اصلا طالما كانت الاولى كافية بتوسيع قاعدة المشاركة وطالما كانت الارادة المعلنة لبناء لبنات السودان الجديد ؟ وباعتبار الواقع وحيث ينتظر ان تكمل لجنة الدستور عملها فى غضون ايام قليلة فان الوضع يحتمل واحد من اثنين اما ان تمضي الشراكة الثنائية الى غاياتها بين الحكومة والحركة وتصوغ الدستور الجديد دون اعتبار لمقترحات التجمع بشأنه . أو ان الحكومة تسمح بمتسع للمراجعة لاستيعاب وجهات النظر والملاحظات القادمة من كل طيف المعارضة . فاذا تبصرت الحكومة وادركت عواقب التجاهل للقوى السياسية واشركتها فى صياغة دستوريكون موضع احترام للجميع فهذا مطلوب ومقدر . وبالتالى سيجد التجمع نفسه داخل الحكومة المرتقبة والتى ستشكل فى يوليو القادم . اما فى حالة استمرار سياسة الاقصاء فان ذلك يعني ان على الحكومة والحركة المضي قدما فى الشراكة الثنائية للنهاية . هذه الشراكة قد تستقطب لها بعض القوى الاخرى من خارج التجمع والتى تحسب الامور بموازين المصالح وتخفيف الاضرار . لكن قطعا ستكون عواقب هذه الثنائية مدمرة وقاصمة للأمل فى بقاء السودان موحدا .
نهاية الوحدة :
لاشك لدى من ان فشل اجتماع القاهرة الحالى ومراهنة الحكومة على ثنائية الاتفاقية والشراكة فى الحكم فان ذلك يعني مضي الجبهة الاسلامية الى نهاية الطريق وتحقيق ماهو باطن بانهاء وحدة السودان . بكلمة اخرى الثنائية تعني الانفصال التام وبلا أدنى أمل فى عودة قطار الوحدة . لماذا ؟ قد يطرح البعض هذا السؤال ولهؤلاء أقول بأن الثنائية تعني خروج الحركة الشعبية من التجمع الوطنى الديمقراطي . وهذا الخروج يعلن رسميا وصول الجبهة الاسلامية الى مبتغاها بعزل الحركة عن التجمع . وبقاء الحركة داخل التجمع هو فى حقيقته بقاء السودان موحدا . وقد سألت صديق كان حاضرا ومشاركا فى الاجتماع الاخيربين الدكتور جون قرنق وقيادة التجمع فى القاهرة قلت كيف كان الاجتماع رد سريعا " كان شكلة كبيرة " . فقد كان هدف د . قرنق فى ذلك الاجتماع غير عادى وفى غاية الحساسية . فقد كان عليه اقناع التجمع بالدخول فى الحكومة القادمة وفى مفوضية الدستور وكل الهيئات الانتقالية . انه هدف نبيل ومبرر . لكنه يتشابه مع اختلاف المقاصد مع هدف الحكومة من حيث كونه " التوقيع بأى ثمن " . ولذا فقد كان من المبرر ان يقف التجمع موقف الرافض من الطلبين . ذلك ان القبول يعني ان مصداقية التجمع السياسية قد ذهبت ادراج الرياح وعليه ان يجد المبررات التى تقنع جماهير الاحزاب المشاركة فيه بصواب هكذا خطوة . بمعنى آخر فان مثل هذا الدخول سيضعف احزاب التجمع امام جماهيرها الى اقصى درجة . ولذلك فانه ليس ثمة خيار آخر امام التجمع واحزابه سوى اتخاذ قرار حازم برفض الدخول مالم يأتى ذلك مبنيا على اسس واضحة والتزام مبين من جانب الدولة بتنفيذ مقررات القاهرة . ولدى اعتقاد راسخ بان د. قرنق يدرك افضل من غيره معنى دخوله منفردا فى غياهب الجب الحكومى على الرغم من حلاوة السلطة واغرائها. ولذلك فهو يتمسك ويتشدد ويقدم التنازلات من نصيبه من المقاعد لصالح حلفائه فى التجمع عله ينال موافقتهم الحيوية له بالمشاركة فى الحكم . ولهذا التصرف من جانبه مبرراته المنطقية والقوية . أولها انه يدرك حقيقة ان دخوله وحيدا كحركة شعبية فى الحكم يعني فصل عربة الحركة عن قطار التجمع . واكثر من ذلك انه يدرك انه سيعلن بذلك عزلته عن اهم حلفائه واقربهم منه مما يجعله وحيدا داخل ساحة لم يحسب فى يوم ان يكون وحيدا بداخلها . بمعنى آخر انه يستشعر اعظم الخطر فى ابعاده عن التجمع .. وتبدو الصورة كالتالى " الحركة الشعبية بالداخل والتجمع الوطني فى الخارج " لايلتقيان . انه احكام للانفصال بين التجمع والحركة ومن ثم تبدأ التبعات الخطرة التى يحذر منها قرنق نفسه كثيرا معتبرا ان " وجود التجمع والحركة معا فى المرحلة المقبلة هو صمام وحدة السودان وضمان مستقبله ". وهذه حقيقة لاجدال عليها . وبالتالى فان انعزال الحركة وبعدها عن التجمع هو خطوة أولى نحوالانفصال . لانه ومهما صفت نوايا د . قرنق والوحدويون معه فان الغالبية من الجنوبيين سيرون فى حقيقة الأمر انهم يخوضون فى معترك ومستنقع شمالى لايخصهم ولاناقة لهم ولاجمل فى القضايا المثارة وموضع الخلاف السياسي المحتدم وبالتالى ستعلو نغمة "مالنا ومشاكل الدين والسياسة فى الشمال " ومن ثم يصفو الجو فوق سماء الجبهة الاسلامية لتحقيق مناها بفصل الجنوب عن الشمال لكي تتفرد بحكم "شمال اكثر انسجاما عرقيا ودينيا "حسبما تؤكد ذلك الارهاصات المعبر عنها فى خطاب دعاة الفصل العلنيين من الشماليين . لكن التجمع الوطني فى هذه اللحظة يرى بغير ذلك ويعتبر ان اتفاق القاهرة يخدم الحكومة والحركة والسودان مجتمعة ذلك انه يغطى النواقص التى صاحبت اتفاق نيفاشا بالتالى فهو ضرورى ويلزم التمسك به شأن التمسك بالاتفاقية نفسها . وفوق ذلك فان التجمع بهذه الخطوة يسدي خدمة للطرفين ومايفعله يفيد المسار الديمقراطي وعملية التحول الديمقراطي . ويؤكد على تمسكه بوحدة كل الفصائل بداخله ايمانا بضرورة ذلك فى هذه المرحلة الحساسة من التاريخ السياسي للسودان . ولذلك فان اتفاق القاهرة الذى سبق وان وقعه الجانبان الحكومة والتجمع الوطني بالاحرف الاولى يتطلب قدرا من الحصافة والواقعية السياسية لتجنب مخاطر تمزيق السودان . انها ايام بل ساعات تفصلنا عن لحظة تاريخية وقرار سياسي حاسم عليه يتوقف مصير السودان كله .


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved