السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

مجموعة أحمد ضحية القصصية القصيرة : ( نافذة للحنين .. نافذة للشجن).

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/31/2005 1:38 ص

مجموعة أحمد ضحية القصصية القصيرة : ( نافذة للحنين .. نافذة للشجن).

وأكتشاف عوالم ما زالت طازجة في الروح ..

شعبان يوسف(*)

أكثرمن فرح ينتاب المرء عندما يكتشف أن مظلوما قد أنصف , وقررت العدالة ان تعيد له بعض حقوقه , وأنه على وشك ان يهشم القضبان التي سيجت حريته وبالتالي جماله وتشكلاته ..
هذا الفرح المتعدد أخذني رويدا رويدا ثم بقوة وأنا أقرأ هذه المجموعة القصصية المتميزة : ( نافذة للحنين .. نافذة للشجن ) للكاتب السوداني الصديق ( أحمد ضحية ) .. وأسباب هذا الفرح – كما قلت – متعدد لانه في الأونة الاخيرة , التي تربو على عقدين أن الزمن زمن الرواية , وطبق نقاد وكتاب وصحافيون هذا الشعار على الحياة الابداعية السردية في مصر , والعالم العربي , وأصبح الاهتمام بالرواية , اهتماما بالغا ورئيسيا , وأقيمت مؤتمرات هنا وهناك للرواية , وأنشئت مسابقات ووهبت جوائز وصار اهتمام النقاد الاول بهذا الفن , وانتقل هذا الاهتمام الى الكتاب انفسهم , فما من كاتب او كاتبة يصدر مجموعة قصصية الا ولاحت له في الافق" فكرة رواية " فينتقل تماما بكل آلياته وتقنياته الى فن الرواية وغالبا – دون عودة – والشواهد كثيرة , وتحتاج الى فحص عميق , وعادة ما يكون الانتقال انتقالا شكليا , تحت اعتقاد أن الرواية سوف تدخل بكاتبها الى هذا العرس المقام على مدى الوطن العربي ككل , والذي جذب له كل دوائر الاهتمام .
لذلك كانت مجموعة (أحمد ضحية ) القصصية بمثابة فرح أول , اما ثاني هذه الافراح واسباب البهجة , أن الكتابة هنا تتسم بطزاجة غير معهودة , وكتابة ليست منهكة , فنحن امام كاتب يقدر على تطويع مفرداته وجملته في سياق متماسك لينتهي بنا الى (قصة قصيرة ) أو ( أقصوصة ) أو (قصة طويلة ) شديدة التميز , وهو قادر على المزج بين خبرة الانتقاء وطزاجة المنتقى , أى الاحكام الصارم , وبكارة الحكاية . ويستطيع ان ينقل لنا الحال , التي تنطوي عليها القصة او ابطالها من وجع كان ام بهجة , وفي الوقت ذاته دون أن تفقد جماليات فن القصة القصيرة , هذا الفن الذي يعتمد على التكثيف والدقة والحذف والايحاء في مواجهة التمطيط واللاتحديد , والاسهاب والشرح .
ومن التصدير الذي يحمل عنوان : ( تداع ) تتضح الخيوط الأساسية التي تنطوي عليها القصص , ففي هذا التداعي يعمد الكاتب أن يضمنه تعريفات عديدة مثل :" زمن العرافين قد ولى ) ويؤكد على" أن جيلنا هو جيل الشك " , ثم يهدي المجموعة الى أهله في تلك البلاد البعيدة , التي تسمى :( وديان الدم : دارفور..) ثم اهداء اخر الى اهل البلاد الكبيرة ( السودان ) والى (مصر) التي احبها , ولا ينسى الكاتب أن يقتبس من الشاعر العربي محمود درويش مقطعا شعريا يقول في مطلعه :" لم يبق لي , غير الذي لم يبق لي ..
تعب المغني والمحارب.. فليستريحا ..." ..
ليس عبثا أن تأتي كل هذه المعان في هذا التصدير , الذي أطلق عليه الكاتب " تداع" . فهذه المعاني التي توحي بالغربة والاغتراب والنفي والفقد والتعب وانشاد الراحة والشك وانتهاء أزمنة اليقين , كلها تتمدد بتفصيلات سردية وجمالية في قصص المجموعة , ومنذ القصة الاولى (الصفر) والتي يستدعى فيها الكاتب طاقة الفلكلور , وامكانيات تطويع جمالياته لجماليات القص دون افتعال او تزيد او اقحام , ولكن هناك انسجاما – كما يقول النقاد – بين المبنى والمعنى , وامتزاجا بين الشخصية وما تفعل أو ما تقول , فخديجة التي تحاول طوال الوقت – الذي استغرق عمرها كاملا – أن تنأى بنفسها وروحها عن مواطن الزحام ومواطن الارتباك , يختار لها الكاتب أغنية – أظنها شعبية – لتناسب وتتسق مع حالها .. تقول الاغنية ( الزارعينا في كبد البوصة
ني ني مو نجيض
الطير كلي البرسوسة
الزارعينا في كبد الغابة
ني ني مو نجيض
الطير كلي الورتابة ..) ..
ويستطرد الكاتب :" وظلت هذه الانشودة تعزية وحدتها , منذ ذلك الوقت . وكانت حين ترغب في فصل نفسها عن العالم حولها , تتوغل متسحبة الى داخلها , وتدخل في حالة لا شعورية , وتبدأ في ترديد انشودتها المحببة .." ..
الشعور بالوحدة واللاأمان , يدفع خديجة للاحتماء بتذكارات شعبية , لتؤنس هذه الوحدة , انها تقاوم بالاناشيد والاغاني ونصائح الجدة التي ( تخط الودع , وتقرأ الكف , وتضرب الرمل , وتفتح الكتاب ..) ربما يكون في كل ذلك هذا الظل الذي يحمي خديجة من هذه الحياة الجافة , أو الحياة التي تجعلها (صفرا)..
وفي القصة التالية( أغنية لطائر الحب والمطر ) تلعب القمرية دور التلطيف , أو التخفيف بين بطل القصة وأيمي حبيبته , هذا البطل الوهمي , والفارس المهزوم , والذي استيقظ من غفوته , فانتبه لعصاه التي تحطمت بفعل السوس والأرضة , الا رمزا لشكل حياة كادت ان تتهاوى , بل هي تهاوت بالفعل , ولكن البطل يحاول طوال القصة أن يعتصم بالحب والود والوئام والنبل , هذه المعاني التي أصبحت نائية عن الحياة , ولكن الراوي ينشدها , ويأمل في استقطابها , ويخلق لها مناخا يمكن أن تحيا فيه , وينهي القصة بعبارات وكلمات تعبر عن هذا الاصرار , على معنى أساسي وهو ( ان العالم يمكن أن يكون جميلا ..) .. تقول الكلمات :" كان المطر قد توقف منذ وقت ليس قصيرا . حنت ايمان رأسها في حياء . غردت القمرية كما لم تغرد من قبل , ثم طارت تابعتها بنظراتي وهي تنسرب بجناحيها في الفضاء اللامتناهي .. تتضاءل .. تتضاءل أكثر فأكثر .. غابت تماما وأحتوانا الطريق .." ..
ولا تفلت قصة( النوة ) من هذه المعاني التي يريد أن يؤكد عليها الكاتب , وعندما أتحدث عن المعاني فأنا لا اقصد أن هذه المعاني منفصلة عن الجماليات , فلا يوجد معنى مجردا عن جماله وصوغه . وتماسك بناءه ورقة او حدة ألفاظه , وسلاسته او تراكيبية لغته , والكاتب يوغل في كل ذلك ك"مجرب قديم" قد خبر امكانيات اللغة , وكيف يقود مقاليدها .
اما القصة التي تحمل المجموعة عنوانها :" نافذة للحنين .. نافذة للشجن " يستخدم الكاتب خبراته بشكل رائع , وينسج عالما شفيفا بين رجل مقيم , ولكنه قلق , وصديقته البعيدة التي ودعها منذ زمن , ولم يستطع ان يعيد بينهما العالم كما كان , فينسج من تلك المسافة , عالما مليئا بالشجن والشعور بالفقد والحنين , وربما الخوف وايضا هذا الوتر الدافيء المشدود بينهما . فعليه تعزف كل الالحان وتنطفيء كل هذه النيران المشتعلة بالروح , عندما يظلهما سقف وتحميهما جدران , وينهي القصة بفقرة ليست موجعة فقط , ولكنها مبهجة ايضا . ففي شقته الصغيرة ب " الاندلس" – كما يقول – أجلسها على حجره " وناما بعد ذلك متصالبين , يصلبان حرمانهما .ز عجف الزمن .. جور الناس .. وقسوة الحياة .. خواء الغربة , وألم الذكريات .. يصلبان اوجاعهما المقيحة في وجدانيهما المنهكين .."..
أيضا تنتهي الى أن الخلاص من كل العذابات يكمن في الدفء .. في التواصل الانساني .. وفي الاجتماع البشري العادل . هذا الاجتماع العادل الذي لا يتحقق بسهولة ويسر ..
وفي أقاصيصه القصيرة جدا , يبدو هذا الافتقاد للعدل وللتواصل وللدفء واضحا جدا . وتنكشف هذه المعاني بشدة .. ففي قصة (أطفال) عندما يصرخ الاطفال بسواد الانسان وينادون ( بونقا بونقا .. شيكولاته ..) .. يشعر بهذه العنصرية التي تنبت عند الانسان منذ الصغر , فيتذكر وطنه وهو يتمتم ( أنه ثمن الغربة ..) !!..
وعندما يذهب الى الحائز على جائزة نوبل , لاجراء حوار صحافي معه , يكتشف أنه ليس علما بل مجهول , فيتأكد تماما أن العالم مفكك وغير متواصل , وغير دافيء , فيشعر بالاحباط الشديد ..
وفي قصة (أصدقاء) ذات المعاني تتكرر في جمل وعبارات توحي وترمز ولا تشرح ولا تسهب ولا تطيل ..
تأتي قصص (أحمد ضحية) في لغة وكأنها لغة بكر , تبتعد كثيرا عن اليومي والمستهلك , فهو مغرم وعاشق للابتكار والنحت , وكما أسلفت يتناسب اللفظ مع المعنى تماما , أنه كاتب موهوب وجميل ..
أما فرحي الاخير .. فالكاتب يفتح لي بوابة للابحار في مياه السرد السوداني , هذا السرد الذي تعطلت معرفتنا به لاسباب كثيرة , منها المتعمد ومنها العفوي وآمل أن نتعرف على هذه الارض السودانية الحبيبة والحميمة , عبر هذه الكتابات الطليعية الجادة .
(*) شعبان يوسف شاعر وناقد مصري ( رئيس منتدى ورشة الزيتون).


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved