السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

عادل القصاص والوصف في صور زنكوغرافية ليوم عادي .. بقلم أحمد ضحية

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
6/12/2005 12:57 م

عادل القصاص والوصف في صور زنكوغرافية ليوم عادي ..
أحمد ضحية
[email protected]

عادل القصاص , احد القصاصين المميزين الذين افرزتهم, مرحلة التحولات الحداثية, في القصة القصيرة في السودان . وقد بدأ في نشر انتاجه القصصي, منذ اواخر الثمانينيات من القرن الماضي , وهو من القصاصين الضنينين بالنشر , كما وصفه القاص بشرى الفاضل ...
القصة موضوع قراءتنا " صور زنكوفرافية ليوم عادي ..(1) " واحدة من قصصه المتميزة , اللتي حملتها مجموعته " لهذا الصمت صليل غيابك" .. وكنا قد قدمنا من قبل , متابعات نقدية حول قصته " ذات صفاء , ذات نهار . سادس اخضر (2) الى جانب قصته " نشيد التماسك (3)" , تمهيدا لنشرها في ادب ونقد . ولكن يبدو انها ضاعت ,مع كثير من الكتابات التي تضيع في المنافي , فسمة المنافي التنقل الدائم وعدم الاستقرار .
الوظيفة التي يلعبها الوصف في النص القصصي , ظلت تجد اهتماما مستمرا , لدور هذه الوظيفة في : التفسير والترميز معا - فهي ليست مجرد حلية للاسلوب كما كان يعتبرها النقد القديم , ولاهي بمثابة تجميل للقصة فحسب - اذ يتحرك الوصف فيما يحيط بالشخصية , او المكان ليكشف عبر توصيفه المكان او الاشياء التي توجد فيه , عن التركيب النفسي للشخصية , مشتغلا في التبرير لسلوكها - الشخصية - ..
فوظيفة الوصف رمزية وسببية , كما انها ايضا نتيجة " ويعتبر الوصف, عنصرا ذا اهمية حيوية, في العرض. بخلاف ما كان عليه, في العصور القديمة , وقد انتهى هذا التطور, الى غلبة العنصر الروائي في القصة , اذ وظف له العنصر الوصفي, الذي فقد ما كان يتمتع به من استقلال ,مقابل اكتسابه للاهمية الدرامية , غير ان هناك بعض المحاولات القصصية المعاصرة, تهدف الى تحرير الوصف ,من سطوة الحكاية , عن طريق بناء ما يسمى ب "الحكايات الوصفية" (4)" ..
والراوي في هذه القصة : ( صور زنكوغرافية ليوم عادي ) - هذا اليوم غير العادي في واقع الامر , فالمفارقة انه في مكان مثل البلاد, محل هذه الوقائع يعد عاديا, نتاج تراكم العسف والقمع الناهضان في التجسس, وحركة اجهزة الامن. كما حددت اللغة الوصفية المشحونة, بالوقائع والاحداث والانفعالات !! - , يتم تقديمه لنا عبر الوصف - منذ الاستهلال - الدقيق , لصور واقعية مشحونة ومحتقنة , لمشاهد من الحياة اليومية . يصف فيها : حالة متوترة لبطل المشهد الاول ( انحنى بزاوية حادة نحو الارض . جهدت يده اليمنى في محاولة جادة لالتقاط كتاب, من وسط الكتب ,التي كانت تفترش الارض ,بطريقة حاول فارشها ان تبدو قدر الامكان , متسقة . وباسلوب فوضوي اقرب للتشنج , وباتحاد عشوائي, مع قدميه النابت منهما ساقان مرتجفتان , راحت يده اليسرى. تحاول منعه الانكفاء, على وجهه . حينما كانت اليد اليمنى, تلامس الكتاب , امتدت ثلاث من اصابعها, بالانكماش نحو الراحة . وبينما افلح الابهام والسبابة, في التقاطه , تحولت الزاوية الحادة الى منفرجة .. فالى وضع طبيعي (5) " ..
فعبر هذا المقطع الوصفي , نستطيع تحسس مدى اهتمام بائع الكتاب بالنظام . ومدى الجهد الذي يبذله, هذا المشتري للحصول على الكتاب . حيث يعبر الوصف عن حالته النفسية .. حالة التوق لتحقق الامتلاك. فالوصف هنا, يقدم لنا موضوع الاستهلال , وفضاؤه واشياؤه , في بطانة من الحمى والمقاومة .
فالقصة كلها تنهض في مناخ العسف, والرقابة والخوف. بكل ما يعتمل في الوجدان, من حذر وترقب الاعتقال.. فهذه الحمى تتحكم في مسيرة, بطل القصة وهو ينتظر الحافلة, او يركبها متخللا الزحام, باحثا عن موطيء قدم ,او وهو يستيقظ من نومه, ليمضي الى مساعدة عم خضر او لعب الدومينو, مع عم جابر او وهو يتبادل المثاقفة, مع اصدقاءه حول: الكتابة و الكتاب والموسيقى, والغناء والحياة والناس. والاجتماعي المأزوم الذي يتخلل كل ذلك . الى ان يتم اعتقاله في المشهد السادس .
تمر كل هذه المشاهد عبر الوصف, متخللة الوحدات السردية الصغرى, بروح البوح المعطون في التساؤل , محمولة على اكتاف اللغة المجازية , بكل ما تحتوي على طاقة انفعال . لتشكل مجالا ديناميا, يمثل فيه البطل الذي تعرفنا عليه ,ابتداء من الاستهلال , مركزا لاحداث ووقائع الفضاء القصصي , اذ يلقي بظلاله على مشاهد الحياة الاخرى " كان ركاب عربة البوكس صامتين , يحاولون تجنب النظر الى بعضهم ,بالالتفات يمينا او يسارا, او بانكفاء رؤسهم على صدورهم, الا من اختلاس النظر, بين لحظة واخرى, الى وجهي فتأتين ,كانتا من ضمن الركاب . وحينما تركت العربة شارعا, ذا اشجار ضخمة وعتيقة , منتقلة الى شارع ذي بنايات حديثة وسامقة , قالت احدى الفتأتين للاخرى الجالسة بجوارها : - انني بعد كل محاضرة , ازداد اعجابا واحتراما للدكتور مكي, ارأيت كيف ناقش اليوم, أزمة المثقف السوداني ؟ .. - ولكن الا ترين معي, ان رؤيته للمسألة كانت ممنهجة بصرامة ,ومتطرفة اكثر من اللازم ؟ .. - وهذا ما نحتاجه حقا في هذه المرحلة . - معك حق. ففي مثل هذه الظروف ,لسنا في حاجة للحلول الوسطى . . انتبهت اذنا شاب كان يجلس قبالة الفتأتين . انتقل الانتباه الى عينيه. مسح وجهي الفتأتين بنظرة مستقيمة . وبلا تفكير , وبطريقة آلية , تحولت نظراته الى وميض غريب . توقفت العربة, في المحطة النهائية . نزل الركاب . اشعل الشاب ذو النظرات ,ذات الوميض الغريب .سيجارة ثم سار خلف الفتأتين (6)" ..
وهكذا يختم القصاص يومه غير العادي , بمتابعة رجل الامن للفتاتين . . ان غلبة الوصف في نص ( صور زنكوغرافية ليوم عادي ) على السرد , تأتي بابراز عالم الاشياء و شحن هذه الشخصية بمزيج من المشاعر المتناقضة , لتكون الشخصية بهذا التركيب النفسي المعقد , معادلا موضوعيا لمتناقضات الواقع الحي المعاش ..
وكل ذلك عبر وظيفة الوصف . . الى ان تختم القصة ببناء الوحدات السردية المقتطعة ,من مشاهد الحياة الواقعية , من حيث حركة الاحداث .. اذ يمهد القصاص, لكل حدث . بمناخاته الشعورية. ما يجعل الشخوص, اكثر قدرة على مواجهة مصائرهم المأساوية .

أحمد محمد ضحية
القاهرة في يونيو
2005

هوامش :
(1) عادل القصاص. لهذا الصمت صليل غيابك. الشركة العالمية للطباعة والنشر 2002 . ص : 23
(2) كتابات سودانية " كتاب غير دوري " العدد 22 ديسمبر 2002 ص :123
( 3) ثقافات سودانية " كتاب غير دوري " المركز السوداني للثقافة والاعلام .العدد الخامس 1999. ص : 108.
(4) د . صلاح فضل . نظرية البنائية في النقد الادبي . مكتبة الاسرة مهرجان القراءة 2003. ص : 295
(5) عادل القصاص " مرجع سابق " . ص : 23.
(6) نفسه ص : 31/32

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved