السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الاسلام السياسى الى أين؟ فهم الجهاد العصرى بقلم الدكتور محمود مامدانى: Foreign Affairs, Jan/February 2005 ترجمة عباس احمد النور-دبلوماسى سابق بالخارجية السودانية

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/28/2005 11:50 م

الاسلام السياسى الى أين؟
فهم الجهاد العصرى
بقلم الدكتور محمود مامدانى: Foreign Affairs, Jan/February 2005
ترجمة عباس احمد النور-دبلوماسى سابق بالخارجية السودانية

النظر الى الجهاد العصرى على انه ببساطة امتداد ثقافى للاسلام خطأ شائع يؤسف له.كتابان حديثان الفهما قيلس كبل و اولفر روى يقدمان
توضيحات تاريخية و سوسيولوجية أفضل لكنهما مجرد بداية.
1-The War for Muslim Minds: Islam and the West.
By Gilles Kepel.
Cambridge: Belknap, 2004, 336pp.
2-Globalizes Islam: The Search for a newUmmah.
By Oliver Roy.
New York: Columbia University Press, 2004, 320 pp.
النقاش حول لماذا حدثت هجمات الحادى عشر من سبتمبر 2001،سيطرت عليه روايات مختلفة "لحديث الثقافة"،وهو المفهوم الذى يرى ان الثقافة أكثر المفاتيح وثوقا لفهم سياسة الشعوب.و على الرغم من اختلافهم،فان مفكرين أمثال صمويل هنتنقتون و برنارد لويس يتفقون فى أن الدين يدفع كلا من الثقافة و السياسة الاسلاميتين،وأن الباعث على العنف الاسلامى هو التزمت الدينى.ان عزو عنف الخصوم الى ثقافتهم يعتبر خدمة ذاتية و يذهب بعيدا فى اتجاه احلال النفس من أى مسئولية.
ان الميزة الفريدة للكتابين الحديثين اللذين الفهما قيلس كبل و اولفر روى أنهما ينقلان النقاش حول صعود الاسلام السياسى الى ما وراء حديث الثقافة.و يسعى كيبل لفهم التاريخ الفكرى للاسلام السياسى و روى لفهم الاوضاع الاجتماعية التى فى ظلها يفكر المسلمون و يعملون.و من بين الاثنين يشق روى طريقه بقوة بعيدا عن" حديث الثقافة" وينبذ " المنهج الثقافى" الذى ينظر الى الاسلام على أنه "الموضوع" و هذا يفترض أنه يحتوى على علاقة بكل انشغال فى الوقت الراهن،من التفجيرات الانتحارية و الجهاد الى الديمقراطية و العلمانية.و يوضح روى أن منهج الثقافة ينظر الى الاسلام ليس "ككيان متميز" و"مجموعة معتقدات متراصة و متماسكة" فقط ،بل يحيل الاسلام الى مفهوم تفسيرى لكل شىء تقريبا يشمل المسلمين.
و يجادل روى أن الميزة الاكثر أهمية للقرآن ليس ما يقوله حقا بل ما يقوله المسلمون عنه.و يلاحظ روى :"ليس مدهشا أن يختلفوا،بينما كلهم يؤكدون على أن القرآن بلا غموض أو التباس و أنه واضح المعالم".و مثل متبعى منهج الثقافة ،فان كيبل و روى يدرسان بعناية الخطاب الاسلامى بشأن كل من القرآن و بقية العالم.لكنهما يفهمانه على أنه نتاج قوى كثيرة، بالاحرى التطور الضرورى لمصدره الدينى. و بهذا
يقدمان فهما متفاوت الدرجات للاسلام السياسى و المذهبى أكثر من" أتباع منهج الثقافة".
العالمية
فى وصف تاريخى دقيق و سهل الفهم ،يقوم كيبل بمتابعة مدرستين مختلفتين من مدارس الفكر الاسلامى و هما :المدرسة المغالية فى التزمت،السلفية المحافظة او الوهابية،و الثانية،ذات التفكير السياسى الاكثر،جماعة الاخوان المسلمين.و لاحقا اندمجت هاتان المدرستان لتنتجا هجينا آيديولوجيا الاكثر تماثلا الان مع هوية أسامه بن لادن. ويتتبع كيبل مصادر السلفية الى المملكة العربية السعودية و الى أفكار العالم الثائر محمد بن عبد الوهاب. فى العقد الاول من القرن التاسع عشر قام الوهابيون وبيت آل سعود بتكوين تحالف لبداية مشروع لقيام دولة،وبعد قرن من الزمان اكتمل المشروع.ووافق محمد بن عبد الوهاب على تمجيد الغارات القبلية على الواحات المجاورة ووصف من يقومون بها بالمجاهدين وذلك فى مقابل وعد الملك محمد بن سعود بترقية الوهابية الى آيديولوجية الدولة.ولم يصمد المشروع امام الغزو العثمانى فى عام 1818 ومع ذلك تم احياؤه من خلال سلسلة من الحملات الجهادية يقوم بها اتباع محمد بن عبد الوهاب فى العشرات الاولى من القرن العشرين.فى ذلك الوقت لم يكن الجهاد حالة معزولة،فقد كانت المباركة الوهابية تمنح للاخوان،الميليشيا الدينية للملك سعود كلما القى البريطانيون القنابل ،فقد كانوا يقومون وقتها باحتلال شبه الجزيرة العربية.و بعد الحرب العالمية الثانية حل الامريكيون محل البريطانيين لتصبح امريكا النصير الرئيسى للملكة العربية السعودية.و فى فترة رئاسة رونالد ريقان،الذى كان متحمسا لاستخدام السعوديين كسيوف المبارزة ضد الاتحاد السوفيتى،"رفعت الوهابية الى مقام النظرية اللاهوتية للخلاص-التى تحرر الاقليم من الشيوعية".
ووفقا لكيبل هناك مدرسة ثانية للاسلام السياسى ،أكثر استقلالية و فعالية ،نشأت فى مصر فى العشرينات(s1920)من القرن الماضى عندما قررت حركة الاخوان المسلمين الذهاب أبعد من ممارسة الشريعة الى تأسيس دولة اسلامية كاملة.و كان شعارهم "القرآن دستورنا".انضم الاخوان الى ثورة الضباط الاحرار بقيادة جمال عبد الناصر التى أسقطت الملك فاروق فى عام 1952،لكن سرعان ما انفض التحالف.وأجبر القمع الاخوان ،فى مصر أولا ثم فى العراق وسوريا البعثيتين ثانيا،على الانتقال الى المملكة العربية السعودية فى السبعينات من القرن الماضى حيث تحالفوا مع الفلسطينيين المتدينين الذين كانوا متضايقين من الوطنية العلمانية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتدريجيا سيطرت جماعة الاخوان المسلمين على الحياة الثقافية السعودية ورتبت نفسها لتشكل الصحوة السياسية و الدينية فى البلاد بعد الثورة الايرانية فى عام 1979.ونمت قوتها مع الهجوم على الحرم المكى فى العشرين من نوفمبر من ذلك العام ،الذى وضع الوهابيين فى موضع الاشتباه الرسمى.أعقب ذلك"صحوة" دينية و فوران للشباب الثائر شبيه بالثوار الايرانيين الذين جمعوا بين فن الخطابة الشيعية التقليدية وموقف العالم الثالث ضد الامبريالية(مصورين المسئولين السعوديين كتابعين للامريكان مثلا)،وخلطوا فعالية و ناشطية الاخوان المسلمين مع السلفية المتصوفة،صانعين بذلك" مزيجا متفجرا، يتفجر بعنف فى كل مكان من الاقليم و فى كل العالم".وكان التأثير مهما.وكما يشير كيبل،فى الثمانينات وبعد افغانستان،صار الجهاد عالميا. ولم تكن هذه النقلة توسعا فى كفة الميزان فحسب ،بل كانت أيضا نقلة حاسمة فى الاستراتيجية و التكتيك.أنظر مثلا ،الكتاب ذا النظرة المستقبلية الذى كتبه المصرى أيمن الظواهرى،الساعد الايمن لبن لادن:"فرسان تحت راية الرسول" الذى يعتبر البيان الشامل الاكثر رسوخا سياسيا حول الجهاد العالمى،ولا يوجد منه نص بالانجليزية حتى الآن لكن كيبل ترجم منه أجزاء مهمة.يبدأ الظواهرى بدعوة لتغيير هدف الجهاد من "العدو القريب" الى "العدو البعيد"،ويقول،لكى ينجح الجهاد فانه يحتاج الى قيادة جديدة تكون"علمية،متحدية ومنطقية"بما يكفى، لاعادة النظر فى العلاقات بين "الصفوة"و"الجمهور" وتستخدم شعارات ملهمة.(ويجد انه ما من قضية أكثر تحريكا من قضية فلسطين التى هى القضية المحركة لكل العرب سواء كانوا أم لم يكونوا مؤمنين ).و يوضح الظواهرى لؤلئك المذبذبين فى شأن استعمال الارهاب السياسى أنه جائز ضرب الغربيين وليس فقط حكوماتهم و مؤسساتهم،" لانهم يعرفون فقط لغة المصلحة الذاتية مدعومة بالقوة العسكرية العمياء" و يضيف "نتيجة لذلك، اذا كنا نريد اقامة حوار معهم و نجعلهم مدركين لحقوقنا،يجب أن نتحدث معهم باللغة التى يفهمونها" ويدافع الظواهرى عن الهجمات الانتحارية بوصفها "أكثر الوسائل فعالية لتكبيد الخصوم الخسائر وأقلها كلفة، من الناحية البشرية، للمجاهدين.
الجهاد العالمى ذو الاهداف المختلفة جوهريا يمكنه أن يبرر فقط وسائل مختلفة جوهريا وأن يفرخ منظمات مختلفة جوهريا.لذلك بدلا من البحث عن مجندين جدد من خلال المقابلات الصبورة وجها لوجه كما فعل المجاهدون الافغان فى الثمانينات،عكست قيادة الجهاد الدولى الاسلوب ولجأت لامكانية الانترنيت و الاعلام العالمى،ورتبت للمجندين الجدد ان يأتوا اليها ليكتشفوها،و كما كان متوقعا اثمرت الاستراتيجية تنظيما يتحدى المفاهيم التقليدية.و يشرح كيبل،أن القاعدة"منظمة ارهابية غير حكومية" أو تنظيم غير حكومى،وليست "دولة ذات أرض أو ممتلكات حقيقية يمكن احتلالها او أدوات عسكرية يمكن تحطيمها أو نظام حكم يمكن اطاحته".و نتيجة لهذا،خلصت الولايات المتحدة فى نظرتها للمجموعة الى انها شيئ مادى،وكان لذلك تاثير قليل. ووفقا لكيبل ، فان القاعدة"بشبكاتها للانترنيت و اتصالاتها بالتلفزيون عبر الاقمار الصناعية، و تحويلاتها السرية للاموال ،والسفر جوا لكل انحاء العالم ،وانتشار الناشطين على نطاق يمتد من ضواحى مدينة نيوجيرسى فى امريكا الى حقول الارز فى اندونيسيا" مصممة على ان تكون عصرية ومجددة.
و على خلاف "الثقافيين" الذين يصورون بن لادن ورفاقه كسلالة مباشرة من صلب وهابية سعودية سرية،أو كأشخاص متخلفين يمكنهم الوصول الى التقنية الحديثة، يفهمهم كيبل كنتاج متنوع لتقاليد فكرية مختلفة.هذه البصيرة النافذة تعتبر الفضيلة الكبرى لكتاب كيبل.
المجاز المفقود
مع ذلك،فان عمل كيبل ايضا ليس متحررا تماما من حديث الثقافة .فهو يميل الى أن يربط ذهنيا "العقل" بالغرب و ما وراء الطبيعة (الميتافيزيقا)ببلاد الاسلام.و يقول عن الذين نفذوا تفجيرات الحادى عشر من سبتمبر2001 "هؤلاء المقاتلون الذين تعلموا فى الغرب،لا بد انهم تعلموا الانضباط،التفكير البارع و التدريب على تنفيذ العمليات المعقدة " و"كانوا قادرين على التنقل بين الذهنية المنطقية التى صقلوها خلال دراستهم للهندسة،تخطيط المدن، الطب أو الادارة، وبين الذهنية البديل التى أضفت على الهجمات الانتحارية معنى و قيمة ميتافيزيقية".وللبحث عن هذه الذهنية البديل يفحص بدقة"وصية محمد عطا" حيث يجد الدليل على "الايمان المتعصب" فى الوعد "بالجنة" و الحور العين اللائى يضاجعهن الشهداء، وكما يوضح كيبل "وهن يليبسن أزهى الحلل" و هنا يسقط منطق كيبل. و يتعجب روى، على نحو صحيح، كيف يمكن ان يكون الوعد بالحوريات فى الجنة باعثا للنساء للقيام بالتفجيرات الانتحارية.و على نحو أكثر صلة بالموضوع، لم يكن كيبل فى حاجة للنظر عميقا فى قلب الشهيد ليعثر على مثال معاصر لكيفية امتزاج المصلحة بالايديولوجيا: ففى المحافظين الجدد فى الغرب التوضيح المناسب.ويلمح كيبل الى ان المحافظين الجدد توأم للقاعدة –فكلاهما خارج من الحرب الباردة فى الجانب المنتصر،و يخصص لهما فصلا كاملا فى الكتاب ،لكن اعتماده الاتفاقى على الافتراضات الثقافية أعماه عن المقارنات المهمة بين الاثنين.
ويشير كيبل بحق الى ان المحافظين الجدد كانوا مقتنعين بان اتفاق اوسلو كان فخا،حتى ان بعضهم اعتقد ان "عملية سلام الشرق الاوسط كلها تطرح خطرا قاتلا محتملا للدولة اليهودية" وكان بديلهم للتفاوض اعادة رسم خريطة كل الاقليم من خلال الاحتلال، فى تناظر ساذج مع شرق اوروبا،مفترضين انه اذا ما اطاحوا الجهاز الحكومى فى الدول المارقة فان الشعوب المحررة حديثا ستتقبل الاحتلال بسرور وعرفان بالجميل.لكن كيبل ،على نحو عام، يقصر عن ادراك المتضمنات فى ملاحظته هو نفسه لانه يفترض تطورا خطيا مباشرا من المحا فظين الامريكيين الى المحافظين الجدد مما يحول دون فهمه لما يميز المجموعتين.أليست هى تماما المزيج القوى بين المصلحة الواقعية و الايديولوجيا الاصيلة التى تميز المحافظين الجدد،الذين يصلون جورج بوش برونالد ريجان، عن المحافظين الذين قادوا السياسة الخارجية فى عهد جورج هيربرت ووكر بوش(الاب)؟ و نتيجة لذلك تفوت على كيبل اوجه شبه رئيسية بين المحافظين الجدد و المجاهدين. فعلاوة على مزيج المصلحة والايديولوجيا تشترك المجموعتان فى الطموحات العالمية وفى ايمان عميق بفعالية العنف السياسى و كل منهما يحسب ضمن صفوفه كوادر تحتوى سيرتها الذاتية على مهمات مبكرة فى التروتسكية او الماوية،وكل من المجاهدين و المحافظين الجدد نتاج للحرب الباردة ،عندما كان العنف السياسى مقبولا لدى كل الاطراف العلمانية و الدينية.ان فشل كيبل فى رؤية هذه المشتركات يحد فى النهاية من فهمه لسياسة المجاهدين ، التى هى وريثة ليس لتقاليد السلفية الصوفية والاخوان المسلمين فحسب ،بل ربما بدرجة اكبر للتقاليد العلمانية الحديثة مثل معاداة الامبرياليية فى العالم الثالث و التصميم الريجانى للفوز "بأى وسائل ضرورية".
قد تفسر هفوة كيبل لماذا يؤطر هذا الكتاب بدعوة لا يستطيع فى النهاية تأييدها:"المعركة الاكثر أهمية فى الحرب لكسب عقول المسلمين خلال العقد القادم ،سيكون خوضها ليس فى فلسطين او العراق بل فى مجتمعات المؤمنين فى أطراف لندن،باريس و مدن اوروبية أخرى,حيث صار الاسلام الان جزءا ناميا فى الغرب". ومع انه يشير الى اعدادهم الكبيرة_هناك اكثر من عشرة ملايين مسلم يعيشون فى اوروبا المعاصرة _ الا ان كيبل لا يستطيع تفسير اهميتهم عدا كونهم أحزمة نقل متعددة بين الشرق و الغرب.انه لا يرى مسلمى اوروبا كفاعلين ناشطين يكافحون لتأسسيس مواطنية جديدة فى ظروف غير ملائمة_بعضها ،مثل التمييز العنصرى و البطالة كان مألوفا للمهاجرين الاوائل، وبعض آخر حديث مثل وصمة الثقافة الارهابية .و نتيجة لذلك يقدم كيبل فقط رؤيا مبتذلة للمستقبل ،موحية بالثقافية:هل يجلب هؤلاء المسلمون الى أوطانهم العصرية الاوروبية أم التقوى؟ هل سيكونوا قادرين على تشكيل ايديولوجيا اسلامية ديمقراطية عن طريق الاعتراف بانه فى هذه الاوقات" يأتى الابداع الفكرى و الابتكار من الغرب" وعن طريق بناء علاقات ملائمة مع "حلفاء غير مسلمين"؟
ومع ان كيبل يصف بدقة المناظرات الداخلية للتاريخ الاسلامى ،الاانه يعاملها كانها حدثت داخل حضارة مكبوحة، وبطرحه للاسلام المعاصر كنتاج لتقليد مباشر فهو غير قادر على فهم المسلمين على انهم تاريخيون و عالميون تماما.و حول هذه النقطة ،فان تحليل كيبل التاريخى يتجاوزه منطق روى السوسيولوجى.
مسخ العصرية
فى "الاسلام الكونى" ،يحاول روى تفسير لماذا يكون للاسلام الجهادى رنين فى المجتمعات التى يرن فيها.ويرى انتشار الاسلام الجهادى ك"نتيجة منطقية ورد فعل للتغييرات السوسيولوجية" بدلا من "دليل على دوام القيم الثابتة"(وجهة النظر الثقافية) او كنتيجة تاريخية مباشرة للدعم السعودى و الريجانى للمشروع الوهابى(وجهة نظر كيبل).ويميز كيبل بين المتزمتين الجدد المعاصرين و بين المتزمتين التقليديين ،مثل الوهابيين الذين حاولوا على مدى قرون"فصل الاسلام من الثقافات العرقية" وحاربوا فى كل مكان"الاسلام المحلى"...."الصوفية فى جنوب آسيا ،المرابطين فى شمال افريقيا،موسيقى و طقوس معينة فى كل مكان"وحتى الشافعية،الحنفية ومدارس تاريخية شرعية اخرى.
فى ما يتعلق بروى ،فان اسلام المتزمتين الجدد هو "اسلام الخلاص born again Islam" و بدقة هو نتاج الشتات-(الدياسبورا).
لم تعد المناقشة الدينية حكرا على العلماء ، فالمتزمتون الجدد قد لجأوا للانترنيت و اصبحوا دارسين ايضا.ونتيجة لذلك،"تمت علمنة الدين،ليس بمعنى انه تحت فحص العلوم الحديثة،ولكن للمدى الذى اصبح يناقش خارج اى مؤسسات أو هيئات خاصة".ان ترك المجتمع العرقى التقليدى وراء الظهر، و"اختفاء القيم التقليدية.....وضع الاساس لاعادة الاسلمة" التى اصبحت على نحو عام مشروعا فرديا. "الاحياء الاسلامى يمشى جنبا لجنب مع ظاهرة حديثة هى "ثقافة الذات".ان ذيادة الفردية فى الممارسات قد حثت المؤمنين على احداث مجتمع جديد يتجاوز الحيز الضيق للجغرافيا ،وقد كانت نتائج هذه التغييرات متناقضة .فالذين نجحوا فى التوفيق بين الذات و الدين مالوا الى اعتناق نسخة "ليبرالية" او "اخلاقية" من الاسلام، و الذين لم ينجحوا كانوا ميالين لاعتناق "السلفية المتشددة الجديدة". فى غضون ذلك ،صار البحث "لبناء هوية دينية عالمية،منفصلة عن اى ثقافة مميزة"له ثمنه،لان مثل هذا الاسلام "حسب التعريف :اسلام غافل عن تاريخه الخاص" ونتيجة لذلك،يقول روى"ايضا استلزم البحث عن اسلام نقى افقارا لمحتواه" والنتيجة الساخرة لهذا هى "العلمانية. لكن باسم العصمة و التشدد "
كان لهذا التحول على وجه الخصوص نتائج راديكالية لمسلمى اوروبا وضعتهم بمعزل عن ابناء عمومتهم فى الشرق الاوسط. ووفقا لروى، تشعب الاسلام السياسى فى الدول ذات الاغلبية المسلمة فى الشرق الاوسط بين الاحزاب السياسية و بين الاسلاميين فى الشتات.لان الاحزاب السياسية فى الشرق الاوسط تحركت استجابة لسياسات حكومية خاصة، وفى نهاية التسعينات،صارت الحركات الاسلامية"وطنية اكثر من اسلامية".ونتيجة لتكاملها السياسى "صار العنف المتصل بالاسلام فى الشرق الاوسط فى تناقص منذ عام 1996". ومع ذلك اذداد العنف الاسلامى خارج الشرق الاوسط. والسؤال هو:لماذا فى الغرب على وجه الخصوص؟ و الاجابة كما يغامر روى، هى ان عنف القاعدة عنف دوافعه سياسية وليس دينية.بعد كل ذلك، "لم تستهدف القاعدة كاتدرائية القديس بطرس فى روما لكنها استهدفت مركز التجارة العالمى و وزارة الدفاع-البنتاقون.لقد استهدفت الامبريالية الحديثة كما فعل اليساريون المتطرفون بنجاح قليل فى اواخر الستينات و السبعينات." . علاوة على ذلك، "فان اكليشيه:ليس فى الاسلام فرق بين السياسة و الدين، فى مصلحة السياسى مما يجعل من السهل اعادة تعريف جوهر مضمون الدين واخضاعه للمشروع السياسى كما فعل الجهاديون.حتى الفكرة العامة المعاصرة عن الجهاد ما هى الا انحراف ملحوظ ،ربما تمزق—عن سلفها التقليدى. وهذا ايضا اعيد اختراعه وفقا لمبادىء المتشددين الجدد:بجعله شخصيا ،دنيويا، وتحويله الى اداة سياسية. و يشير روى ، على نحو مخالف للاعتقاد الغربى الشائع، الى ان الجهاد التقليدى ليس احد اركان الاسلام الخمس وانه قد فهم لفترة طويلة كواجب دفاعى جماعى .لكن المتطرفين الراديكاليين العصريين ينادون الان بالجهاد " كواجب فردى دائم" لمحاربة الغرب حتى الموت.هذا الفهم الحديث للجهاد يمشى جنبا الى جنب مع الفكرة المنقحة للامة:التى لم تعد مرتبطة بالتضامن التقليدى ، فالامة هى الناتج الذى بنى من جديد " للاتحاد الحر للمقاتلين الملتزمين بنفس المثل الاعلى" فالامة الان تلعب نفس الدور الذى لعبته البروليتاريا عند الجماعات التروتسكية و اليسارية فى الستينات:انها جماعة خيالية وبالتالى صامتة،تمنح الشرعية للمجموعة الصغيرة التى تتدعى انها تتحدث باسمها"
علاوة على ذلك ،يلاحظ روى ان معظم الايديولوجيين الاسلاميين المعاصرين ليسو علماء بل يساريين سابقين، ومع ذلك ،لا يقدم اى تفسير لهذه الحقيقة.استطاع هؤلاء السياسيون ان يتحركوا داخل الحقل الدينى على الرغم من اوراق الاعتماد الدينى الهزيلة ، ويعود ذلك ،جزئيا ،الى ان الاسلام السائد ، على خلاف المسيحية ، ليس له بناء هرمى مؤسسى.فالمذهب الكاثوليكى مؤسس على نموذج روما ،الدولة الامبراطورية.لكن ليس لدى الاسلام السنى هرمية منظمة هناك فقط امام للصلاة.فاحداث آية الله الخمينى لولاية الفقيه،مع رجال الدين كحراس للدستور ،تطور حديث نسبيا يخالف قوة دفع التقليد الشسعى . و اذا حكمنا من خلال الاحداث فى العراق ،مثل اصرار آية الله على السيستانى على ان العلماء قوة اخلاقية خارج وليس داخل الدولة،يبدو امها لا يبدو انها تحقق نجاحا فى اوساط شيعية غير ايرانية.و لتحليل روى معانى متضمنة مهمة.اذ كانت العلمانية -اخضاع الكنيسة للدولة –ذات اهمية مؤسسية الى حد بعيد ، فيبدو انها معطى حيثما كان الاسلام غير مؤسس على انه سلطة مؤسسية.لكن حتى عندما يكون الاسلام قائما على المؤسسية، كما فى ايران و السعودية،يلاحظ روى "ان الاسلام المحافظ،بدون اصلاح ،يمكن ان يكون منسجما مع الديمقراطية كما كان الكذهب الكاثوليكى منذ هزيمته فى مواجهته وجها لوجه مع العلمانية الحديثة فى فرنسا فى آخر القرن التاسع عشر ".
ومقارنة بين الاراء الثقافية ،فان رواية روى يمكن ان توضح لماذا لا تملك اى نظرة للعالم دينية او ثقافية (اصولية) بالضرورة نتيجة طبيعية سياسية(ارهاب).
لحظة تاريخية عالمية
ومع ذلك ،اذا كان تحليل روى السوسيولوجى نافذا دائما فانه فى النهاية محدود.تفسيره للاصولية الحديثة ،نزعة دينية لا يمكن ان يفسر تماما طبيعة الاسلاموية كبناء سياسى .فالاولى تطلب الخلاص و الثانية تطلب التحرير.و لافت للنظر ، مع ان روى يرجع تحول الاحزاب الاسلامية فى دول الشرق الاوسط ذات الاغلبية المسلمة الى ظروف سياسية بدلا من سوسيولوجية،فانه يعزو صعود الاسلام الجهادى فى الشتات الاسلامى فى الغرب الى أسباب سوسيولوجية فقط. فى النهاية لا يستطيع منطق روى تفسير لماذا وصل الاسلام الجهادى ، وهو آيديولوجية ذات أهمية سياسية هامشية فى اواخر السبعينات،ليسيطر على السياسة الاسلامية،اكثر مما يستطيع التاريخ الفكرى الحاذق لدى كيبل. مع ان كلا من روى و كيبل (ربما الاول اكثر من الثانى)قد بدأ الافتراق عن المقدمات المنطقية لحديث الثقافة ،الا ان الافتراق ليس كاملا.انهما يشتركان فى ضعف مشترك:فتاريخ كيبل يرفض ربط الاسلام بغير الاسلام، وروى يتجنب دراسة المصادمات بين المسلمين و غير المسلمين.بل فى الحقيقة،فان مولد الاسلام الجهادى ،الذى يعتنق العنف لكونه رئيسيا للعمل السياسى، لا يمكن تفيسيره تماما بدون الاشارة الى جهاد الافغان و التاثير الغربى فى تشكيله.فى الثمانينات اعلنت ادارة الرئيس ريجان ان الاتحاد السوفيتى (امبراطورية الشر) ووضعت جانبا النموذج العلمانى الذى كان شائعا وقتها لصالح الجهاد الاسلامى العالمى.وبفضل ذلك التوجه استخدم الثوار الافغان الهبات الخيرية لتجنيد عشرات الالاف من المتطوعين و انشأوا المدارس الاسلامية المجيشة التى حولت هؤلاء المتطوعين الى كوادر. بدون الجهاد كباعث و محرك لم يكن فى استطاعة المجاهدين الافغان الحصول على الاعداد والتدريب و التنظيم او التماسك و الاحساس بالمهمة التى حولت الاسلام الجهادى منذ ذلك الحين الى قوة سياسية دولية.
لا يمكن المبالغة فى تأثير الجهاد الافغانى .فمن الواضح ان نمو الاسلام السياسى كان اقل منه خطيا و اكثر منه هجينا ،اكثر مما هو مسلم به فى احوال كثيرة، وانه كان مدفوعا ،بصورة عامة، بمشاريع سياسية متميزة مثل " الجهاد العالمى" أو "الغرب"
ان الفهم الدقيق لتطور الاسلام السياسى هو الطريق الوحيد لقياس احتمالاته.ووفقا لتفسير روى ،سيواصل الاسلام السياسى تفرعه الى جديلتين واحدة بلدية محلية و الاخرى مهاجرة. ووفلقا لكيبل فان الجديلتين ستصيران اكثر ارتباطا ،لكن ستلعب الدياسبورا (الشتات) دورا اكثر دينامية ، ربما اكثر شبها بالدياسبورا الافريقية قبل مائة عام، التى ابانت نظريات و مفاهيم الوعى الاسود و حركة الرابطة الافريقية التى تطورت فى الغرب. لكن الفهم التام للطبيعة السياسية للمشروع الجهادى ،و الذى لا كتاب كيبل و لا كتاب روى ينجزه تماما ، يستجدى سؤالا جديدا على نحو راديكالى:هل سيجعل الاسلام السياسى الماركسية مثلا يقتدى به؟ الماركسية التى انتشرت من الغرب لتندمج مع القوميات المحلية المتعددة لتخلق هجينا قويا بما يكفى لاطاحة الانظمة؟ ما زال الوقت مبكرا جدا للحكم ،لكن من يرغب فى المغامرة بالتخمين يجب عليه اولا ان يتجه الى العراق ،حيث تجرى،اكثر من اى مكان آخر، قولبة مستقبل الاسلام السياسى. فكل حركة شرق اوسطية-او دينية- حكومية او غير حكومية- تعارض الامبراطورية الامريكية، مسحوبة الى العراق ، كأنما الى مغنطيس، لتختبر ايمانها. فبعد أكثر من عام من الغزو الامريكى ، بات واضحا ، ان الولايات المتحدة ، بعد اطاحتها لاكثر الانظمة الديكتاتورية فعالية فى المنطقة ، قد خلقت منطقة عامة-مفتوحة فى وجه الجميع- للمقاتلين من كل لون-اسلاميين و وطنيين، من الوطن او من الشتات(الدياسبورا)-مشعلة بذلك صراعا سيؤثر فى مجرى الاسلام السياسى للسنوات القادمة.
:




للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved