السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

من ينقذ اشجار الحراز من الابادة الجماعية بغرب دارفور ؟ بقلم : يونس عبيد عبدالرحمن ابكر

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/4/2005 10:15 م

قضية دارفور المعقدة الشائكة بصدق وامانة وما من موضوع بشأن دارفور الا وانبرت له بصدق الكلمة وامانة المهنية الصحفية حتى صارت هذه الجريدة جريدة جاذبة للقراء والمهتمين بقضية دارفور ووحدة السودان الواحد وكغيرى من ابناء دارفور والسودان ادلو بدلوى في هذه القضية التى شغلت الرأى العام العالمى والاقليمى والمحلى ايما انشغال حتى صارت قضية دارفور القضية العالمية رقم (2) بعد العراق، تتجاذبها الاذاعات والفضائيات العالمية والمحلية على رأس كل ساعة واصبحت كالملح لطعم الملاح في اخبار الـ BBC واذاعة ام درمان، ووسط هذا الزخم الاعلامى وصل قطار التدويل في دارفور بسرعة القطار الكهربائي لا بسرعة القطار الحديدى التقليدى الذى نعرفه في السودان لاننا تعاملنا مع هذه القضية بسرعة القطارات التقليدية.
واذا كان الناس قد تناولوا هذه القضية كثيراً فقط من ابعادها وزواياها الانسانية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية والسياسية وما تعرض له انسان دارفور من انتهاكات ومآس من خلال تلك الابعاد والزوايا ولهم الحق في ذلك لان الانسان اولاً ثم ما حوله من بعد كما قال تعالى (ولقد كرمنا بنى آدم وحملناه بالبر والبحر ورزقناه من الطيبات وفضلناه على كثير مما خلقنا تفضيلا).
فان انسان دارفور قد نزح وهجر وترك وراءه كائنات حية اخرى كانت تعيش معه حياة هانئة وآمنة وتتعرض هذه الكائنات الان لابادة جماعية من ذات العناصر المتهمة بالقتل والحرق والسلب والنهب، واعنى بهذه الكائنات الحيوانات الوحشية والاشجار او الغابات الشجرية التى كانت تعيش مع الانسان جنباً الى جنب تشكل معه توازناً بيئياً، اما الحيوانات الاليفة فقد سرقت ونهبت ومنها ما فر مع الانسان كالدواب اما الوحشية قد هربت ودخلت الجحور او صعدت الى قمم الجبال في جبال بوم وكوتو اما الحمام والطيور الاكثر حظا من بقية الكائنات لحماية نفسها قد طارت الى سفوح الجبال والوديان والسهول الرطبة.
لكن الاشجار ظلت ساكنة هادئة لانها لا تعرف الهروب والجرى والطيران وتتعرض الان لابادة جماعية ومن هذه الاشجار التى تتعرض الان بصورة جنونية لابادة جماعية شجرة الحراز الميمونة، واسميها شجرة ميمونة لان لها ميزات اقتصادية واجتتماعية جمة ومن هذه المميزات الاقتصادية ان شجرة الحراز في فصل الصيف تثمر وتخضر وتوفر غذاء وعلفا قيما للثروة الحيوانية الابل والمأعز والضأن والابقار وفي فصل الشتاء تمدنا شجر الحراز بالعسل حيث اصحاب التناقل من فوق وفروع شجرة الحراز يستخرجون العسل الابيض وهو مورد نقدى ومادى لمواطنى مناطق بنس ومكجر وام دخن وكبم وفور برنقا.
وفي فصل الخريف تحت شجرة الحراز اوراقها ليكون سمادا طبيعياً للارض المزروعة من تحتها وحولها وليس لشجرة الحراز ظل في فصل الخريف لتمنع النبات من عملية التمثيل الضوئي من تحتها بل تتم عميلة التمثيل الضوئي كما لو كان النبات معرضاً للشمس تماما.
اما ميزاتها الاجتماعية فانها توفر لنا الظل الظليل في فصل الشتاء والصيف فسكان تلك القرى في تلك المناطق لا يحتاجون للصيوانات والرواكيب لاقامة مناسباتهم في الافراح والاتراح بل يتظللون بظلال شجرة الحراز الميمونة فهذه ميزة اقتصادية ايضا فضلا عن الميزة الاجتماعية.
فالابالة والجمالة والبقارة الذين يحلون في تلك المناطق في مساراتهم في الشتاء والصيف يتخذون من قعور وظلال اشجار الحراز بيوتاً ظليلة وآمنة، كل هذه مزايا اقتصادية واجتماعية لا تتوفر في أي شجرة من الاشجار نعرفها في تلك البقاع، بالطبع هناك اشجار اخرى لها مزايا اقتصادية واجتماعية كشجرة السدر والهجليج (اللالوب) والعرديب والحميض تتعرض ايضاً لابادة جماعية مع رصيفتها الحراز ولكن بدرجة اقل من ذلك.
اكتب هذه المقالة عن الابادة الجماعية لشجرة الحراز في غرب السودان لا عن قصة حكيت لى ولا عن رواية رويت لى ولا عن سماع سمعته ولكن عن مشاهدة حقيقية شاهدتها بام عينى بكت لها عينى (والذى رأى ليس كمن سمع) كان هذا في يومى 2-2-3/3/2005 وانا مسافر في رحلة طويلة على متن بص من نيالا الى مورنى لزيارة اهلى وعشيرتى التى نزحت من مناطق دريسة وترجا ودار كورنى ودار كرنى ودار بتلا في محلية زالنجى ومن مناطق زامى بايا في محلية وادى صالح الى مورنى وعبر هذه الرحلة الطويلة شهدت بين سرنج وتولولو وبين سلو ومارا ومومو قرنا على سهول وضفاف وادى ازوم ووادى بارى شاهدت غابات شجرة الحراز والسدر تقطع وتبتر بتراً كاملا من ساقها بلا هوادة ولا رحمة لقد قطعت هذه الاشجار في شهر نوفمبر وديسمبر ويناير وهى حبلى بالنوار كادت لتعطى الثمار في شهر مارس ولكن الأبالة والجمالة قطعوا هذه الاشجار بهذه الكيفية القاسية وهم اكثر الناس استفادة منها اقتصادياً واجتماعيا وما ان نظرت لهذا القطع تألمت وتحسرت وسرعان ما تيقنت ان هذا القطع لم يكن قطعاً طبيعياً وكأنما القاطع يعبر عن شئ في نفس يعقوب ولماذا ؟ كل هذا النفس والكيد لشجرة تعطيك الثمار والظل الظليل وهى سبب جودة وسماحة ثروتك الحيوانية أيخرب الانسان ماله وثروته ومرعاه بيده ؟ هل تعلم يا اخى القارئ ان هناك حوالى (3.000.000) ثلاث ملايين شجرة حراز تعرضت وتتعرض الان لابادة جماعية في غرب دارفور في محلية زالنجى في كوجا على ضفاف سهول وادى ازوم ووادى اريبو وفي مناطق مكجر وبندسي بين سهول ووديان وادى صالح ودبرى وبين مناطق ارتالا وكبار ومناطق دليج وارولا وبين مناطق قرسلا وعمار وكردل في محلية وادى صالح وبين تولولو وسلو ومارا في وديان وسهول منطقة ترجا ودريسة وتنكو وعموم دار زامى بايا وزامى تويو وفي دار مساليت وبين فور برقنا وهبيلة وبين مورنى وتلس وبرو مدينة بمحلية الجنينة.
فعندما اقتربنا من مشارف مورنى بدت لنا ارضا جرداء ورجالاً يتجولون على ظهور حميرهم يحملون الفؤوس بحثاًَ عن اشجار اللالوب لقطعه لعمل الفحم وهؤلاء هم الفحامة من النازحين من معسكر مورنى يقطعون اشجار اللالوب لعمل الفحم للحصول على مصاريف الحياة اليومية ولا مورد مالى لهم في هذا المعسكر للاعتماد على موارد الغابات من فحم وحطب وقش.
فهذه ظاهرة اقتصادية اوجدها النزوح على حساب غابات الهجليج، يا اهل الغابات المركزية والولائية انقذوا هذه الاشجار الكريمة من هذه الابادة الجماعية. اذن فماذا تعنى هذه الابادة الجماعية لهذه الغابات الشجرية في هذه المنطقة يعنى ذلك تغيير طبيعة المنطقة بحدوث التصحر وازالة خصوبة تربتها تدريجياً واخيراً فقدان الراعى لمرعاه السنوى الجيد الذى يتجول فيه في مساراته الخصبة من الشمال والجنوب ومن الجنوب الى الشمال وتقليل الانتاج الزراعى الذى يزرع تحت ظلال هذه الاشجار واراضيها الخصبة كما اشرنا الى سر خصوبتها في صلب هذا المقال.
كل هذا حصل وشهدناه بام اعيننا والسؤال المهم ليس لماذا وكيف يحصل هذا انما السؤال المهم ماهو الحل الناجع والموضوعى لهذه المعضلة الكبيرة ؟ في رأيى ان الحل يكمن في اطارين اطار بعيد واطار قريب فالاطار القريب هو توعية وارشاد الراعى بقيمة الارض والطبيعة التى يرعى فيها من خلال زعماء الادارات الاهلية للأبالة والجمالة، لان الذين يقطعون هذه الاشجار بهذه الكيفية ليس هم الزعماء ولا الكبار من الرعاة انما الصغار الذين يطلقون الابل والجمال على المراعى لمسافات وازمان طويلة لا رشيد ولا رقيب عليهم ولكن يقولون ما يفعله الصغير ويخرس عنه الكبير انما ذلك من فعل الكبير فهل هذا صحيح يا اهلى الكبار من زعماء ادارات الابالة وهل صحيح ان الابل والجمل هي سبب التصحر في كل بقاع العالم في الجزيرة العربية والصحراء الكبرى على مر الازمان والدهور ؟
وهذا سؤال علمى كبير يعرفه علماء الجغرافيا والطبيعة اما الحل الثانى في اطاره البعيد فيكمن في التعليم فاذا كان هذا الراعى متعلماً ويعرف قيمة الارض والوطن وقيمة مواردها الطبيعية الذي توارثناه جيلاًُ عن جيل لما فعل كل هذا فالامية والجهل هو اساس هذه المعضلة فبدون محاربة الامية والجهل لا يمكن ان نحارب ونتخلص من هذه الظواهر الاقتصادية والاجتماعية السيئة لذا فاننا من خلال الحل البعيد ننادى اول ما ننادى به اعادة انشاء مدارس الرحل الراحلة والسايرة مع الابل في دار كبابيش خرجت جيل من الرعاة المتعلمين الواعين لقيمة الجمل والابل وقيمة الارض والطبيعة التى يرعى فيها هذه المدرسة خرجت امثال محمد على التوم وابراهيم على التوم وجامع على التوم ود. على فضل الله والادارى المرموق المعروف حمد على التوم خريج مدرسة حسن نجيلة رأيته وقابلته بالطويشة بعد التقاعد يرعى ويسرح بابله سائراً من دار كبابيش عبر دار برتى ودار زيادية ودار الميدوب دون ان يوسوس له نفسه لقطع شجرة واحدة عبر هذه الرحلة الطويلة.
نموذج مدرسة حسن نجيلة الراحلة ليس كمدرسة الراحل اليوم التى تسيست في الدمر وصارت اشبه بمدارس القرى ومدارس المدن المستقرة في الدمر فالذى ينقل من مدرسة المدينة او القرية الى مدرسة الرحل لولاء سياسى وهو لا يعرف شيئاً عن البادية وطبيعة الابل التى يرعى فيه وكيف يتعامل مستقبلاً مع هذه الموارد وهذه الطبيعة ؟
قصدت بهذه المقالة ان اتناول جانباً من جوانب افرازات الصراع في دارفور وما خلفتها من آثار سالبة شملت كل النواحى الانسانية والاجتماعية وحتى الطبيعية والتى تناولت جزء منها بوضوح وتفاصيل وارقام في هذه المقالة لقد انهمكت وانشغلت الحكومة في الآونة الاخيرة بالتعايش السلمى والعودة الطوعية للنازحين وتكوين لجان ووفود لها ولكن بلا جدوى لان مثل هذه المظاهر والمناظر من الابادة والقطع الجائر من الاشجار لا تساعد على العودة الطوعية والتعايش السلمى على اعتقاد ان هذا القطع الجائر مصحوباً ومدعوماً بالقوة المسلحة بمباركة الحكومة، فعلى الحكومة ان تلتفت لخطورة هذه الظاهرة وتعالجها باسرع ما يمكن كواحدة من الجهات الدافعة للتعايش السلمى والعودة الطوعية لحل قضية دارفور من جذورها بدءا بوقف هذا القطع الجائر والابادة الجماعية لشجرة الحراز وذلك بتكوين لجان عاجلة وناجزة تضم زعماء الادارات الاهلية لتلك المناطق وزعماء ادارات الرحل من الأبالة والجمالة وادارة الغابات الولائية والمركزية وهذا سيكون خطوة مثلى لمعالجة القضية في اطاريه القريب والبعيد.
وبالله التوفيق

ضابط ادارى ـ ولاية الجزيرة الان

ـ عمل في دارفور اداريا منذ 1982-2001


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved