السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

التطهير المهني والتهميش الوظيفي انتهاكات و بشاعات أخرى 2/2 بقلم الفاضل إحيمر / أوتاوا

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/13/2005 9:53 م

التطهير المهني والتهميش الوظيفي انتهاكات و بشاعات أخرى
2/2
الفاضل إحيمر/ أوتاوا

• إن قطع الأرزاق كقطع الأعناق.
• على "الكبار" حينما يتصالحون و يجنون "ثمار" تصالحهم أن لا ينسوا من حوربوا و اضطهدوا وشردوا لمجرد أنهم حسبوا علي لأولئك الكبار و "مؤسساتهم".
• "عفا الله عما سلف" ممارسة تكافئ الظالم و تضير المظلوم مرة ثانية.
• ليست أي مصالحة وطنية لا تأبه للشعب إلا "مصالح"
****************
من المؤسف حقا أن أكثر من نظام في تاريخ السودان الحديث اقدم على ارتكاب خطيئة الفصل للصالح العام أو الفصل التعسفي أو التطـهير أو غير ذلك من المسميات بـكل بشاعتها و لا أخلاقيتها و تجنيها على المقدرات الشخصية و القومية. تفاوتت درجات سقوط الأنظمة في ذلك المستنقع إلا أن سجل نظام "الإنقاذ" يظل الأسوأ من حيث حجم وبشاعة الممارسة. لا جدال أن جريمة التطهير المهني و التهميش الوظيفي تقل فداحة عن جرائم قومية أخري كالتهميش الجهوي و التطهير العرقي و حصد العزل الأبرياء الذين ما بغوا إلا أن يسمعوا بسلام صوتهم بعد صمت طال و صبر كاد أن ينفد، ألا أن ذلك لا يعني السكوت عليها أو التقليل من شأنها أو التعامل معها و كأنها أمر لا يهم إلا من يكتوون بناره مما يكسبها مع مرور الأيام شــــرعية و يجعلها حقا لكل من يتسلل إلي السلطة بوسيلة أو أخري. حتى لا تكرس هذه الظاهرة غير الصحية و تتكرر و تغدو سمة ملازمة للعمل العام و الخدمة المدنية أو العسكرية بالوطن، لا بد من عدة معالجات بعضها قصير المدى يتناول أوضاعا معاشة الآن و البعض الآخر طويله يهدف إلى معالجة تلك الظاهرة السلبية و الممارسة المدمرة معالجة جذرية و إلى اجتثاثها تماما من ارث امتنا الحضاري في جانبه المتعلق بكفالة و صيانة الحقــوق و الواجبات و قدسية العمل العـام و المؤسسات.
على المدى القصير لا يزال في السـودان و خارجه عشرات الآلاف الذين تـم تهميشهم و تهشيمهم مهنيا و فصلهم و فصلهن من الخدمة تعسفيا دون إبداء أية أسبـاب لذلك و دون تمكينهم من ممارسة حقهم المشروع في الدفاع عن أنفسهم أو رفـع الظلم عنها. الآن و البلاد تستشرف مرحلة جديدة سوف تكون شئنا أم أبينا حافلة بتغيرات عدة و تحولات جسام يتوقع أن تخاطب الجهات التي بيدها الأمر هذا الجانب الإنساني الهــام و أن توليه ما يستحق من العناية و الاهتمام. عندما يحدث تحول سياسي بالبلاد و تتباعد وتتجــافى الكتل السياسية و تتباعد المسافات بينها يسقط المحسوبون على الكتل الخاسرة في الشقوق فيشردون و يطهرون و يهشمون و يهمشون مهنيا و معنويا. عندما يتبع تحولات و تطورات سياسية لاحقة أن تتقارب أو تتلاصـق تلك الكتل و يسوي ما بينها من خلافات فليس من العدل و لا الخلق أن ينسى من سقطوا في الشقوق فتنطبق الكتل عليهم و يسحقون فيكونوا قد خسروا بذلك و ظلموا مرتين.
أن محاولة أنصاف من غبنوا أمر بالغ الصعوبة و التعقيد خاصة و هم يحسبون بعشرات الآلاف و بعضهم ظل يرزح تحت وطأة الظلم لقرابة عقدين من الزمان. تتمثل الصعوبة المشار إليها في التعقيدات الإدارية التي سوف تنجم عن محاولة استيعابهم بإنصاف في مؤسسات تكتظ لدرجة الترهل بغيرهم و تتأهب الآن لاستيعاب نمط آخر من الوافدين الجدد في إطار اتفاقية السلام. تتمثل أيضا في التكلفة الباهظة لمحاولة تعويضهم عن الذي لحق بهم و بذويهم من أذى و عنت. ألا أن كل ذلك لا ينبغي أن يحول دون الشروع في إنصاف من ظلم و الانكباب على ذلك بصدق و إخلاص و كل ذلك يبدأ بالاعتراف بأن لهم قضية و أن لهم حقوق، فصعوبة تحقيق العدل و الأنصاف لا تبرر بأي حال من الأحوال الاستمرار في الظلم و التمادي فيه أو النكوص عن الحق. سمع الناس عن لجان مظالم شكلت لمعالجة هذه الأوضاع و كما هو معلوم و مثبت بالشواهد يستغرق عمل بعض هذه اللجان أعواما بل أنه في بعض الأحيان لا ينتهي أبدا. إزاء هذا الواقع يطرح سؤال منطقي و مشروع نفسه: إن أقدمت سلطة ما على فصل زيد من الناس أو عمر دون تشكيل لجنة و أنفذت قرار فصله الجائر البالغ البشاعة بصفة فورية بل بأثر رجعي في بعض الحالات فلمـاذا تقـــر و تصـر أن يكـون تصويب ذلك الخطأ و اتخاذ و إنفاذ إجراء سليم و رحيــــم عن طريق لجان بكــل ما في ذلك من مطاولات و تعقيدات. لماذا يؤجل العدل و الرحمة و يعجل الظلم و العـــذاب و أليس خير البر عاجله؟ و نحن نشير هنا إلى مــقولة للقـس "مارتن لوثر كينق" (Delayed justice is denied justice) نذكر بان الكثيرين من الذين هشموا و حطموا مهنيا ظلوا ينتظرون هذه العدالة لما يربو على الخمسة عشر عاما بل منهم من لقي ربه مهضوم الحق مقهورا و يطمع الآن في عدالة من حرم على نفسه و على عباده الظلم، من نهى عن البغي و المنكر و أمر بالعدل و الإحسان.
بعض ما لحق بمن أضيروا من ضرر لن تعوض عنه الإعادة إلى منصب أو منح دراهم معدودات. ما يعوض هؤلاء قبل غيره أن يعرفوا بأي ذنب فصلوا و بأي جريرة شردوا و ذاقـوا و من يلونهم الأمرين. يعوضهم أيضا أن يعرف من كان وراء ذلك و أن يحاسب على ذلك و يلقى جزاء وفاقا. ليس الجانب الأخير تشفي أو انتقاما بل هو إحقاقا للحق و إنفاذا للعدل تكمن أهميته في إرساء مبدأ أنه على من يتعدى على حقوق الوطن و الآخرين و يلحق بهم متعمدا ابلغ الأذى أن يتحمل تبعات ذلك و يتقبل نتائجه فيرتدع و يرعوي غيره. لعله من المجدي و المفيد هنا أن نذكّر بأن أركان النظام كثيرا ما رددوا أنهم لا يقرون مبدأ "عفا الله عما سلف" في الأخطاء غير المبررة " و لقد تعددت و توالت شهادات ذات الأركان أنه كانت هنالك أخطاء عديدة و أنها كانت غير مبررة.
على المدى البعيد، على كافة المؤسسات و المنظمات الشعلية أن تبذل قصارى جهدها حتى يسن من القوانين و التشريعات ما يحول دون تسييس الخدمة المدنية أو يجعل منها ساحة لتصفية الحسابات السياسية أو الشخصية المتنفذة المندسة تحت عباءة سياسية أو عقائدية. بغض النظر عما يتم إنجازه على صعيد أو آخر تبقى الاتحادات و النقابات المهنية بعد أن ترد إليها الروح و تتعافى، تبقى صمام الأمان الأقوى للحيلولة دون مثل هذه الممارسات. عندما تصير للمهنيين و العاملين بمختلف فئآتهم أجهزة ممثلة لهم مجسمة لأرادتهم و قادرة علي التصدي لقضاياهم و الذود عنهم فانهم ســوف يعضون عليها بالنواجذ و لن يتسنى لأي نظام أن يعيث فيها فسادا حلا و احتواء و تدجينا.
على الرغم من كل ما سلفت الإشارة إليه فأن ضمان أن لا يتكرر ما حدث و الحيلولة دون التغول على الخدمة المدنية أو الاعتداء على حقوق العاملين بها يكمن بالدرجة الأولى في الأفراد أنفسهم. من ناحية على أولئك الأفراد الانتباه إلى أهمية أن تكون لهم أجهزة ممثلة لهم مدافعة عن مصالحهم يحولون بالنفس و النفيس دون تعدي أي نظام عليها أو تحكمــه فيها و فيهم. من ناحية أخرى على الأفراد أن يسموا بإنسانيتهم و أن يربوا بأنفسهم عن فحش و منكر أن يأكل أحدهم لحــم أخيه و رزقه حيا. لو أن كل من عرض عليه منصب شغله قبله من كان اقدر عليه و أجدر و أحق به منه رفضه لأرعوت الأنظمة عن إفساد الأمكـــنة و الأزمنـــة و الذمم و الضمائر و إهــدار المقدرات و القيم و المورثات عن طريق ممارسات شائنة خرقاء كالتعيينات المسيسة و الفصـل الجائر و التطهير السياسي و المهني. لو أن كل فرد تدبر أقصوصة " أكلت يوم أكل الثور الأبيض" لأدرك أن النظام الذي قدم له "غريمه" السياسي أو عدوه الشخصي علي طبق من فضة ليتغدى به قد يعقبه نظام آخر يضعه هو على طبق من ذهب ليتعشى به من لم يكن في حسبانه أو شاشات "راداره". و لو أن كل من عرض عليه منصب تدبر في حال من زحزح عن ذلك المنصب ظلمـا و جورا و بهتانا و تذكر أن اللقمة التي سوف يضعها في فم أطفاله ربما تكون قد نزعت من فم أطفال غيره و غمست في دموعهم، لحاذر هوى النفس و أمرها بسوء أنت يقبل عرضا زائلا و يشتري دنياه بالآخرة.
أنه أمر محبط و مؤسف حقــا أن أمتنا في بعض نواحي حياتها تدور في حلقة مفرغة و تنهج و كأنها تغوص في وحل أو تنغرس إلى نحرها في رمال متحركة فصرنا ندمن تكرير نفس الأخطاء و نعاقر حتى الثمالة ذات الهفوات. نحن في عام 2005، بعد مضي نصف القرن على نيلنا "اســتقلالنا" و بعد ثورتين و انتفاضتين شعبيتين ضد الأنظمة الدكتاتورية المتسلطة يرانا المتفحص لحالنا كما كنا البارحة بل أشد سوءا و أنكأ: غياب تام للديمقراطية، تجاهل مفرط لحقوق الإنسان السـوداني، تغييب متعمد و متنامي لسلطة القانون و المؤسسات المدنية و تناحر و تطاحن و تآكل للوطن من أطرفه. ما السـحل المهني و التهميش الوظيفي، و الذي يسمى إمعانا في السخرية و ذرا للرماد في الأعين و تجميلا لما القبح معدنه "فصلا للصالح العام"، إلا واحدا من مظاهر إدماننا لأخطـاء بعينها و إصرارنا على هفوات تدفع ثمنها الأمة بأسرها، كما أنه في ذات الوقت ممارسة سالبة تقعد بنا هي و ممارسات كثيرة غيرها عن اللحاق بركب الأمم المستنيرة المتقدمة أو الدارجة في دروب التحضر و النماء.
ليتنا نتفق جميعا بكافة أعراقنا و عقائدنا و ندرك و نقر في دساتيرنا و مواثيقنـــا و نرسخ في قيمنا أن ننأى بالخدمة العامة المدنية والعســـكرية عن التسييس و التدليس الحزبي و أن نجعل من مؤسسات العمل العام مؤسســات شعبية و قومية بحق يكون السعي للانتماء إليها حقا متاحا لكل مواطن و مواطنة و الاختيار لها عــلى هدى التأهل و الكفاءة و التدرج و الترقي عن طريق البذل و بقدر التجويد و العطاء و الفصل منها من خلال إنفاذ سليم و عادل للقانون يكفل للمعني كل حقوقه. أن فعلنا ذلك انطلاقا من قناعة راسخة بقيمة و حقوق الإنسان نكون قد خطونا كأمة خطوة هامة ربما لا تكون كبيرة لكنها على الطريق الصحيح للإصلاح و نكون قد منحنا للمطهرين مهنيا قناعة أن معاناتهم لم تكـن هباء و عزاء أن الوطن و الأجيال القادمة لن يجدون أنفسهم مضطرين لتجرع هذا السم الــزؤام و تحمل آثاره الفادحة الجسام. ربما لا يكون بمقدورنا أن نجعل من الوطن "مدينة فاضلة" و لكن ذلك لا يمنع أن نحلم بذلك و أن نسعى حثيثا له " فمن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر"
بعد أيام أو أسابيع قليلة سوف تستقبل مؤسسات البلاد المدنية و العسكرية زمرا من القادمين الجدد في إطار اتفاقيات سلام و تسويات تجد منا تأييدا و دعما صادقين لا يخالطهما إلا تمنينا على الله إن يستقيم ما قد يكون بهما من عوج و إن يعود إنفاذها على البلد و أهل البلد بالبركة و الخير التعميم، و لقد سبق أولئك في الانضمام إلى مؤسسات الدولة و في إطار تســـويات و موازنات قادمون آخرون. من بين أفراد الفئتين من أختار أن يشرع في وجه السلطة السلاح و أن ينازلها دون هوادة في كل ساحة و معترك فمنهم من أصاب و منهم من اخطأ فخلط بين معاداة الوطن و مناوأة النظام، منهم من سدد و أحكم رميه و منهم من عــمي عليه الهدف و طاشت منه السهام. في ظل واقع جديد تعايشه و تقـبل عليه الـبلاد استقبل هؤلاء و أولئك بالترحاب و بالأحضان فلماذا يستثنى من لم يشهر في وجه السلطة أو الوطن سنانا أو بنانا؟ منذ أمـد و نحن نعايش ثقافة وخطابا سياسيين جديدين علينا مفادهما "إن أردت أن تسمع فاحمل بندقية" و جوهرهما "أن السيف أصدق إنباء من الكتب". حتى يسمع ضحايا التطـــهير المهني و التهميش الوظيفي و سواهم صوتهم و يلتفت إليهم أليس من سبيل أمامــهم أو وسيلة سوى حذو حذو ضحايا التطهير العرقي و التهميش الجهـوي الذين اضطروا لأن ينالوا ما سلبوا لا بالترجي و التمني بل عنوة و غلابا؟ ليت الإجابة تكون "لا" صـادقة واعية مسؤولة وشجاعة فقد أثخنت وطننا و مواطنينا الجروح و برحت بهم الدمامل و القروح. الفاضل إحيمر / أوتاوا


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved