السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الصادق المهدي..صاءان للأستفهام وميم للتعجب بقلم د. سيف اليزل حامد البشير-المانيا

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/22/2005 12:04 ص

الصادق المهدي..صاءان للأستفهام وميم للتعجب

د. سيف اليزل حامد البشير
المانيا
[email protected]

هذا حديث في لغو السياسة ..ولا يحلو ذلك إلا في شخصية تستحق نصب الكتابة وكبد التنقيب وجمع الأقوال فهو ممن ينطبق عليهم قول بن رشيق في وصف المتنبئ بأنه "جاء الي الدنيا وشغل الناس"..ورغم أن اللغو في مجمل القول مذموم إلا أنه في أحوال السياسة محمود لأنه يقع بين الدرس الجاد و القول الذي يجري عفو خاطر..وذلك منهج أستقصه عميد الأدب الدكتور طه حسين في كتابه ذائع الصيت " مع المتنبئ"..
ويعتقد كاتب هذا المقال أن شخصية الصادق المهدي يميزها فاعلان هما: فاعل سياسي يعبر عن كسبه الذاتي في الفكر والثقافة والممارسة والأنتاج المعرفي وخصائص القيادة والزعامة. وفاعل روحي يستمده من ينبوع المهدية التاريخي وهو الذي يمنحه الشرعية والولاء الشعبي..ولا تكاد تستقيم للدارس شخصية الصادق المهدي دون أعتبار جدي لهذين الجانبين. وعليه فقد عبرنا عن الجانب الأول بالترميز الحرفي (صاءين) للأستفهام عن أدوات الكسب المعرفي والفعل السياسي دون وصله بمنبعه التاريخي وهي تعلق رامز لأسمه الأول الصادق الصديق...وأدخرنا ميم التعجب لتصله بمنبع سلطته الروحية وتاريخانيتها وهي أيضا حرف رامز لميم المهدي. وذلك مجاراة لمنهجه في الوصف المبدع والتبرير الساخر..حيث لا يفوقه سياسي في السودان براعة في توليد الأمثال الشعبية وحذق أستخدامها في الوصف الحي لوقائع السياسة ومواقف الساسة. وقد مازج بفرادة مدهشة بين ثلاث مفردات هي موروث الثقافة الدارفورية التي يغتني منها بمخزون كبير و ثقافة الوسط النيلية وتراث المهدية الزاخر بالأقوال والقصص والأشعار والأمثال. فقد قال معبرا بلسان أهل دارفور عن رفض حزب الأمة للمشاركة الديكورية حسب وصفه في حكومة الوحدة الوطنية "أنحنا يا جماعة أبينا دوت كي". وعندما أراد تبخيس أستخراج البترول في ذروة معارضته للأنقاذ قال أنها " أحلام ظلوط" وعندما عارض التوسيع في الجامعات من غير روية ودراسة كافية قال " أنها كمن يحاول أن يطعم برميل موية بملعقة سكر" . وقال عن أنشقاق مبارك الفاضل وأنضمامه للحكومة أنه "كمن أستبق أكل الفطيس قبل الذبيح " . وقال مستشهدا بمقولة الأمام عبدالرحمن عندما طالبه البعض بالقصاص السياسي ضد الأنقاذ "الفشي غبينته خرب مدينته". هذه المزواجة بين التراث والتقليد من جانب والحداثة والمعاصرة من جانب آخر هي أحدي دوافع الأفتتان الشديد به من قبل المثقفاتية من شيعته الذين يغالبون نزعات الولاء الطائفي علي الولاء الفكري. وفي هذا الصدد فقد وصفه الدكتور علي حمد وهو أستاذ جامعي يقيم في أروبا في مقال نشره قبل عام تقريبا بأنه فكي خواجة حيث يلبس جناح أم جكو ويتحدث بلسان أهل الغرب ويجادلهم في آخر نظريات الفكر الأنساني بثقة عالية وثقافة موسوعية وافرة..وقد أبان ذلك المقال الخلل الجسيم الذي أصطنعه المثقف الملتزم سياسيا فقد تنازل عن سلطته المعرفية في الجدل والنقاش بحثا عن الحقيقة ليصبح حوارا يتلقي البركات من شيخه بعد أن شحبت روحه طارت شفقا ولم تشع غيما وسنا كما أرادها الفيتوري. فألغي بذلك أعز ما يملك المثقف وهي عقله و سلطته المعرفية. وشبيه بذلك المقولة الشهيرة التي رددها أحد أنصاره وهو أستاذ في جامعة الخرطوم أثناء فترة الديمقراطية الثالثة أن الصادق المهدي لو أمره بالتصويت لحمار لفعل دون تردد. هذا الأستلاب الثقافي مارسه أيضا الدكتور حسن الترابي مع أتباعه المثقفين الذين وصفهم الدكتور تجاني عبدالقادر في مقال نشره مؤخرا بأنهم أرتضوا أن يلعبوا دورا رسمه لهم الساسة ورجال الأمن والتجارالجهولين الذين لم يكملوا مقررا دراسيا واحدا. ومارسه كذلك الأستاذ محمد أبراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي وذلك حسب المرافعة الفكرية العميقة التي قدمها الأستاذ المرحوم الخاتم عدلان. وحسب وصف أحد الساسة فأن الظل الفكري الثقيل للدكتور الترابي قد حجب ضوء الشمس عن النباتات الفكرية الواعدة فماتت سهوا وترصدا.. هذا الظل الفكري الثقيل أيضا فرضه الصادق المهدي علي حزبه حيث لم تنبت قامة فكرية مستقلة من الحديقة النباتية لفعاليات هذا الحزب . ولم ينتج هذا المناخ سوي كوادر فكرية متوسطة القامة أستنسخت صورة الصادق المهدي وأكتفت بتقليده وترديد مقولاته. ورغم بروز الشيخ عبدالمحمود أبوه إلا أنه صار صورة طبق الأصل من الصادق المهدي وقد حجبته ثقافته التراثية ودراسته التقليدية من أشعاعات الحداثة حيث تدرج في مسار التعليم الديني التقليدي من الخلوة الي الجامعة الأسلامية ولم ينل حظا من التعليم الغربي مما جعل كل مخزونه وأفكاره عن الحداثة مستمدة من أحاديث وكتابات الصادق المهدي لأنه لم يتصل بمصادر الحداثة المعرفية بصورة مباشرة..هذا التكلس المعرفي والضمور الفكري في حزب الأمة يتحمل مسئوليته الأمام الصادق لأنه سد الرافد المبدع الذي كان يرفد حزب الأمة بالأفكار والشخصيات الخلاقة وهو تيار المستقلين من غير الأنصار مثل الشاعر محمد أحمد المحجوب وحتي الباشا عبدالله خليل. وهو قد أرتد بذلك عن السياسة التي رسمها وأختطها الأمام عبدالرحمن الذي كان يفتح أبواب الحزب للشخصيات المستقلة ذات العطاء المبدع بل ويقلدها المسئوليات والمناصب القيادية. في ظل قيادة الصادق المهدي أنحسر هذا الرافد وعمد الي ترفيع الكوادر ذات النفوذ الطائفي والقبلي لحفظ التوازنات الجهوية وكان طبيعيا أن تفرز تلك السياسة نظاما أبويا قابضا . وأنتقل بالحزب من بوتقة ينصهر فيه دعاة التيار الأستقلالي الي كيان طائفي مترهل يقوم علي التحالفات العشائرية والجهوية مع الرأسمالية المحلية.وهو بذلك قد أفرغ العملية السياسية داخل الحزب من فعاليتها التاريخية وأستبدلها بنظام أبوي ترتفع فيه قيمة الولاء الطائفي والسياسي للقيادة ويقل فيه الحراك الفاعل المبدع وبالطبع فأن مثل هذه القيادات ليست حريصة علي الأصلاح والتغيير لأن ذلك يناقض مصالحها في التمثيل الجهوي في السلطة السياسية للحزب. إن سياسة تجفيف الحزب من المثقفين الحقيقيين والأستعاضة عن ذلك بعناصر تستنسخ شخصية زعيم الحزب الفكرية وتستهلك مقولاته وأفكاره أدي الي حالة من الضمور الفكري والتكلس المعرفي وخمود ملكة التجديد والأبتكار للأعتماد علي مصدر واحد للألهام الفكري الذي مهما تدفق عطاؤه فأنه لا يفي بتطلعات الظامئين . بتحليل كثير من النماذج المماثلة في الساحة السياسية السودانية يستفيض الزعم بأن الصادق المهدي صمم هذا النموذج بوعي كامل ليظل هو علامة العرفان والفذ الملهم في خضم الجهل السائد لتظل مقاليد سلطته الروحية والفكرية والسياسية في غير محل نزاع من العامة و الخاصة.
يمتازالأمام الصادق المهدي بخصيصة نادرة وسط السياسيين في السودان وهي موهبته الثرة في أجترار الأمثال الشعبية وتشقيق التشبيهات الساخرة . ففي موقف المفارقات الكاريكاتورية كثيرا ما يستشهد بديك المسلمية الذي يصيح ويعوعي في الوقت الذي يحمر فيه أهل البيت بصلته أستعدادا لأكله ويستفيض في شرح أنواع الديوك الأخري ذات الشهرة والصيت مثل ديك العدة. وللأستاذ نقد السكرتير السياسي للحزب الشيوعي ذات النزعة في أستخدام الأمثال الشعبية أما للسخرية أو لتقريب المعني وشرح المواقف لجمهور المستمعين. فقد سبق للأستاذ نقد أن شبه موقف الجبهة الأسلامية في مناداتها بتطبيق الشريعة الأسلامية مثل "المرأة الغلفاء التي تمسك بالموسي لتطهر النساء" أي أن فاقد الشئ لا يعطيه ورغم طرافة المثل وغلظة عباراته إلا أنه قوبل بحملة شرسة حيث رماه البعض بالسوقية وكساد بضاعته وعجز بيانه عن التعبير الحاذق والمعني الأدق في أجترار التشبيهات . ورغم ميل الزعيمان لأستخدام الأمثال الشعبية إلا أن الأمام الصادق المهدي قد سجل تفوقا واضحا وبلغ فيها شأوا بعيدا وصارت تشبيهاته مثار تندر وتداول بين النخبة المثقفة والجمهرة العامة لطرافتها ولأن المخيلة الشعبية تصنفه في طبقة الزعماء الذين لا يختلطون بالعامة ولا يستعملون لغتهم ومفرداتهم.
إن نزعته للمزاوجة بين التراث والمعاصرة في شخصيته الفكرية تكاد تصبغ طبيعة تصرفاته السياسية التي تفضل كذلك المزاوجة بين المتناقضات والجمع بين المتوازيات.وصفه الدكتور منصور خالد بأنه رجل وقواقة مرتبك في نفسه مربك لغيره..يتوهم في نفسه القدرة علي حل مشاكل العالم وهو لا يستطيع حل أبسط خلافات أسرة المهدي . ووصفه الدكتور حسن الترابي بأنه كان يحلم بلعب دور شبيه وموازي للدور الذي لعبه تروتسكي في تصحيح وأصلاح الفكر الماركسي ولكن حقيقته العلمانية ومظهره الأسلامي عمقا فيه فعل الشئ ونقيضه.وقال إن به يقينا ثابتا بأنه ولد سيدا وفي فمه ملعقة من ذهب لذا فعلي الناس أن يقدموا التضحيات من أجل أن تكتب البطولات باسمه.وكان يصفه رفيق دربه المرحوم عمر نورالدائم لخاصته بأنه رجل مشغول بالفكر أكثر من السياسة حتي أصاب الكيان بأنيميا الفعل وعجز السياسة إذ كان يتمني أن يتفرغ السيد الأمام كلية للعمل السياسي. ووصفه الدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية بأنه رجل توفرت له كل أسباب النجاح من أرومة أصل وعراقة نسب وفرصة لحكم السودان مرتين إلا أنه أفشل حاكم في تاريخ السودان الحديث كما أنه ساهم في صنع الكارثة التي يعاني منها الجميع أولا بأبتداره مع حسن الترابي لمشروع الدستور الأسلامي وثانيا لأنه دعا في منشوراته الفكرية الي أسلمة وتعريب جنوب السودان بالقوة كما أنه غذي الصراعات القبلية بتسليحه للقبائل العربية أثناء فترة حكمه الأخيرة. وصفه الدكتور علي الحاج القيادي في المؤتمر الشعبي قائلا: إن الصادق المهدي مثل الطفل الصغير الذي يبكي بحرقة لأمتلاك أي لعبة أطفال تقع علي عينه وعندما تعطي له ليكف عن البكاء يقوم بتكسيرها علي الفور. ويصفه أستاذ جامعي مرموق عكف علي دراسة بعض فترات المهدية بأنه يدعي تقمص روح الأمام المهدي والهاماته الغيبية أكثر من الأمام عبدالرحمن الذي تميز بالواقعية وحسن المناورة السياسية. ووصفه الرئيس الأسبق جعفر نميري بأنه لا يصلح لحكم السودان إذ تتحكم فيه ذهنية أهلية لا تتناسب ورجل الدولة المسئول.وصفه أستاذ جامعي متخصص في العلوم السياسية بأنه شخصية أختزالية أذ تميزت فترات حكمه بأختزال الحزب في رئيسه وأختزال الحكومة في رئيس الوزراء كما أنه عمل علي أنتاج ديمقراطية عشائرية تقوم علي تحالفات قبلية وعشائرية مع الرأسمالية الأنتهازية فأبعدها عن حركة الحداثة. وصفه مواطن عادي بأنه أول أمام لطائفة دينية يمتلك الجرأة علي الأحتفال بعيد ميلاده بطريقة رومانسية تخل بمروءة الأئمة الدينيين..وصفه السفير الأمريكي الأسبق في السودان دونالد بترسون بأنه شخصية مترددة في أتخاذ القرارات الحاسمة وقد فشل في قراءة الأسباب الحقيقة لمشكلة الجنوب لأنه كان يعتقد أن الحركة الشعبية هي الذراع العسكري لحكومة مانغستو في أثيوبيا متناسيا أن لمشكلة الجنوب جذورا تاريخية معلومة.وصفه ضابط عسكري رفيع خدم تحت قيادته عندما كان رئيسا للوزراء ووزيرا للدفاع بأنه شخص حالم لأنه كان يدفع الجيش لمحاربة الحركة الشعبية وهو يجبن عن زيارة حامية واحدة في الجنوب. يصفه سياسي مخضرم بأن أفضل نموذج للسياسي الذي يستسلم لغريزة حب البقاء ويؤثر علي الدوام السلامة الشخصية علي التضحية وشبهه بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي عرف بقدراته المتميزة في أستشعار مكامن الخطر وساق الأمثال علي ذلك أذ قطع دراسته بكلية غردون وسافر للدارسة بالأسكندرية خوفا علي نفسه عقب الأحداث التي صاحبت زيارة الرئيس المصري محمد نجيب للسودان.كما أنه خرج من الجزيرة أبا قبل أيام قلائل من قصفها حيث ترك الأمام الهادي لمصيره المحتوم.ضمن لنفسه الخروج بعد فشل الحركة الوطنية في عام 1976 لأنه كان آخر الداخلين وأول الخارجين إذ آثر السلامة الشخصية علي تضحيات القيادة .. قال أحد الأنصار الذين قاتلوا الي جانبه في تلك الحركة "أننا فجعنا في أنسانيته وقدراته القيادية ِلأنه لم يكلف نفسه عناء السؤال عن أسر الضحايا من الأنصار الذين قتلوا في تلك الحركة ولم يهتم بأحوال الجرحي أو الذين فقدوا بصرهم وضاعوا في الصحراء القاسية بين ليبيا والسودان..ولم يتفضل عليهم بكلمة شكر أو حتي بتكريمهم وحفظ حقوقهم ورعاية أسرهم لأنه يعتبر أن هؤلاء الغبش الذين ينحدر جلهم من غرب السودان يقومون بواجبهم الطبيعي في تقديسه والأستجابة لأوامره". وقال عنه سياسي أروبي مخضرم التقاه العام الماضي وأستمع الي آرائه في قضية دارفور" احسست في حينها أنني أمام سياسي محترف يناقش قضية دارفور من منطلق الربح والخسارة السياسيتين..ولم المس منه حزنا علي الضحايا أو أسفا علي الأوضاع الأنسانية المأساوية. ولم يتفضل بطرح أي آراء تساعد في رفع المسغبة عن الضحايا والمحتاجين وأزداد عجبي عندما علمت لاحقا أن حزبه الذي يعتبر أكبر الأحزاب ذات الثقل الجماهيري في السودان لا يمتلك منظمة خيرية لأغاثة المتضررين " ..قال عنه سياسي مخضرم أيضا أن الصادق المهدي رغم تسامحه الظاهري إلا أنه رجل لا ينسي ثأراته ولديه أستعداد فطري لسحق كل من ينازعه سلطانه الحزبي والسياسي ويميل الي التشفي وأقصاء خصومه بالضربة القاضية وقال مدللا علي ذلك بالموقف الراهن من السيد مبارك الفاضل الذي يريد أذلاله بأشهار أعتذاره وتوبته لقبول عودته منفردا وكذلك الأعراض عن كل مخالفيه والمنشقين عنه وتجاهل مصافحتهم وأحراجهم علي الملأ في المناسبات الأجتماعية العامة. وكذلك شماتته يوم أن تلقي نبأ ضربة الترابي من بطل الكارتيه العالمي هاشم بدرالدين وكذلك أبتسامته الساخرة يوم الأعتداء علي الترابي أمام ناظريه في يوم الأحتفال بعودته في مسجد الخليفة بأمدرمان. قال وليم باتي سفير بريطانيا السابق في السودان " كنت عندما أطلب مقابلته يحرص علي أن يكون بجانبه عدد كبير من أنصاره ربما لأظهار ثقله وأهميته وكانوا جميعهم يتحدثون معقبين علي كلامه لهذا كثيرا ما يختلط علي حقيقة موقفه وموقف المتداخلين من أنصاره". قال عنه صحفي يعد كتابا توثيقيا عن أحداث الحركة الوطنية عام 1976 أن قيادات الفصائل المشاركة في الحركة قد أحست بخيانته عندما شعر ببوادر النصر تلوح في الأفق.. ويقال أن الزعيم الشريف الهندي وبعض قيادات الأسلاميين قد أقسموا الا يعملوا ويتعاونوا معه مرة أخري في قضايا مصيرية تتطلب قدرا من التضحية والثقة المشتركة ..لأنه أراد أن يقطف ثمار النصر لوحده وعندما فشلت الحركة حيث ذهب وصالح نميري لوحده دون أن يستشير حلفاءه. يصفه الكاتب الصحفي عثمان ميرغني بأن الصادق المهدي رجل يحتاج الي من ينقذه من نفسه إذ أرتضي أن يعلق من المدرجات علي مباراة كان يمكن أن يكون لاعبها الأول.يقول عنه سياسي مخضرم بأن حب الظهور والشهرة بلغت به مبلغا أنه إذا رأي جمهرة غفيرة تشيع جنازة تمني في قرارة نفسه أن يكون الميت. قال عنه محمد أحمد المحجوب الذي أجبر علي التنحي لأنتخاب الصادق المهدي رئيسا للوزراء أنه حاول أقناعه بالتروي والتدبر وأكتساب مزيد من التجربة لأن أسماعيل الأزهري سياسي محنك يستطيع أن يلوي ذراع أقوي سياسي إلا أنه رفض نصيحته فقال عنه أن الغرور الذي أعتلي به المنصب الرفيع سيكون هو ذاته من يهوي به الي أسفل سافلين ومن ثم أرتجل مقولته الشهيرة في البرلمان أن من حاول الدفاع عنهم طيلة حياته كسروا سيفه الفولاذي وأستبدلوه بسيف من خشب وقال " لا أريد أن أفسد علي رئيس الوزراء بهجة يومه هذا ولكن اتنحي لمقعد المعارضة لأعلمه كيف تكون المعارضة" وقال معرضا به وبصهره الدكتور حسن الترابي الذي ناصره علي المحجوب أن بينهما وصال. فرد عليه الدكتور حسن الترابي الذي كان يكنيه المحجوب بالشاب الملتحي قائلا " من أول رئيس علا الي آخر صنم هوي- مشيرا للمحجوب- فهذا أول رئيس للوزراء ليس له رئيس خارج قبة هذا البرلمان" . سئل مسئول ليبي كبير زار السودان في بداية عقد التسعينات في ندوة عامة عن مناصرة الجماهيرية الليبية للعقيد جون قرنق فرد قائلا: لا تسألوا القيادة الليبية بل أسألوا الصادق المهدي الذي قدم قرنق للعقيد القذافي عام 1983 وطالب بدعمه وتسليحه لأسقاط نظام نميري ووصفه بأنه رجل وطني مخلص. وأضاف قائلا: لولا الصادق المهدي ماعرفنا قرنق ولولا توصيته لما دعمناه. وأوضح بأن الصادق المهدي عاد اليهم بعد الأنتفاضة مطالبا بأيقاف الدعم العسكري لقرنق.
يقول كثير من المراقبين أن أميز سلبيات الرجل أنه متردد في أتخاذ القرار يلجأ الي الحلول الوسطية والتوفيقية التي تجمع المتناقضات وذلك لمنهجه الذي يحاول التوفيق بين الأشتات ويجمع بين المتوازيات. حكي عنه أحد وزراء فترة الديمقراطية الثالثة مبكتا تردده وتوفيقيته السالبة فقال: تقدم وزير الأسكان بمقترح لتتبيع مصلحة الأحصاء لوزارته ولما أخضع المقترح للتداول أعترض عليه وزير الدفاع ذاكرا المبررات القانونية والشواهد التاريخية بأحقية وزارته بالمصلحة خاصة وهي معنية بترسيم وتحديد حدود السودان المشتركة مع دول الجوار. وسانده في ذلك معظم الوزراء بالمجلس فما كان من الصادق وقد حسم النقاش بأسقاط المقترح إلا أن قرر أن تبقي مصلحة المساحة في كنف وزارة الدفاع علي أن تفتح وزارة الأسكان مكتبا لها في المصلحة دون أي مسوغات تنفيذية ومبررات عملية سوي أرضاء صاحب المقترح. يقول عنه أحد العاملين في مجلس الوزراء في فترة الديمقراطية الثالثة أنه تعمد فصل أكثر من 17 موظفا من مجلس الوزراء للصالح العام كما فصل تسعة من كبار موظفي شركة الخطوط الجوية السودانية منهم الكابتن شيخ الدين وذلك تمهيدا لخصصة سودانير وبيعها لآل المهدي بعد أن تقلدت حرمه سارة نقدالله رئاسة مجلس الأدارة. وقد دافع عن سياسة الفصل للصالح العام الدكتور المرحوم عمر نورالدائم أمام الجمعية التأسيسية قائلا "هم الثقلاء ديل ما يمشوا قبل ما نطردهم لأن الرئيس الأمريكي المنتخب تخصص له 20 ألف وظيفة يعين فيها من يشاء" . يقول عنه الدكتور قطبي المهدي أن الأمام المهدي لو بعث اليوم لما أختار الصادق لخلافته لأنه أضاع أهم ما يميز الأنصار وهو أعتزازهم بالعقيدة وموتهم في سبيل أعلاء رايتها..يري الأنجليزي المخضرم توماس غراهام صاحب كتاب "موت حلم" الذي خصصه لذكرياته مع الأمام عبدالرحمن المهدي ولمناصرته للسيد الصادق المهدي أثناء فترة نضاله ضد جعفر نميري أن الصادق المهدي يدرك دائما حقيقة وضعه كزعيم لذا فأن سقف المساومة السياسية دائما بالنسبة له محدودة لأنه لا يستطيع أن يذهب أبعد من الأفق الذي يتوقعه الأنصار.
عقب أنتفاضة أبريل 1985 دعا الباحث التراثي الطيب محمد الطيب ثلة من الشعراء والمثقفين للقاء الصادق المهدي في منزله للتعرف علي رؤيته وآرائه في الساحة الثقافية والفكرية وقد أندهش الحضور من دقة متابعته للتطورات الحادثة في الفضاء الثقافي والفني خلال فترة غيابه المتطاولة في الخارج.. فقام الشاعر الفطحل عبدالقادر الكتيابي مطرزا بكل الق الشعر ونفحة البنفسج وكبرياء الشعراء وأرتجل عفو الخاطر قصيدة "علي الطلاق":

علي الطلاق...
مكاء صلاة اليمين عليك.. وحج اليسار اليك نفاق..
وأقطع حد ذراعي رهانا
ستصبح ثم تراهم سمانا ..
وثم يشد عليك الوثاق
لتعرف أن المنابر سوق ..
وأن البضاعة أنت

وليس هناك إمام .. وليس هناك رفاق
ستعرف أني صدقتك نصحي ..
وأني أحبك ، قلبي أبوك وأمك ..
قلبك أمي وطفلي .. مَحَنَة أهلي ــ
أحبك أنت تغني وأنت تصلي ..
وليس كمثل اشتياقي إليك اشتياق ..
أحبك طميا شهي النفاحة ، حنى خيالي
وجذبة وجد لمشهد وجهك فوق احتمالي ..
وأني أخاف عليك اليمين اليسار
أخاف عليك بقايا التتار ، وأن تتحمل ما لا يطاق
وأعرف أنك تحلم في الله
كيف يكون خداع المخادع " في الله " ..
كيف يكون النفاق ..
ومن قال إني لوجه الكريم أعد لذبحك
قلت لأجل الكريم سأقبل ..
جل الكريم إليه المساق ..
ستعرف أني بطينة طبعك أني خلقت
وأني صدقت .. وأني بررت علي الطلاق ..
فما أن أكملها الكتيابي حتي تسلل الصادق المهدي الي داخل منزله والغضب يكسوا ملامح وجهه.. ولم يعد بعدها الي مجلس الشعراء.. وليته جلس لأن نبوءة الشاعر قد صدقت..ولم يحنث بطلاقه..
يقول الصادق المهدي عن نفسه أن ميلاده أرتبط ببشريات عظيمة لأنه صادف يوم ميلاد المسيح عليه السلام في الخامس والعشرين من ديسمبر وكذلك بالرؤية الصالحة إذ رأي أحد أطفال الأسرة في المنام أن مهاجرا سيأتي من كبكابية يوم الخميس..ثم ما لبث أن ولد يوم الخميس مما فسر الرؤية بالبشريات العظيمة. قال عنه الناشط السياسي غازي سليمان في مهرجان عودته من الخارج أنه لولا مانديلا لأطلقنا عليك لقب أبوالديمقراطية في أفريقيا.
يقول عنه أكاديمي بارز أن أميز أجتهادات الصادق المهدي الفكرية هي كتابه "سيألونك عن المهدية" الذي أستطاع أن يقدم فيه أجابات ذكية عن فكرة المهدية وأصولها بأستشهادات موثقة من الكتاب والسنة والتاريخ الأسلامي. كما أنه فرق في أطروحته تلك بين المهدية التاريخية والمهدية الوظيفية. ودعا الي التركيز علي المهدية الوظيفية وهي المعنية بأمر الأصلاح والتجديد الديني . يقول الطيب صالح في ذكرياته مع طلحة جبريل في سفره القيم " معا علي الدرب مع الطيب صالح" أنه فكر في عقد الستينات أن ينضم الي حزب الأمة بعد أن جذبه الطرح الفكري والعقلاني للسيد الصادق المهدي الذي كان يمثل رمز الحداثة والأستنارة في القيادات السياسية آنذاك وأشار الي أنه سبق وأن تسلل للأستماع الي أحاديثه ومحاضراته وما يزال يحتفظ للرجل بأحترام وتقدير كبيرين.
يقول عن نفسه أن أهم أنجازاته هي أنه حول الحزب من مساره التقليدي وأنتقل به الي آفاق التحديث حيث كادت الفكرة المهدية أن تتلاشي ويقل كسب المنتمين اليها ولم يبق منها إلا التراث والطاقة الجهادية الكامنة. فجدد بعث الفكرة المهدية واستطاع أن يعيد للحزب جماهيرته حيث ظل الرقم الأنتخابي الأول خلال عهد طويل لا سيما فترة الديمقراطية الثالثة.
الصادق المهدي شخصية مثيرة للجدل حيث يحبه أقوام ويتدلهون به ويكرهه آخرون ويغتاظون منه .. وتتلاشي عنده المنطقة الوسطي حيث لا تكاد تجد من يحبه هونا ويكرهه هونا.. كأنه ينشد بلسان نزار قباني..
أختاري الموت في صدري أو في دفتر أشعاري..
لا توجد منطقة وسطي بين الجنة والنار...
ولعل ذلك هو سمت الشخصيات العظيمة في التاريخ.
وتنتهي بنا المقاربة في الأستشهادات الي أن الصادق المهدي زاد من حصيلة الكسب الذاتي السياسي والمعرفي أكثر من أي زعيم آخر مر علي كيان الأنصار وحزب الأمة حيث لم يعتمد فقط علي أرومة أصله وتاريخ أسرته ومنبع وجدانها الروحي بل زاد عليها من كسبه الذاتي وأطروحاته الفكرية وموسوعيته الثقافية..
يواجه الصادق المهدي ذات النفق التاريخي الذي واجهه الأمام الخميني الذي أخرج الفقه الشيعي من طلاسم الأمام الغائب الي نظرية ولاية الفقيه وكان بأمكان سلطته الروحية أن تسقط فصل الأمام الغائب من مقررات كتاب الفقه الشيعي الي الأبد ولكنه آثر أن يحتفظ بسلطة الفقيه فأضاع فرصة ما زال يتحسر عليها قادة الأصلاح في المذهب الشيعي لأنه من النادر الآن أن تتوفر لأي أحد كارزما السلطة الروحية التي تمتع بها الخميني من قبل.أما الأمام الصادق المهدي فعليه أن يتعظ من تجربة الخميني وأن يواصل مسيرة الأصلاح السياسي والفكري والا يقف علي أعتاب التعليل السهل للظاهرة المهدوية وتجديدها تحت مبررات المهدية الوظيفية..لأن الصادق سيكون آخر مجدد يمتلك الجرأة الفكرية والكارزمة الروحية في أسرة المهدي وما لم يفعله الآن سيستحيل حتما علي من يخلفه .


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved