السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

فتح الخرطوم علي يد ال ديمابيور بقلم:منعم سليمان

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/10/2005 9:33 ص

فتح الخرطوم علي يد ال ديمابيور

بينما فضلت مؤسسة الجلابة الحاكمة استقباله بدار الحزب الوطني فاحش الثراء ذهب جميع السودانيون إلى الساحة العامة بوسط العاصمة الخرطوم إلى لقاء الكولونيل جان قرنق ال دي مابيور اتيم وتحيته .

واللافت للنظر أن الجلابة وكالعادة متميزين في إظهار أنفسهم وغبائهم وحتى النفاق بشكل جيد، فقد اصطفت السيارات الفارهات أمام دار الحزب الوطني بالنادي الكاثلوكي سابقا ، ومحاولين عبر الشاشات الصغيرة والكلمات فارغة المحتوى إظهار شيئ ما يمكن ان يسجله لهم التاريخ غدا، والحالة ظاهرة في اجتهادات على طه وجهالات مذيعي التلفزيون.

اما الساحة العامة الملقبة بالخضراء وسط جوهانسبورغ السودان ( الخرطوم) صبيحة الثامن من جوليه 2005م فقد عمها الملايين من شعب السودان الأجرد في تظاهرة احتفالية لم يسبق لها مثيل في تواريخ الدولة السودانية ، ولربما أتت مثيلات لها في التاريخ السوداني القادم . واغلب اهل السودان القادمون لاستقبال ال ديمابيور اتيم كانوا من سكان مدن الصفيح المتراصة بأطراف العاصمة جوهانسبورغ الكالحة شديدة الحر والجبروت ، كما قدم ارتال من الاقاليم الست وكانوا جميعا من طبقة من الاكثر فقرا ، والبؤس بادي عليهم ، واثار المخمصة والعنت ، واللاعظم من الشبان في حالة الحرمان و البطالة .

و من الناحية الاجتماعية فان المستقبلين كانوا جلهم من السود القادمين إليها من الشطر الجنوبي حيث موطن ال ديمابيور ومن الغرب ومن جبال النوبة و من سهول النهر الأزرق، تواضعت الحياة لهم بعيش حول شبه العاصمة في الحاج يوسف والامبدات ودار السلام والكلالكلات وسوبات ...الخ

ومن بين اللافتات الكثيرة وسط اعلام حركة السودان الجديد برزت لوحة كتبت عليها بالخط العربي عريضا ما اذكره : ( أبناء اقليم دارفور بسوبا الاراضي يرحبون بك ). ولعبارة سوبا الارضي دلالات وعبر في النفس والوجدان كلما ذكرت ذكرتنا بخرابها على أيديهم وايدي اجوبا. ودارفور هو الذي اهدى ال دي مابيور السلام ورسم الفرحة مثل قوته وحضوره زمن الحرب .

تعمدت ذكر اسم (الحزب الوطني) بدل اسم (المؤتمر الوطني) الذي فضله المستعمرون الجلابة لقب لحزبهم العنصري ، وذلك لوجه الشبه العميق بينه وبين الحزب الوطني للأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا القرن المنصرم ، وليس الله وحده الذي يعلم حتى الحجر والشجر بات يدركان ان حزبهم برئي من الوطنية والسودانية.

لقد تعمدت أيضا قول أن مستقبلي ال دي مابيور اتيم كانوا سودا اذ ان اسم الارض التي تضمهم مستمد من سحنتهم السمراء ( السودان ) ارض الأنهر وشعب كوش ومحط الإنسان الأول . ومن كان من سواهم اما ضيف مستقبل او لقيط مجار.

واذ ان تاريخ دخول الفاتح جون جارنج العاصمة جوهانسبورغ السودان يعتبر فيصل في التاريخ السوداني الحديث ، و هي بداية انهيار بناء المستعمرة السودانية من يد الانكلتار الى يد الجلابة ، وبداية نهاية الحقبة العنصرية لاؤلجاركية الشمال الحاكمين منذ نصف قرن بالتخبط والفشل والازدراء.

الكولونيل كان يوصف في الشمال بالمتمرد الخائن ولا يوجد نعت سئ في الارض الا ووصف الرجل به.

ولم يقف الجنرال الراقص طيلة بقائه في السلطة موقفا حرجا ما وقفه غداة دخول الكلونيل ال دي مبيور اتيم الخرطوم ، فهو مع جهله وبلاهته صوره الجلابة الاعلاميون والساسة مسيح القرن ومنقذ الوطن ، ولكن الكلونيل جارانج لم يكلف نسفه عناء الهرولة نحوه واخذه بالاحضان او تحيته على اعتبار أقدمية المناصب والرتب العسكري او ان يمطره بكلمات ارا على نحو كان مامول و منتظر، والى هذه الدرجة من السخافة.

اما هو أي الجنرال الماجن ونائبه سيئ الصيت والعمل فما يذكراني الا بقول الشاعر الحديث:

راقص طار يحلم بجسد يرتديه.

وملك يدعي ان حلم المغني قد تجسد فيه.

الملايين التي خرجت الى الساحة العامة كانت اشبه بملايين السود الذين هاجوا وماجو الى استقبال الاسطورة نيلسون مانديلا غداة عبوره من سجن جزيرة ربن في اقصى الراس الصالح الى العاصمة بريتوريا وهو يردد كلماته الساحرات الخالدات:

(( ناضلت ضد سيطرة البيض ، وناضلت ضد سيطرة السود انني اؤمن بدولة ديمقراطية موحدة تضمنا في هذا الجزء من افريقيا لا هيمنة فيها لعرق على عرق ، واستحقار للون من لون )).

خرج ال ديمابيور الى الغابة وحيدين قبل ثلث قرن ، و بالكاد يعرفه الناس يومها ولم يحظى بالتشيع ، وعاد منتصرا فاتحا في جمع غفير وبالكاد يجهل احد. كانت عودته اشبه ما تكون وهو على راس عشرة الالف مقاتل من جنده بعودة محمد النبي الى مكة بعد عقد من الزمان ، مكة تلك القرية التي اضطهدته واخرجته وحاربته والبت عليه القبائل والامصار والامم ، عاد اليها منتصرا فاتحا متناسيا الماضي .ليت شعري لعرفت موقف ابا سفيان يوم الفتح وموضع من كان يسمه غرابا قبل ذا.

انني غير مؤمن بما باتت تعرف بالمرحلة الانتقالية القادمة من الحياة السياسية السودانية اذ كل ما افهمه سياسيا عن تلك المرحلة هي عبارة عن محاولة استعمار ثنائي بين حركة التحرير الشعبية التي يقودها ال ي مابيور ممثلين لشعب الجنوب فقط ، وبين مؤسسة الجلابة الحاكمة التي تقاد بواسطة زمرة الحزب الوطني ، معظم اهل السودان لا ناقة لهم بهذه الشراكة أو جمل كما يقول المثل العربي القديم . بيد أنى مؤمن بعد الله تعالى بفكرة مهمة في عقيدتي الثقافية والاجتماعية ان السودان لا يمكن ان يبلغ مصاف الاستقرار السياسي والاجتماعية ما بقى المستعمرون الجلابة بعقليتهم المتطرفة في مصادر القدرة للدولة ومؤسساتها.

النية الشعبية للمخلوقات الشمالية ذات الحظوة في الاقتصاد والسياسية ترفض اتفاق نيفاشا وتصف الفتح غزوا ، وهذا ما يجعل من ال دي مابيور اكبر من احجامهم الطبيعية بنسبة الي والى الملايين التي خرجت لاستقباله.

وهنا ايضا نجد انفسنا و مؤسسة حركة التحرير الشعبية في ثقافتها وادبياتها العامة قرباء، واننا شركاء مرحلة السودان المعاصر الذي يمثل كل منا وجهه الاخر وجزء من الاخر ، انني ابن للسودان المعاصر الذي هو الجديد في فكرهم وثقافتهم .

ولذا فانني استعيير مصطلح ( التطهير السياسي) من ادابير كتب علم الاجتماع السياسي لوصف مهمة فريق ال ديمابيور فاتحي جوهانسبورغ السودان في الفترة القادمة. أي التطهير الثقافي الفكري ضد الجلابة : ثقافتهم وشخوصهم سرمديا ، والى ما نسبته 5 % من حصص السلطة والثروة لاحقا وهي نسبة الجلابة الشماليون والمستوطنيين الغجر من النسبة الديمغرافية الكلية في الدولة شبه القارة .

وهي مهمة ليست سهلة او هينة بالمعاير الامكانياتية ولكنها سهلة وجدية بالحسابات الثورية،ولقد كلفت قادة المؤتمر الوطني الإفريقي عقب توقيع برتكول بريستول هول بالعاصمة بريتوريا مع حكومة ديكليور العنصرية عام 1990 م الكثير من الروح والجهد ، ولكنه لم يمضي غير اربعة اعوام تلتها أي في عام 1994م فقد استقر السجين المناضل نيلسون هيل شاشا مادنديلا رئيسا لافريقيا الجنوبية لاول مرة في التاريخ الافريقي ، ليخلص الى الافارقة دولتهم والى الابد في السنوات اللاحقة من سيطرة الافريكانوز الى عهد الرئيس ثابون بيكي.

اتفاق نيفاشا مع اعتراضي السياسي عليه كغرابي- أي رجل من غرب السودان -اذ لم اكن حاضرا ساعة القسمة ، لكنه معبر مهم يظل يمثله لنا كجيل سوداني في معناه الاستراتيجي فقد قرر الاتفاق التخلص من حكم الأولجاركية الجلابية والى الابد وعلينا التفريق بين مضمون الاتفاق الاستراتيجي وبين معناه السياسي.

بدات مؤسسة الجلابة بالتداعي والسقوط ، فالملايين التي خرجت الى استقبال ال دي مابيور اتيم اكدت رسالة مهمة جدا وهي ان فكر اهل السودان -وهو اسم مشتق من السواد- جميعا يجنح نحو بناء دولة سودانية حقيقة بقوة وجدية لا حضور فيها للعقلية الجلابية المتعنصرة. وذلك منحى يمقته الجلابة حتى الثمالة بمقدار مقتنا لهم.

فليس غريبا ان تعميها الحقد والعجز عن المجارة الشريفة في الممارسة الراشدة للسياسة فقد عقمت مؤسسة الجلابية الاعلامية ان تنقل خطاب الكلونيل ال دي مابيور حيا في الساحة العامة ظهر وصوله الى الملايين من محبيه وجماهير التحرير في العالم ، ولانهم صدموا في ضخامة المستقلين وصدقهم ففعلت الغيرة فعلتها.

لم يحضر الكلونيل جان جارنج ال دي مابيور الى الخرطوم راقصا على عادة رقص الجنرالات في شمال السودان ولكنه جاء فاتحا ومقاتلا على عادة نضال الجنرالات في الجبال والغابات خارج جوهانسبورغ السودان ، مالم يحدث نقض متعمد من الجلابة على نفاشه – وهو امر متوقع- فان ما قلته صحيح وهي معبرة عن عطش الملايين الست التي خرجت صبيحة الثامن من جوليه الى الساحة العامة ، وان لم تصدق فارجو اعادة قراءة المقال من جديد.

منعم سليمان

__________________________________________________

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved